 
						هياكل النجوم لياسمين رحمي الفصل الخامس
صحيح، إيه هو الكلام اللي كانت بتقوله لبابا قبل ما تفتح الباب وتمشي؟
كانت بتتهمه أنه خبى عليها وإنه اتسبب في موتها، موت أمي، أنا عارفه الحقيقة، جوايا عارفة، ونسيت أو اتناسيت الكلام اللي سمعته من سلمى، أنا أمي…انتحرت!
“سلمى” كانت غضبانة، من المرات القليلة اللي شفتها غضبانة بالشكل ده، كانت يتقول له إزاي يخبي علينا، إزاي ميقولناش الحقيقة، إن ماما موتت نفسها، وإزاي سابها تعمل كده ليه ممنعهاش، أو…كان على هواه؟ سابها قاصد عشان يرتاح منها ومن الوَش اللي كانت عملاه، من نوباتها والفوضى اللي كانت بتعملها وتقلباتها المزاجية، الزعيق والصريخ والعياط والتكسير، يمكن سابها تموت نفسها وقصد ميتدخلش…
ومشيت “سلمى”…. ودي كانت بداية نهاية “سلمى”…
………………………
رجعت الشقة…
كل الألوان باهتة، الدنيا بالأبيض والإسود، مفيش حاجة ليها معنى، وجودي إيه معناه، إيه لازمتي في الحياة…
جت في بالي فكرة ، حاجة معملتهاش من زمان أوي، فتحت كراسة وجبت قلم وابتديت أرسم، من زمان مرسمتش، الناس كانت بتقول لي إني موهوبة لدرجة إنهم كانوا بيتخضوا من رسوماتي، كانت حية أوي، كإنها صورة فوتوجرافية مش رسمة، للأسف أهملت الرسم لدرجة إني ضيعت كل أدواتي، الاستاند اللي كنت بحط عليه الورق ومجموعة الألوان اللي جمعتها في سنين كتير، ومتبقاش معايا غير الكراسة اللي في إيديا وقلم جاف، لكن المَلكة نفسها منستهاش، أول ما القلم اتحط على الورقة إيدي انطلقت…
الليل حل ونعست…..
صحيت قرب الفجر على همهمة، كان في صورة مشوشة قدامي، صورة لواحدة قاعدة على حرف الشباك المفتوح على آخره، “سلمى”!
قمت مفزوعة، مشيت ليها، فجأة سكتت، لفت راسها ليا، ابتسمتلي، سألتني:
-أنا حلوة يا “يمنى”؟
=وهو في أحلى منك، مفيش ست على وجه الأرض في جمالك…
-متبالغيش.
=حقيقي، مش بس ملامحك، ملامحك في اللي أحلى منها، لكن، روحك، تأثيرك غريب، بتسيطري على عيون وأحاسيس أي حد بيشوفك أو بيسمع صوتك، ده أنتي عليكي ضحكة..
-أومال ليه؟….
=ليه إيه؟
-ليه أنا تعيسة؟ ليه مخنوقة كده، ليه بحس إني مش قادرة اتنفس وصدري بيضيق، قوليلي يا “سلمى” أنا ليه تعيسة؟
مستنتش إجابتي، نطت من الشباك!
جريت عليها وأنا بصرخ، بصيت من الشباك لتحت وأنا بندهها، ملقتهاش، ملهاش أثر….
……………………….
مش قادرة، عايزه أخرج، مبقتش قادرة أعيش في الشقة دي ولا قادرة أعيش الحياة دي، مش هبقى ضل لسلمى، مينفعش، لازم كنت أنقذ نفسي، وده مش هيكون غير لما أكون نفسي….أنا خلاص كنت وصلت لقرار، قرار لمستقبلي وحياتي اللي جايه…
………………………
بابا فتحلي الباب، أول ما شافني وشاف الشنطة اللي في إيدي انهار في العياط وأخدني في حضنه…
رجعتله، ورجعت لعقلي…
فضلت قاعدة في حضنه وحكالي…
-كنت بحاول أمنع “سلمى” عن التمثيل، وده عشان كنت عارف الداء اللي فيها، نفس داء أمها، وكل ما كانت هتجري ورا حلم التمثيل كل اما تغذي مرضها، أنا مش أب شرير ولا بقف قصاد مستقبل بناتي عشان تعنت مني، أنا كنت خايف عليكوا، وهو ده بالظبط اللي حصل، إوعي تفتكري إني مصدق إن “سلمى” ماتت في حادثة عربية عادية، “سلمى” مكنتش مركزة وهي سايقة، أنا عارف، في الفترة الأخيرة قبل موتها كنت حاسس، لأ، متأكد إن كان فيها حاجة مش مظبوطة، اكتئابها وصل لمراحل غير مسبوقة، وكان كلامها وردود أفعالها غريبة، كانت مدمنة، على الأقل على المسكنات، وانتي يا “يمنى” خوفي عليكي بقى أضعاف، في الأول أمك وبعدين أختك، مش متبقيلي غيرك…
ضحكت بسخرية وبعدين قلت:
=لا يا بابا متقلقش، أنا معنديش نفس مرضهم عشان مش موهوبة زيهم…
وبعدين رفعت راسي ليه لإني افتكرت حاجة…قلتله:
=الليلة اللي “سلمى” مشيت فيها سمعتها بتتكلم عن موت ماما وإن حضرتك…
-إني سبتها تموت نفسها قاصد عشان أرتاح منها، إنتي متعرفنيش يا “يمنى”؟ تفتكري هموت أمك ولو بالسلب؟
هزيت راسي بنفي ده وأنا مغمضة عنيا…بابا كمل:
-أنا كنت مستعد أكمل باقي حياتي تحت رجليها، كل يوم أقوم أحاول من تاني أخرجها من الاكتئاب المزمن وكل شوية أمنعها عن محاولات الانتحار وعن التخريب وعن أذيتكم، ربنا يعلم إني كنت هكمل حياتي كده عشانكم، ولو أنا وحش بالشكل ده وسبتها تموت عشان أرتاح وأعيش حياتي ليه متجوزتش بعدها؟
=بابا.
-نعم؟
=أنا مش هكمل..
-مش هتكملي؟
=تمثيل، أنا هبطل تمثيل، مش عشان خايفة يحصل لي زي ما حصل لماما و”سلمى”، عشان مش مستعدة أعيش ضل لغيري، أنا عمري ما هيكون ليا أثر في التمثيل بسبب “سلمى”، مفيش نجم هيصمد جنبها، لمعتها مغطية على لمعة كل النجوم، تعرف يا بابا، النجم الضخم بيموت إزاي؟ ولما بيموت بيحصل إيه؟
-قوليلي.
=النجم العملاق لما طاقته بتخلص قوة الجاذبية بتعته بتعلى ونتيجة لده النجم بيتضغط جامد وبينفجر وبيموت وبيتحول لثقب إسود، أو زي ما هسميه هيكل نجم، إنفجار النجم بيبقى رهيب، ما هو عشان النجم نفسه كان ضخم فانفجاره ضخم، والنجم الميت اللي بقى ثقب إسود تأثيره أعلى من ما كان حي، بيجذب ويشفط كل حاجة تيجي في سكته ويدمره، كواكب بقى، نجوم، حتى الضوء مش بيسلم منه، في النهاية قوته وهو ميت أكبر بكتير من قوته وهو حي، دي “سلمى”، “سلمى” على قد تألقها ولمعانها اتضغطت ضغط شديد، كان عندها معارك محدش يعرفها، جمهورها مش شايف غير ضحكتها وخفة دمها وجاذبيتها ولمعانها اللي ملوش زي، ومن كتر الضغط انفجرت وماتت واتحولت لثقب إسود، سيرتها وتأثيرها عند الناس بقى أعلي، الناس حرفيًا بقت مهووسة بيها وأي ممثلة مهما وصلت لو اتقارنت ب”سلمى” هتتسحق، بالذات اللي قريبة منها، أنا، مصيري الدمار لو لعبت في نفس مجالها، عشان كده لازم أبعد، لازم أنقذ نفسي.
شفت بابا بيبتسم، أول مرة أشوف ضحكته من وقت موت “سلمى”، لأ، من وقت موت ماما، كان مرتاح، متطمن عليا، وأنا كمان، حسيت براحة رهيبة لما أخدت القرار….
…………………………
استخدموا وش وجسم “سلمى” بتقنية الذكاء الاصطناعي وعملوا بيها أفلام ومسلسلات جديدة، الموضوع مش بس مرعب لكن مُضلل، الناس لسه بتشوف مرحها وطاقتها وإبداعها، وبيكونوا عايزين يبقوا زيها أو حتى شبهها من بعيد، محدش غيري شاف “سلمى” كلها، محدش غيري يعرفها بجد….
كل حاجة بقت منطقية دلوقتي، الظواهر اللي كانت بتحصل لي في شقة “سلمى”، ظهورها وكلامها ليا، اللي حاولت تعبر عنه، حزنها والتقل اللي كانت شايلاه، الوجه التاني للشهرة والموهبة ولمعة نجمها، محاولتها منعي من إني أنزل وأقابل المنتجين عشان متجرحش، الفلوس الكتير اللي أجبرتني أخدها….كل ده كانت بتحاول توصل لي رسالة وتوجهني لمسار معين، مسار هيكون فيه سعادتي….الرسم….
بالفلوس اللي لقيتها اشتريت شقة وخلتها معرض للرسومات بتاعتي، اللوحات اللي الناس كانت بتنبهر بيها ومش بتصدق إنها مجرد رسم مش صور فوتوغرافية، وأول رسمة حطتها كانت اللي بدأتها بالقلم الجاف على ورقة كراسة، رسمة ل”سلمى” بضحكتها المشهورة، وعلى فكرة أنا وافقت أشارك في الفيلم الوثائقي والناس انبهرت بحضوري وأدائي فيه، الناس لاحظتني ووقعت في حبي! وفي آخر الفيلم صوروا المعرض بتاعي والرسومات اللي فيه وعلى راسهم رسمة “سلمى”، أنا كمان بقيت نجمة، نجمة في مدار مختلف، مداري الخاص اللي “سلمى” مش هتزاحمني فيه، مش هكون ضل ليها، هكون أنا…
من وقت للتاني بصحى على صوت ضحك، ضحك في أركان الأوضة، ضحكة مميزاها كويس، دي ضحكة “سلمى”، الضحكة إياها اللي مفيهاش مرارة ولا ألم ممزوجين بفرحة، ضحكة سعادة خالصة….
“تمت”
اقرأ هنا: ما هو جماع الغيلة

