 
						هياكل النجوم لياسمين رحمي الفصل الثالث
بابا وماما كانوا حاضرين حفلة المدرسة وأنا معاهم، كنا مستنيين نشوف سلمى، كان دورها مجرد كومبارس في مسرحية ، كانت المفروض تفضل واقفة جنب عدد من الأطفال، أدوار صامتة، الستارة فتحت، الولاد اللي ليهم أدوار وسكريبتات قالوا الجمل بتاعتهم ومن المفترض إن البطلة كانت تبتدي تقول جملها، البنت البطلة كانت بتمثل دور أم ليها أولاد تاهوا في الغابة وهي طول المسرحية بتدور عليهم، بتعدي كل شوية على أشخاص مختلفين في طريقها وبتطلب مساعدتهم وكل واحد وليه رد فعل مختلف حسب طينته وطبيعته، في الطيب والشرير والنصاب والمستغل والحوارتجي والفتاي والجدع والأمين والمتعاطف والبارد النرجسي اللي مش فارق معاه حد غيره..
البنت اتخشبت، منطقتش كلمة، صابها رهاب المسرح، وجريت واستخبت وسابتهم حيص بيص مش عارفين يتصرفوا، بعد لحظات من الصمت “سلمى” اتقدمت خطوات وسط ذهول زمايلها والمدرسين ورا الكواليس والجمهور وابتدت تقول جمل البطلة….
“سلمى” مكنتش بس حافظة الحوار، “سلمى” كانت بتمثل، بتمثل بإسلوب مختلف، غير كل زمايلها، كإنها ممثلة بالغة مش طفلة عندها 12 سنة، وفي مقطع قالت فيه:
-يعني إيه؟ ولادي راحوا فين؟ لا حد سمعهم بيصرخوا ويستنجدوا ولا حد شاف الديابة بتاكلهم ولا عترت على قميص من قمصانهم منقوع في الدم، ولا في حد خطفهم وباعهم زي ما ادعى البعض، أنا اتبعت كل خيط قال لي عليه الكدابين، صناع القصص والمزورين، اتجولت في الغابة شبر شبر، روحت لحد البير ونزلته وخرجت منه، أولادي راحوا فين؟ أكونش أنا اللي بلعتهم من خوفي عليهم زي القطط ما بتعمل؟
مع كل جملة نحيبها كان بيزيد وصوتها بيترعش أكتر وبيعلى ولما خلصت المقطع انفجرت في العياط…
الكل قام سقفلها، التسقيف فضل كتير، متهيألي أياديهم ورمت، وفضلوا يبكوا متأثرين، و”سلمى” مكنتش قادرة توقف، مش قادرة تسيطر على نفسها، اللقطة دي تبين حاجتين، قد إيه “سلمى” كانت عبقرية، موهوبة دي كلمة قليلة عليها وإنها بتندمج زيادة عن اللزوم في الشخصية وبتتأثر بيها تأثير بيفضل معاها، حتى بعد ما بتخلص الدور…
ومن وقتها ابتدى الشغف، شغف “سلمى” بالتمثيل لدرجة إن تركيزها كله بقى رايح في الحته دي،بقت تتابع الدراما والأفلام أكتر من الأول، بتقضي وقت كبير في القراية، قراية القصص والروايات والمسرحيات، قراءة حرة بره مناهج المدرسة، وفي نفس الوقت أهملت دراستها، كانت بتذاكر يدوبك عشان تنجح، الفريق الفني في المدرسة مبقاش يقدر يستغنى عنها، لازم “سلمى” كل سنة تبقى هي بطلة المسرحية…
في البداية بابا كان متحمس زي ماما وبيشجع “سلمى”، لكن لما لقى إنها مركزة في التمثيل وكأنها قررت إن ده هيكون مستقبلها، هو ده بس اللي عايزه تعمله، هنا الدنيا اتغيرت تمامًا، بابا بقى معارض وبشدة، لدرجة إنه مرة دخل عليها وهي بتراجع سكريبت لمسرحية، أخده وقطعه وهي انهارت وزعلت منه…
……………………..
عرض المسرحية بتاعتي فضل يتأجل يوم ورا يوم خوفًا من رد فعل الناس لحد ما المخرج قرر يلغي العرض تمامًا!
كنت هتجنن، بجد مش مستوعبة، من كتر تعاطف الناس مع “سلمى” وحزنهم عليها مش قادرين يشوفوني على المسرح قدامهم من غير ما ينهاروا!
كنت قاعدة لوحدي، مش قادرة أتكلم مع حد ولا اشوف حد، عايزه أفضل مع نفسي وبس، فتحت التليفزيون، لقيت برنامج بيتكلم عن خاصية الذكاء الاصطناعي وإن في متخصصين في السينما بيفكروا يطبقوه بأنهم يدمجوا وشوش محبوبة في الأفلام، وتكون ليها دور البطولة، وشوش ناس ماتوا زي “سلمى الخياط” اللي الناس مش قادرة تتخطى موتها، يعني “سلمى” ممكن تكمل مسيرتها! يتضاف ليها رصيد، أفلام تانية وهي ميتة….
وأنا؟ أنا فين؟ أنا عاجزة؟ الحي زي الشجرة متثبت في الأرض، عاجز عن الحركة والميت بيتحرك بحرية وبيصنع المزيد من الإنجازات؟
سمعت حركة عنيفة فجأة، كإن في درج اتفتح!
قمت لحد مصدر الصوت، كان درج في دولاب في الصالة مفتوح على آخره!
مكنش مفتوح قبل كده، أنا متأكدة، ده غير إني سمعته بودني بيتفتح، أنا مش لوحدي في الشقة؟ مين؟ مين هنا؟
قربت بحذر لحد الدرج وقفلته، وأديته ضهري وكنت مستعدة أمشي وساعتها الدرج…اتفتح…تاني…
مديت إيدي ليه، إيدي كانت بتترعش ونظري متثبت جواه، هو إيه اللي بيحصل؟
قفلته بالراحة وحدة وحدة لكنه المرة دي اتفتح وأنا بقفله، كإن في قوة تانية كانت بتقاوم، بتفتحه بعنف في نفس الوقت اللي بحاول أقفله فيه، جاتلي الشجاعة ولأول مرة أركز جوه الدرج، لقيت ظرف تخين، أول ما رفعته الدرج اتقفل بسرعة!
فتحته لقيت جواه فلوس كتير، دولارات، دول يسووا ثروة، الأكيد إن القوى الخفية اللي عمالة تفتح الدرج عايزاني أخد الفلوس، “سلمى”؟
بعدها علطول في صورة وقعت من على سطح الدولاب الصغير اللي فيه نفس الدرج اللي اتفتح….
وطيت ومسكت البرواز اللي فيه الصورة، كانت الصورة…لماما….
ماما…
مع الوقت اللي بابا كان حاد فيه وكان بيعارض موضوع التمثيل بتاع سلمى ماما كانت بتشجعها، وده لإن في تقييمي كانت عايزه “سلمى” تحقق اللي هي محققتهوش، اه ماهي ماما برضه كانت ممثلة وكان ليها كام دور في السينما والتليفزيون قبل ما تتجوز بابا ومعملتش أدوار تانية من وقت ما اتجوزته… وماما برضه كانت من فئة الممثلين “الملبوسين”، ما هو أنا بصنف الممثلين الكويسين ل3 فئات، ممثلين ملبوسين وممثلين عباقرة وممثلين شاطرين، الملبوسين دول المرعبين، اللي لما يمثلوا المتفرج بيجيله تربنه، ميبقاش عارف يفرق بين الممثل والشخصية اللي بيمثلها كإنهم اندمجوا في بعض وبقوا واحد من كتر حرفنتهم، واللي الناس متعرفهوش إن الممثل ده فعلًا بيلاقي صعوبة يخرج من الشخصية بعد ما يقدمها، والتمثيل بيأثر عليه بشكل سلبي، بيسيبه في حالة نفسية سيئة وبيخليه مشتت وبيفقد هويته ولو بشكل مؤقت…
أهي ماما كانت كده، الكام دور اللي عملتهم علموا مع الناس، لكنها ضحت بده عشان بابا والأسرة…
ماما في الصورة اللي مسكاها كانت بتضحك، ابتسامتها واسعة، بتضفي بهجة على المحيط حواليها، ابتسامة إعلانات المعجون، لكن هل هي دي الحقيقة؟ هي دي أمي؟
اه ولأ!
ده وش من وشوشها، الوش تاني كان مُر…
ماما اللي كانت بتشجع “سلمى” تمثل وبتتخانق مع بابا عشان بيقف ضد مستقبلها وكانت عبارة عن طاقة متجددة وبهجة وإيجابية فجأة وبدون مقدمات كانت بتتحول للنقيض، بيجيلها نوبات غريبة، ألاقيها في يوم صاحية مش عايزه تتحرك من السرير، مش عايزه لا تشوفنا ولا تشوف حد، كارهة الحياة، حتى عنيها مش بتطرف، مفيهاش حياة، مفيش حب في عنيها لينا، مفيش غير فراغ، زينا زي الطرابيزة اللي جنبنا ولا الكنبة اللي ورانا…
ونلاقيها مرة تانية راجعة من بره وبدون مقدمات بتهجم علينا وبتضربنا ضرب قاسي غير مبرر وبتكسر أي حاجة قدامها، ولما تسمع خبر موت حد ولو بعيد تدخل في هستيرية عياط وتكتئب فترات طويلة، ماما كانت مريضة، و”سلمى”…هل “سلمى” كانت سليمة؟ ولا ورثت المرض عن ماما؟
كل الذكريات والأفكار دي جت في بالي وأنا ماسكة البرواز وببص على الابتسامة المشرقة بتاعة ماما، الابتسامة اللي كانت مخبية وراها كتير، الكواليس فيها كل الأحداث الكبيرة واللي على المسرح هو مجرد القشرة…
تفوت أيام، خلالهم أنعزل أكتر عن العالم، معنديش رغبة أتفاعل مع حد، عايزه أكون مع نفسي وبس، خروجاتي كلها تتلخص في مرواحي لبابا عشان أتطمن عليه وكمان لإنه مكنش بيقبل ييجي شقة “سلمى”، مش قادر على ده، نفسيته مش مستحملة…
في ليلة من الليالي والمفروض إننا في عز الصيف ومفيش أي هوا صحيت على شبابيك البلكونة بتتفتح على آخرها من نسمة هوا شديدة، فتحت عيني وبصيت ناحية البلكونة، فضلت متثبتة في مكاني لحظات وبعدين نزلت من السرير وابتديت أتحرك ناحية الشبابيك، قفلتها ورجعت تاني، بس منمتش علطول، فضلت قاعدة، أدركت إن الموضوع غريب ورجعت بصيت ناحية البلكونة، الساعة كانت 3 وشوية، الفجر قرب، ظبطت المنبه عشان أصحى بعدها بشوية وأصلي الفجر…
بس أنا مقمتش على المنبه، قمت قبلها…وده لإني قلقت، سمعت صوت عياط وشحتفة هادية…
مكنتش قادرة أحدد الصوت جي منين، فضلت ألف حوالين نفسي، العياط مش بيبطل، فين، فييين؟
في الآخر لفت انتباهي ضرفة من ضرف دولاب الهدوم مردودة على الآخر لكن مش مقفولة، كل ما أقرب منها الصوت يعلى، فتحت الضرفة بحذر وهناك، جوه الدولاب كانت قاعدة….
“سلمى”!
كانت ضمة رجليها في وضعية القرفصاء ومشبكة إيديها وحاطة كل كوع على رجل ووشها نصه مدفون في إيديها وعمالة تعيط، نور الفجر اللي اتسلل كان واضح كفاية عشان اشوف المشهد وتفاصيله…
رفعت راسها ليا….سألتها:
=إنتي حقيقية؟
-فاكرة اليوم ده؟ يوم ما دخلتي المطبخ ولقيتي ماما وهي ماسكة السكينة؟
=وده يوم يتنسي؟ دخلت المطبخ عادي عشان اكل ولا أشرب، مش فاكرة، ولقيتها واقفة ماسكة سكينة، كان قدامها أورمة خشب اللي بيتقطع عليها الخضار، وعليها جزر متقطع قطع، من بعيد يبان الوضع طبيعي لكن لما قربت، ماما كانت زي ما تكون مهنجة، جسمها وعنيها ثابتين قدامها والسكينة، نصلها كان ناحية فكها وقاعدتها على الأورمة مش العكس! وكانت عمالة تهمهم وتقرب نصل السكينة من رقبتها…ندتها في ذعر:
“ماما”!
ولا كإنها سمعاني، جريت على بابا وبلغته، راح بسرعة على المطبخ وحاول ياخد منها السكينة بالعافية وهي كانت بتصرخ وبتقاوم وبتقول له “عايزه اخلص” لحد ما مسك السكينة بكفة واتعور جامد…
-أنا عندي اللي عندها يا “يمنى”.
=هو ده…مرض….
قاطعتني وقالت:
تابع هنا: رواية معشوق الروح كاملة آية محمد
هنا: رواية وعشقها الامبراطور الجزء الثاني أية محمد
هنا: رواية وعشقها الامبراطور الجزء الأول أية محمد

