روايات ياسمين رحمي

قصة غرفة الدردشة لياسمين رحمي كاملة

الفصل الثالث من قصة غرفة الدردشة لياسمين رحمي

الست مقعدتش كتير، كانت مستنية الشيك، جالها ودفعت ومشيت، الراجل أكله جه، قام واختفى، باين راح الحمام ورجع، خلص أكله واتكل على الله، أما الشباب فكانوا لازقين بغرا، خلصوا أكلهم وأخدوا كمان مشاريب وفضلوا قاعدين، بصوتهم العالي وكلامهم الزفر، كل شوية “ناجي” كان يعدي من قدامهم أو يروح يسألهم إذا كانوا عايزين طلبات تانية، اللي هو بيطردهم بالذوق، لكن البُعدا مبيحسوش، وواضح إنه كان نبيه كفاية عشان يميز إنه مينفعش يبقى صريح معاهم أو يطلب منهم بأي شكل يمشوا لأنهم عيال بتوع مشاكل، أنا بدأت أنعس، النوم حل عليا بشكل مش طبيعي، عيني بقت تغفل وكل شوية أفتحها، لحد ما أخيرًا العيال حسوا على دمهم ومشيوا، الساعة كانت عدت 10، متأخر أوي، أصل المسافة ما بين المكان وبيتي كبيرة وإحنا في عز الشتا، الجو تلج وكئيب وموحش….

“ناجي” قعد قدامي، كان باين عليه منهك، اعتذر عن التأخير، وبعدين قال:

-ناكل الأول، لازم تاكل حاجة على حسابي.

=بقولك إيه، أكل إيه اللي هتجيبه، كفاية كده، قول لي جبتني ليه؟

-طيب على الأقل نشرب، هوم أجيب الميلك شيك، هو جاهز.

وقام ورجع بعد دقيقتين، مد إيده ليا بالميلك شيك وابتدى يشرب بتاعه.

رفعته وأنا ببتسم وقلت:

=شكرًا.

-العفو، كده كده مش متكلف حاجة، ده هدية….

=تمام يا ناجي، خير، أنا هفضل أندهلك بناجي مش كده، مفيش داعي نقول أسمائنا الحقيقية.

-أنا ناجي فعلًا، ده اسمي، وبشتغل في محل للفراخ المقلية زي ما أنت شايف، مضحكتش عليكم في حاجة، لكن….أنت لازم تعرف يا “ألفي”.

كنت مركز، مركز معاه أوي، عيني مش بتنزل من عليه، بس….”ناجي” بقى في شكل هندسي، مثلث! والمثلث بقى جواه مثلث تاني، وتالت، والمثلثات اتحركت، لفت واتشقلبت والأرض مشيت من تحتي، وفضلت تتحرك وتتحرك كإنها سلم متحرك وبعدين….ضلمة….

……………………….

صداع رهيب! فتحت عيني بالعافية، ومش كلها، مش عارف أفتحها كما يجب، الرؤية مشوشة ودماغي تقيلة، قدرت أميز حاجة على الأرض، مش واثق هي إيه، ولا أنا متهيألي ودي مجرد جزء من الأرضية؟

سامع صدى أصوات، دوشة، بس محجوبة بشكل كبير، ودني مش سامعة كويس كإني جوه مايه، وأخيرًا فتحت، عيني بقت شايفة بوضوح، واللي كان مرمي على الأرض جثة! أنا فين؟

قاعد على كرسي وقدامي طرابيزة، إمتى جيت هنا وليه؟

أيوه، افتكرت، جيت عشان “ناجي” طلب إنه يشوفني وده المحل اللي بيشتغل فيه، “ناجي”؟ يا خبر، “ناجي” هو اللي على الأرض.

زحفت ناحيته، فعلًا كان جثة، نفسه مقطوع ووشه شاحب، والدوشة، دول الناس المتجمعين بره المحل، اللي شافوه من خلال الإزاز وكانوا عايزين يفهموا في إيه، ولسه مكنوش عارفين يدخلوا، باب المطعم اتكسر والأفواج دخلت تجري، بصتلهم بذعر، طبيعي، أنا بس اللي موجود مع “ناجي” يبقى مين اللي مسؤول عن موته؟ هو صحيح مات إزاي؟

وفعلًا الناس بعد ما حاولت تفوقه واكتشفوا إنه ميت، بصولي كلهم مرة واحدة، سنانهم بدأت تجز في بعضها وعنيهم كانت هتاكلني، زحفت لورا وأنا بخبي وشي وبقول:

=أااا…نا معملتش…

وقبل ما أخلص الجملة سمعت سرينة عربية الشرطة بره المحل، ولقيت عساكر وظباط داخلين…

أخدوني وروحت القسم….

قلتلهم كل اللي حصل، إني دوخت ومدرتش بالدنيا وتاني يوم صحيت بدري ولقيت “ناجي” بالشكل ده، المفاجأة إنهم صدقوني لإن اتعمل لي تحاليل وطلع إني في مخدر في جسمي! أنا اتخدرت و”ناجي” اتسمم، “ناجي” اتقتل!

-إيه علاقتك ب”ناجي”؟

الصوت بعيد ومشوش، لسه دماغي مش مظبوطة، المرة دي مش من التخدير، من الصدمة…

ده كان ظابط التحقيق…جاوبته بكل اللي أعرفه، قلتله على غرفة الدردشة وإن كل محادثتنا قبل كده كانت لطيفة جدًا، وإن “ناجي” كان مصر يشوفني عشان يقول لي على حاجة قبل ما يموت، وأنا ملحقتش أعرفها……

……………………………

-“ناجي” و “ألفي” فين، مختفيين ليه من غرفة الدردشة؟

دي “لاميس” بعتت رسالة صوتية، سمعتها ومكنتش عارف أرد، هقول لهم إيه…

بعد ما اتمالكت نفسي رديت:

=أنا عندي أخبار مش كويسة، “ناجي” مات.

صمت….الاتنين سكتوا، كإنهم مش مستوعبين الخبر…أخيرًا “رأفت” رد:

-إزاي؟

=لسه الشرطة بتحقق.

وقتها حصلت حاجة مش متوقعة، لقيت رسالة خاصة وكانت من “رأفت”!

قال لي فيها:

-ليكون المترصد هو اللي قتله؟

المترصد؟! مترصد إيه؟؟؟

رديت عليه:

=مين المترصد؟

-“ناجي” حكالي إنه كان حاسس إنه متراقب، في حد بيترصد له وكان خايف أوي، أنا بصراحة كنت فاكر إنه بيتهيأله، عنده نوع من الوسواس القهري وإن الشخصية دي اخترعها ومش حقيقية.

تلقائيًا رجعت لليلتها، ليلة ما قابلت “ناجي”، خاصة النص ساعة الأخيرة، قبل ما يقعد معايا….

3 طرابيزات، شابين قاعدين مع بعض على طرابيزة صوتهم عالي وبيشتموا في وسط كلامهم شتايم جريئة، وواضح إنهم بتوع مشاكل، ست في الستينات قاعدة لوحدها على طرابيزة تانية، سرحانة، كل شوية تمد إيدها على طرحتها وتعدل فيها أو تحسس على وشها، راجل قاعد لوحده على طرابيزة تالتة لابس جاكيت منفوخ ونضارة، في حاله ومستني طلبه…..

لأ استنى، إرجع تاني كده، بالراحة يا “مروان”، ركز….

الشابين، عيال مكملوش ال15 سنة، واحد منهم عنده جرح على حاجبه، أكيد بسبب خناقة، تصرفاته وهيئته توحي بكده، التاني مش مظبوط! طريقة كلامه، إسلوبه، بيتكلم بسرعة مبالغ فيها، وحركة جسمه وضحكته هستيرية، متعاطى حاجة!

الطرابيزة التانية ست سرحانه، عنيها شاردة، باين عليها الصدمة والتوهة، حركتها غريبة، كل شوية تمد إيدها على طرحتها وتعدل فيها أو تحسس على وشها، مش متزنة، أبدًا….

الطرابيزة التالتة، راجل قاعد لوحده، لابس نضارة، هادي، هادي بزيادة، ما طبيعي قاعد لوحده، هيتكلم مع مين؟ لكن لأ، مش الهدوء ده، المود العام، كإن نمطه ممل، حياته راكدة، واضح إنه متعود ياكل لوحده، ملامحه وتعبيراته جامدة، تحسه زهقان وهو نفسه ممل….

لو قصة المترصد حقيقية يا ترى مين في دول؟ مين فيهم المترصد؟ ولا حد غيرهم، حد مكنتش أنا شايفه؟

وليه، ليه أنا المشروب بتاعي كان فيه مخدر وليه بتاع “ناجي” كان فيه سم؟

ثانية واحدة، هي كانت صدفة؟ ده سيناريو مرعب! يعني القاتل مكنش فارق معاه مين فينا يموت، ولو كنت أنا اللي أخدت الميلك شيك بتاع “ناجي” كان زمان الأدوار متبدلة، وهو اللي بيدور مكاني على الحقيقة….ولا متكونش صدفة، وده برضه سيناريو مرعب، القاتل كان عارف بالظبط مين فينا هياخد أنهي مشروب وكان مستهدف “ناجي”، لكن إزاي عرف مين هياخد أنهي كوباية وإزاي قدر يحط المواد في المشاريب؟ ثواني…

ارجع تاني كده يا “مروان”، “ناجي” بيمد إيده بالميلك شيك، بشكره وبيرد عليا:

-العفو، كده كده مش متكلف حاجة، ده هدية….

هدية، هدية! الميلك شيك حد ادهوله، ومش أي حد، ده حد يعرفه كويس، عشان أكيد كل ميلك شيك كان بنكهة وهو عارف ذوق “ناجي”، عارف هيختار أنهي واحد، مش صدفة أبدًا!

جميل، وبعد اللي وصلتله ده، أنا برضه موصلتش لحاجة، مين قتله وإيه علاقة القتل باللي كان هيقولهولي ليلتها وليه القاتل كان عايز يخلص مني برضه بإنه يدبسني في الجريمة؟

……………………………..

فات كام يوم، محصلش فيهم حاجة جديدة، لحد ما في يوم لقيت رسالة مبعوتالي، الرسالة كانت من “لاميس”، على الخاص!

لقيتها بتسألني إذا كان “ناجي” اتكلم معايا قبل ما يموت…..

الله!

ليه بتتكلم معايا على الخاص؟ ليه مش في غرفة الدردشة؟؟

قلتلها:

=لأ، هو اتكلم معاكي؟

-اه!

=قال لك إيه؟ كان بيكلمك في رسايل خاصة؟

-أيوه…

=”رأفت” بيقول إنه حكاله عن حد بيترصدله.

-لأ، مفيش حد كان بيترصدله، “ناجي” كان عنده مشاكل كتير…..

نص كلامها سمعته والنص التاني ولا كإن، سرحت، مسمعتهاش، مسمعتش غير صوت الأفكار اللي في دماغي، هو “ناجي” كان بيتكلم معانا احنا التلاتة على الخاص؟!

إزاي يبعتلي ويقول إنه عايز يشوفني ويتكلم معايا عشان بيثق فيا أنا وبس، ويطلع بيكلم الاتنين التانيين في محادثات شخصية؟

رجعت فتحت الرسالة الصوتية بتاعة “لاميس” تاني، كانت بتقول فيها:

-“ناجي” كان عنده مشاكل كتير، وراه التزامات وديون بتاعة أهله، والمؤجر كان بيهددهم يطردهم من البيت وكان عايز يجمع فلوس بأي طريقة، أنا….كنت بدأت أقلق من تفكيره وحذرته من إنه يمشي في أي سكة بطالة…

=لاميس، أنا في دوامة، مش فاهم حاجة، حرفيًا الأرض بتجري من تحتي وحاسس دماغي هتنفجر، معنى اللي بتقوليه إن “ناجي” كان بيلعب بينا إحنا التلاتة، بس إيه هي اللعبة، مش فاهمها! ومعنى كلامك برضه إنه كان ناويلي أنا على شر، كان قصده مثلًا يأذيني؟ عشان كده طلب يقابلني؟ كان متفق مع حد يعملوا فيا حاجة وبعدين اللي متفق معاهم غيروا رأيهم وقتلوه؟ طب ليه؟ ليه كانوا هيقتلوني وليه شريكه ولا شركائه غيروا رأيهم؟ كانوا ناويين يسرقوني؟ وبعدين اختلفوا وقرروا يغدروا بيه؟

لاميس مردتش عليا! سمعت الرسالة ومردتش…

أول مرة أتحط في موقف زي ده، حاسس بالخطر وأنا مش عارف مصدره، مش قادر أشاور على الجاني، ومش مآمن حتى أغوص في النوم، حاسس إني مستهدف لسبب مجهول….

كنت في حالة ما بين الصحيان والنوم لما ظهر قدامي مشهد، المشهد كان متجسد، واضح بكل تفاصيله مش ناقص غير إني ألمسه….

“ناجي” بيمد إيده ليا بالميلك شيك وبيبدا يشرب بتاعه

أنا برفع كوبايتي وببتسم وبقول:

=شكرًا.

-العفو، كده كده مش متكلف حاجة، ده هدية….

=تمام يا ناجي، خير، أنا هفضل أندهلك بناجي مش كده، مفيش داعي نقول أسمائنا الحقيقية.

-أنا ناجي فعلًا، ده اسمي، وبشتغل في محل للفراخ المقلية زي ما أنت شايف، مضحكتش عليكم في حاجة، لكن….أنت لازم تعرف يا “ألفي”.

ارجع لورا شوية يا “مروان”، كام ثانية….

-أنا ناجي فعلًا… ده اسمي… وبشتغل في محل للفراخ المقلية زي ما أنت شايف… مضحكتش عليكم في حاجة.

هل معقول حد بالوضوح ده يكون متلاعب؟ “ناجي” مكدبش في ولا معلومة قالهالنا، هل من المنطقي نفس الشخصية تكلم كل واحد لوحده وتخلق حوارات؟ ونفسه هو يكون عايز يأذيني ويخطفني؟

قطع أفكاري صوت جي من بعيد، باب الشقة، كإن حد بيحاول يفتحه!

قمت من السرير بترنح كإني متخدر، فضلت أمشي تجاه الباب ولما قربت سمعت الأصوات بوضوح، في حد كان بيحاول يفتح الباب فعلًا!!

زعقت:

=مييين؟

محدش رد والخروشة اللي في الباب وقفت.

لحظات من الهدوء التام المريب، مفيش غي صوت قلبي هو اللي عالي من الخوف….بصيت من العين السحرية في الباب ملقتش حد…..

لفيت وكنت مستعد أمشي ناحية أوضتي لولا إني إفتكرت حاجة، هو كان في حد، على بعد خطوات، قريب من الشقة اللي قدامي، ولا دي تهيؤات؟

رجعت بصيت تاني في العين واتأكدت، في واحد فعلًا مديني ضهره ومتوجه ناحية باب الشقة اللي قدامنا، بس هو مش بيدخل ليه؟ إيه اللي موقفه بالشكل ده وفي الساعة دي؟

اتجرأت وفتحت الباب….

الراجل لفلي، كان في ابتسامة لزجة على وشه ومعاه سلسلة مفاتيح، قال:

-أزعجتك، آسف….هو أنهي شقة في دول شقة الدكتور عزمي؟

الدكتور عزمي؟ مفيش حد أعرفه في العمارة بالاسم ده، على الأقل متأكد إن مفيش حد في دورنا اسمه عزمي…

جاوبته:

=مفيش.

-الله، إيه اللخبطة دي، الدكتور عزمي قريبي وعدى عليا قبل ما يسافر وإداني  مفاتيح شقته وقال لي أشيك على الشقة وأاكل العصافير.

=يمكن عمارة تانية.

-يمكن، واضح إني اتلخبطت، آسف مرة تانية على الإزعاج…

كان بيقرب مني وهو بيقول جملته الأخيرة وزي ما يكون كان عايز يقول حاجة تانية، لكن في جار لينا ظهر، كان ماشي في اتجاه شقته، الراجل وقف وشكله ارتبك وخد بعضه ومشي!

غريبة! ده كان عمال يقرب عليا وكنت حاسس إنه هيطلب يتضايف عندي، يشرب ميه مثلًا أو يقعد يرتاح، ليه غير رأيه لما شاف الجار؟

استغربت بس عادي مركزتش أوي، مجمعتش غير لما مشي، الهيئة دي شفتها قبل كده…

ركز يا “مروان” ارجع هناك….

3 طرابيزات، شابين قاعدين مع بعض على طرابيزة صوتهم عالي وبيشتموا في وسط كلامهم شتايم جريئة، وواضح كده إنهم لبط وبتوع مشاكل، وفي ست في الستينات قاعدة لوحدها على طرابيزة تانية، سرحانة، كل شوية تمد إيدها على طرحتها وتعدل فيها أو تحسس على وشها، وراجل قاعد لوحده على طرابيزة تالتة باين عليه في الخمسينات، مليان حبتين ولابس جاكيت منفوخ ونضارة، في حاله ومستني طلبه…..

ارجع لحظات كده، أايوه، راجل في الخمسينات، مليان ولابس جاكيت ونضارة، هو، هو!

هو نفسه اللي كان هنا من شوية، وبعدين، مفتاح إيه اللي كان بيتكلم عنه؟ أنا سمعت صوت خروشة في الباب، مش حد بيحاول يفتح بمفتاح، ده كان بيحاول يكسره بطريقة ما ويدخل!

تابع الفصل الرابع

الصفحة السابقة 1 2 3 4الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى