رواية انا لها شمس الفصل الحادي والعشرون لروز أمين
عندما كُنت صغيرةً،ظنَنتُ أن الحياةَ مليئةً بالسعادةِ وتمنيتُ أن تمرُ سنواتي سريعًا كي أُصبِحَ شابةً وألتقِي بفارسِ أحلامي وأحيا بحضرتِه حياة العاشقين الخاليةِ من المواجعِ بعيدًا عن طُغيانِ أمُّي،وعندما تحققتْ أُمنيَّتي وأصبحتُ شابةً يافعةً ثم عروسًا وزوجةً وأمًّا وبالأخيرِ منفصلةً تحتوي صغيرَها وتخبِّئهُ بين ضلوعِها وتخشى القادمَ،والآن ها أنا أقفُ دقيقةَ صمتٍ وحدادٍ على حياتِي الفائتةِ ،فلو كُنتُ أعلمُ أنها ستُصبحُ مزيجاً من الذكرياتِ المؤلمةِ التي تحتوي على بضعةِ دقائقٍ من الفرحِ وساعــــاتٍ من الأحزانِ والآلامِ ما كنتُ تمنيتُ.
جراحٌ في ازديادٍ يومًا تلوَ الآخرِ، وقلبٌ ينزفُ دماً على فراقِ الأحبةِ ، وصمتٌ موجعٌ ، وأنينٌ صارخٌ بداخلِنا ، وعمرٌ لايكفي للنهوضِ من توالِي صدماتِ الزمانِ.
بلحظةٍ رأيتُ سيفَ يميني يتحولُ إلى خِنجرٍ فى ظهري ، لأن مصلحته تقضي بكسرِ ظهري لا بحمايةِ يميني ، هكذا أصبحنا وسلامًا وألفَ سلامٍ على رباطِ الإخوة.
#إيثار_الجوهري
#بقلمي_روز أمين
#أنا_لها_شمس
بعينين ذابلتين وجفونًا منتفخة من أثر البكاء المتواصل طيلة الثلاثةُ أيامٍ المنصرمة،ووجهٍ منطفئ وقلبٍ انشطر لنصفين من فراق أغلى الأحِبةِ،حملت حقيبة يدها وأمسكت كف الصغير لتفتح باب غرفتها استعدادًا للرحيل وعودتها لمنزلها كي تعطي حالها المساحة الكافية للحزن على أبيها،وما أن أمسكت مقبض الباب وفتحته حتى تفاجأت بعزيز يقف مباشرةً أمامها تجاورهُ منيرة ويليهم وجدي،أيهم،نسرين، نوارة التي تنظر إليها بدموعها المنهمرة
قطبت جبينها ليباغتها عزيز الذي يقف بوجهها مباشرةً وهو يقول بصوتٍ حاد:
-على فين العزم يا بنت أبويا؟
مالت برأسها لليمين قليلاً لتجيبه بتلقائية:
-هكون رايحة فين يا عزيز،راجعة على بيتي
أجابها بنبرة أبرد من الثلج:
-متتعبيش نفسك وسيبي المهمة دي لأخوكِ الكبير
-تقصد إيه بكلامك ده؟!…نطقت سؤالها باستغراب ليجيبها بصوتٍ قوي:
-أقصد إن عصر الفوضى إنتهى
واسترسل بما دب الرعب بأوصالها:
-أبوكِ اللي كان مطاوعك على المسخرة اللي بتعمليها خلاص مات، وأنا الوقت مكانه،وشايف إن ده الوقت الصح اللي ترجعي فيه بيت جوزك وتتلمي إنتِ وإبنك في بيت أبوه، بدل ما العالم كلت وشنا من عمايلك السودة
جذب الصغير من يدها وسلمه لوالدته ليقول بدون رحمة:
-دخلي الواد جوه يا أم عزيز علشان ميصحش يشوف فضايحنا
صرخت باسم الصغير وهي تتشبث بكفه الرقيق وقد سكن الرُعب عينيها لتقول والدتها بنبرة جادة لتهدأتها:
-متخافيش،هدخله أوضة الكنب يقعد مع عيال إخواله بعيد عن الهيصة دي
تابعت بعينيها الصغير وهو يبتعد مع جدته تحت نظراته الخائفة لتهتف قائلة لطمأنته:
-متخافش يا حبيبي،إلعب مع الولاد وأنا هتكلم مع خالو شوية وبعدها هنرجع بيتنا
ابتسم ساخرًا ليقول بنبرة جادة:
-إطلعي فوق جهزي نفسك يا عروسة،الحاج نصر وولاده جايين بكرة بعد أذان العِشا ومعاهم المأذون.
هزت رأسها بتيهة وعيني متسعة يسيطر عليها الذهول من هول ما استمعت، لتنطق بلسانٍ ثقيل وكأن الكلمات لا تجد طريقًا مستقيمًا للخروج فتتعرج عبر الإعوجاج:
-لاااا،لا يا عزيز، إنتَ أكيد مش هتعمل كده فيا،أكيد مش هتكسرني
واسترسلت وهي ترفع منكبيها ودموع الألم تنسدل فوق وجنتيها بمرارة:
-وأنا أصلاً مكسورة لوحدي،موت أبويا كسرني وهدني يا عزيز
تطلعت بمقلتيه لتسترسل برجاءٍ وهي تربط على صدرها بكف يدها تستعطفه:
-الله يخليك متجيش عليا إنتَ كمان، على الأقل خليني أعرف أعيش حزني على أبويا
بقلبٍ جاحد لم تطأ الرحمة بداخله يومًا أجابها بنبرة صارمة:
-عيشي حزنك براحتك،بس وإنتِ في بيت جوزك
-جوزي مين؟!
سألته بتيهة لتسترسل بنبرة مذهولة:
-عاوز ترجعني للراجل اللي دبـ.ـحني واهله داسوا عليا بجزمهم،بقى أنتَ أخ إنت؟!
نطقتها وهي تُشير إليه بازدراء والألمُ يمزق قلبها لتتابع بنظراتٍ يملؤها الندم تحت نظرات وجدي وأيهم المطأطأين رؤسهم للأسفل من شدة الخجل وشعورهم بالعجز:
-بقى بدل متاخدني في حضنك وتطبطب عليا وتقولي متخافيش، صحيح ظهرك إنكشف من موت أبوكِ بس انا هبقى ظهرك وسندك بعده
اتسع بؤبؤ عينيها لتسترسل باستنكار:
-عاوز تاخدني بإيدك وترميني تاني في النار اللي خرجت منها بإعجوبة!
-حرام عليك يا عزيز…نطقتها باستسلام لينطق الأخر بتجبر:
-سيبك من كلام الاونطة اللي لا هيودي ولا هيجيب وارضي بحكمي، لأنك لو مرضتيش بيه بالذوق هترضي بالعافية
واستطرد بكلماتٍ مبطنة بتهديدٍ عنيف وعينين تطلق شزرًا:
-إنتِ لسة مجربتيش قلبتي السودة، وخلاص، اللي كان حايشني عنك راح،وروحك بقت في إيدي ومفيش مخلوق هيخلصك من بين إديا
رفعت قامتها لأعلى لتهتف بنبرة قوية صارمة بعدما قررت الصمود كي لا يتم استضعافها من قِبله:
-أنا روحي ملك اللي خالقها والوقت هاخد إبني وامشي، وإوعى تحاول تمنعني
لتستطرد بنبرة تهديدية:
-لأني مش لوحدي،واللي ورايا هيدوروا عليا ومش هيسبوني
بالكاد أنهت جملتها لتصرخ بقوة عندما ھجم عليها كثور هائج فلت لجامه لتهوي يده على وجهها تلطمه بقسوة لتنتفض هلعًا بينما أمسكها هو من رسغها بقوة كادت أن تكسره قبل أن يهتف مزمجرًا بعصبية:
-خلي مخلوق منهم يقرب من هنا وإحنا نقطعه
واسترسل بابتسامة شر:
-واحدة رجعت لجوزها وأبو ابنها وقاعدة في بيته، حد يقدر يقرب لها
اقترب أيهم ومد يده لتخليص شقيقته من بين براثن ذاك الثائر ليقول:
-بالراحة عليها يا عزيز،مش كده أُمال
اتسعت عينيه بصدمة عندما دفعه الأخر ليتراجع للخلف حتى كاد أن يفقد توازنه ويسقط أرضًا لولا يد وجدي التي أسندت شقيقه ليصرخ عزيز بملامح وجه متوحشة:
-اللي خايف على نفسه وعايز يحمي حاله من غضبي ما يتدخلش
أسند وجدي شقيقه ثم نظر إلى عزيز ليهتف بغضب:
-فيه إيه يا عزيز،ما تهدى شوية، سيب اختك وإحنا هنتفاهم معاها بالعقل
صرخ بأعلى صوته ليقول بغضب:
-وهي أختك خلت فيا عقل،بدل ما تتعصب عليا قول لاخوك إعمامك وولادهم قالوا لنا إيه في العزا
واستطرد يُعلمها:
-إعمامك قالوا لي لو مش قادر على أختك سيبهالنا وإحنا هنرجعها لجوزها ونلم لحمنا المبعتر في مصر، عمك منصور قالي قابلها كيف على أختك يا دكر،قابل إزاي قعدتها لوحدها في مصر من غير راجل، وأنا مش هسمح لمخلوق يجيب سيرتنا بكلمة بطالة من النهاردة
نظرت تستعطف شقيقاها ليجيبها وجدي بعينين متهربة منكسرة:
-أخوكِ عنده حق يا إيثار،الناس بتتكلم واعمامك مش ساكتين، وأنا شايف إن أسلم حل رجوعك لجوزك
واسترسل موضحًا ليجيب على مخاوفها:
-عمرو هياخد لك شقة في مصر ويبعد بيكِ عن البلد، هو وعدني بكده
-وإنتَ صدقته؟
صدقت إنه ممكن يخرج عن طوع نصر ويبعد بينا عن جبروت إجلال؟!
لتسترسل بذهول:
-وحتى لو قدر وعملها،أنا فين من حساباتكم،مشاعري وكرامتي اللي اتداست تحت جزم عيلة البنهاوي من أكبرهم لأصغرهم،ملهاش أي تمن عندكم يا رجالتي؟!
صاح بعلو صوته بعدم صبر:
-هو أحنا لسه هنرغي في كلام ميت يا وجدي،مخلصنا خلاص
نطقها بخشونة ليختطف منها حقيبة يدها ويُخرج هاتفها الجوال ليطفأهُ وهو يهتف متهكمًا:
-وأدي التليفون قفلتهولك علشان تبقي تهدديني بمعارفك كويس
صرخت وهي تحاول جذبه منه ليدفعها بعنفٍ جعلها ترتطم بالحائط ويقوم بدس هاتفها بجيب جلبابه الفلاحي، أسرع أيهم ليسندها وهو يقول:
-متخافيش
شهقت بدموعها وهي تتوسله:
-هاتي لي تليفوني منه وهاتي لي إبني وساعدني أخرج من هنا يا أيهم،ورحمة بابا تساعدني
تعمق بعينيها ثم مال برأسهِ يتوسلها بنظراته أن تسامحه وتعذر ضعفه، اقترب ليصرخ ذاك العزيز بتجبر:
-مفيش مخلوق هيقدر ينجدك من إيدي، اللي كان بيساعدك على قلة أدبك وعِندك مات خلاص،من النهاردة محدش ليه حكم عليكِ غيري
جذبها بعنفٍ من رسغها ليسلمها إلى نسرين قائلاً:
-خديها وأرميها في أوضة البنات فوق وإقفلي عليها الباب بالمفتاح وهاتيه
-حاضر…قالتها وهي تقبض بكفيها على رسغها بشماتة لتصرخ الاخرى وهي تُفلت من يدها لتنضم إليها منيرة وتجذباها عنوةً عنها تحت صراخها الذي يُدمي القلوب وهي تصرخ:
– سيبونـــي، يا بابــــــا،إنت فين يا بابـــــــــا،سبتني ليه،حد يلحقني
هرول الصغير من الداخل حينما استمع لصرخات والدته ليصيح باسمها صارخًا،تطلعت للخلف عليه تحت إجبارها على الصعود من قِبل منيرة ونسرين،صرخت بعدما رأت هلع صغيرها لتهتف باسمه وهي تحاول إفلات حالها ولكن هيهات:
-يوســف، يوسف
صرخ الصغير وبدأ بالبكاء لتهرول عليه نوارة وتحتضنه وهي تربط عليه،بات يصرخ حتى اختفت والدته من أمام عينيه بالاعلى لتتحرك به نوارة للداخل وتحاول إلهائه ولكن هيهات،ولجتا منيرة ونسرين بها إلى شقة عزيز وتحركتا حتى وصلتا إلى غرفة منعزلة عن الشارع ليلقياها بداخلها وبسرعة أغلقت نسرين الباب لتوصده بالمفتاح تحت قلب منيرة الذي تأذى من صرخات صغيرتها وحفيدها
بالأسفل،وقف عزيز مقابلاً لشقيقيه ليهتف أمرًا إلى أيهم:
-خد يوسف وديه بيت الحاج نصر،هما عارفين ومستنيينه
خرجت كلماته بصعوبة وخزيٍ وهو يستعطفهُ بعينيه:
-طب سيبه لـ أمه،على الاقل يهون عليها اللي هي فيه
بنبرة صارمة هتف بحزم:
-إسمع الكلام يا أيهم،الحاج نصر مستني الواد، وبعدين ده أحسن له، ولا عاوزة يقعد مع المجنونة اللي فوق ويتعقد من صراخها
ابتلع لعابه خشيةً من بطش عزيز الذي تجبر بعد موت والدهم وظهرت مخالبهُ ليتحدث من جديد بحرصٍ:
-حرام عليك اللي بتعمله في اختك ده يا عزيز،وعلى فكرة بقى، الجواز بالغصب لا يجوز شرعًا، وإنتَ كده بترتكب معصية وذنب كبير إنتَ مش قد حسابه عند ربنا
هتف مبررًا أفعاله:
-وقعدتها لوحدها في مصر وألسنة الناس اللي مش مبطلة تجيب في سيرتنا مش حرام يا أستاذ أيهم؟
تنهيدة حارة خرجت من صدر وجدي الذي استمع لحديث أعمامه وأنجالهم وهم يتحدثون بتهكم عن مكوث شقيقتهم لحالها بعيدًا وبأنهم لم يسمحوا بحدوث ذلك بعد وفاة والدها،لينطق مجبرًا:
-إسمع كلام عزيز يا أيهم، كده احسن لأختك وللكل
بات يتطلع بين كليهما ليسحب بصره بعيدًا ويتحرك باستسلام إلى الصغير ليذهب به ويسلمه لجده تحت صرخات الصغير المطالب برؤية والدته.
وصل أيهم بالصغير لبوابة منزل نصر الخارجية ففتح الغَفر البوابة وما أن وطأت ساقيه أرض الحديقة حتى وجد نصر منتظرًا بنفسه وما أن شاهد الصغير يبكي على كتف خاله حتى هرول إليه ليسحبه ويحدثه وهو يهدهدهُ بهداوة:
-حبيبي يا يوسف، وحشتني يا قلب جدك
إطمأن الصغير واستكان قليلاً ويرجع ذلك لتعلقه الكبير بشخصية نصر الحنون عليه،نظر لعينيه ونطق باستعطاف:
-خليهم يودوني عند مامي يا جدو، هما طلعوها فوق وهي كانت بتصرخ وعوزاني
تألم قلب أيهم وحزن لأجل الصغير وشقيقته ليأتي عمرو وإجلال مهرولين من الداخل بعدما اخبرتهما إحدى العاملات ليجذب عمرو الصغير ويضمه إلى صدره باشتياقٍ جارف وما كان من الصغير سوى لف ساعديه الصغيرين حول عنق والده الحنون ليكرر ما طلبه من جده:
-وديني عند مامي يا بابي
أبعد الصغير عن أحضانه قليلاً ليتطلع بعينيه البريئة وبدأ بإذالة الدموع العالقة بأهدابه الكثيفة التي ورثها عن والدته ليقول بهدوء:
-أنا محضر مفاجأة حلوة قوي لمامي،أنا وانتَ هنام مع بعض النهاردة، وبكرة هنجيب مامي هنا علشان تعيش معانا
-بس هي مش عاوزة تعيش هنا… نطقها ببراءة ليجيبهُ عمرو بهداوة:
-أنا خليتها تغير رأيها، أنا ومامي بنحبك قوي، وعلشان كده هنعيش كلنا مع بعض، مش إنتَ عاوز تعيش معانا إحنا الإتنين؟
سألهُ ليهز الصبي رأسه بموافقة ليبتسم له ويعيده بأحضانه من جديد قبل أن تتناوله منه إجلال لتسكنهُ بأحضانها كي تشبع من رائحته الذكية بعد أن حرمتهم إيثار رؤيتهُ طيلة الأسابيع المنصرمة
تحدث نصر إلى أيهم بعدما فاق من سعادته بقدوم الحفيد الغالي:
-تعالى استريح جوة واشرب حاجة يا أيهم
وكأنه وعى على حاله لينطق بنبرة متأثرة من مشهد الطفل وحديثه الذي يمزق أنياط القلوب:
-متشكر يا حاج، أنا هروح
-خدني معاك يا أيهم…نطقها عمرو لتسألهُ إجلال باستغراب:
-سايب إبنك ورايح على فين يا عمرو؟!
اجابها باقتضاب:
-رايح مشوار وراجع على طول يا ستهم
****
وصل عمرو إلى منزل غانم بصُحبة أيهم وكالعادة استقبله الجميع بالترحاب العالي وطلب من عزيز الصعود إلى إيثار ليطمأن عليها ويحاول تهدأتها بعدما استمع لصياحها الصارخ،اعترض عزيز في بادئ الأمر لكنه أضطُر للموافقة بعد إصرار عمرو الشديد، كانت تقف خلف الباب تدقه بقبضتيه وهي تصرخ طالبة النجدة دون ملل أو كلل،استمعت لصوت المفتاح لتبتعد قليلاً منتظرة دخول أحدهم تأملاً في إطلاقهم لسراحها، ولجت منيرة لتتحدث بصوتٍ هادئ وقلبٍ اهتز قليلاً لرؤية هيأتها المزرية،حيث انتفخت جفونها وأحمر أنفها تأثرًا بالدموع:
-عدلي طرحتك علشان عمرو عاوز يتكلم معاكِ شوية
على الفور أعادت حجابها المزحزح للخلف لمكانه وخبات خصلات شعرها التي تناثرت بشكل عشوائي لتجري عليها وهي تقول مستعطفة:
-خرجيني من هنا،ورحمة بابا تخرجيني وتسبيني أرجع لمكان ما جيت
زفرت بضيق لتدفعها للداخل واستدارت للخلف وهي تُنادي بصوتها:
-تعالى يا عمرو
ولج بساقيه وقلبه السعيد يزفهُ إليها ليتفاجأ بمظهرها وقد أصاب قلبهُ الحُزن لاجلها ليقول بصوتٍ هادئ:
-خليكِ برة لو سمحتي يا خالتي،أنا عاوز أتكلم مع إيثار لوحدنا
كانت لتعترض لولا نظراته المترجية التي جعلتها تنسحب للخارج لكنها تركت الباب مواربًا وانتظرت خلفه لتتسمع على حديثهما،تطلعت إليه بعينين منتفخة لتسألهُ والدموع قدّ تجمعت بعينيها مع نظرة عتب ممزوجة بأمل:
-إنتَ اكيد مش هتوافق على الهبل اللي بيعملوه إخواتي ده؟
مال بعينيه لينطق بنبرة تهيمُ عشقًا:
-أنا بحبك،وعايش في الدنيا دي على أمل إنك ترجعي لي وأعيش أنا وإنتِ ويوسف مع بعض من تاني
-بس أنا مش عوزاك، وجوازنا لو تم بالطريقة دي هيكون باطل، يعني لو عيشت معاك هنبقى عايشين في الحـ.ـرام…نطقت كلماتها بضعف لتكمل بإبانة:
-إنتَ فاهم اللي أنا بقولهولك؟
بعينين مسحورة أجابها:
-أنا مش فاهم غير حاجة واحدة بس، وهي إن الفرصة اللي ياما استنيتها جت لي،ومش هفرط فيها غير بطلوع روحي
اتسعت عينيها لتهتف بحدة:
-إنتَ ما بتفهمش،بقول لك مش عوزاك
رفع قامته للأعلى وتحدث بقوة وثقة عالية:
-بس أنا عاوزك، وبحبك وهقدر أنسيكِ كل اللي حصل واخليكِ ترجعي تحبيني وتموتي فيا زي زمان، إدي لنفسك فرصة ولو مش علشاني يبقى علشان خاطر يوسف
بصوتٍ عالي صاحت بصراخ:
-أنا كل حاجة عملتها في حياتي كانت علشان خاطر يوسف،اخدته وبعدت علشان أحميه من شركم وفلوسكم الكتير اللي محدش عارف لها مصدر
هزت رأسها وباتت تتلفت بعينين زائغتين وهي تتابع :
-سبوني في حالي أنا وابني وانسوني،ده أنا ماحسيتش إني بني أدمة ليها كرامة وقيمة غير لما بعدت عنكم، ليه مصرين تشدوني وترجعوني تاني للوحل اللي كنت غارسة فيه
هتف بحدة بعدما أثارته كلماتها بالغضب والحنق:
-بقى حياتك معايا كانت وحل يا بنت غانم؟
التفتت عليه سريعًا لتقول بمغزى:
-شوفت،أهو من كلمة واحدة زعلتك عملت زي أمك زمان ونديت لي ببنت غانم، وكأن إسم أبويا وصمة عار على جبيني بتفكروني بيها لما تحبوا تذلوني،طول عمركم شايفين نفسكم أعلى من الكل،وإن جوازي منك كان أملة لازم أحمد ربنا عليها ليل ونهار
تطلعت عليه لترفع قامتها لأعلى لتتابع بتفاخر وعزة نفس:
-لكن الحقيقة أنا اللي كتيرة عليكم، ونسبكم لغانم الجوهري تاج على راسكم وشئ يُحسب لكم
ابتسمت بتهكم لتسترسل بذات مغزى:
-على الاقل عاش راجل شريف وحُر ولُقمته كان بياكلها من عرق جبينه،مش زي فلوس أبوك اللي محدش عارف إذا كان بيكسبها بالحلال ولا من الحرام
رمقها بحدة قبل ان يهتف غاضبًا:
-أبويا اشرف من الشرف، وبطلي تتكلمي بفزلكة علشان بس تبيني للي قدامك إنك أحسن منه
رمقها بغضب مزيف فمن داخله يحترق شوقًا لضمتها لكنه اتبع ذاك الاسلوب الحاد كي يرهبها ويجبرها على الاستسلام، ليقول بنبرة أمرة قبل ان ينسحب للخارج:
-جهزي نفسك علشان المأذون جاي بكرة بعد صلاة العشا،وإبنك مستنيكِ في شقتنا، مش هتشوفيه غير بعد كتب الكتاب
قال كلماته ليتوجه صوب الباب لتهجم عليه مقتحمة الباب في محاولة منها للخروج ليدفعها بمساعدة منيرة للداخل وغلق الباب بالمفتاح سريعًا لتصرخ وهي تدق الباب بكفيها:
-إفتحوا الباب،إفتح الباب يا عمرو وخليك راجل لمرة واحدة بس في حياتك، خلي عندك كرامة ورجع لي إبني وسيبني أرجع بيتي،الراجل اللي بجد مياخدش واحدة غصب عنها، وأنا مش بس مغصوبة عليك، أنا بكرهك ومش طايقة أشوف خلقتك، ولو وصلت لأني أرجع اعيش معاك إنتَ وأهلك هختار الموت، سامع يا عمرو، هختار الموت ولا إني أرجع لواحد حقير ومش راجل زيك
احتدت ملامحه وامتلئت بالقسوة وهو يصرخ عاليًا مهددًا إياها:
-ماشي يا إيثار، وحياة أمي لاحاسبك على كل كلمة قولتيها،هعلمك إزاي تتكلمي مع جوزك وابو إبنك وتحترميه،بس مش وقته
نطق كلماته وعروق عنقة تنتفضُ غضبًا لترتعب منيرة التي تراه بتلك الحالة للمرة الأولى واقتربت قائلة في محاولة منها لتهدأته:
-سيبك منها دي بتقول أي كلام وخلاص،بتدلع عليك علشان تشوف غلاوتها
زفر بقوة لينظر لها وهو يقول بحِنو وكأنه تحول:
-هبعت أجيب لها أكل جاهز من المركز، متخليهاش تبات من غير ما تتعشى
-ملوش لزوم، أنا طابخة وهطلع لها الوقت بس لما تهدى شوية…قالتها بهدوء ليقول بإصرار:
-هبعت أجيب لها الأكل اللي بتحبه علشان يفتح نفسها وتاكل…ليترجاها بعينيه:
-لازم تتعشى قبل ما تنام يا خالتي
-حاضر يا ابني، حاضر…نطقتها باستسلام ليخبرها قبل الانسحاب:
-أنا ماشي علشان يوسف،وكمان مستني بتوع الموبيليا، زمانهم على وصول.
****
بعد مرور حوالي الساعتين،داخل منزل نصر البنهاوي
خرجت من شقتها الخاصة على صوت جلبة أتية من الخارج لتتفاجأ بفتح شقة إيثار المقابلة لباب شقتها،شاهدت الكثير من العُمال وهم يحملون قطع لأثاثٍ جديد ويبدو من مظهره الفخامة المبالغ بها،ارتجف جسدها وهي ترى وقوف عمرو بداخل الشقة وهو يُشير للعمال قائلاً والسعادة تغمر وجههُ:
-دخل ده جوة، وبالراحة علشان العفش ما يتخبطش منكم
هرولت عليه وقد چن چنونها عندما جال بخاطرها فكرة عودة غريمتها لتهتف بنبرة حادّة وعينين يظهر بداخلهما الهلعُ:
-إنتَ بتعمل إيه يا عمرو؟!
-روحي على شقتك…قالها بنبرة مثل الثلج لتهتف وهي تجذبهُ من رسغه بطريقة عنيفة:
-هترجعها!
هترجعها بعد ما حبستك ومسحت بكرامتك الارض في البلد كلها؟!
قبض على كفها بقوة ألمتها وسحبها خلفه حتى وصل لمسكنها ليدفعها للداخل وأغلق الباب بعدما ولج معها ليقترب عليها من جديد ويضغط على رسغها بعنفٍ وهو يهتف من بين أسنانه بحقدٍ:
-آه هرجعها،وبكرة زي الوقت هتنور شقتها وبيت نصر البنهاوي كله، وهخليكِ خدامة تحت رجليها،هعيشها ملكة واعوضها عن كل اللي فات،هخليها ست البيت ده كله
-على جثتي لو بنت منيرة دخلت البيت ده تاني يا عمرو…نطقتها بغلٍ وعيني تطلق شزرًا من شدة كُرهها ليهتف بنبرة حادة ونظراتٍ كارهة:
-وماله،معنديش أي مانع إنها تدخل على جثتك، وأهو حتى تدخل البيت على نظافة
نطقها وهو يدفعها للخلف ليختل توازنها ثم رفع سبابته لينطق بنبرة تهديدية وعيني تشمئزُ من النظر لوجهها البغيض:
-إسمعي يا بِت،أقسم بالله لو حاولتي تقربي من إيثار ولا تعملي أي حركة من حركاتك الناقصة لاكون قاتلك ودافنك في مكان الجن الأزرق ما هيعرف يوصل له
واستطرد ناصحًا بنبرة مبطنة بتهديد:
-خليكِ فاكرة كلامي ده كويس علشان الغلطة بعد كده بـ فورة
قال كلماته بصرامة لينسحب للخارج بعد أن أغلق الباب خلفه بقوة هزت أركان المنزل،كورت كفيها بقوة حتى ابيضت وبرزت عروقها ليعلو ويصعد صدرها من شدة غضبها، هرولت للداخل لتلتقط هاتفها الجوال من فوق المنضدة وعلى الفور ضغطت زر الاتصال برقم نسرين وقد زاد غضبها عندما انتهى الاتصال دون ان تُعيرها الأخرى أدنى اهتمام لتهتف من بين أسنانها:
-رُدي يا بنت الـ…سبتها بلفظٍ نابي يدل على تربيتها الخاطئة لتُعيد المحاولة مرة آخرى
كانت تقف داخل المطبخ، تُعد مشروب الشاي لزوجها وشقيقاه ليباغتها رنين الهاتف لترفعه لمستوى عينيها لرؤية هوية المتصل، وما أن رأت نقش اسمها حتى انفرجت أساريرها وابتسمت شامتة،أخذت نفسًا عميقًا لتهتف حين رأت دخول نوارة بوجهها الحزين:
-تعالي كملي الشاي يا نوارة وطلعيه للرجالة
واسترسلت معللة:
-أصل أختي ألاء بترن عليا، هطلع أرد عليها من شقتي واشوفها عاوزة إيه
هرولت عليها لتقول بترجي وهي تتشبث بكفها:
-والنبي يا نسرين تاخديني معاكِ أشوف إيثار، هطمن عليها بس والله
جذبت كفها بقوة لتقول باشمئزاز:
-خليكِ في حالك أحسن لك يا نوارة وإبعدي عن إيثار، عزيز بقى عامل زي الوحش واللي هيقف في وشة هيدوس عليه ومش هيرحمه
-هو أنا قولت لك ههربها، أنا هطلع أطمن عليها وأشوفها لو محتاجة حاجة…قالتها برجاء لتتابع بعينين مغرورقتين بالدموع:
-دي في الآخر ولية زينا يا نسرين
-ولية زينا!..قالتها باستخفاف لتتابع بنظراتٍ حاقدة ظهرت بعينيها:
– الولية اللي إنتِ زعلانة عليها دي رايحة لعز وفلوس لو عاشت عمرها كله هي وابنها يصرفوا فيها مش هتخلص
لتقول وهي تربط على صدر الأخرى بسخرية:
-بدل ما تزعلي عليها إزعلي على نفسك وعلى حالنا اللي لا يُسر عدو ولا حبيب يا سلفتي،وبعدين ريحي نفسك،المفتاح مع عزيز ومش هيديه لمخلوق لحد ما يطلعها بنفسه ويسلمها لـ عمرو بعد كتب الكتاب
تنهدت بألم واستسلام وانسالت دموعها خزنًا على صديقتها لتسترسل الأخرى بابتسامة متهكمة وهي تنظر لدموعها بازدراء:
-إدخلي صُبي الشاي وطلعيه لجوزك واخواته
نطقت كلماتها لتنسحب مهرولة باتجاه الدرج بعدما عاود الرنين لهاتفها من جديد تاركة تلك الحنون بعد أن انسابت دموعها قهرًا على إيثار،تلك الحنون التي لم ترى منها سوى كل الخير ولكنها الأن تشعر بعجزٍ كبير أمام مأساتها ولا تستطيع مساعدتها لقلة حيلتها
ولجت نسرين لمسكنها لتنظر لغرفة صغارها بشماتة حيث تمكث تلك التي تبغتها حبيسة بالداخل، لم تستمع لصوتها يبدو أن كثرة الصُراخ قد أنهكتها وخارت قواها لتصمت دون إخراج صوت، هرولت لغرفتها وهي تتلفت من حولها بحرصٍ ليصدح رنين الهاتف للمرة الرابعة على التوالي لتبتسم بمكرٍ وهي تقول بشماتة:
-أكيد وصلتك الأخبار،تستاهلي بذنب اللي عملتيه فيا
أخذت نفسًا عميقًا لتضغط زر الاستقبال وهي تقول بنبرة حادة شبيهة لنفس اللهجة التي حدثتها بها المرة الاخيرة لهما ولكن بعدما ضغطت زِرًا بالهاتف سنعلم ما هو بعد قليل:
-خير، عاوزة إيه تاني؟
بدون مقدمات سألتها بقلبٍ يشتعلُ نارًا:
-إيثار عندكم في البيت ولا غارت في داهية؟
-والمفروض بقى إن الهبلة نسرين ترد وتطمنك؟!
صاحت بغلٍ أوضح وصولها للمنتهى من الصبر:
-نسرين، انا على أخري ومش طايقة نفسي، جاوبي من غير خُبث
-واريحك بمناسبة إيه!..لتتابع مؤنبة إياها:
-ده أنتِ بعتيني واتخليتي عني بعد ما خسرت كل حاجة
باغتتها بلهفة:
-هديكِ الفلوس اللي إنتِ عوزاها بس انجزي وقولي
ضيقت بين عينيها لتسألها بريبة:
-وأنا إيه اللي يضمن لي إنك مش هتاخدي اللي عاوزة تعرفية وبعدها ترجعي لأصلك وتتخلي عني تاني؟
بعجالة أجابتها لتقطع الشك الساكن بقلبها:
-المصلحة هي الضامن يا نسرين،أنا وانتي مصلحتنا واحدة وعدوتنا واحدة، ودي النقطة المشتركة بينا
اقتنعت لصحة حديثها لتقول بنبرة هادئة:
-إيثار إخواتها حابسينها وبكرة بعد صلاة العشا عمرو هييجي هو واخواته ومعاهم المأذون
-حاولي تهربيها وهديكي مية ألف جنية…جملة نطقت بها سُمية لتهتف الأخرى بارتعاب:
-إنتِ إتجننتي يا سُمية، إنتِ شكلك ناوية على طلاقي
بنبرة هادئة تُظهر تخطيتها لكل شئ أجابتها:
-محدش هيعرف، وإيثار نفسها هتشيلها لك جميلة ومش بعيد تكافأك بفلوس إنك خلصتيها من إيد إجلال اللي مستحلفة لدخلتها البيت
-المفتاح مع عزيز يا سُمية،ومستحيل يسلمهولي، وحتى لو معايا،ههربها إزاي من اللي في البيت…كلمات منطقية قالتها نسرين لتنطق الاخرى بكلماتٍ بعدما امتلئ قلبها بالحقد ولم يعد للخشية من الله مكانًا به:
-بسيطة،تخلصينا منها خالص
قطبت جبينها لتستعلم مستفهمة:
-قصدك إيه؟
-حطي لها سِـ.ـم في الأكل يخلصنا منها،ولا من شاف ولا مِن دِري…قالتها بهدوء لتصرخ نسرين وهي تتلفت حولها بارتياب:
-الله يخرب بيتك، إنتِ عاوزة تخلصي مني أنا كمان،أقتلها أنا واتعدم وانتي تعيشي مع البيه وتتهني بفلوسه، لا ناصحة يا بِت
-إسمعيني بس،محدش هيعرف حاجة…قالتها لتهدأة الأخرى لتسترسل بإبانة:
-أنا عندي برشام قوي الدكتور كان مديهولي وكان محذرني منه، قالي ابعده عن الاطفال لأن ثلاث برشامات منه كفيلة تقتل بني أدم كبير،قابليني كمان ساعة عند التِرعة الغربية علشان اديهولك،حطي لها سبع أقراص منه في الاكل وسيبي العلبة جنبها،أول ما يشفوها هيقولوا إنها انتحرت علشان غصبوها لرجوعها لـ عمرو
واسترسلت بدهاء:
-وهيخافوا يبلغوا ليدخلوا في سين وجيم،وهيدفنوها من سُكات ويدفن سرنا معاها ونرتاح،أنا اعيش مع جوزي وبنتي في أمان، وإنتِ تاخدي الـ مية ألف جنية تجيبي بيهم دهب بدل اللي راح
تعجبت من صمتها لتسألها:
-قولتي إيه؟
بنبرة متعجبة نطقت بصوتٍ مرتعب يغلفهُ الذهول:
-قولت إني مش هنفذ ولا كلمة من التخريف اللي إنتِ لسة قيلاه ده، إنتِ شكلك ست مجنونة، عوزاني أقتل عمة ولادي علشان خاطر الفلوس، ده ولا مال قارون كله يخليني أفكر أأذيها
لتتابع بقوة وكأنها تحولت لشخصٍ أخر لتتعجب الأخرى من تغييرها الكُلي:
-الكلام اللي قولتيه ده تنسيه،وبردوا هتديني الـ مية ألف جنية، مش بس كدة، ده أنا كل ما احتاج فلوس هطلبها منك وإنتِ زي الشاطرة هتديهم لي
زاغت أعين سُمية لتنطق باستغراب وعدم استيعاب لحديث نسرين:
-إنتِ اتجننتي يا بِت ولا شاربة حاجة مخلياكِ مش واعية للي بتقوليه
إبتسمت نسرين لتجيبها بهدوء لا يتناسب مع الحدث:
-هديكِ فرصة خمس أيام بحالهم،تجمعي لي فيهم مية ألف جنية، أظن كدة عداني العيب… نطقت كلماتها التهديدية لتغلق الهاتف سريعًا قبل ان تُعطي لها حق الرد مما جعل الاخرى تتعجب، أما نسرين فنظرت بشراهة بشاشة الهاتف وهي تحتفظ بتلك المكالمة التي أصبحت بمثابة كِنزًا بالنسبة لها بعدما قررت تسجيلها للإحتفاظ بها كسلاح تهديدٍ مباشر تستخدمهُ ضد سُمية للحصول على كل ما تريد من الأموال بمنتهى السهولة،ضحكت عندما تذكرت طلبها لهذا الهاتف الذكي كهدية من سُمية لها كي تطلع من خلاله على تطبيقات التواصل الإجتماعي للتسلية وجلبته لها الأخرى مجبرة تحت تهديد الأولى لها
قامت بتقطيع الجزء الخاص وهي تقوم بتحريضها على قتل إيثار والأخرى تعترض بذهول لتبتسم بشر وهي تقوم بضغط زِر الإرسال ليصل لتلك التي مازالت متعجبة حديث تلك المعتوهة معها بتلك الطريقة، فتحت الرسالة لتُصدم مما استمعت وعلى الفور هاتفتها لترد التي كانت تنتظر المكالمة بابتسامة ماكرة:
-كنت عارفة إنك هتتصلي علشان كده استنيتك ومنزلتش تحت
لتصيح الاخرى بغضبٍ عاصف:
-بتسجلي لي، هي حصلت يا بنت الـ
وقبل أن تُكمل سبها قاطعتها الأخرى بقوة لما تمتلك الأن بما يزج الاخرى داخل السجن:
-إوعي تنطقي بكلمة واحدة وإلا هندمك،الفلوس تكون عندي الإسبوع ده وإلا التسجيل الحلو ده هيوصل للحاج نصر بنفسه
ارتعب قلب سُمية لتسترسل الأخرى مستغلة خوفها:
– الراجل داخل على انتخابات ومش محتاج شوشرة،شوفي بقى ممكن يعمل فيكِ إيه لو عِرف إن مرات إبنه بتخطط لقتل ضُرتها
نظرت أمامها مذهولة من ذكاء تلك التي اعتقدتها بغبية لكنها اثبتت مدى دهائها ومكرها، وبعد تفكير نطقت بهدوء:
-هجهز لك الفلوس يا نسرين، بس تقابليني بنفسك وتديني التسجيل أمسحه بإيدي
أجابتها الأخرى بنبرة باردة كالثلج:
-جهزي الفلوس وبعدين نبقى نشوف هنعمل إيه
أغلقت الهاتف والشر ظهر بعيني سُمية التي تطلعت أمامها بشرود في نقطة اللاشئ.
****
داخل مسكن إيثار
كانت تجوب البهو إيابًا وذهابًا والقلق ينهش بقلبها بعد أن حاولت الإتصال بـ إيثار عدة محاولات وبكل مرة تجد الهاتف مُغلقًا بعد أن هاتفتها الآخرى قبل الثلاث ساعات وأبلغتها أنها تجهزت هي والصغير وسيتحركا الآن وبعد أقل من الساعتين سيكونان بالقاهرة،وما زاد من رُعبها هو علمها بجميع المشاكل التي بينهم كعائلة
أمسكت الهاتف للمرة التي لا تحصاها ولكن تلك المرة لن تهاتف إيثار بل قررت الإتصال على رقم الهاتف الأرضي لمنزل غانم والتي كانت تتصل منه منيرة بعدما تيأس من عدم رد إيثار عليها، ضغطت على الأرقام ليأتيها صوت طفلة عزيز “جودي” لتهتف لها وهي تسألها بلهفة:
-إزيك يا حبيبتي، ممكن تديني إيثار أكلمها
نظرت الصغيرة لجدتها بارتياب لتسألها مستفسرة:
-مين يا جودي
نطقت الصغيرة صاحبة التسعة أعوام ببراءة:
-دي واحدة بتسأل على عمتي إيثار
انتفضت من جلستها لتجذب سماعة الهاتف وهي تجيب بنبرة قاسية:
-مين معايا؟
أجابتها بنبرة مرتعبة ممتزجة بالقلق الذي ظهر بينًا بصوتها:
-أنا عزة يا ست منيرة، كنت بسأل على إيثار أصلها إتأخرت قوي وأنا قلقانة عليها هي ويوسف
-إقلقي على نفسك يا اختي،إيثار قاعدة في بيت أبوها وبكرة كتب كتابها على أبو إبنها…قالتها بنبرة كارهة لتهتف بنبرة شامتة:
-يعني تخلي عندك دم وتقومي تلمي الهدمتين اللي حيلتك وتسيبي الشقة، لأن عزيز هيدور لها على مشتري من بكرة،خلاص، مبقاش ليها لازمة بعد ما بنتي ترجع لجوزها
جحظت عينيها لتهتف بذهول:
-جوز مين يا ولية يا مخبولة اللي هترجعيها له!، هترجعيها لإبن إجلال اللي خانها على فرشتها؟!
هزت رأسها بذهول لتتابع باستياء واستنكار:
-إتكاترتوا على المسكينة بعد ما الراجل الكبير مات، فاكرين إن ملهاش حد يقف لها
-طب والله لأجي افضحكم قدام البلد كلها يا شوية عِرر ومحسوبين عليها أهل…نطقت عزة جملتها بتهديد صريح لتهتف الأخرى من بين أسنانها:
-لو بنت راجل بصحيح تعالي علشان اعرفك مقامك صح وأطلع القديم والجديد كله على جتتك يا اللي إسمك عزة
لتسترسل بازدراء:
-مبقاش إلا أنتِ كمان اللي تهدديني يا حتة خدامة
-ماشي يا منيرة،هنشوف أنا ولا أنتِ يا عِرة النسوان… قالتها عزة بتهديد لتغلق الهاتف بوجهها دون إعطائها الفرصة للحديث
اتسعت عيني منيرة بغضب لتهتف وهي تضع السماعة بمكانها بحدة:
-أنا مش عارفة بنتي إتلمت على الولية الغجرية دي في انهي داهية
****
بمسكن عزيز وبعدما تخطت الساعة الواحدة ليلاً
كانت ترتمي فوق أرضية الغرفة كورقة في مهب الريح بعد أن خارت قواتها ولم تجني من صرخاتها المستنجدة سوى ذهاب صوتها الذي تأذى،ولجت منيرة للغرفة وهي تحمل صينية موضوع فوقها الطعام الذي أرسلهُ لها عمرو:
-قومي كُلي…نطقتها بنبرة جادة خالية من المشاعر لتهمس الأخرى دون أن يتحرك لها ساكن:
-خدي اكلك واطلعي برة
تنهدت منيرة وسارت إلى التخت لتضع عليه ما تحمله ثم أخذت وسادة لتُلقيها بجانب رأس تلك الممددة على الأرض لتنحني وهي ترفع لها رأسها لتزج بالوسادة أسفلها ثم جاورتها الجلوس أرضًا لتنطق الأخرى بدموعها:
-من زمان وأنا بسأل نفسي سؤال ونفسي ألاقي له إجابه علشان أرتاح
تطلعت عليها بإبهام لتتابع الاخرى بقلبٍ يتمزقُ حسرة على ما مرت به وتذوقته على يد تلك القاسية طيلة سنواتها الفائتة وحتى الأن:
-إنتِ ليه بتكرهيني قوي كده،طب هو أنا ممكن مكونش بنتك؟!
أصل مستحيل يكون فيه أم بتكره بنتها للدرجة دي،عملت لك إيه يخليكِ تكرهي وجودي بالشكل ده؟
لتسترسل بتعجب ممتزج بقهر:
-ده أنا عيشت عمري كله علشان أرضيكِ وعمرك ما رضيتي
نفسًا عاليًا أخذته منيرة قبل أن تنطق بنبرة جليدية كعادتها:
-مفيش أم بتكره بنتها،بس إنتِ بنت، والبنت لازم يتكسر لها ضلع علشان تخاف وتمشي عِدل
واسترسلت موضحة:
-لبستك ونضفتك وخليتك تكملي تعليمك لجل ما تتجوزي جوازة عِدلة، الفرحة مكنتش سيعاني لما ابن الحاج نصر إتقدم لك، ولما اتجوزك وعيشتي في العز والهنا معاه فرحت لك من كل قلبي
تنفست إيثار لتهتف بحدة ومازالت على حالها:
-قصدك فرحتي لولادك والفرحة مكنتش سيعاكِ لما نابكم من العز جانب،طول عمرك والحنان والحب كله ليهم والقسوة والمعاملة الجافة لـ إيثار، حتى جوازتي دورتي فيها على مصلحتهم ورمتيني تحت رجلين إجلال علشان ولادك ميخسروش أفضال نصر عليهم والفتافيت اللي بيرميها لهم عمرو
هتفت الأخرى بتعجب:
-فيها إيه لما أفكر في مصلحة ولادي جنب مصلحتك،ومين اللي قال لك إن مصلحتك مش في رجوعك من عمرو؟
صاحت بنبرة حادة:
-عمرك سألتي نفسك أنا بحس بإيه وإنتِ بايتة في بلد غريبة إنتِ وابنك لوحدكم،أنا عيني جفاها النوم من يوم طلعتك من البلد وقعدتك لوحدك،زي ما بتخافي على أبنك أنا كمان بخاف عليكِ
ابتسمت إيثار ساخرة لتهتف الاخرى متابعة:
-إنتِ كمان طالعة لي،فاكرة إنك بتحبي ابنك وتخافي عليه وإنتِ بتأذيه
قطبت جبينها تتطلع عليها بعدم استيعاب لتتابع منيرة مفسرة:
-حرماه من عزوته وعز وخير أهله وفاكرة انك كده بتحميه،قاعدة في شقة متجيش أوضة في بيت نصر وشايفة انك كده ست جدعة وبميت راجل، وإنتِ خايبة وسيبتي جوزك وخير إبنك للعقربة اللي إسمها سُمية تغرق فيه هي وأهلها
استندت على كفيها لتجلس بهدوء ثم قالت بنبرة متألمة:
-سيبيني أرجع بيتي، ورحمة بابا وغلاوته عندك لتخليني أمشي
تنهدت بضيق لتقول بهدوء:
-أبوك الله يرحمه كان قلبه رهيف ومش عارف مصلحتك
لتسترسل بنبرة جادة:
-انا خايفة عليكِ وحابة لك الخير، نفسي أطمن عليكِ وأشوفك في بيت جوزك قبل ما اموت أنا كمان
-قصدك نفسك تشوفي عيالك متمرمغين في فلوس نصر وتطمني عليهم… قالتها باستسلام لتجيبها بصدق:
-وإيه اللي يزعلك لما اخواتك ينوبهم من خير جوزك نايب
واسترسلت بحدة:
-طول عمرك انانية ومبيهمكيش غير مصلحتك وبس،أهم حاجة تكوني مرتاحة واخواتك يولعوا، وهو ده اللي بيزعلني منك
تنفست بهدوء ووجدت أن الحديث مع تلك المرأة ما هو إلا إهدار للوقت والطاقة فتمددت لتعود لوضعها بعد أن أزاحت الوسادة التي جلبتها لها لتضع رأسها أرضًا مرةً أخرى مما جعل الاخرى تهب واقفة لتنظر إليها وهي تقول بجمود:
-الأكل عندك، كُلي وقومي نامي على السرير بدل ما تاخدي لطشة برد
قالت كلماتها لتخرج وتُغلق خلفها الباب لتوصده جيداً تحت دموع تلك التي رفعت رأسها للأعلى وقالت بقهر إمرأة تشعر بالمرارة والظُلم:
-يارب، مليش غيرك علشان تقف جنبي، قويني وخرجني من محنتي سالمة أنا وإبني
استندت بكفيها لتقوم بالتيمُم بعد أن عزمت أمرها على قضاء صلاة قيام الليل كي تدعو الله ليساندها ويُخرجها من تلك المحنة على خير.
****
صباح اليوم التالي
كانت تنزل من على الدرج بوجهٍ مجهد وملامح قاسية ترجع لعدم راحتها من ما هو آت،وجدت مروة تنتظرها أسفل الدرج ممسكة بالدرابزين وعلى ملامحها الكثير من السعادة الممتزجة بالشماتة التي ظهرت وهي تقول:
-مبروك رجوع ضُرتك بالسلامة، أخيرًا الطير هيرجع لعشه وكل واحد يعرف تمامه
اطلقت ضحكة شامتة لتكمل بسعادة:
-كُنتي بتشتكي إن عمرو ما بيعبركيش ويعتبرك مراته غير كل كام شهر، أهي جت لك اللي مش هتخليه يشوفك قدامه أصلاً
لتسترسل متعمدة بما أشعل قلب الاخرى:
-رجعت له حب العُمر واللي مسيطرة على القلب والعين
لم ينقصها سوى تهكم تلك الشامتة،ألم يكفيها ما هي به الآن من احتراق لروحها وخوف من القادم، تحركت من جوارها دون حديث مما جعل الاخرى تتعجب برودها.
****
داخل البهو الخاص بمنزل غانم الجوهري، بعد صلاة العِشاء
يتوسط المأذون الشرعي الجلوس بالأريكة، يجاورهُ عزيز وعلى الطرف الأخر يجلس بتفاخر وتراخي ذاك الذي لم تسع الدنيا شدة سعادته من عودة من سلبت النوم من عينيه منذ إبتعادها عنه، واليوم قد يتحقق الحلم، مجرد عِدة ساعات من الأن وستكون بداخل منزله لتدفئ فراشهُ الذي أصبح باردًا بعد رحيلها، يلتف حولهم شقيقاها وجدي وأيهم و والدتها وأحد أعمامها وشقيقاي عمرو طلعت وحُسين وإجلال،إلتف المأذون إلى عزيز ليتحدث متسائلاً:
-فين بطايق العرسان
ناولهُ عزيز بطاقة إيثار الذي أخذها من حقيبتها وأيضاً عمرو الذي بسط يده بالبطاقة ليتحدث متلهفًا:
-إكتب الكتاب بسرعة الله يبارك لك يا سيدنا الشيخ، عاوز أخد مراتي وإبني للبيت قبل ما الوقت يتأخر
أردف الشيخ قائلاً بهدوء:
-أصبر يا إبني، العجلة من الشيطان
نطقها ليحول بصره إلي الجهة الأخرى باتجاه وجدي ليسترسل:
-إنده للعروسة علشان أخد موافقتها يا أستاذ وجدي
إرتبك وجدي ونظر إلى عزيز مستنجدًا ليوجه الأخر حديثهُ إلي الشيخ بقوة:
-العروسة موافقة وباصمة بالعشرة يا سيدنا،وقاعدة جوة ماسكة شنطة هدومها ومستنية اللحظة اللي هتخلص فيها كتب الكتاب علشان ترجع لبيتها، فياريت تبدأ في الإجراءات وتخلصنا
تحدث الرجل بمنطقية:
-مينفعش يا أستاذ، الشرع والقانون بيقولوا إني لازم أسمع بودني موافقة العروسة قبل ما أكتب الكتاب
-ماتخلصنا يا سيدنا الشيخ…جملة تفوهت بها إجلال بنبرة ساخطة لتسترسل في محاولة منها لإقناع الشيخ وهي تضع ساقًا فوق الأخرة بكبرياء:
-يعني إبن سيادة النائب نصر البنهاوي هيرجع مراته غصب عنها؟
ارتبك الرجل وتحدث مفسرًا بتلبك خشيةً بطش تلك المتجبرة وزوجها:
-أنا ما أقصدش كده لا سمح الله يا ست إجلال، أنا بس بنفذ اللي قال عليه الشرع
هتف عزيز مزمجرًا بعينين غاضبتين:
-والشرع قال إن وكيل العروسة ينوب عنها، وأنا وكيلها وبقول لك إنها موافقة ومرحبة، أومال هكون جبت البطاقة منين لو مش هي اللي ادتها لي علشان أكمل الإجراءات؟!
اكمل وجدي ليؤكد على حديث شقيقه:
-كمل إجراءتك ومتقلقش يا سيدنا الشيخ، إحنا إخواتها وأكيد مش هنضرها ولا هنجوزها غصب عنها يعني، إحنا لينا إسمنا في البلد اللي بنخاف عليه،وأكيد مش هنعمل حاجة تغضب ربنا
-أنا مابشككش فيكم لا سمح الله يا أبني،أنا عاوز اسمع موافقتها لكي يطمئن قلبي…نطقها وهو ينظر إلى منيرة ليستشف منها صدق حديث ولديها،تنهدت بهدوء لتتحدث بزيفٍ تقمصت بإظهاره كحقيقة:
-بنتي موافقة يا سيدنا الشيخ
لتهتف إجلال بنبرة غاضبة تنذر بفقدانه للصبر:
-وبعدين معاك يا شيخ صالح،ماتخلصنا بقى وتكتب الكتاب وتخلينا نقوم نشوف مصالحنا، أمها واخواتها قالوا لك إنها موافقة، عاوز إيه تاني؟
واسترسلت بنبرة تحمل بين طياتها تهديداً صريح:
-أنا شكلي هتصل بالحاج نصر ييجي بنفسه يتصرف معاك
ارتبك الرجل وخشي على حاله من بطش ذاك المتجبر وظلمه السائد للجميع مستغلاً نفوذهُ كنائب مجلس للشعب وامواله الطائلة المكتسبة من تهريب أثار الوطن للخارج، ليتحدث متلبكًا:
-ملوش لزوم نشغل الحاج معانا يا ست الناس
ليسترسل وهو يهم بملئ البيانات داخل الدفتر:
-على بركة الله
قطع إكماله للإجراءات تلك الطرقات المتوالية والعنيفة فوق الباب ليهتف عزيز ناظرًا لشقيقه الأصغر بعينين غاضبتين:
-شوف مين الحمار اللي بيخبط على الباب وهيخلعه كدة يا أيهم
هب الشاب واقفًا وتحرك مسرعًا إلى الباب ليتحدث عمرو موجهًا حديثه للشيخ بعدما رأهُ قد توقف عن إستكمال الإجراءات لينظر باتجاه الباب:
-شوف شغلك يلا يا سيدنا الشيخ خلينا نخلص
تنهد الرجُل وكاد أن يتابع ما يفعل لولا صوت ذاك الهادر الذي ولج عليهم كالثور الهائج هاتفًا بغضبٍ حاد ظهر بَيِن بمقلتيه وهيأته الغاضبة وهو يقول:
-فين مراتي؟
إنتهى الفصل
«أنا لها شمس»
بقلمي «روز أمين»
تابع هنا :رواية انا لها شمس لروز أمين الجزء الأول
تابع هنا رواية أنا لها شمس الجزء الثاني