روايات ياسمين رحمي

رواية هياكل النجوم لياسمين رحمي كاملة

هياكل النجوم لياسمين رحمي الفصل الرابع

-ليه علاقة بالإبداع، أيوه، مرض ثنائي القطب، تركيبة الشخص المبدع بتبقى مختلفة، الشخص اللي عنده ملكة حقيقية، أيًا كانت، دماغي بتشتغل بطريقة غير الباقي، تركيزه، إحساسه، زي كده اللي بيشوف الدنيا بألوانها الطبيعية واللي عنده عمى ألوان، ده نظرته ورؤيته غير ده، مهو عشان يكون مختلف طبيعي إن تركيبته مختلفة، المرض اللي صابنا أنا وأمك هو حالة بتتسبب في تقلبات مزاجية مش متفسرة، هوبا فوق وهوبا تحت، فجأة نحس ببهجة وطاقة عجيبة مش عارفين نوديها فين وفجأة نفقد الاهتمام بالحياة كلها، مرارة بتملى جوفنا، مرارة مفيش حاجة تقدر تخليها تروح، مش بنبقى قادرين نستمتع بحاجة، فاقدين الشغف والرغبة إننا نكمل، حزن ويأس وشك وخوف، مكنتش بقدر أنام ليالي كتير ولا قادرة أتحرك ولا قادرة أخد قرارات ولا أفكر، مش فاكرة لما كان بيحصل لي كده؟

=أكيد فاكرة، كنت ببقى خايفة منك وعليكي ومش عارفة أتصرف إزاي، عاجزة، مش قادرة أساعدك…

مردتش عليا، أنا مكنتش باصلها في الوقت ده فرجعت بصيت ناحيتها، مكنتش موجودة!

ندهت:

=سلمى؟

مفيش استجابة، بدأت اشك في نفسي، هو قرار اني اتنقل للشقة دي كان صح؟ ويا ترى إيه هيبقى مصيري لو فضلت قاعدة؟

رجعت نمت تاني، نمت بعمق لحد قرب الضهر…

صحيت على مكالمة من رقم غريب، كانت جهة إنتاج، الشخص اللي اتكلم قال إنه عايزني في شغل….

قلبي كان هيقف من الفرحة! الحمد لله، وأنا اللي كنت فاكرة إني انتهيت بعد ما عرض المسرحية وقف…

اخدت منه عنوان الشركة….قمت عملت القهوة بسرعة وفتحت الدولاب، ملقتش حاجة مناسبة، عايزه حاجة أشيك من اللي عندي، فستان راقي مثلًا…

عيني جت على فساتينها، طول عمر “سلمى” ذوقها عالي أوي، نزلت من على الشماعات كذا فستان من بتوعها، وقفت أبص عليهم وفي الآخر اخترت واحد، لبسته وحطيت مكياج رقيق يليق على الفستان ونقيت شنطة، برضه من شنط “سلمى” وجزمة من جزمها….

مشيت لباب الشقة لكن مكملتش، وده لإن فازا كريستال من اللي كانوا على دولاب صغير جنب الباب وقعت على الأرض وادشدشت، الفازا مكنتش على الحرف، مش ممكن تكون اتحركت من نفسها! كإن في حد مسكها بغضب ووقعها على الأرض…

طلعت مني صرخة عالية، فضلت باصة على الشظايا على الأرض، شايفة فيهم انعكاسي، انعكاسي المشوه…

اتوغوشت، بعد ما كنت متحمسة للمشوار، قلبي أكلني، ومع ذلك، فتحت الباب وخرجت….

كل اللي قابلتهم وأنا طالعة الشركة كانوا بيبصولي بإعجاب، رجالة وستات، كبار وصغيرين، وطبعًا فرحت بده، أكيد زي ما الناس منبهرة بطلتي المنتج كمان هينبهر وهيتأكد إنه أخد القرار الصح بأنه عينني لبطولة العمل اللي جايه عشانه…

اتنين استقبلوني استقبال حار، شاورولي عشان أقعد، قدرت أميز من أول لقطة إن الجهة دي محترمة، ناس مثقفين وراقيين، إسلوبهم وطريقة كلامهم، حتى اللغة بتاعتهم…

وأخيرًا جه وقت الكلام في الشغل، واحد منهم قال لي:

-إحنا عايزين نعمل فيلم وثائقي…عن “سلمى”…

بعد ما كانت ابتسامتي واسعة ضاقت شوية فشوية والدموع ملت عنيا، فضلت ساكتة، مصدومة، مش مستوعبة ومش عارفة أرد أقول إيه…

التاني كمل وقال:

-عايزينك طبعًا تتكلمي عنها، إنتي هتبقي أهم عنصر في الوثائقي، إنتي أختها، هنحضر الماتيريال مع بعض، هتسجليلنا بصوتك كل اللي ييجي في بالك عن “سلمى”، ذكرياتكم مع بعض من وأنتوا أطفال، طباعها، عاداتها، إمتى بدأ شغفها بالتمثيل، كانت عاملة إزاي معاكم في البيت ومع صحابها، إحساسكم لما جالكم خبر موتها، كل حاجة تيجي في بالك.

مردتش، هنجت، يدوبك بس عنيا بتطرف، الاتنين بصولي باستغراب بيحاولوا يستوعبوني، في الآخر رديت عليهم:

=هفكر وأرجع اكلمكم.

ونزلت من عندهم…معقولة؟ الفازا؟ كان في حاجة بتحاول تمنعني من المقابلة؟ “سلمى”؟

إحساسي مكنش يتوصف، كإني…ولا حاجة، أنا ولا حاجة، غير مرئية، مليش وجود، محدش مهتم بيا ولا شايفني، الناس ممكن تعدي من خلالي عادي، بس أنا برضه ممثلة وجميلة وعندي إمكانيات وطاقة….ميهمش، كل ده ميهمش، عشان أنا أخت “سلمى الخياط”، وده هيخليني مهمشة طول العمر، الناس مش هتشوف مني فايدة غير أي حاجة ليها علاقة بيها، زي كده الفيلم الوثائقي اللي عايزنني فيه، مش عشان أنا “يمنى الخياط” الممثلة، عشان أنا أخت “سلمى الخياط”…

كنت زي المتبنجة، مش في الدنيا، ماشية كده في الشارع من غير إحساس، من غير حس بالاتجاهات، لحد ما في حاجة وقفتني…

لوحة إعلانات ضخمة كانت بتعرض مشاهد ل”سلمى”، “سلمى” كانت بتضحك، الضحكة المعتادة، الضحكة دي اللي بتنافس الشمس في إشراقها وبتدوب الجليد، أنا واقفة والانعكاس على اللوحة “سلمى”، و”سلمى” مغطياني، مش شايفة نفسي، مش شايفة انعكاسي، أنا…مليش وجود…

بس لاحظت حاجة تانية، “سلمى” في المشاهد دي كانت عاملة قُصة، شكلها هنا يشبه شكلها وهي عندها 19 سنة، كانت عاملة نفس اللوك…

وده خلاني افتكر مشهد، لما صحيت على زعيقها وزعيق بابا ولقيتها جاره شنطة وبتخرج من البيت…

مش قادرة أنسى منظرها، الدموع كانت مالية عنيها ونظراتها كانت كلها عتاب لبابا وحزن، حزن رهيب، حزن يشرخ القلوب، “سلمى” خرجت ومرجعتش تاني، رجعت بس كضيفة، واحدة من الزوار، دي كانت المرة اللي قررت فيها تعيش لوحدها، عيلة صغيرة عندها 19 سنة بس لكن سابت البيت واشترت شقة، نفسها الشقة اللي اتنقلت أنا ليها بعد موتها.

وعشان مكنتش وصلت للسن القانوني فخلت واحدة من صحباتها تشتريها باسمها ورجعت اشترتها هي أول ما تمت 21، صحيح “سلمى” كانت بقت نجمة في السن ده، أكتر ممثلة محبوبة في الوطن العربي، صحيح كانت بتعمل أدوار أكبر من سنها، ونضجها الفني وقعدتها في البرامج برزانتها وشقاوتها مع بعض وارائها كله يوحي بإنها أكبر من عمرها.

بس في الآخر كانت عيلة، مهزوزة، جواها مخاوف كتير، محتاجة حنان الأب والأم والأسرة، وعيشتها لوحدها مكنتش سهلة أبدًا، خصوصًا مع مرضها النفسي، اللي بيخلي كل حاجة حادة عن المعتاد، زي كده وصف مصاصين الدماء في الأفلام والمسلسلات، كل حاجة بتتعظم، الخوف، الحزن، الصدمة، أضعاف أضعاف الشخص العادي، كتير كانت بتقضي الليالي في عز الحر وهي مغطية نفسها من ساسها لراسها من الخوف، وليالي تانية كانت بتدخل في نوبة عياط بتستمر معاها للصبح…

تابع هنا: رواية الأربعيني الأعزب لأية محمد

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى