 
						الفصل الرابع من قصة الدكتور والراقصة
من ساعة ما رجعت والقصة فضلت تدور في دماغي مرة ورا مرة، كل تفصيلة فيها ، والبيت واللي حصل لي فيه، جمعت شوية حاجات مكنتش مجمعها في وقت الجولة زي مثلًا إن “مازن” لما جه من القهوة وكان غريب كده ومش بيتكلم وقعد على الكنبة وإيده باردة واختفى فجأة، ده كله عشان ده مكنش “مازن” وكان واضح من تعابيره لما واجهته باللي حصل إن في حاجة غلط بس هو مرضاش يقول لي، والدكتور والشاب اللي هاجمني وصوت الغنا، الصوت كان بتاع “عنايات”، والشاب اللي هاجمني كان عشيقها، البيت ده مسكون وش! كلام الناس عنه صح وفي الغالب “مازن” عارف بس متخيلش إننا ممكن نحس بالظواهر الغريبة في الشوية اللي هنقعدهم فيه…
في فكرة فضلت تكبر وتكبر لحد ما حطيتها هدف قدامي، هنفذها يعني هنفذها…
في يوم طلبت “مازن” وجالي بعربيته، سألني هنروح فين قلتله لما أركب معاه هقول له…
لما ركبت سألني تاني، رديت عليه:
=المقابر.
وقف العربية ولف وبصلي بإندهاش:
-هنروح فين؟
=المقابر.
-المقابر؟
=اه يا “مازن” مالك، هيجولنا على هناك.
-هم مين؟
=عساكر وظباط والناس اللي هتحفر وتطلع الجثة، قصدي بواقي الجثة.
-جثة إيه؟
=يوه، أنت بتسأل كتير ليه مانت هتعرف كل حاجة كمان شوية..
وروحنا على المدفن، وخرجنا عضم جثة “عنايات”، كان ليا غرض معين، وبعدها خليت “مازن” يطلع على المتحف وورانا عربية شرطة وصادرنا العلب الإزاز اللي جواها أنسجة من “عنايات”، وكلهم راحوا على الطب الشرعي…
النتايج جت بعد أيام، كانت متوافقة مع الحدس اللي جوايا، الصوت الصغير المكتوم فيا، وهي إن الجثة اللي كانت مدفونة قدام الدفاية من أكتر من 100 سنة كانت بتاعة العشيق مش “عنايات”!
أنا مسكت السجلات من 100 السنة، سجلات السكان اللي كانوا عايشين في بورسعيد ولقيت “ممدوح الدويكي” بعد تدوير كتير، ده اللي هو العشيق بتاع “عنايات”، عرفت إنه اختفى فجأة في عز شبابه، اختفى في نفس الوقت اللي كان فيه على علاقة ب”عنايات”، عرفت بعد ما طلعت عيني ألاقي قرايب ليه، أحفاد اخواته، عايشين في المطرية، وبمقارنة ال”دي إن إيه” بتوعهم والدي إن إيه بتاعه، اللي جبناه من الأنسجة لقينا مطابقة! ده غير إن بفحص الحوض اللي كان من ضمن الأجزاء المدفونة في المقبرة إتبين إنه لراجل مش ست، بواقي الجثة اللي كانت مدفونة قدام الدفاية كانت ل”ممدوح”…
طيب أنا ليه كان عندي الحدس ده؟ عشان “مؤنس” اتفقش وهو بيحاول يهرب، يهج من البلد، واحد زي ده، خايف من التهمة اللي هتلزق عليه، هيبقى عنده الروقان إنه يقتل مراته ويقطع جثتها ويدفن أجزاء منها في بيته، مش دي دوشة جامدة بالنسبة لواحد مش عايز شوشرة؟ ليه مدفنش مراته في مكان بعيد عنه، وليه يقطعها بالشكل ده؟
من الحجج اللي كانت ضد “مؤنس” التقطيع نفسه، تقطيع الجثة بشكل محترف وده يدل إن اللي عمل كده جراح، وفي دي هم صح، “مؤنس” فعلًا قطع جثة “ممدوح” بس بعد موته ومكنش ليه علاقة بقتله…
أنا كنت شايف قتل “عنايات” ودفنها في نفس البيت مش منطقي، زائد شبح “ممدوح” اللي هاجمني، الشبح كان غضبان، إشمعنى هو اللي ظهرلي، وعند الدفاية؟ في نفس موقع دفن الجثة زمان…
أما بقى بالنسبة لقصة “عنايات” مع العشيق فنهايتها مكنتش الانفصال زي ما أنا كنت متخيل، “ممدوح” اتصدم لما “عنايات” زهقت من العلاقة وقالتله إنها مش عايزه تكمل معاه، المناقشة ما بينهم اتطورت لحد الغلط، وهو بما إنه ملاكم اتهور وراح يضربها فمسكت فازة أو تحفة من اللي في البيت وضربته على راسه بيها ووقع ميت، سايح في دمه، ولما “مؤنس” ظهر أجبرته على إنه يخفي الجثة، إزاي أقنعته؟ قالتله إنها هتبلغ عنه وهتتهمه هو بقتل “ممدوح” لإنه عنده سبب قوي لقتله، “الغيرة”، إكتشافه أو شكه في علاقة ما بين الراجل ده ومراته، وهي كان عندها قدرات تمثيلية رهيبة، ما هي فنانة بقى، وهي اللي وجهته لكل حاجة، التقطيع والحفر والدفن، وكانت بتتلذذ بده، التفاصيل…الاحتفاظ بالجذع وتفريغه من الأعضاء ما عدا القلب اللي اتدفن معاه ومع الأطراف والكبد والتخلص من الباقي في مكان ما في المدافن والإصرار على دفن الأجزاء دي عندهم، في البيت! كل ده تحت القهر والابتزاز، “عنايات” هي اللي كانت مريضة، هي اللي حست بنشوة لإن جوزها دفن عشيقها وفي بيتهم وبالطريقة السادية دي، وأكيد كمان ضافت التفصيلة المريضة بتاعة رمي الفستان مع الجثة المتقطعة، بكده حست بأهميتها وبسيطرتها على الكون اللي بيدور حواليها وبأنوثتها… وفي الليلة اللي كانو عازمين فيها صحابهم، الليلة إياها اللي رفعت فيها صورة “ممدوح” وفكرت “مؤنس” بيه، دي كانت بعد حفلة القتل والتقطيع بفترة، بتتباهى بعشيقها اللي قتلته وبتفكر جوزها المقهور بجاذبيتها الطاغية حتى بالنسبة للشباب الصغير…
وفي يوم بعد ما جابت آخرها من “مؤنس”، أو بمعنى أصح جابت آخره، خلته يصرف عليها مصاريف مهولة، وجابلها مجوهرات ودهب وأداها فلوس وكتب بإسمها أراضي تكفيها العمر كله وأعمار من بعدها، قررت إنها هتمشي وتسيبه…
مش بس كده، دي كانت مدركة إنه هيُتهم فيها، الناس في بورسعيد هيفتكروا إنه قتلها وهيلاقوا بواقي جثة العشيق وهيتعدم، وده بالظبط اللي كانت عايزاه، انتقامًا بقى لشبابها وسنينها الضايعة أو أيًا كان اللي دماغها المريضة هيأتهولها….
طب أنا عرفت كل التفاصيل دي إزاي؟ تخيلت!
مفيش سجلات بتذكر التفاصيل دي كلها، مفيش غير إننا عرفنا إن المدفون في البيت هو “ممدوح” وإن “مؤنس” مقتلش “عنايات” واكيد مقتلش “ممدوح”، الخطوط العريضة بقت معروفة، إن “مؤنس” بريء، لكن تفاصيل قتل “ممدوح” وهروب “عنايات” بالجريمة الكاملة هي اللي مجهولة، لكن أنا استنتجتها من زيارتي للبيت ومعرفتي بقصتهم، بشخصياتهم وبمساراتهم اللي في الآخر ممكن توديهم لفين…
الغريبة بقى إن المحاضر مذكرتش إن “مؤنس” قال قصة العشيق، إنه هو اللي مدفون في البيت مش “عنايات”، هو بس اكتفى بإصراره على براءته من قتل عنايات، لحد المحاكمة، لحد إعدامه كان مُصر إنه مقتلهاش، يمكن كان حاسس بالخزي، الموت عنده أهون من إن الحقيقة تتكشف؟ من أول ما مراته دخلت في علاقة وهي على ذمته وإزاي كان عارف، ومسلم ومذلول، وشخصيته ممسوحة، وقتلها للعشيق ومساعدتها في التخلص من جثته وتستره عليها، برضه عشان مهزوز وضعيف، حتى لما كرهها كان لسه خاضع لسيطرتها، لسه خايف، الخوف بس اتغير، من خوفه إنه يخسرها لخوفه منها، مين عارف يمكن لو كانت فضلت معاه أكتر كان فكر يقتلها، ينتقم أخيرًا لنفسه، لشرفه وكرامته وسنينه الضايعة، بس الواقع إنه مقتلهاش، مقتلش حد…
أنا آسف يا “مؤنس” مقدرش أخبي الحقيقة أكتر من كده، لازم أبرأك ولو بعد موتك بأكتر من 100 سنة، القضية دي لازم تتقفل والحقيقة تطلع للنور، كفاية خوف يا “مؤنس”، عشت ومت وأنت خايف، أعذرني لازم أعرف الكل إنك بريء، وإن الشيطانة عاشت بعدك وبعد “ممدوح”، ويمكن كمان عاشتها بالطول والعرض، سافرت أحسن الأماكن، اتجوزت وخلفت، واتهنت بثروتها، قصدي ثروتك، ولو بعد حين لازم الستارة تتكشف والناس تعرف إنها كانت مجرمة، سادية ومريضة وسايكو ومُلعب…
أرجوك تسامحني…..
“تمت”

