 
						رواية هياكل النجوم لياسمين رحمي الفصل الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت لسه راجعة من عرض مسرح في العتبة، رجلي مش شايلاني، عضمي كله بيوجعني والساعة عدت 11 بليل فمكنتش متحمسة أبدًا أرد على المكالمة اللي جاتلي وأنا طالعة على البيت، مين ده اللي بيكلمني الساعة دي؟ أكيد معاكسة، ولو حاجة تانية فأنا مش فايقة، كفاية مكالمات بابا اللي كسرت دماغي من قلقه عليا عشان لسه بعد الكام سنة اللي اشتغلت فيهم مش بيرتاح لما يبقى في مسرح أو تصوير بليل…
طلعت البيت، بابا كان نايم على الكنبة في الصالة، فاق أول ما فتحت الباب، بصل لي ومتكلمش، هو بس كان عايز يتطمن عليا، عقله وحواسه متبرمجين يفضلوا في حالة يقظة لحد ما أظهر…
الله، هو في إيه؟ نفس الرقم لقيته بيتصل تاني، أعمل له بلوك وأريح نفسي؟ أكيد معاكسة، ولا يكون شغل؟ ومين أبو دم تقيل اللي يتكلم في الوقت ده عشان شغل؟
رديت:
=الو.
-يمنى؟
=أيوه، مين؟
كان صوت ست، صوت مش غريب عليا، متهيألي أعرفها….كانت بتتشحتف…
=مين؟
-أنا ريم، صاحبة “سلمى”.
=اه، ريم، إزيك؟
-“سلمى”….عملت حادثة وهي…تعبانة شوية، ممكن تيجوا المستشفى؟
=تعبت؟ يعني إيه؟ حصل لها إيه؟
-هي…تعبانة شوية.
=تعبانة فيها إيه؟ بتتكلم يعني وواعية؟
كانت بتعيط، مش عارفة تقول كلمتين على بعض..
-هي…ماتت.
وقعت قاعدة على الأرض، أختي…ماتت.
بابا مكنش لسه دخل أوضته، كان في الطريق ليها واتسمر في مكانه لما سمع المكالمة، فهم، برغم إني أنا نفسي مذكرتش كلمة موت، عرف إن بنته ماتت…
النجمة ماتت، نجمة الوطن العربي كله بلا منازع، “سلمى الخياط”…
أنا وأختي كنا ممثلين، لكن أنا وأختي مفيش مقارنة ما بيننا!
أنا يدوبك بعمل مسرحية هنا ومسرحية هناك، دور تاني في فيلم هنا، على ضيفة في مسلسل هناك، مش مسألة إني وحشة، الحكاية إن “سلمى” مفيش زيها، وكونها أختي فده قتل فرصي عشان زي ما قلت مفيش مقارنة….
“سلمى” جميلة، حقيقي جميلة، كل تفصيلة فيها تبارك الله، شعرها الأسود الكثيف الحرير اللي بيلمع، عنيها الواسعة البني الغامق اللي بتلمع لمعة شعرها، بشرتها اللي متعرفش بيضة ولا خمرية، شوية تحسها بيضة وشوية خمري فاتح، في كل الأحوال بشرتها برضه حرير، مفيهاش غلطة، جسمها منتهى الأنوثة، وضحكتها كإنك بتسمع عصافير، لكن مش كل ده اللي كان بيميزها! في كتير ممثلات أحلى منها، اللي بيميزها عنصر خفي، نسميه حضور، نسميه الروح، معرفش، هو عنصر طاغي بيخليها تخطف الأضواء من أي حد، هي اللي تكون مركز اهتمام كل قعدة، كل عمل بتشارك فيه، ومحدش اختلف عليها، دي في حد ذاتها غريبة جدًا! أي حد بيبقى عليه جدل، دول يشوفوه جميل، دول يشوفوه قبيح، دول يشوفوه موهوب، دول يشوفوه فاشل، إلا أختي الكبيرة، الكل اتفق عليها، تيجي سيرتها والناس تتلجم، عشان كده كانت صدمة رهيبة لما ماتت وهي بس 38 سنة بسبب حادثة عربية…
أنا الأخت الصغيرة، أصغر من سلمى ب 8 سنين، الشقرا أم ضفاير دهبي وعيون فاتحين لون اللوز، المفروض ملامحي جميلة لكني دايمًا مكنتش شايفة الجمال ده، كنت مطفية، غير مرئية وده لوجود نجم ساطع عظيم بيغطي عليا، نجم إسمه “سلمى”، أم ضحكة تدوب قلوب الخلق كلهم وموهبة مرعبة…
…………………….
الجنازة كانت سيرك، أعداد البشر مهولة، سادة المدافن والشوارع المؤدية ليها، البلد حرفيًا اتفقلت يومها، وأنا اتفعصت ما بين الجمهاهير اللي ماشية في الجنازة وبيعيطوا عياط هستيري سببلي انهيار وبين صحفيين بشعين مش بيراعوا حرمة الموت وحرمة الموقف العظيم، ده بيخترق الصف من هنا وده من هناك وبيحاصروني ويركزوا الكاميرات والموبايلات على وشي وعلى أبويا اللي كنت حاسه إنه هو كمان هيموت مني، ومبيحوقش فيهم زعيق ولا تهزيق، أهي دي ضريبة الشهرة وياريتها شهرتي، دي شهرة أختي الميتة…
إحساس رهيب بالفراغ بعد ما راحت، إيه ده، إسمه إيه؟ إيه تأثيرها الطاغي ده؟ سلمى غيابها غير أي غياب، فجوة سابتها جوايا وجوه أبويا وجوه مصر كلها…
بس…للأسف مع الفجوة دي كان في إحساس تاني، فرحة! كإن نفسي كان مكتوم وأخيرًا اتنفست، أيوه “سلمى” كانت خنقاني، مقيدة حركتي، بسببها كنت محلك سر، مش قادرة انطلق، في بداية ميدان السباق ومش عارفة اتحرك وأجري زي باقي المتسابقين، وبموتها أخيرًا هاخد فرصتي…
………………..
تقرير الطب الشرعي وضح حاجة، “سلمى” مكنتش في وعيها لما عملت الحادثة، لقوا في جسمها مواد ممنوعة، معقولة!
كده يا “سلمى”، ليه؟ عمرنا ما كنا بتوع الكلام ده، إيه اللي يضطرها تعمل كده؟
خبيت المعلومة عن بابا، لكن معرفش، كان عندي إحساس قوي إنه عارف لإنه سألني، هي كانت مركزة؟ إيه خلاها تعمل حادثة؟ إزاي يحس بحاجة زي دي؟
يفوت إسبوع على موت “سلمى” وفي يوم أقوم وعندي رغبة ملحة، رغبة عجيبة وهي إني اتنقل لشقتها….
عايزه أعيش هناك، عايزه أسيب بيتي وأعيش هناك…
بابا كان قاعد قدام التليفزيون، مش بيتحرك، عينه مركزة على الشاشة، التليفزيون كان بيعرض فيلم لسلمى، مش القناة دي بس، كل القنوات، مفيش قناة إلا وبتعرض فيلم أو مسلسل لسلمى…
قعدت جنبه وقلتله:
=بابا، كنت عايزه استأذن حضرتك في حاجة.
التفت ليا من غير كلام…
=أنا…بعد إذن حضرتك طبعًا، عايزه أروح أقعد في شقة “سلمى” كام يوم.
عينه كانت حزينة، بيعبر بيها عن كلام كتير مكتوم، خيبة أمل، صدمة، خوف…
قال لي:
-هتسيبيني؟
=لأ طبعًا، دانا هعدي على حضرتك كل يوم، أنا ليا غيرك؟
-ليه؟
=نعم؟
-ليه عايزه تروحي شقة “سلمى”؟
=عشان…مينفعش الشقة تتساب، محتاجة نضافة واهتمام و…
رجع بص للتليفزيون وقال:
-روحي…
=طيب، أنا زي ما قلتلك مش هغيب عنك ولو يوم واحد.
-هتقعدي هناك قد إيه؟
=كام يوم.
طلعت منه ضحكة، استهزاء باللي قلته كإنه مش مصدق، عارف إني بضحك عليه، وناوية إني أعيش هناك.
………………
فتحت باب الشقة ودخلت…
تابع هنا: قصة الدكتور والراقصة ياسمين رحمي كاملة

