روايات ياسمين رحمي

قصة غرفة الدردشة لياسمين رحمي كاملة

الفصل الأول لقصة غرفة الدردشة للكاتبة ياسمين رحمي

بسم الله الرحمن الرحيم

القصة مستوحاة من أحداث حقيقية

الحاجات اللي الواحد بيضطر لها لما يبقى بائس وزهقان…..

حاجات في الأوقات العادية، في أوقات الاتزان والاستقرار النفسي مش ممكن تيجي على باله، عشان كده على قد ما نقدر المفروض منحكمش على حد، منعرفش الأيام شايلالنا إيه….

أنا “مروان”، عندي 34 سنة بشتغل مهندس في شركة كبيرة، مالتي ناشونال، نقدر نقول مستوايا مش بطال، عايش في مكان كويس، في الشيخ زايد، القاهرة، أنا وحيد، وحيد جدًا، برغم إن حواليا صحبة كتير، عدد في الليمون، ملهمش 3 لازمة، معنديش حد قريب مني بجد، أبويا وأمي متوفيين وليا أخ وحيد أكبر مني، مش عايش في مصر، حاولت كتير أتواصل معاه بشكل منظم وفي أوقات قريبة من بعض لكني فشلت لإنه مكنش بنفس الحرص على التواصل، بنتكلم مرة مثلًا كل شهر، كنت عايش قصة حب دامت سنين وانتهت بخطوبة وبالخطوبة قصة الحب انتهت، كام شهر وفركش، بيتك بيتك، واضح إن كل اللي فات كان حمادة وساعة الجد حمادة تاني خالص، الناس جوهرهم بيبان في الاتفاقات والماديات، بعدها حاولت أرتبط كذه مرة لكني فشلت، يمكن العيب يكون مني!

الصحاب هم صحاب الشغل، بتوع خروجة وقعدة وضحكتين على نمتين على قعدة قهوة ودور دومينا لكن مفيش قرب حقيقي، مفيش صداقة….

…………………..

الزحمة دي، الزحمة حواليا معندهمش فكرة باللي بدأت اعمله من إسبوع……

من يومين لقيت اتصالات من كام زميل وزميلة عشان الاحتفال ببداية السنة الجديدة في مكان من الأماكن المعروفة في الشيخ زايد، وافقت على مضض وأنا مش متحمس على الإطلاق لكن كنت عارف إني مش هخلص من الزن، النفاق الاجتماعي بقى، لا هم متمسكين بيا بجد ولا انا هموت وأخرج معاهم…

وخرجنا….

باين إني معاهم، بتكلم وباخد وبدي وبضحك، لكن الحقيقة إن بالي مشغول، أنا كنت في حته تانية خالص….

قبلها بإسبوع عملت حركة متهورة….

دخلت على غرفة من غرف الدردشة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، معرفش ليه عملت كده، الفضول يمكن، الرغبة في إني أجرب حاجة جديدة، فكرة إني بتعامل مع ناس غُرب بالنسبة لي تمامًا، يجوز…

الغرفة دي كان فيها أنا و3 تانيين….

إحنا 3 رجالة وواحدة ست، العامل المشترك ما بيننا غير إننا منعرفش بعض، إننا كلنا كنا حاسين بالإحراج الشديد ومش عايزين نتكلم، واضح إن الموضوع جديد علينا كلنا….

اللي ابتدت هي الست، وقالت:

-أنا مش واثقة أصلًا البتاع ده بيشتغل إزاي، لكن أديني بتكلم وخلاص ومعرفش رسالتي هتوصل للناس ولا لأ، أنا انضميت لغرفة الدردشة عشان…..عشان مش لاقية حد اتكلم معاه، مش هتقل عليكم بهمومي ومش لازم أقعد أندب حالي، أنا محتاجة بس أحس إني مش لوحدي، وشايفة إننا ممكن نحط شوية قواعد تريحنا كلنا، إيه رأيكم؟

واحد رد عليها:

-إيه هي القواعد؟

وقتها البنت بعتت رسالة صوتية وقالت:

-الحمد لله، مش لوحدي في المحادثة، في بشر تانيين….القواعد بسيطة، مش هنذكر اسمائنا ولا سننا ولا شغلانتنا ولا أي تفاصيل شخصية عننا، هنتحرر من الرسميات وهنتكلم بس في اللي عايزين نتكلم فيه، إيه رأيكم؟

فكرة حلوة مفيش كلام….ده اللي فكرت فيه، فجأة بعد ما كان عندي مجرد فضول وكنت حاسس بالملل بقيت بجد متحمس لغرفة الدردشة…

الشاب اللي رد عليها في الأول بعت بصوته:

-موافق.

واللي بعده بعت:

-موافق.

وأنا بعتت:

-موافق.

………………………………….

ومن وقتها ويومي بقى مختلف….

النمط اتكسر، الروتين اتغير، مبقتش كل يوم أصحى من بدري وأجري أخد دش وألبس وأحضر أكل أخده معايا الشغل وأروح اشتغل من أول النهار لحد ما الشمس تغيب وبعدين أخرج أجري على العربية وأسوق للبيت وأتحرك بسرعة عشان ألحق أحضر نفسي لليوم التاني، لأ….بقى في كذه فقرة في اليوم بتخليه محتمل، فقرة الدردشة….

في أول كام يوم كنا بنتكلم في أي حاجة، الحاجات البسيطة، اهتماماتنا، هواياتنا، المسلسلات اللي بنحبها ولا الأفلام الوثائقية، الأماكن اللي بنحب نزورها ونسافر ليها، الأكلات اللي بنفضلها، أذواقنا في اللبس والألوان، وحاجات كتير زي كده، لحد ما في يوم لقينا البنت بتبعت الرسالة دي…

“حد فيكم حس إنه محبوس، مش سجن عادي وقضبان، محبوس جوه ظروفه، جوه نفسه، جوه جسمه، عاجز، نفسه يتحرر، هو اللي يختار قدره ويختار حياته، يختار بيته وعيلته والصحبة حواليه”

لأول مرة كنت أركز في نبرتها، دي مش ست كبيرة، دي بنت، كبيرها 20 سنة، يمكن أصغر، برغم يعني المفروض كنت أركز أكتر على محتوى الكلام الغريب، المختلف عن كل الكلام اللي كان قبل كده…..

كلنا فضلنا ساكتين حبه، أكيد باقي الشباب موقفهم كان زيي، مش عارفين إيه الرد المناسب على الكلام ده، لدرجة إني حسيت بالإحراج بالنيابة عنها…وأخيرًا واحد تاني رد:

“ياريت….ياريت الواحد كان يقدر يتحكم في ظروفه، ياريته يسيب حياته كلها من غير مقدمات ولا شرح ويمشي ويبدأ من جديد، من المكان اللي عايزه ومع الناس اللي يختارهم، لكني برضه محبوس”

برضه الشاب ده مجرد شاب صغير، أكيد مكملش ال25، إيه ده هو أنا أكبر واحد في الدردشة، أنا البالغ الرشيد هنا؟

التالت كمان شارك وقال:

“طبيعي يا جماعة، حالكم يختلف في إيه عن باقي البشر، في حد يعني إختار أبوه وأمه ولا بلده ولا بيته ولا اخواته وقرايبه ولا الحي اللي عاش فيه، مش معناه إننا محبوسين، إيه السوداوية دي؟”

الشاب التاني رد:

“إحساس الحبس بيجيلك لما تبقى كاره الحياة دي، الحياة المفروضة عليك، مش متعايش معاها، مش قابل أي عنصر فيها بما فيهم الأشخاص القريبين منك”

معلقتش، مشاركتش في المناقشة دي لحد آخرها، برغم إني كنت فاهم هم بيتكلموا عن إيه، فاهم كويس أوي، صحيح مش كل حياتي بؤس، في كتير من اللحظات السعيدة، لكن بشكل عام، في حالة رهيبة من الركود والملل والرغبة في التغيير….

تابع الفصل الثاني

1 2 3 4الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل حاجب الإعلانات لتستطيع تصفح الموقع