روايات ياسمين رحمي

قصة غرفة الدردشة لياسمين رحمي كاملة

الفصل الثاني من قصة غرفة الدردشة

-“أنا عارفة إننا اتفقنا منقولش أسمائنا ولا تفاصيل عننا بس نميز بعض إزاي؟ لو عايزين نوجه كلام لبعض نقول إيه”

دي كانت البنت، لقيت موبايلي بيتهز جنبي الصبح بدري، قمت مخضوض، بصيت فيه ولقيت رسالة من غرفة الدردشة، الساعة مجتش لسه 7 الصبح، قبل ما المنبه يرن بساعة، عيني كانت نص مغمضة وأنا ببص على الرسالة، قعدت ثواني عبال ما استوعبت إيه ده وبعدها عيني فتحت شوية شوية وعقلي ابتدى يترجم…..

صحيح، إحنا عندنا مشكلة في التواصل بسبب قلة الأسماء دي، لكن مينفعش نكشف عن اسمائنا الحقيقية، ده كان الاتفاق….

البنت كملت:

“إيه رأيكم نختار ألقاب أو أسماء مزيفة، كل واحد يختار له إسم، أنا هسميني لاميس، مستنياكم تقولولي اسمائكم المزيفة……”

ممسكتش تاني الموبايل غير لما روحت الشغل، معرفش ليه بس وصلت لمستوى أعلى من التحمس، كنت ببص للدردشة وأنا ببتسم ومنتهى الانشكاح، عجبتني فكرة الهويات المزيفة، إن يبقى ليا اسم من اختياري، ولأول مرة من يومين أشارك في الكلام….

بما إن هختارلي إسم يبقى أنقي بقى، حاجة كده فخامة وشياكة من زمن البشاوات:

=”ألفي” إسمي “الفي”.

واحد تاني رد علطول:

-وأنااااا ناجي.

التالت قال:

-رأفت.

وأخيرًا البنت ردت:

-وأنا زي ما قلتلكم “لاميس”.

ومن هنا غرفة الدردشة أخدت منحنى تاني خالص….زي ما يكون الحدود ما بينا اتكسرت بعد ما قلنا اسمائنا حتى لو أسماء مستعارة، بقينا أقرب لبعض بكتير وبسرعة أوي، خلاص تخطيت فكرة إني أكبر واحد فيهم، وحسيت إني زي الأخ الكبير، صحيح محدش قال سنه لكن واضح جدًا من أصواتهم وأساليبهم.

وده اللي خلاني سرحان، وفي عالم التاني ليلة راس السنة، حواليا مكنوش بس زمايلي، كان في زحمة رهيبة، ناس كتير متجمعة في الصقيع عشان يحتفلوا ببداية السنة، بالبدايات الجديدة، والاحتمالات الكتيرة المبشرة لمستقبلهم، والقرارت اللي بيقولوا إنهم هياخدوها عشان يغيروا حياتهم للأفضل، الحاجات اللي ناويين يعملوها في القائمة بتاعتهم والحاجات اللي ناويين يشطبوها، وكلنا عارفين، أنا وأنت وهو وهي والكل إن ده كله أي كلام، ولا حاجة من دي بتحصل، هي بس بتبقى روح أول ليلة ف السنة الجديدة، وأنا وفي وسط الأجواء المبهجة دي كنت معاهم…مع أعضاء غرفة الدردشة، بالي معاهم، مع مجموعة الغُرب اللي مديين أسماء مزيفة لبعض لكنهم بيفتحوا قلوبهم على الآخر وبيفرشوا أسرارهم وكل أفكارهم اللي ممكن تبقى مرفوضة في الأحوال العادية، وده عشان كل واحد فينا متداري ورا الستار وبيتكلم من غير ما يبقى مرئي…

ويفوت شهر والوضع بيزيد وتعلقنا ببعض أو بمعنى اصح بغرفة الدردشة بيكبر، مكنتش متخيل إني ممكن أقول لحد عن مشاعري المعقدة المتضاربة تجاه أبويا، إزاي كنت بحبه وفي نفس الوقت كنت حاسس بمشاعر سلبية تجاهه، كنت مقدر المجهود اللي بيعمله عشاننا وكمية الصرف اللي صرفها علينا عشان نعيش كويس ونتعلم أحسن تعليم وفي نفس الوقت كنت بتمنى يزول، ميبقاش موجود، مكنش في سبب واضح للغل ده، حاجة مكنتش مفهومة، مش معروف مصدرها بس فهمتها بعدين، فهمت ليه برغم الاحترام والود اللي كان باين لينا ما بينه وبين أمي كان في جفاف، برودة عجيبة، ده عشان مكنش مبطل يخونها ويعمل لها فضايح، حتى قرايبها الستات مسلموش منه، وسمعتنا كانت في الطين بسببه، ولما مات….حسيت بوجع رهيب، أول فرصة كنت فيها لوحدي في البيت خرجت مني صرخة رجت البيت وأنا ماسك بطني اللي بتوجعني من الحزن، وكإني أنا المسؤول عن موته عشان كتير كنت بتمنى يمشي بأي طريقة….أنا حتى لو كنت اتعرضت على دكتور نفسي مكنتش هفضفض ، لا يمكن الباب ده كان يتفتح….

والمبهر إن محدش حكم عليا، محدش منهم قال لي إيه الإجرام والجحود ده، بالعكس كانوا بيدعموني وبيطبطوا عليا بكلامهم….

كان واضح جدًا إن في قصة بتتولد ما بين رأفت ولاميس، الكيميا ما بينهم واضحة والمغازلات اللي من تحت لتحت وراحتهم في الكلام مع بعض اكتر من أي حد فينا….

…………………………..

في يوم لقيت ناجي بيبعت:

-“هو فيها حاجة لو اتعرفنا أكتر على بعض، نقول مثلًا أعمارنا الحقيقية، إنتوا فعلًا بقيتوا أقرب ناس ليا ونفسي أتعرف أكتر عليكم”

معرفش….اتوترت! بعد ما سمعت رسالته اتوترت، أكتر ميزة في الصحبة بتاعتنا هو معلوماتنا الشخصية القليلة عن بعض، صحيح عارفين اللي محدش يعرفه، لكن بيانات شخصية لأ، ليه؟ ليه عايزين يبوظوا علاقتنا المثالية؟

-لا مفيهاش، وانا هبدأ، أنا عندي 20 سنة، في سنة تالتة في آداب روسي والصيف اللي جي هدرس ترجمة فورية في الجامعة الأمريكية عشان ده اللي عايز أعمله في حياتي…

كمان؟!….ده كان رأفت، مش بس قال سنه ده قال شوية معلومات عنه…

و”لاميس” انطلقت:

-أنا عندي 17 سنة، في ثانوية عامة، لسه مش عارفة هعمل إيه في حياتي، بس أنا طويلة وشعري بني فاتح وعيوني زرقة وهبقى مميزة، ده كل اللي أعرفه!

وأنا باظ يطير! ما هي زيطة بقى، أي حد عايز يقول حاجة يقولها، هو حد شايف حد؟ ممكن أبقى أي حاجة، وابقى توأم براد بيت كمان!

و”ناجي” هو كمان أدلى بدلوه:

-وأنا ناجي زي ما انتوا عارفين وعندي 25 سنة وبشتغل في محل للفراخ المقلية، أنا اللي باخد طلبات الناس وبقدم لهم الأكل.

سكتت، مرضتش أقول حاجة، مش مطلوب مني، واللي بيحصل ضد القواعد….بس ده كان في الأول، هم ال3 فضلوا يزنوا عليا لحد ما قلت:

=مهندس!

“لاميس” قالت:

-بس كده!

=تعريف وافي وكافي،….أنا أكبر منكم كلكم، عندي 34…

……………………….

ويفوت شهر كمان ونقرب من بعض أكتر لحد ما وصلنا لمرحلة الإدمان، أنا بقيت أعتذر لكل الناس عن أي مقابلات أو خروجات محتملة، بتحجج بأي حاجة عشان متفوتنيش أي محادثات في غرفة الدردشة، بخلص شغلي وبجري أروح، لا بستنى حد ولا باخد وادي مع حد، ولا بقيت أحرص على التواصل مع اخويا زي قبل كده ولا مستني منه اتصال، هم بقوا حياتي كلها، “ناجي” و”رأفت” و”لاميس”….

……………….

في يوم اتفاجأت برسالة خاصة من “ناجي”، بيكلمني على الخاص، دي أول مرة تحصل….

نص الرسالة كان:

-ألفي أنا في حاجة لازم أقولهالك.

رديت عليه:

=مالك يا “ناجي” أنت كويس؟ ليه مش بتتكلم على غرفة الدردشة؟

-مش هينفع….هو….أنا ممكن أشوفك؟

الله، الله، الله، إيه يشوفني دي؟؟ كإنه رمى قنبلة في وشي، كده مينفعش، كده إحنا بنهد غرفة الدردشة والأساسات اللي مبنية عليها.

-أنا عارف إنه طلب غريب، بس لو مكنش ضروري مكنتش طلبت منك.

=يا “ناجي” أنت زي أخويا الصغير وغالي جدًا عليا، زي الباقي، كلكوا اخواتي، لكن…

-عارف، إحنا بنشيل الأقنعة وبنكشف نفسنا، وبنبوظ الدنيا، لكن أنا حقيقي محتاج أشوفك وأتكلم معاك.

=أنت طلبت منهم برضه تشوفهم؟

-لأ، أنا بثق فيك أنت.

مردتش عليه، مكنتش عارف أعمل إيه، أعمل عبيط وأخذله وأديله ضهري ولا أقابله وأشيل الستار وأنهي العرض، مهو بعدها مش هيبقى في غرفة دردشة….

ولقيتني تاني يوم برد:

=عايزنا نتقابل فين وإمتى؟

-في المحل اللي بشتغل فيه، مطعم الفراخ المقلية، صاحب المحل بيثق فيا وبيسيبني أقفل المكان، المطعم بيقفل على 10، تجيلي 9 ونص بكره؟

=تمام، بس يا “ناجي” أنت مدرك اللي هيحصل بعد كده؟

-مش هيبقى في غرفة دردشة، مش هتقدر تاني تتكلم براحتك عشان هنبقى كسرنا الحاجز وشوفنا بعض، صدقني الموضوع يستحق المجازفة.

لأول مرة أخاف منه…من “ناجي”، ليه وافقت؟ إيش ضمنني بنيته؟ مش يمكن ده كمين ويكون ناويلي على شر ومن البداية دخل غرفة الدردشة عشان يجر أول مغفل هيستجيب ليه، اللي هو أنا؟

لكني وبرغم الشكوك اللي بتنهش فيا، اتوجهت للعنوان اللي قال لي عليه وفي المعاد….

وقفت قدام المطعم، برتجف، مش متطمن، مش متطمن أبدًا، في إحساس تقيل عليا، في حاجة غلط…

دخلت وأنا بتلفت حواليا، قعدت على طرابيزة ولسه كنت عمال أبص في كل الاتجاهات زي المتدروش.

بعدها ركزت على كل العاملين اللي بياخدوا الطلبات من الناس، قدرت بعد دقايق أصغر اللستة، لستة اللي شاكك إنهم ناجي وده وفقًا لسنهم التقريبي، ووصلت ل3…..

في واحد من العاملين طلع بره المحل ودخل تاني بسرعة، راقبته وأخدت بالي إنه علق يافطة على الباب، الساعة كانت داخلة على 10 إلا تلت وده كان غالبًا تنويه إن المحل مش هيستقبل زباين تانيين….

لقيت شاب قرب على طرابيزتي وهو بيبتسم وبيقول:

-طلباتك.

ابتسامته كانت خفيفة ومجهدة، عينه مركزة عليا، وسنه….يدي 25، هو ده، هو ناجي…

قلت:

=ناجي؟

عامل تاني جه وبلطف بعد العامل اللي قدامي وقال له:

-روح أنت، أنا هاخد الطلبية دي.

-إزيك يا ألفي!

لساني اتعقد، مقدرتش حتى أرد السلام….فجأة أدركت إن الزحمة حواليا خفت، المطعم مش متبقي فيه إلا كام زبون….

قلت كلمة واحدة بنبرة مرتعشة:

=عرفتني؟

-أيوه ما أنت قلتلي هتلبس إيه.

ضحكت بتوتر وقلت:

=اه صحيح.

-الزباين دول يمشوا وهبقى معاك، تحب أجيبلك حاجة؟

هزيت راسي يمين وشمال.

التوتر كان بيزيد كل دقيقة، أعصابي مبقتش مستحملة، حاسس إن اللي بيحصل ده غلط.

بسرعة كده قدرت أميز اللي قاعدين لسه في المطعم، 3 طرابيزات، شابين قاعدين مع بعض على طرابيزة صوتهم عالي وبيشتموا في وسط كلامهم شتايم جريئة، وواضح كده إنهم لبط وبتوع مشاكل، وفي ست في الستينات قاعدة لوحدها على طرابيزة تانية، سرحانة، كل شوية تمد إيدها على طرحتها وتعدل فيها أو تحسس على وشها، وراجل قاعد لوحده على طرابيزة تالتة باين عليه في الخمسينات، مليان حبتين ولابس جاكيت منفوخ ونضارة، في حاله ومستني طلبه…..

تابع هنا: قصة الدكتور والراقصة ياسمين رحمي كاملة

تابع الفصل الثالث

الصفحة السابقة 1 2 3 4الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى