روايات روز أمين

رواية قلوب حائرة لروز أمين الجزء الخامس كامل

خاطرة عن عز المغربي روز أمين

بعد مرور عامان وفاة أحمد المغربي ، وبرغم تألم روح عز وهو يري ذبول ثُريا يومً بعد الآخر مُنذ فراق روحها التي دُفنت مع حبيبها الأبدي، إلا أن روح العاشق الكامنة بداخلهُ تحركت وثارت عليه، رُغمً عنه تحرك قلبهُ وصرخ مطالبً إياهُ بأن يحقق لهُ مناهُ ويجلب لهُ حب العُمر التي طالما خلُم به وتمناه

ذهب إلي المكان المتواجد به أباه، حيثُ كان في الأراضي الخضراء الواسعة المملوكة للعائلة، ألقي التحية علي والدهُ، فرحب به محمد وأشار بكفه في دعوة منه بالجلوس

جلس صامتً لأكثر من خمس دقائق مرت عليه كدهرٍ

رأي محمد ربكتهُ فتحدث بنبرة مشجعة كي يحسهُ علي الكلام :

_مالك يا عز، عاوز تقول حاجة يا إبني؟

تحمحم عز وتحدث بقلبٍ يرتجف خشيةً جرح قلب أبيه الغالي:

_الحقيقة يا حاج فيه موضوع حابب أفاتح حضرتك فيه

وأكمل بنبرة مرتبكة وجبين يتصببُ عرقً:

_بس خايف تفهمني غلط

دقق مُحمد النظر داخل مقلتاي نجلهُ وتحدث بنبرة جادة:

_خُش في الموضوع طوالي ومتخافش يا سيادة العقيد،

وأستطرد بنبرة لائمة لفهمهِ حديث نجلهُ بالخطأ:

_ أبوك الراجل الفلاح بيفهم وبيعرف يوزن الأمور بردك

نطق عز سريعً نافيً :

_ أستغفر الله يا حاج، أنا ما أقصدش بكلامي كدة أبداً

ضيق مُحمد عيناه منتظراً تكملة حديثهُ، فأخذ عز نفسً مطولاً ونطق بشجاعة:

_ أنا عاوز أتجوز ثُريا بنت عمي وأربي ولاد أخويا جوة حُضني

وأسترسل بإحترام:

_ده طبعاً من بعد إذنك

إتسعت عيناي محمد ونظر عليه بعدم تصديق ، فتسائل عز متوجسً :

_ أنا غلطت في حاجة يا حاج؟!

تنهد مُحمد بأريحية ظهرت علي ملامحهُ:

_حاشي لله يا أبني

وأكمل حديثهُ بإنسجام ورؤي متطابقة:

_ أصل بالصُدفة كنت بكلم أمك في الموضوع ده من حوالي شهر، وأمك هي اللي عجزتني ووقفتني إني افاتحك فيه ، قالت لي إنك مش هتوافق علشان متزعلش منال وتيجي عليها

إنتفض قلبهُ وسأل والدهُ متلهفً:

_يعني إنتَ معندكش مانع يا حاج ؟

تنهد مُحمد وتحدث بأسي ظهر علي وجههُ:

_من ساعة موت أخوك الله يرحمه وأنا قلبي واجعني علي عياله اللي لسه صغار، ولا بنته اللي فاتها وهي حتة لحمة حمرا

وأكمل بتمني:

_ بقي كل اللي شاغلني إني أطمن عليهم قبل ما أقابل وجه كريم

هتف عز بحماس:

_ربنا يديك طولة العُمر وتعيش لحد ما تجوزهم يا حاج

هز رأسهُ بوهن وأبتسم ونطق بيأس:

_أجوز مين يا ابني، البركة فيك تربيهم مع أمهم وتسلم البنات بإيدك لرجالتهم

واستطرد قائلاً:

_أنا هكلم عمك صلاح وأطلب منه ثُريا ولو إني عارف إنه مستنيها وشوفتها في عنيه كام مرة ، ما هو اب هو كمان وعاوز يطمن علي بنته

وأكمل بإيضاح:

_ وما تعتلش هم مراتك، أنا هفهمها بالراحة، وأعرفها إن الجوازة لازمن تتم علشان خاطر العيال يتربوا مع عمهم

تنهد وأردف:

_إن شآء الله يا حاج، إن شآء الله

________________

بالفعل تحدث محمد إلي صلاح وابلغهُ بما طلبه منه عز مما أسعد صلاح وشعر بالطمانينة علي إبنته وصغارها

داخل حُجرة الجلوس المتواجدة بمنزل العائلة ، يجلس صلاح وزوجتهُ عزيزة وأولادهما، علي وفريد وحسن وثُريا

وأيضاً مُحمد، وزوجتهُ مُنيرة واولادهما، عز وعبدالرحمن

أغلق مُحمد الغرفة بإحكام وطلب من زوجات اولادهم ان يصعدوا إلي الاعلي هم وأطفالهم وأخبرهم أنهُ وشقيقهُ وأولادهم سيتحدثون في موضوع خاص بالعائلة

تحدث صلاح موجهً حديثهُ بنبرة حازمة كعادته:

_عز طلب إيدك علي سُنة الله ورسولة يا ثُريا، وأنا وافقت وإن شاء الله كتب الكتاب الشهر الجاي

شعور بالإرتياح إجتاح جميع المتواجدون بالحجرة حتي والدة أحمد التي كانت تريد الإطمئنان علي صغار نجلها الراحل وذلك بعدما أُصيبت بأمراض عديدة بفضل حُزنها علي فقيدها الغالي

عدا تلك الثُريا التي جحظت عيناها من حديث والدها المهين لها والذي يبلغها بعدما حدد لها مصيرها هي وأولادها دون حتي إسنادها حقها الشرعي في الموافقة من عدمها

شعر عز أيضاً بمرارة من حديث عمه المُقلل من شأن أميرتهُ العالية وكاد أن يعترض لولا صوت تلك الحزينة التي إعترضت بنبرة هادئة إحترامً لوجود والدها وعمها:

_ بس أنا مبفكرش في الجواز تاني يا بابا

وحولت سريعً بصرها لذاك الفارس الجالس بأنفاسٍ مكتومة وعيناي مترقبة بشدة لنطقها للقرار الذي سيُحيي قلبهُ ويُجدد لهُ الأمل، نعم فقد باتت تعلم بعشقهِ الهائل لها وهذا ما اخبرها به أحمد وهو علي فراش الموت

وأردفت بهدوء جابرة لخاطر ذاك الخلوق:

_ إنتِ راجل محترم يا عز، وأنا طول عمري وأنا بشوفك زي علي وفريد وحسن

وأكملت بنبرة زائفة لعلمها الحقيقة:

_ وعارفة ومقدرة تضحيتك براحتك مع مراتك وولادك علشان خاطر ترضي عمي ومرات عمي

نظر لها بعيناي تكادُ تصرخُ ألمً من شدة حُزنها،

وحدث حالهُ قائلاً:

_ أهكذا ترين طلبي لتقربي من قلبك غاليتي؟

إني أهيمُ عِشقً وأكادُ من ألمِ الإشتياق أذوبُ وأنتهي

أضناني بُعدكِ وجفاني نومي وبتُ علي تلهف قلبي لضمتكِ غير قادرِ

هتف صلاح بنبرة حادة معنفً صغيرتهُ:

_ عز ما بيرضيش حد يا بنت صلاح، عز راجل وهو اللي فكر لحاله من غير ما حد يكلمه، وقرر إنه ياخد ولاد أخوه في حُضنه ويحاجي عليهم وعليكي، وأنا خلاص وافقت

تحدثت بإعتراض :

_وأنا قولت لحضرتك إني مش هتجوز بعد أحمد الله يرحمه

تحدثت منيرة بنظرات مترجية:

_وافقي يا بنتي علشان خاطر ربنا، نفسي أموت وأنا مطمنة علي ولاد أحمد علشان لما أقابله أطمنه عليكم

بات الجميع يضغط عليها كي توافق ، منهم من إستخدم معها إسلوب الترهيب مثل أبيها، ومنهم من توسل إليها وترجاها تارة،وتحدث بالعقل تارةً آخري

كان ينظر إليها بعيناي متوسلة مترجية أن ترحم قلبهُ العاشق ، بعدما وجد رفضها التام حزن من داخلهُ وثارت عليه كرامته، فتحدث إلي صلاح لحفظ ماء الوجه:

_ خلاص يا عمي، مفيش داعي تضغط عليها أكتر من كدة، أنا مش هجبرها ترضي بيا بالغصب

حزنت لأجله وتألم قلبها لنبراته ونظراته التي يظهر بهما كَم الألم الذي يعتصر قلبهُ ويتعرض له كيانه، وتحدثت لمراضاته:

_إفهمني من فضلك يا عز، أنا خايفة علي ولادك وبيتك من التشتت والضياع، إنك تكون زوج وفاتح بيتين دي في حد ذاتها صعبة أوي

واسترسلت بتعقل:

_ وصدقني إنتَ اللي هتتعب أكتر واحد في الموضوع كله ، ده غير إني أكلت أنا ومنال من طبق واحد ولا يمكن أوافق علي دبحـ.ـها بأديا

كانت هُناك من تقف خلف الباب وتتنصت علي ما يُقال، إنها “راقية” التي إستمعت وهرولت إلي الأعلي لتنبه منال وتُطلعها علي كُل ما جري، وبسرعة البرق نزلت “منال” بقلبٍ يستشيطُ غيظً ودفعت الباب حينما إستمعت لكلمات تلك الثُريا

فوجئ الجميع بإقتحام منال للغرفة وتحدثت بهيأة غاضبة موجهةً حديثها إلي ثُريا التي إنكمشت علي حالها:

_ عملالي فيها محترمة وطيبة أوي وخايفة علي مشاعري، ألاعيبك دي ووش الملاك اللي لابساه طول الوقت بليق عليهم كلهم إلا عليا

واسترسلت بحدة:

_فوقي يا ثُريا وبلاش نغمة الطِيبة دي لأنها مش لايقة عليكي ، فوقي وشوفي أنا مين وإنتِ مين

وأكملت بقامة مرفوعة عالياً بغرور:

– أنا منال العشري سَليلة أكبر عائلات إسكندرية كلها

واسترسلت بإهانة وتقليل من شأنها:

_ تيجي إيه إنتِ في جمالي وشياكتي، ولا أصلي وتعليمي

هب واقفً من جلسته وصاح بنبرة غاضبة بعدما إستمع لإهانة صغيرتهُ علي يد تلك المتعالية:

_”منال”، كلمة تانية وهتسمعي اللي مش هيرضيكي

وأكمل متسائلاً بنبرة حادة مهينة :

_ثُم إنتِ إزاي يا محترمة يا سليلة أكبر العائلات تقفي تتصنتي علينا وتقتحمي الباب من غير حتي ما تستأذني

هتف محمد بنبرة حادة:

_يا عيب الشوم عليكِ

ضحكت ساخرة وربعت ساعديها ووضعتهما أمام صدرهـ.ـا وتحدثت وهي ترمق الجميع بإستهانة واحتقار:

_ربنا بعتني في الوقت المناسب علشان أسمع بوداني وأشوف بعنيا ندالتكم وإنتوا بتتفقوا إنكم تجوزوا جوزي من أرملة أخوة من ورايا

تحدث محمد بهدوء كي يمتص غضبها ولكي لا يجعل بيت ولدهُ ينهار:

_آحنا مكناش هنعمل حاجة من وراكي يا بنتي، إحنا كنا بنحاول نقنع ثُريا الاول وبعدها كنا هنبلغك ونقنعك ونراضيكي

رمقتهُ بنظرة إشمئزاز وصاحت بنبرة لا ترتقي بمعاملة والد زوجها:

_إنتوا أكيد إتجننتم، إنتَ فاكر إن أنا أو عيلتي هنقبل بالمسخرة والتخاريف اللي بتقولوها دي

“منااال”، كلمة قالها عز بنبرة حادة وهو يرمقها بنظرات تحذيرية

وأكمل مهدداً :

_صبري علي قلة أدبك وتجاوزاتك في الكلام ليه حدود

أردفت قائلة بنبرة ساخطة:

_هو أنتَ لسه شُفت تجاوزات يا عز بيه

واستطردت بكبرياء وهي تُشير إليه بسبابتها بإشمئزاز:

_بقا أنتَ يا عز يا مغربي، عاوز تتجوز عليا أنا

نطقت مُنيرة في محاولة منها لتهدأة تلك الثائرة:

_ ده مش جواز زي ما أنتِ فاكرة يا بنتي، ده هيكتب كتابه عليها علشان يخلي باله من عيال أخوه ويربيهم مش أكتر من كدة

ضحكت ساخرة وتحدثت بإهانة:

_هو حضرتك شيفاني جاهلة للدرجة دي ولا فكراني مغفلة علشان أصدق الهبل اللي بتقوليه ده

إلي هُنا ولم يستطع إهانتها لوالدته، هرول عليها وقام بصفعها علي وجنتها وصاح بنبرة غاضبة وعيناي تطلقُ شزراً :

_كدة إنتِ إتعديتي خطوتك الحمرا ووجب عليا تأديبك

صُعقت من صفعته لها، فلم تتوقع حتي بأسوء كوابيسها بأن عز المهذب والمعروف باللباقة وحُسن الخُلق أنه سيتخلي عن تهذيبهُ ويقوم بصفعها علي الملاء وأمام العلن ، وضعت يدها تتحسس موضع صفعتهُ حيثُ علمت أصابعهُ علي وجنتها جراء شدة الصفعة

رمقتهُ بنظرات كارهة وهتفت بغضب بعدما فقدت السيطرة علي حالها قائلة بإهانة:

_ إنتَ بتضربني يا جربوع، جت لك الجرأة تضرب منال العشري

وبدأت تتناقل بنظراتها إلي الجميع بتقزز وكراهية وتحدثت:

_مش كفاية إني إتنازلت أنا وعيلتي ورضيت بيك وبعيلتك وأهلك الفلاحين

إتسعت أعين الجميع وهم يشاهدون ويستمعون بأذنهم إهانتهم الصريحة من تلك المنال ومشاهدتها وهي تتعالي عليهم جميعاً

هتفت عزيزة بنبرة ساخطة:

_إخص عليكِ قليلة أصل وناكرة للجميل

أما مُنيرة التي صاحت ناهرة إياها:

_الفلاحين دول أشرف من أهلك المفلسين المديونين واللي سيرة فلسهم بقت علي كُل لسان

وأكملت موبخة إياها:

_الفلاحين اللي بتعايريهم دول خيرهم عليكي وعلي عيلتك ومغطيهم من ساسهم لراسهم يا بنت العشري

إشتعلت نار صلاح وتحدث بنبرة حادة:

_إحنا فلاحين أه، بس عندنا من الأطيان والإملاك اللي خلت أهلك ولاد الحسب والنسب يجروا ورانا ويلهثوا زي الكلا… علشان يناسبونا،

“منال”، كلمة حادة نطق بها عز

رمقته بنظرة غاضبة فأكمل هو بثبات:

_إنتَ طالق، طالق يا بنت الاكابر

شهقت ثُريا واضعة كف يدها فوق فمها، في حين هتفت منال قائلة بجنون:

_هي حصلت تطلقني يا عز؟

هتف محمد بنبرة حماسية مسانداً نجلهُ:

_عاشت البطن اللي شالتك يا سيادة العقيد

واسترسل حديثهُ وهو يرمقها شزراً:

_الحُرمة اللي تتكبر علي جوزها وأهله، متستحقش تعيش وسطيهم تاني ولا تاكل من خيرهم

رمقتهُ منال شزراً وهتفت بغضب:

_هتدفع تمن كلامك ده غالي أوي، كلكم هتدفعوا التمن غالي، وحياة بابا لأخلي عيلتي تعرفكم مقامكم صح يا فلاحين يا جرابيع

هتف عز بحدة متمالكً غضبهُ بصعوبة بالغة:

_أنا ماسك نفسي عنك بالعافية وده علشان خاطر ولادي،

واستطرد مهدداً:

_ لكن هتقلي أدبك بكلمة تانية قسماً بالله هرميكي برة البيت بالهدوم الي عليكِ دي

كانت تستمع إليه بعيناي تطلقُ شزراً وقلبٍ يشتعل من شدة نارها، حول عز بصره ونظر إلي شقيقهُ عبدالرحمن قائلاً بنبرة صارمة:

_عبدالرحمن، جهز العربية علي ما المدام تجهز شنطة هدومها علشان هنوصلها لحد بيت أبوها

وأكمل متهكمً وهو يُشير إليها بإتجاه الباب :

_إتفضلي قدامي يا بنت الأكابر

هرولت والغضب يتطاير من عيناها وتحرك هو خلفها

تحدثت ثُريا إلي الجميع:

_عاجبكم كدة، أهو عز بيته إتخرب من ورا إقتراحكم

وأكملت بنظرات ملامة للجميع:

_وأنا طلعت الحرباية خرابة البيوت اللي خطفت الراجل من مراته، يارب تكونوا إرتاحتوا

نطقت منيرة مبررة:

_وإنتِ ذنبك إيه في اللي حصل يا بنتي، هي اللي ست قليلة أصل وأهلها قصروا في ربايتها

وجوازها من إبني كانت غلطة

صاح مُحمد بنبرة إستحسانية:

_واهو طلع راجل من ظهر راجل وصححها يا أم عز

أما صلاح الذي نطق بنبرة هادئة في محاولة منه لإمتصاص غضب شقيقه :

_ بلاش خراب البيوت يا محمد يا أخويا، كفاية يوديها عند أهلها تترمي لها هناك شهر ولا إتنين لحد ما تتعلم الأدب وبعدها يردها علشان العيال

أبداً، عظيم تلاتة ما هي داخلة بيتي تاني عديمة الرباية دي.. جملة نطقها مُحمد بنبرة حانقة

تحرك عز صاعداً الدرج بجانب تلك المتعالية حتي وصلا معاً إلي مسكن الزوجية، وجد ياسين يحمل الرضيع عُمر ويجاوراه وطارق وشيرين وهم يداعبون الصغير

هتفت منال بنبرة حادة وملامح وجه غاضبة وهي تنظر إلي ياسين:

_ياسين، إدي عمر لطارق وقوم لم معايا هدومك إنتَ واخواتك علشان هنروح نعيش في بيت جدو

نظر لها الصبي وتسائل بإستفهام:

_وإحنا إيه اللي يخلينا نسيب بيتنا يا ماما؟

نظرت علي عز الواقف ينظر عليها بغضب وأكملت:

_هنسيب بيتنا علشان المحترم بباك طلقني وهيتجوز الحقيرة اللي إسمها ثُريا

إشتعل قلبهُ بالغضب عندما إستمع لسُبابها لحبيبتهُ صاحبة الخُلق، أمسك ذراعها وقام بسحبها بعنف وتحرك بها داخل غرفتهما الخاصة وذلك حفاظً علي مشاعر أطفاله، وهتف بنبرة تحذيرية بعدما أغلق باب الغرفة :

_إحترمي نفسك وخلي عندك كرامة بدل ما اخليها تنداس تحت الجزم

وأكمل وهو يدفعها لتسقط فوق التخت:

_قدامك نص ساعة تكوني لميتي فيها كل حاجة تخصك

واسترسل موضحً لها:

_وموضوع عيالك ده تنسيه نهائي، مش عيلة المغربي اللي عيالها يتربوا في بيوت الأغراب ويسيبوا خير أهاليهم

واسترسل متهكمً:

_وبعدين لو فرضنا إني هوافق أديهم لك، تقدري تقولي لي هتعيشيهم وتصرفي عليهم منين؟

اجابته بغرور وتعالي :

_أهلي هيجبروك تجيب لي فيلا أعيش فيها معاهم وتصرف علينا غصب عنك

ضحك ساخراً لتناسيها أو تغافلها عن منصبه الرفيع وتحدث قائلاً:

_ يظهر إنك ناسية إنتِ واقفة وبتتكلمي مع مين

واسترسل بصرامة اربكتها:

– انا العقيد عز المغربي يا مدام، ليا وضعي في جهاز المخابرات وعندي السلطة اللي تخليني أخسف بأهلك اللي فرحانة بيهم دول الأرض

واستطرد مهدداً:

_ فمن الأحسن ليكي وليهم إنكم تبعدوا نهائي عن سكتي وتتقوا شري

رمقته بنظرة إشمئزاز وتحدثت بنبرة حاقدة:

_خليهم لك إشبع بيهم حالياً ، وأنا متأكدة إنك مش هتكمل شهرين وهتيجي تترجاني إني أخدهم، وإبقي وريني الهانم هتتحمل أربع أولاد إزاي

ضحك وأردف متهكمً:

_ده علي أساس إن سيادتك اللي بتربيهم مش أمي وثُريا ؟!

وأكمل بتذكير:

_ده حتي في الرضاعة، ثُريا كانت بترضع طارق وشيرين مع رائف ونرمين أكتر ما رضعتيهم سيادتك

في الخارج

وضع ياسين الرضيع فوق الأريكة وتركه في رعاية طارق، وتحرك إلي غرفة والداه وطرقها مرتان، سمح لهُ والده بالدخول، وبالفعل خطي بساقيه وجد والدته تجمع أشيائها بهرولة وهيئة غاضبة،ووالده يرتدي ملابس تناسب الخروج من المنزل

تحدث علي إستحياء إلي والدته:

_حضرتك بتعملي إيه يا ماما؟

هتفت بنبرة حادة لائمة صغيرها:

_سايبة البيت وماشية علشان بباك يتجوز عمتك ثُريا اللي حضرتك بتحبها براحته

وأكملت بنبرة غاضبة:

_وبعدين أقعد إزاي وأنا إطلقت، أبوك طلقني علشان يخلي له الجو مع الخسيسة اللي رمت شباكها عليه وهو زي الأهبل وقع علي بوزه

إستاء ياسين من اللهجة البذيئة التي تتفوه بها والدته عن أباه

في حين صاح عز بصوتٍ يشتدُ كظمً:

_إحترمي نفسك وبلاش نخليني أقل من قيمتك قدام إبنك، علي الأقل حافظي علي شكلك كست محترمة قدامه

إبتلع ياسين لُعابهُ بإضطراب وأردف مُتسائلاً بنبرة قلقة:

_ بابا، الكلام اللي ماما بتقوله ده حقيقي؟

وأستطرد:

_ حضرتك فعلاً طلقتها علشان هتتجوز عمتي ثُريا؟

ربعت ساعديها ووضعتهما أمام صدرهـ.ـا وهي تنظر إلي عز بحقد منتظرة بتمعن إجابتهُ علي نجلهما

أما عز الذي تحدث لإبنه قائلاً بنبرة حذرة:

_من الافضل إنك متدخلش نفسك في الموضوع ده يا ياسين

صاحت تلك الشامتة به قائلة بإحتدام:

_إيه يا سيادة العقيد، مكسوف تحكي لإبنك إنك ما صدقت أخوك يموت وقوام بصيت لمراته واتمنيتها

رمقها بنظرة إحتقار وهتف بإشمئزاز:

_إنتِ ست مريضة وغلطة عُمري إني إرتبط بإنسانة بشعة وحقودة زيك

ثم حول بصره لإبنه وأردف شارحً :

_ أنا طلقت أمك لما غلطت في عيلتك يا ياسين، والدتك المحترمة بنت الأصول، هانت جدودك تحت وقالت لهم يا فلاحين يا جرابيع

إتسعت عيناي ياسين بذهول وحول بصره إلي والدتهُ سريعً وهتف متسائلاً بعدم إستيعاب:

_حضرتك فعلاً قولتي لجدي محمد وجدي صلاح كده يا أمي؟

رفعت قامتها لأعلي بكبرياء وأردفت بصفاقة:

_ مش دي حقيقتهم ولا أنا بفتري عليهم

وتسائلت بوقاحة:

_ولا هي الحقيقة بقت بتزعل وتوجع أصحابها؟

غصة مُرة تملكت من قلب ياسين وأصابته بالحُزن ، أما عز الذي جن جنونهُ مما جعلهُ يركض سريعً إلي خزانة ملابسها المفتوحة وأختطف منها ما تبقي من الثياب بطريقة عنيفة وهرول إلي الحقيبة الموضوعة فوق التخت وقام بإلقاء الملابس بإهمال وقام بغلقها

وتحدث بنبرة حادة تنمُ عن وصولهُ إلي قمة غضبه:

_إتفضلي قدامي علشان أوصلك علي بيت أهلك قبل ما أفقد أعصابي

بالفعل تحركت منال وأوصلها عز إلي منزل شقيقها وأبلغهُ بما بدر منها تحت غضب شقيقها من عز

في اليوم التالي ذهب شقيقيها إلي منزل المغربي ليتحدثا فيما جري وطلبا بمنزل مستقل لشقيقتهم وأن يردها عز إلي عصمته من جديد، وتشرطا عليهم بعدم زواجهُ عليها،

رفض محمد وعز حديثهما بل وكادا أن يطرداهما من المنزل بعدما تعدوا علي العائلة ببعض الإهانات بجانب التعالي والتفاخر اللذان كانا يتحدثان به مما جعل محمد يستشيط غضبً ويقرر مع صلاح سُرعة عقد قران عز علي ثُريا تحت نفور وحُزن وألم ثُريا مما جعل الحزن يسكن قلب ذاك العاشق

تم عقد القران الذي عُقد بحضور جميع عائلة المغربي، وبعدها صعد عز بجانب ثُريا إلي مسكن زوجيه جديد، حيث طلب عبدالرحمن من أبيه تبديل مسكنه بمسكن أحمد، وذلك كي لا يُزيد من حُزن شقيقهُ وهو يري زوجته تعيش بجانبه في نفس المكان التي عاشت به أجمل سنواتها بأحضان حبيبها الراحل

فتح عز الباب وأشار لها بيده لتدلف، تحركت بساقان مهتزتان وتنفست بضيق وقلبً محمل بأثقال الهموم

تحمحم عز وتحدث بقلبٍ يكادُ يتوقف من شدة سعادته،برغم معرفتهُ أنها مُرغمة علي تلك الزيجة :

_نورتي شقتك يا ثُريا

نظرت إليه بعيناي ظهر بهما الإرتباك وأردفت قائلة بنبرة خافتة:

_متشكرة

شعر بخجلها الذي يعتريها فتحدث وهو يُشير لها بكف يده إلي إحدي الأرائك المتواجدة بالردهة، وذلك كي يُطمئن قلبها:

_تعالي إقعدي يا ثُريا، أنا عاوز أتكلم معاكِ شوية

إرتبكت لكنها بالفعل تحركت ووصلت للأريكة وجلست بطرفِها، وجلس هو بالطرف الأخر مبتعداً عنها كي لا يُزعجها

وتحدث بنبرة هادئة:

_من فضلك بصي لي يا ثُريا وإسمعيني كويس

نظرت له علي إستحياء فاستطرد هو:

_أنا عارف إنك إنجبرتي علي جوازك مني، وعارف كمان إنك مش متقبلاني كزوج في حياتك ، بس أنا عاوزك تطمني وتتأكدي إني عمري ما هجبرك علي أي حاجة إنتِ مش عوزاها

نظرت إليه وتحدثت بنبرة خجلة:

_أنا مش هنكر إني مكنتش حابة أتجوز بعد أحمد الله يرحمه، وده مش رفض لشخصك لا سمح الله، لكن طالما بقيت مراتك رسمي، فأصبح ليك عليا كُل الحقوق

وأسترسلت بنبرة شديدة الخجل والإرتباك وهي تفرك كفيها ببعضهما:

_ولازم تتأكد إني عمري ما همنعك من حلال ربنا وحقك فيا كزوجة شرعية ليك.

إبتسم بتفهم وتحدث بهدوء وصل إليها:

_وأنا مش حيوان للدرجة دي يا ثُريا، أنا لو محسيتش إنك عوزاني عمري ما هقرب منك

وأسترسل بنبرة صادقة:

_وصدقيني أنا مش هحاول أضايقك خالص في الموضوع ده لحد ما أشوف القبول في عنيكي وأحس إن إنتِ بنفسك اللي عاوزة ده يحصل بينا

نظرت له بإستغراب، هي علي دراية كاملة بعشقهِ الهائل لها، كيف لهُ بأن يكون بكل هذا التسامح والصبر،كيف له أن يستطيع ويصبر علي البُعاد بعدما أصبحت زوجتهُ شرعاً

نظر لها وابتسم بهدوء وتحدث لطمأنت روحها:

_قومي إدخلي اوضتك وغيري هدومك ونامي،

وأشار إلي غرفة الأطفال وتحدث:

_أنا هنام في أوضة الأولاد النهاردة،ومن بكرة هجيب لك ولادك من تحت علشان يناموا في أوضتهم

وأكمل وهو يُشير لها علي تلك الأريكة:

_وأنا هبقي أنام هنا علي الكنبة

في تلك اللحظة زاد إحترام ثريا له أضعاف مضاعفة، وتنهدت بإرتياح، وقفت وتحدثت بنبرة هادئة:

_ لو عوزت شاي أو أي حاجة إنده عليا،أنا مش هعرف أنام وأنا بعيدة عن الأولاد

نظر لها بعيون العاشق وأردف قائلاً بنبرة صادقة:

_لو تحبي أنزل أجيبهم لك حالاً من عند مرات عمي

أشارت لهُ بكف يدها ونطقت سريعً قبل أن يتحرك:

_ بلاش يا عز،

واسترسلت وهي تنظر للأسفل متطلعة علي قدميها خجلاً:

_هيقولوا علينا إيه وقتها

إبتسم علي خجلها الذي جعل قلبه يرتجف من شدة لهفتهُ وعشقه الجارف لها، وتحدث بهدوء مطمأنً إياها:

_ثُريا، من هنا ورايح مش عاوزك تعملي حساب لأي حد في حياتك غير للي يريح بالك ويطمن قلبك وبس

رفعت نظرها تتطلع إليه بإحترام وتقدير فأسترسل هو مكملاً:

_حتي لو كان الشخص ده أنا شخصياً

وعاوزك تتأكدي إني عمري ما هجبرك علي أي حاجة، ولا في يوم هقف عقبة في طريقك

أردفت بإبتسامة خافتة:

_تصبح علي خير يا عز.

كان هائمً في عالمهُ الحالم، تدركهُ مشاعر جياشة سيطرت علي كُلهِ من مجرد نطقها إسمه من بين شفتاها بذاك الخجل وتلك الهيئة التي وبرغم حزنها إلا أنها رائعة، فقد بدت بثوبها الجميل وزينة وجهها البسيطة كحورية ذات طلة ساحرة هاربة للتو من إحدي الأساطير

ضل متسمراً بوقفته ينظر عليها كالمسحور حتي وصلت إلي باب الحُجرة واغلقت بابها وهي تنظر عليه بخجل، صرخ قلبهُ معنفً إياه ومطالبً بالهرولة إليها والدخول لجنة غرامها السامي

تنهد وخطي بساقية نحو غرفة الأطفال،خلع عنه حلة بذلته ونظر حولهُ وتذكر حينها أنهُ لم يحضر ثيابً له من غرفته، تهلل وجههُ وخطي مهرولاً إلي غرفتها يسوقهُ قلبهُ إليها ودقات قلبهُ تتسارع وتتعالي من شدة سعادته، وما أن فتحت لهُ الباب حتي تسمر بوقفته وتعلقت عيناه فوق منامتها الرقيقة الحريرية التي صُنعت خصيصً كي ترتديها تلك فاتنة الجمال

إستعاد وعيهُ عندما أخرجت صوتها العَذب وسألته بإستفسار:

_ فيه حاجة يا عز؟

إنتبه وتحدث بنبرة مرتبكة شعرت هي بها:

_ أنا آسف يا ثُريا، بس اصلي نسيت أخد بيچامتي اللي هنام بيها

وأسترسل وهو ينظر للداخل پعيناه:

_هتلاقيها عندك علي الفوتيه

هزت رأسها بطاعة وخطت للداخل تحت نظرات ذاك الولهان وحملت بين كفاها منامتهُ وعادت إليه وناولته إياها بصمت ،أخذها وعاد إلي حجرة الأطفال بعد أن شكرها، وما أن أغلق باب غرفته حتي إحتضن منامتهُ ورفعها لمستوي أنفه وبدأ بإستنشاقها بشدة، ثم وضع وجنتهُ عليها وبات يتلمس موضع كفاها الرقيقة بحالمية عاشق

مرت ليلتهما صعبة علي كُلٍ منهما، ثُريا التي قضتها بدموع عيناها الغزيرة وتوجُع روحها كلما تذكرت أنها نقضت الوعد التي قطعته علي حالها أمام حبيبها الراحل، وبين تأوه قلبها علي إبتعادها ولأول مرة عن صغارها التي تشتم برائحتهم وتري بوجوههم حبيبها الغائب،

وذاك المتيم لحبيبته التي باتت قريبة جداً بالمكان لكنها مازالت بعيدة بروحها

مرت الأيام والشهور ومازال الوضع بينهما علي حاله،ولكن قربت العشرة بينهما وهيأت أجواء عائلية دافئة بينهما وأولادهم

أصبحت ثُريا مسؤلة مسؤلية كاملة عن أطفال عز، تهتم بكل أمورهم بعدما أنشئ الحاج محمد منزل مستقل مجاوراً لمنزل العائلة كي يسع أولاد عز وأحمد معاً ، وانسجم الأطفال سريعً واندمجوا وذلك لما وجدوه من حنان وإهتمام زائد من ثُريا التي وبالأصل كانت تهتم بهم في وجود منال

سكن عز بغرفة مشتركة مع ثُريا، وقد ذاق الأمرين من إقترابه الشديد من ثُريا ونومه بجانبها في تختٍ واحد لا يفصل بينهم شئ سوي إستمرار عدم قبول من ثُريا لإتمام زواجهما وجعلهُ فعلي وشرعي، كان يتمدد كل يوم بجوارها وكأنهُ ينام علي جمر يكوي جسدهُ وقلبهْ

أما شقيقي منال فقد ارسلا إلي الحاج محمد وعز وطلبا منهما أن يرد عز شقيقتهم إلي عصمته من جديد، وأبلغاه أنهم موافقون علي إستمرار زيجته من ثُريا، “لكن” مُحمد رفض وبشدة دخولها بينهم من جديد بعدما أهانتهم تلك المتعجرفة ونعتتهم بالفلاحين وحقرت من شأنهم

______________

بعد مرور خمسة أشهر مضت علي زواج عز وثُريا

، داخل منزل العائلة كان الجميع مجتمع علي طاولة العشاء كعادتهم، يتناولون طعامهم في جو ملئ بالأولفة،بعد قليل جلس الرجال يتناولون مشروب الشاي وهم يتبادلون الأحاديث بينهم

أما النساء فتوجهن إلي المطبخ، جلست عزيزة ومنيرة علي الطاولة المستديرة تصنعن مشروب القهوة فوق “السبرتاية” ووقفت ثُريا وراقية تجليان الأواني

وجهت راقية سؤالاً خبيث مثلها:

_إيه يا ثُريا،مش ناوية تفرحينا وتجيبي لنا نونو جديد ولا إيه؟

وأكملت بلؤم:

_ولا يكونش عز مش عاوز يخلف منك؟

شعرت بالخجل من تلميحات تلك الغليظة وأردفت بنبرة هادئة وهي تتابع الجلي دون النظر إليها:

_أنا وعز عندنا أولاد كفاية، ومتفقين من الأول إننا مش هنخلف

هتفت مُنيرة بنبرة حادة لتوقيف تلك دائمة التداخل في غير شؤونها :

_ما تسيبك يا اختي من ثُريا وعز وخليكي في جوزك اللي طول الوقت قاعد مهموم وشايل طاجن سته وعامل زي اللي زرعها مانجة طلعت بطيخ

قهقهت عزيزة وابتسمت ثُريا تحت إستشاطة راقية التي رمقتها بنظرات حقودة علي المساندة والدعم التي تتلقاه تلك الثُريا دائماً من جميع أفراد العائلة

إنتهت السهرة وعاد عز بعائلته إلي منزلهم المجاور،جلس عز داخل بهو المنزل وأمسك الجريدة وبدأ بتصفحها، جاورهُ ياسين الذي أشعل جهاز التلفاز وبدأ بمشاهدة أحد الأفلام ، ودخلت ثريا بالأطفال إلي الحمام حممتهم وأدخلتهم داخل غرفهم ودثرتهم جيداً تحت أغطيتهم لتدفئتهم وخرجت

تحركت إلي المطبخ صنعت مشروبً بارداً وقدمته إلي عز وياسين وأردفت بهدوء:

_ عملت لكم برتقال فريش

تناول عز الكأس وتحدث بإبتسامة:

_تسلم إيدك يا ست الكُل

إبتسمت له وحولت الصَنية إلي ياسين الذي إبتسم وشكرها قائلاً:

_تسلم إيدك يا عمتي

بالهنا والشفا يا حبيبي.. جملة حنون نطقت بها ثُريا إلي ياسين ثم جاورته الجلوس وتناولت مشروبها وبدأت ترتشف منه بهدوء وهي تشاهد فيلم السهرة مع ياسين

بعد إنتهاء الفيلم قام ياسين وانسحب لداخل غرفته ليغفو، نظرت ثُريا إلي عز وسألته بإهتمام:

_أعمل لك حاجة تشربها يا عز؟

نظر لها بقلبٍ يتألم وينكوي بنار جمر الهوي من عدم سماحها إلي الآن بدلوفه إلي عالمها الذي طالما تمناه وحلُم به وتحدث بلباقة بنبرة خافتة:

_ أكون شاكر لو تعملي لي فنجان قهوة

واسترسل بأدمية:

_ده طبعاً لو قادرة، لكن لو تعبانة بلاش وأنا هقوم أعمله لنفسي

ردت سريعً وهي تقف:

_حالاً هيكون عندك فنجان القهوة المظبوط

سارت بإتجاة المطبخ وأستندت بظهرها علي الحائط واغمضت عيناها بألم وقلبها يصرخ علي ذاك العاشق التي لم تستطع حقاً إعطائهُ حقهُ الشرعي، جمعت شتاتها وتحركت، أمسكت الركوة ووضعت بها مسحوق القهوة ودمجتهُ مع السكر والماء وتحركت إلي الموقد ووقفت أمامه تحرك بالملعقة

تنهدت ونظرت للاعلي شاردة في حالها، إنتبهت علي صوت فوران القهوة ، أمسكت الركوة سريعً وكانت ساخنة للغاية فأحرقت أصابعها مما جعلها تصرخ بتأوه وتركتها سريعً لتقع علي أرضية المطبخ ويتناثر السائل

إستمع عز إلي صوتها ولم يدري بحاله إلا وهو أمام باب المطبخ، إتسعت عيناه رُعبً حين وجدها تقف بملامح وجه منكمشة، ممسكة بكف يدها وهي تزفر به بفمها كي تبرد من سخونته

هرول إليها وأمسك كف يدها يتفحصه وسحبها إلي حوض المطبخ وتحدث بلهفة بعدما أدار صُنبور المياة الباردة ووضع كف يدها تحتها:

_إهدي يا حبيبتي، إهدي ومتخافيش،بسيطة إن شاء الله

حدثتهُ بملامح وجه يبدوا عليها التألم:

_أنا أسفة يا عز، القهوة إدلقت غصب عني والله، أنا هعمل لك غيرها حالاً

أجابها بذعر:

_قهوة إيه بس اللي بتتكلمي عنها

وأسترسل بصدقٍ بَين وما زال ممسكً بكف يدها ويثبتهُ تحت الماء:

_أهم حاجة عندي سلامتك وإني أطمن علي إيدك

واستطرد متلهفً وهو ينظر إلي ساقيها ويتفحصها بعيناه:

_ إوعي تكون القهوة إندلقت علي رجليكي؟

هزت رأسها سريعً بنفي لطمأنة ذاك المُرتاع:

_أنا كويسة يا عز، متقلقش.

لو ماخفتش وقلقت عليكي، هخاف علي مين يا ثُريا… جُملة صادقة نطقها عز بعيناي تقطر عشقً

إنتفض قلب ثُريا من نظراته وقربه وملامسة كف يده، سحبت يدها بهدوء من بين راحة يده وتحدثت وهي تتحرك بإتجاه الموقد:

_إيدي خلاص هديت، هعمل لك قهوتك

ومالت علي الأرض تلتقط الركوة، أسرع عليها ومال يلتقطها بدلاً عنها، نظرت عليه وألتقت العيون، أمسك الركوة بيده وانتصب بوقفته وأوقفها معه وتحدث:

_سيبي كل حاجة وروحي غيري هدومك، وأنا هنضف الأرضية والبوتجاز

هزت رأسها قائلة بإعتراض هادئ:

_لا طبعاً، مايصحش

تحدث بإقتصار:

_وبعدين معاكِ يا ثُريا، إسمعي الكلام أومال

بالفعل تحركت إلي غرفتها ومنها إلي الحمام المرفق بها، إغتسلت وبدلت ثيابها وخرجت وجدت ذاك العاشق ينتظرها بلهفة كي يطمئن عليها، تحرك إليها وسألها مستفسراً وهو يُمسك بكفها وينظر به بعناية واهتمام :

_إيدك عاملة إيه؟

شعرت بحرارة ورعشة تسري بكل جسدها لمجرد لمسة يده،شعر بها وبرعشتها،رفع راحة يدها لمستوي فمه وقام بوضع قُبلة رقيقة داخل باطن كفها تحت إرتفاع دقات قلبها،ثم رفع عيناه لتلتقي بعيناها،كانت نظراتهُ تلتهم ملامح وجهها بوله وعشق، وهُنا قررت تلك الجميلة أن ترحم قلب هذا المتيمُ الذي أذاب الغرام قلبه وانهي عليه

رفعت يدها ووضعتها علي شعر رأسهُ وتخللت بأصابعها داخل خصلاته شديدة السواد مما أثار جنونهُ ونطقت هي بنبرة حنون:

_إنتَ طيب وحنين أوي يا عز

وبحبك أوي يا ثُريا… كلمات نطقها بنبرة متأثرة وعيناي هائمة

إبتسمت له وتحدثت بإعتذار :

_أنا عارفة إني تعبتك أوي معايا

واسترسلت بعيناي متأثرة:

_أنا أسفة

مال برأسه يترجاها بعيناه بأن يكون ما وصله منها صحيح وإلا سينتهي قلبهُ ويُقضي عليه، وصلها سؤال عيناه فأبتسمت له وأومأت بإيجاب

شعر بدقات قلبه بدأت تتزايد بوتيرة عالية حتي كادت أن تتوقف أمسك كتفاها بيداها وجذبها برقة وأدخلها بأحضانه، وأغمض عيناه وبدأ بالتأوه بصوتٍ مسموع قائلاً:

_أه يا ثُريا، لو تعرفي قد إيه أنا حلمت باللحظة دي وإستنيتها ، بس أخيراً ربنا حققها لي

ضل محتضنً إياها مستمتعً بطعم حضنها الدافئ الذي طالما وطالما تمناه وحلُم به، وصلتها سعادته الامتناهية، وبدأت تشعر ببعض المشاعر الإيجابية تجاههُ،لفت ساعديها حول كتفاه مما جعلهُ يشعر بتحليقهُ هائمً في سماء عشقها

إبتعد قليلاً ثم إحتضن وجنتيها براحتي يداه وتعمق بوله داخل مقلتيها وتحدث:

_إنتِ جميلة أوي يا ثُريا، وجمالك بيكمُن في رقتك وخجلك اللي بيميزك عن غيرك

إبتسمت له فمال برأسه واقترب علي شفتاها ليتذوق ويقتطف أولي قُبلاتها الشهية، والتي بدأت برقة سرعان ما تحولت لشغوفة

بعد قليل، كانت يتمدد فوق تختهما محتضنً إياها بإحتواء ومشدداً عليها،من شِدة وصولهُ في لذة العِشق إلي منتهاها، كان يرغب في شق صدرهُ وإدخالها بين ضلوعة ليُخبأها بمكانها الأمثل، بجانب قلبه

رفع ذقنها لأعلي لتتلاقي أعيُنهم في نظرات مختلفة بين العشق والهيام والخجل، إبتسم لها وتحدث بنبرة حنون:

_ أخيراً يا حبيبتي رضيتي علي عز المسكين

إبتسمت بخجل وشعرت بتعطشهُ للحنان وحرمانهُ من المشاعر الصادقة، فقررت أن تضحي بحالها وتُجنب مشاعرها الخاصة بزوجها الراحل ومتيمُ روحها، وتُسعد قدر ما أستطاعت ذاك العاشق الذي قَضي حياته مطروداً من جنة عِشقها، فكم من المرات التي رأت بها أهات وصرخات قلبه الظاهرة بعيناه بعدما أخبرها أحمد عن عشق عز لها

وضعت كف يدها وتحسست وجنتهُ برقة عالية ونظرت بحنان داخل عيناه التي تكادُ تصرخ من شدة سعادتها وأردفت قائلة:

_إنتَ جميل أوي يا عز وتستاهل أحسن ست في الدُنيا

وأنا بشوفك بعيوني أحسن وأجمل وأرق ست في الكون.. جملة صادقة نطق بها عز بنبرة رجل عاشق حتي النُخاع

أمسكت رأسهُ وأدخلتها بلطف داخل صدرها الحنون مما جعل هرمون السعادة يقفز لأعلي معدلاته، شعر بقلبهُ المسكين سيتوقف من وصولهُ لمنتهي ما تمني بل وأكثر

ما شعر بحاله إلا وهو يحاوطها بذراعيه ويشدد من ضمته لها دافنً وجههُ أكثر داخل حُضنها العطوف، وبدأت هي بوضع يدها فوق شعر رأسهُ وأطلقت العنان لأصابعها لتتخلل بحنان داخل خصلاته مما جعله يغمض عيناه ويستسلم لها بإستمتاع عميق

أردف مستفسراً بصوتٍ هائم وهو يشدد من ضمتها:

_ثُريا، هو إنتِ بجد وخداني في حُضنك وبتلعبي لي في شعري، ولا ده حلم وهصحي منه ألاقي نفسي لسه مطرود من جنتك؟

إبتسمت بألم علي ذاك الولهان الذي تعذب كثيراً وتحدثت وهي تحتويه بذراعيها أكثر:

_اللي إحنا فيه ده حقيقة وعلم يا عز، ومن النهاردة أنا هكون لك الزوجة اللي عشت عمرك تحلم بيها وأكتر كمان

تنهد وشعر بالسكينة تغزو روحه وتتوغل، وبعد قليل تمدد بجسده ومال برأسهُ فوق الوسادة ثم قام ببسط ذراعه وسحب حبيبته وأدخلها بأحضانه واضعً رأسها فوق ذراعة واحتواها به، ولأول مرة يغفو بقلبٍ مطمئن وروح سالمة وكيانٍ مستسلم بتراخي

بعد مرور عامان

داخل حديقة المنزل الكبير المتواجد بحي المغربي والذي أنشأهُ عز وأشقائهُ وبعضً من عائلتهم علي قطعة الأرض التي قامت العائلة بشرائها من ذي قبل، كان ياسين يجلس فوق أحد المقاعد ممسكً بيده بكُتيب ويقرأ به، وتجاوره يسرا ونرمين وعمر وشيرين، أما طارق ورائف كانوا يمارسون لعبة كرة القدم المفضلة لديهم

خرجت ثُريا من باب المنزل هي وإحدي العاملات وكلتاهما تحملتان صنيتان موضوع عليهما بعض المعجنات الساخنة والحلوي والمشروبات الباردة المحببة لدي الأطفال

وقف ياسين سريعً وتحدث وهو يحمل الصَنية من يدها:

_عنك يا عمتي :

نظر للمعجنات بتشهي وهو يشتمها وأردف قائلاً بإشادة :

_تسلم إيدك يا عمتي، ريحة الكيك وشكل القراقيش يفتحوا النِفس.

إبتسمت له وتحدثت بحنان:

_بألف هنا علي قلبك يا حبيبي

جري عليها طارق ورائف الذي هتف بسعادة:

_الكيك جه في وقته يا ماما، أنا جعان جداً.

وأكمل طارق علي حديثهُ:

_وأنا كمان، الجري ورا الكورة جوعني

أردفت إليهم بوجهٍ بشوش:

_إدخلوا إغسلوا إديكم علي ما اصحي بابا ونيجي ناكل مع بعض

ونظرت إلي يسرا واسترسلت:

_خدي عمر وشيرين ونرمين وخليهم يغسلوا إديهم كويس يا يُسرا

أجابتها الفتاة:

_حاضر يا ماما

خطت للداخل حتي وصلت لغرفة ذاك الذي يغفو فوق تخته وقت القيلولة، سارت علي أطراف أصابعها حتي بلغت مكانه، جلست بجانبه ووضعت كف يدها علي وجنته وهمست بنعومة:

_عز، عز، إصحي يا حبيبي

حرك أهدابه وبدأ بفتح عيناه، ثم تمطئ بجسده وتحدث بنبرة متحشرجة:

_ الساعة كام يا حبيبتي

أجابته:

_الساعة خمسة والولاد مستنيينك في الجنينة

جذبها من خصرها وثبتها فوق جسده مما جعلها تطلق ضحكة خجولة وتحدثت بتذمر:

_وبعدين معاك يا عز، يلا قوم وبطل جنان

إبتسم لها وهو يرفع رأسهُ ويضع قُبلة سريعة فوق شفتاها:

_وهو فيه أحسن من الجنان معاكي يا حُب عُمري

إبتسمت وأردفت وهي تتملص منه ونزلت بجسدها عنه:

_طب يلا قوم بقا الكيك والقراقيش هيبردوا

إنتفض سريعً وتحدث:

_ طالما فيها كيك وقراقيش يبقا لازم أقوم

وقف قُبالتها وأقترب منها محاوطً خصرها وهمس أمام عيناها:

_بحبك يا ثُريا.

إبتسمت بسعادة واتجه هو إلي الحمام، وبعد قليل كان هو وهي وجميع أطفالهم يجتمعون بالحديقة ويتناولون الطعام في جو ملئ بالأُلفة والحب والسعادة

تحدثت يُسرا إليه بإستفسار:

_ هو إحنا هنروح بكرة نزور جدي ونينا يا عمي؟

أجابها مبتسمً:

_وهو إحنا نقدر نفوت يوم جمعة من غير ما نقضية في بيت العيلة يا يسرا، كان جدك محمد وجدك صلاح يقيموا علينا الحد علي طول

هلل الأطفال وصفقوا بسعادة، بعد مدة إنتهوا من تناول الطعام وقام الأطفال يمرحون من جديد،

وجلس الثنائي يحتسون قهوتهما، تنهد عز وأرجع ظهرهُ للخلف بإسترخاء ونظر لها وتحدث بسعادة وارتياح:

_اللهم لك الحمد والشكر علي كل السعادة اللي منحتها لي

ثم تعمق بعيناها وأردف بهيام:

_وأولهم حبيبة عمري اللي أهدتني حبها ورزقتني رضاها عليا

تنهدت براحة وأمسكت كف يده وأردفت بعيون تقطرُ حنانً :

_إنتَ طيب وحنين وتستاهل كل خير يا عز

واسترسلت بحنان:

_ربنا يخليك لينا ويبارك في عُمرك

أجابها بعيناي سعيدة:

_ويخليكي ليا يا حبيبة قلبى

ثم تنهد ونظر علي الأطفال من حوله وأبتسم برضا وسعادة

تمت الحلقة بحمد الله

إنتظروني وأولي حلقات الجزء السادس من قلوب حائرة 🥰

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى