روايات روز أمين

رواية انا لها شمس روز أمين الجزء الخامس

رواية انا لها شمس الفصل السادس والأربعون 2 لروز أمين

نجح فؤاد بمحاولة تهدأتها ،لكنها رفضت الجلوس وبشدة لتتحدث إليه بنبرة أظهرت كم إضطرابها والألم الساكن بالقلب منذ سنواتٍ ينهش بداخلها:
-مش مستاهلة قعاد،أنا عاوزة أمشي من هنا بسرعة

اشفق على حالتها وتشتت روحها،ود لو يسحبها بأحضانه ليشق صدرهُ ويضعها بداخلهِ ليحميها من كل البشر والمشاعر المؤذية،أومى لها بابتسامة هادئة بثت بكيانها الطمأنينة لتتنهد براحة قبل أن تفتح حقيبة يدها وتُخرج منها بعض الأوراق لتمد يدها إلى عزيز وهي تجاهد في أن تظل أمامهُ بتلك القوة التي استدعتها بصعوبة بالغة بينما داخلها مدمر هشٍ ضعيف،نطقت وهي ترمقهُ بنظراتٍ حادة:
-دي أمانة بابا اللي كان سايبها عندي،خلاص،وجودها معايا مبقاش ليه لازمة بعد ما أطمنت على حضانة إبني

إتسعت أعين عزيز ومنيرة فقد ظنت أن ابنتها ستستغل تلك العقود لتنتقم منهم وتحاول إذلالهم لما فعلوه بها أثناء وفاة والدها،لتنطق وهي تُخرج الأوراق وتنظر بداخلها:
-أنا خليت المحامي يقسم الميراث بينكم إنتم الأربعة بشرع ربنا
ومدت يدها بورقة إلى عزيز:
-وده تنازل مني عن الأرض والبيت علشان أبطل العقد اللي بابا كان كاتبه لي

بدأت بتوزيع العقود عليهم وتوقفت أمام والدتها لتنطق:
-وده عقدك
نطق وجدي من خلفها بعدما قرأ العقد الخاص به:
-وإنتِ فين حقك يا إيثار؟
إلتفتت إليه تطالعه بغرابة لتقول بصوتٍ متعجب:
-وأنا إمتى كان ليا حق معاكم علشان يبقى لي الوقت يا وجدي؟!

تطلع عليها بتأثرٍ لتتابع بصوتٍ مختنق يريد الصراخ:
-طول عمري وأنا بتعامل في البيت ده على إني مواطن درجة تالتة،جارية مسلوبة الإرادة عايشة لتلبية رغبات الجميع إلا رغباتها هي
نطق أيهم وقد تجمعت بعينيه قطرات الدموع تأثرًا بحال شقيقته وما تشعر به:
-إيه الكلام اللي بتقوليه ده يا حبيبتي،إنتِ بنت غانم الجوهري وطول عمرك كنتي الأقرب ليه مننا كلنا،وبابا بنفسه كتب لك كل حاجة من غير ما يفكر

رفعت ذراعيها لتنطق وهي تنزلهما من جديد باستسلام ودموع الهزيمة ملئت مقلتيها:
-وأنا مش عاوزة حاجة منكم يا أيهم،اللي عيشت عمري كله أدور عليه وكنت محتاجاه للأسف مش موجود عندكم
أزالت دمعة فرت بأصابعها ثم تنفست كي تستطيع المواصلة لتسترسل:
-أنا كده وفيت بوعدي لـ أبويا ورجعت الأمانة لأصحابها
وتابعت:
-بس ليا طلب عندكم
نظر الجميع إليها بتمعنٍ وتركيز لتستطرد بعينين مليئتين بنظرات الترجي:
-عاوزاكم تسامحوا بابا،أنا عارفة إنكم زعلتم منه لما كتب لي كل حاجة،بس هو يا حبيبي عمل كده علشان يحميني
باتت توزع نظراتها اللائمة علي جميعهم لتتابع بمرارة وانكسار:
-كان متأكد إني ضعيفة وزي ما يكون كان عارف اللي في نفوسكم ومخططين له بعد وفاته

يا لهُ من شعورٍ مرير أصاب قلوب جميعهم بعد أن ادلت بجملتها الأخيرة وهي تتطلع لهم بنظراتٍ مليئة بالحسرة والألم

“عزيز”،توارى من نظراتها الجالدة لينزل بعينيه لأسفل قدميه وكأنهُ يختبئ من عاره المسطر على جبينه بالخط العريض،هو شقيقها الأكبر وكان من المفترض أن يكون عوضًا عن والدها،فمن المتعارف عليه أن بعد فقدان الفتاة لوالدها يحل محله الشقيق الأكبر ليصبح هو سند الفتاة وأمانها وحمايتها من كل ما يؤرق عليها الحياة،لكنه كان عكس كل ذلك،فما رأت منه سوى الخسة والندالة والتفريط في وصية أبيه،وبدلاً من أن يكون لها العوض كان لها الجلاد،تاجر الرقيق الذي جذبها من يدها ليعرضها بسوق النخاسة ويقبض الثمن

“وجدي” أصابه الغثيان من حاله وصرخ ضميره وبات يعنفهُ،كيف له أن ينساق وراء وجهة نظر شقيقه الطامع ووالدته التي طالما إعتبرت ابنتها كنزها الثمين ويجب إعطائها لمن سيدفع أكثر ويعود عليها وذكورها الثلاث بالنفع،لماذ لم يثور ويعترض ويرفض،كان عليه أن يصرخ ويعترض ويأخذ بيد شقيقته الضعيفة ويخرجها من الظلمات هي وصغيرها بدلاً من المشاركة في تلك المذبحة،يا لهُ من خاسر.

“أيهم”برغم أنهُ أقلهم ندالة لكنه لم يسلم من شعور الذنب الذي اقتحم قلبه بضراوة ليفتك بمشاعرهِ البريئة،شعر بالخزي والعار يعتريه ولم يشفع لهُ وقوفهُ بجانبها، نعم كان موقفًا مخزيًا فقد ساعدها من خلف الستار كاللصوص،إكتفى بمكالمة هاتفية شرح من خلالها الوضع لتلك الـ” عزة” وترك لها كامل التصرف بإنقاذ من تعتبرها كإبنة لها،ولولا أن هدى الله تفكيرها بذاك الـ فؤاد لكانت الفتاة ضاعت للأبد وقضي عليها.

“منيرة”هي مشتتة الذهن بالأساس،فقد عاشت حياة مأساوية منذ صغرها قضت على كثيرًا من مشاعرها الإنسانية حتى أصبحت” إمرأة بلا قلب”فاقدة الحِس،تلك السيدة تنطبق عليها مقولة”فاقد الشئ لا يُعطيه”وبرغم شخوصٍ قاسوا ظروفًا أشد قسوةً منها واستطاعوا صُنع شخصيتهم وتغيير مسار حياتهم بالعزيمة والإصرار على النجاح والفلاح وكسر تلك المقولة، ومنهم إيثار بذاتها،فبرغم أنها افتقدت حنان ورعاية الأم ولم تتنعم بيومٍ بأحضان أمها كغيرها من الفتيات،إلا أنها أثبتت”أن فاقد الشئ يعطيه وبسخاءٍ”حيث فاضت على صغيرها بسيلٍ من الحنان وحاوطط عليه لتحميه من المخاطر المحاطة بها بل وحملته على ظهرها وباتت تبحث له عن الأمان والحماية حتى وجدتهم.

خرج صوت عزيز مليئًا بالخزي والألم:
-أبوكِ كان راجل حكيم وقريب من ربنا،علشان كده ربنا نور بصيرته بالفكرة دي،الله يرحمه باللي عمله حمانا كلنا من الشر
واسترسل بخزيٍ:
-يا عالم كان إيه اللي هيحصل لنا لو كنتي رجعتي لـ عمرو وإحنا رجعنا لشغلنا مع نصر
نطق وجدي بنبرة نادمة:
-الله يرحمك يا ابا،حمانا من شر المال الحرام وهو عايش،وحتى بعد موته طيباته قعدت لنا وربنا حمانا من اللي كان ممكن يحصل لنا
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمها على شقيقاها،هل كانا يحتاجان لكارثة تعصف بحياة نصر ليدركا أن ماله حرامًا وفاسد وأن والدهما كان على حق!

تحدث عزيز من جديد بنبرة تحمل الإصرار،فقد تغير وأصبح أكثر حكمة وتفكرًا بعد حادثة زوجته التي عصفت بكيانه وجعلته ينظر للأمور من جميع الزوايا:
-إنتِ لازم تاخدي حقك علشان أبوكِ يكون مرتاح في تربته

نطقت بثبات:
-حقي أنا متنازلة عنه من زمان قوي،من يوم ما أخدت إبني وهو لسة مكملش سنتين ونص وخرجت بيه برة البلد
واسترسلت بهدوءٍ وسكينة ظهرت من بين كلماتها:
-وبالنسبة لأبويا فهو مرتاح لأني أخدت قراري بمحض إرادتي وعن إقتناع

ثم نظرت إلى زوجها ونطقت بعينين تفيضان حنانًا وعرفان:
-والحمدلله،جوزي مش مخليني محتاجة لأي حاجة لا أنا ولا إبني

بادلها بابتسامة حنون وعينين تمتلؤ عشقًا لينطق عزيز من جديد علها تتراجع:
-الأرض دخلت كردون المباني بعد الطريق الجديد وسعرها إتغير يا إيثار،وبعد ما كانت بملاليم بقى سعرها ملايين
نطق فؤاد ليعلمه:
-إحنا عارفين الكلام ده كله،وإيثار واخدة قرارها النهائي،مفيش داعي للكلام الكتير في الموضوع ده لأنه هيتعبها.
نطق كلماته لتنطق وهي تتطلع على حبيبها:
-يلا بينا يا فؤاد

تحرك بجوارها تحت نظرات أشقائها الثلاث وحزنهم العميق،تخطت وقوفهم مرورًا بوالدتها لتباغتها الأخيرة بالتمسك بكفها مما جعل الرجفة تسري بجسدها وتوقفت جراء تشبث منيرة بيدها،إلتفتت لتطالعها وتفاجأت بما رأت،عينين يتجلى بعمقهما الندم والأسف لتنطق بنبرة متأثرة:
-ماتمشيش قبل ما تتغدي إنتِ وجوزك مع اخواتك
ونطقت بنظراتٍ متوسلة:
-أنا عاملة لك كل الأكل اللي بتحبيه

برغم انتفاضة قلبها لكلماتها ونظراتها الخاضعة إلا أنها نطقت بنبرة متهكمة:
-ياه،هو حضرتك طلعتي عارفة أنا بحب إيه؟!
صمتت منيرة وتطلعت على ابنتها وكأنها تتأسف لها بنظراتها تلك لتتابع الاخرى ساخرة:
-بصراحة إنتِ فاجئتيني
نطقت بصوتٍ خافت يرجع لشعورها بالخزي والألم:
-متظلمنيش يا بنتي،مفيش أم بتكره بنتها ولا بتكره لها الخير
واكملت بقوة وهي تنظر بمقلتيها:
-أنا زيي زي أي أم،طول عمري كنت بحلم إنك تتجوزي راجل غني وتعيشي معاه مرتاحة علشان ما تدوقيش اللي انا دوقته وعمرك يضيع كله في الحرمان والحُوجة،وعمرو كان فرصة علشان يخرجك من الفقر وتعيشي معاه عيشة محترمة

-محترمة؟!…قالتها إيثار باستهجان لتكمل منيرة ما بدأته:
-لما لقيتك بتخربي بيتك بإيدك وبتخسري كل حاجة كان لازم أقف لك وأرجعك لعقلك، كان لازم أفوقك قبل ما تخسري جوزك اللي كان بيتمنى لك الرضا وتخسري عيشتك المرتاحة معاه

نزعت كفها بقوة وعنف من خاصة والدتها لتهتف بعينين تطلق شزرًا:
-أي جوز وأي عيشة مرتاحة اللي بتتكلمي عنهم؟!،جوزي اللي كان بيقبل عليا الإهانة من أهله ويسكت ولما كان يفيض بيا وأشتكي له يقول لي معلش؟!
هتفت بحدة أكبر:
-جوزي اللي لما اعترضت على إهانتي من أبوه وامه اللي قالت لي قدام البيت كله أنا جايباكِ هنا علشان مزاج إبني، وحبيت أحتفظ بكرامتي ضربني وبهدلني وأخدني عصب عني؟!

وصرخت وهي ترمقها بنظراتٍ مثل الرصاص لو انطلقت لاخترقت قلبها وشطرته لنصفين:
-يومها أخدت إبني وهربت وجيت لك،وريت لك جسمي اللي كان مليان باللون الأزرق من كتر ضربه فيا،فاكرة يومها قولتي لي إيه؟!، قولتي لي معلش، كل الستات بتنضرب

والتفتت بحدة تطالع شقيقها الاكبر بنظراتٍ كالسهام وهي تشير إليه:
-وأخويا الكبير اللي بدل ما يجيب لي حقي ضربني بالقلم وقال لي إنتِ عاوزة تخربي بيتنا، واخدة حفيد نصر البنهاوي وجاية بيه من وراه لحد هنا

دارت حول حالها لتتابع وهي تفرق بينهم نظرات اللوم والغضب:
-وكلكم وقتها اتفقتم على إن عزيز ياخدني يرجعني ويتأسف لـ نصر وعمرو بيه

لم يتحمل كلماتها التي تنزل على قلبه كسوطٍ يجلد بدون رحمة،أمسك كف يدها ليهتف بحدة أظهرت كم غضبه وهو يسحبها للخروج:
-كفاية يا إيثار وخلينا نمشي من هنا

انتزعت يدها بعنفٍ لتصيح بدموعها المنهمرة:
-لا مش كفاية يا فؤاد،لازم أوريهم بشاعة اللي عملوه فيا وأعريهم قدام نفسهم

وصرخت وهي تُشير على منيرة:
– لازم أعرفها إنها كانت أم فاشلة طالما شايفة وحاسة إنها مغلطتش وكانت أم عظيمة بتحافظ على بنتها الخايبة

اتسعت عينيه وهو ينظر إليها ولثورتها العارمة،يريد أن يحملها ويهرول بها مغادرًا تلك “القرية الملعونة” تاركًا ذكرياتها المؤلمة خلفهما ليبدأ حياة جديدة،حياة خالية من المواجع والأحزان والخزلان،سيحاول جاهدًا تعويضها عن كل ما قاست منه،نعم كان يعلم انها عانت كثيرًا لكنه لم يتخيل حتى بأبشع كوابيسه ما تجرعته من كؤؤس الغدر والخيانة والخذلان ما يكفي لقريتها بالأكمل،سيخرج من تلك القرية ويذهب بها مباشرةً للمعالج النفسي مثلما اتفقا، سيحاول بشتى الطرق تعويضها وحذف الماضي اللعين وما تعرضت له من ذاكرتها

فاق على صوت منيرة التي تحدثت بدفاعٍ عن حالها:
-أنا كنت عوزاكِ تعيشي وتستري، مكنتش عاوزة الناس تضحك عليكِ ويقولوا بنت منيرة خابت واتطلقت
بصوتٍ يملؤه الوجع أشارت على حالها:
-وأنا،ووجعي وأنا بموت في اليوم مية مرة وأنا عايشة مع راجل سُكري وخاين وكل يوم مع واحدة شكل؟!
واسترسلت بتوجع:
-تفتكري إني مكنتش حاسة إنه بيخوني من قبل موضوع سُمية؟
أنا ست والست بتحس بجوزها،بس كنت بتغاضى وأعمل نفسي مش واخدة بالي زي ما كنتي دايمًا بتقولي لي،وكل ده علشان أحافظ على إبني

نظرت منيرة أرضًا وتحدثت بخفوت:
-أنا كنت عاوزة لك الستر،أهالينا علمونا إن الست لازم تصبر وتتحمل علشان عيالها

صرخت بكامل صوتها المعترض:
-أمونة كانت مرات أبوكِ مش أمك
لتتعمق بعينيها وهي تقول بنبرة يملؤها القهر:
-إنت عملتي فيا كل اللي أمونة عملته فيكِ،كنتي بتطلعي فيا كل اللي عملته فيكِ وكأنك بتنتقمي منها فيا
وإلى هُنا لم يعد بإمكان منيرة الصمود أكثر،فانهمرت دموعها بغزارة لتتابع إيثار وهي تنظر إليها بضعف:
-ربنا يسامحك على اللي عملتيه فيا،وأنا يمكن في يوم من الأيام أقدر أسامح

تعالت شهقات منيرة ليهرول أيهم ويحتضنها ثم نظر إلى شقيقته ليقول بنظراتٍ متوسلة:
-كفاية يا إيثار،كفاية لحد كده،إرحميها

تطلعت إلى شقيقها بعينين تترقرق بهما قطرات الدموع وبشفاهٍ مرتعشة ثم انفجرت كبركانٍ لتشهق ببكاءٍ يقطع نياط القلوب ليسرع إليها فؤاد ويقوم باحتضانها فتشبثت بقميصه بقوة ودفنت وجهها بصدره لتبكي كما الأطفال وصوت شهقاتها يعلو ويعلو،انفطر قلبه عليها وبات يشدد من احتضانها وهو يهمس لتهدأتها:
-إهدي يا بابا،علشان خاطري بطلي عياط

بخطواتٍ متخبطة إقتربا عليهم عزيز ووجدي،وباتا يهدأن كلتاهما،خرجت منيرة من حضن أيهم لتتجه لتلك التي تدفن حالها في حضن زوجها وكأنها تختبئُ من أوجاعها داخل أحضانه،بسطت كفها لتجذبها برفقٍ من ذراعها،ابتعدت عن صدر فؤاد لتُصدم برؤية والدتها وهي تطالعها بدموعها المنهمرة لتقول:
-سامحيني يا بنتي،حقك عليا

شهقت بقوة لتنزل دموعها أكثر وما شعرت بحالها سوى وهي ترتمي بأحضانها وتشدد بمسكتها،وكأنها كانت تنتظر المبادرة،دموعٍ وشهقات مرتفعة متألمة تنم عن مخزون وجعٍ لسنواتٍ طويلة،يا الله،كم هو رائع ومختلف حُضن الأم،فتلك هي المرة الأولى التي تجربه،باتت تشدد من ضمتها أكثر وهكذا منيرة أيضًا التي ارتفع صوت بكائها وكأنها تعتذر لصغيرتها عن التقصير بحقها بتلك الطريقة

تطلع على حبيبته بألمٍ وأمل،ألمٍ على حالتها ووجعها وما كانت تكنه بداخل قلبها،وأملًا بالتأثير الإيجابي على نفسيتها جراء تلك المصالحة،وضع كفيه داخل جيب بنطاله وبات يتطلع على عزيز وهو ينتشل شقيقته من أحضان والدتها ليضمها إليه ويربت عليها،وكأنهُ اليوم العالمي لصحوة الضمير
شاركهما وجدي وأيهم الذي تأثر بدموع غاليتاه وانتقلت العدوى إليه وأيضًا نوارة حيث كانت تتطلع عليهم بجوار الباب،تحدث عزيز بعدما انتبه لوجود ذاك الراقي الذي تركهم يعبرون عن مكنون قلوبهم وابتعد:
-معلش يا باشا حقك علينا
هز رأسه وتحدث بهدوء:
-ولا يهمك
ثم نظر إلي حبيبته لينطق:
-نمشي يا حبيبي؟
شددت منيرة من مسكتها لتنطق بعينين متوسلة:
-إتغدي مع اخواتك وباتي معايا،ورحمة أبوكِ تباتي معايا

انتفض قلبها لتلك النظرات وما تحملهُ من حنانٍ لأول مرة تتلقاهُ على يدها، التفتت سريعًا لزوجها تستشف رأيه،تطلع إلى عينيها ليتعجب من نظراتها،فتلك هي المرة الأولى التي يرى ذاك النقاء بهما،وكأنها تحولت إلى طفلة مرحة،نظرة صافية خالية من أيه شوائب تعكر صفوها،ابتسم لينطق لأجلها بعدما فهم مغزى نظراتها:
-أنا قولت لك،اللي إنتِ عوزاه وشايفة إنه هيريحك أنا معاكِ فيه

هزت رأسها وهي تسألهُ ومن داخلها تتمنى الموافقة:
-يعني ممكن نبات هنا فعلاً؟
لم يكن الامر بسهلٍ عليه، فاتخاذ قرارٍ بأمر المبيت يحتاج ترتيباتٍ أخرى،رجال الحراسة وتأمين مبيتهم هنا،إقناع والدهُ لوالدته المرتعبة عليه من مجرد الزيارة فكيف له أن يقنعها بالمبيت في تلك القرية،مع وجود كل تلك العوائق والعراقيل ومع ذلك لم يهتم،جل ما جال بفكرهِ بتلك اللحظة هو راحة خليلة قلبه وفقط،لذا تبسم لها وتحدث بنبرة حنون:
-لو إنتِ حابة كده أنا معنديش أي مانع
هرولت إليه لتحتضنه بقوة وهي تقول بنبرة حماسية:
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي

كما الظمأن التائهُ بوسط الصحراء وبلحظة ظهر أمامهُ بئرًا من الماء العذب ليهرول إليه يشربُ ويشرب حتى الإرتواء،هكذا رأها أمامه،نظراتها التي تبدلت،وكأن شيئًا كان ينقصها والأن فقط قد عثرت عليه لتكتمل.

شددت من احتضانها ليشاركها لحظة السعادة بعودتها إلى كنف عائلتها،بعد قليل كان يجلس فوق إحدى الأرائك يتوسط عزيز و وجدي حيث بدأ بفتح الأحاديث لادماج زوج شقيقتهم،وضعوا الطاولة الارضية وسط الغرفة وبدأت نوارة وفتيات عزيز وشاركتهم إيثار برص الاطعمة المتنوعة فوقها،كانت تتحرك برشاقة رغم حملها وهي تجلب الطعام من المطبخ وتقوم برصه وكأنها عادت إبنة التاسعة عشر،انتهوا من تجهيزها لتهرول هي لإحدى الأرائك وبدأت بحمل إحدى الوسائد ووضعها فوق الأرض لتنطق وهي تُشير لزوجها:
-حطيت لك مخدة علشان تكون مرتاح وإنتَ بتاكل

أجابها بهدوء وهو يتطلع لتلك الطاولة الأرضية:
-ملهاش لزوم يا حبيبي،أنا هقعد معاكم على الأرض
هتف وجدي بحبور:
-ميصحش سعادتك
وقف الجميع وحمل عزيز وسادة ليضعها بجوار جلوس فؤاد وتحدث إلى شقيقته وكأنهُ يريد محو الماضي من مخيلتها:
-وإنتِ كمان إقعدي جنب جوزك علشان متتعبيش

تطلعت عليه بنظراتٍ مختلطة،ما بين سعادة وحيرة واستغراب، وعلى الفور ابتسمت له ليمسك زوجها بيدها وساعدها على الجلوس نظرًا لحملها ثم جاورها،حضرت منيرة والتف الجميع حوال الطاولة لينطق أيهم في محاولة منه لفتح أحاديث مع زوج شقيقته:
-طبعاً دي أول مرة تاكل فيها على الطبلية يا سيادة المستشار؟
ابتسم وهو يقول بملاطفة:
-بصراحة أول مرة،بس حبيت القعدة جدًا
وتابع وهو يشير بكفيه:
-تحس إن فيه ألفة وجو عائلي أكثر من السُفرة

قامت منيرة بتقطيع لحوم البط وقامت ببسط ذراعها وهي تضع إلى فؤاد بصحنه لتنطق بحبور ووجهٍ بشوش:
-مد إيدك وكُل يا ابني،ومتقلقش من ناحية النضافة،إحنا نضاف وأكلنا زي الفُل

تحدث على عجالة لينفي فكرتها:
-ده شيئ واضح يا افندم ومش محتاج كلام
أمسكت نوارة ملعقة كبيرة وقامت بغرف قطعة كبيرة من صينية “الأرز المعمر”لتقول وهي تضعها بصحن ذاك الراقي:
-دوق بقى الرز المعمر بتاع ماما وقول رأيك فيه
واسترسلت بحماس وهي تُشير إلى إيثار:
-ده بقى أكلة إيثار المفضلة،كانت بتعشقه وعمي الله يرحمه كان بيخلي ماما تعمله مخصوص ويوديه لـ إيثار مصر بنفسه

تذكرت والدها وزياراته لها حيث كان يأتي محملاً بالخيرات،تنهدت لتبسط كفها تلتقط إحدى وحدات أصابع المحشي لتتناولهُ وتغمض عينيها تتلذذُ بنكهته الرائعة والتي تذكرها بأيام صباها،إلتقطت واحدًا أخر لتضعهُ بفم زوجها دون أن تشعر بالخجل كـ قبل مع عمرو لتنطق بعينين تظهر بهما السعادة:
-دوق المحشي ده،هيعجبك قوي
بدأ بمضغه ليرفع حاجبهُ للأعلى باندهاش لينطق وهو يتطلع إليها:
-طعمه هايل
ثم توجه بحديثه إلى منيرة وتحدث:
-تسلم إيد حضرتك
اجابته بابتسامة صافية:
-بالهنا والشفا يا ابني

وضعت لها نوارة قطعة من الأرز المعمر لتتناول ملعقة منه وتعود بذاكرتها لذاك الطعم المميز،تطلعت للمائدة وأصناف الطعام الموجودة وعادت بذاكرتها للخلف،وجوه الموجودين بذاتهم لم تتغير، رائحة الطعام الذكية وطعمه الحُلو المميز،ذاك الدفئ الذي كانت تشعر به بحضرتهم،كل شيئٍ ظل كما هو إلا ذاك الحبيب الطيب،وبرغم رحيلهُ إلا أنها كانت تشعر بروحهِ الطاهرة تحوم من حولهم وكأنهُ”الحاضر الغائب”ويرى هذا التجمع وسعيدٌ به أيضًا

تطلعت بسعادة للجميع وهم يتناولون الطعام بشهية مفتوحة وسط أحاديثهم الشيقة حتى فؤاد اندمج معهم بالحديث

سألتها منيرة باشتياقٍ ظهر بصوتها:
-مجبتوش يوسف معاكم ليه؟
ده وحشني قوي ونفسي أشوفه
ابتسمت لتجيبها بمرارة:
-محبتش أجيبه علشان ميسألش عن أهله
تأثر الجميع لأجل الصغير فجميعهم يعلم مدى تعلق الصغير بعائلته وعشقه لهم،حمل وجدي إحدى الحمامات المحشوة بالفريك وقدمها لشقيقته وقال كي يُلهيها ويمحو عنها حزنها:
-كُلي حمام يا إيثار
أشارت لصحنها وهي تقول:
-قدامي واحدة يا وجدي
نطق عزيز بنبرة حنون تعجبت لها:
-اللي قدامك محشية رز لكن دي محشية فريك،خديها من إيد أخوكِ

ابتسمت وتناولتها من يد شقيقها برغم عدم الاشتهاء لها،تحدث عزيز إلى فؤاد بصوتٍ حماسي:
-كل حمام يا باشا،ولا ملكش فيه؟

-لا باكله عادي…قالها ليتابع وهو يُشير إلى طبقه بملاطفة:
-بس اكيد مش هاكل أربعة
نطقت نوارة بنبرة حماسية:
-كل يا باشا بالهنا والشفا،دي أول مرة تاكل عندنا

نطقت منيرة وهي تتطلع إلى ابنتها بتعمق لعينيها:
-إن شاءالله مش هتكون الأخيرة

ابتسمت بخفوتٍ لوالدتها وتابع الجميع تناولهم للطعام،ليتحدث عزيز:
-بعد الغدا إطبخي للرجالة اللي برة علشان يتغدوا يا نوارة

نطق فؤاد برفضٍ قاطع:
– متشغلوش نفسكم بالرجالة يا عزيز،أنا بعت واحد منهم يجيب غدا من المركز القريب من هنا وزمانه جاب لهم
قالت منيرة بنبرة عاتبة:
-ليه كده يا ابني،هو احنا قليلين في نظرك علشان تبعت تشتري لرجالتك أكل من برة؟!
نطق بهدوء مبررًا:
-انا مقولتش كده حضرتك،أنا بس محبتش أشغلكم بتجهيز الاكل وقولت تستغلوا الوقت في القعدة مع إيثار
واسترسل بنبرة هادئة:
-ولما طلعت أكلم الباشا وأبلغه إننا هنبات،خليت واحد منهم يروح يجيب غدا للباقي

انتهوا وحملوا الاواني للمطبخ واتجه الجميع لغسل أياديهم ثم توجهوا لغرفة الضيافة لتناول مشروب الشاي التي صنعته نوارة، وأثناء تناولهم للشاي استمعوا لخبطات فوق الباب لتذهب نوارة ثم تعود بعد قليل وهي تقول بنبرة مرتبكة:
-فيه واحدة برة عاوزة تقابلك يا إيثار
ضيقت بين حاجبيها لتسألها باستغراب:
-واحدة،عوزاني أنا؟!

سألتها منيرة تحت نظرات فؤاد المدققة:
-مين دي يا نوارة؟!
صمتت قليلاً قبل أن تنطق بتلبك:
-مروة مرات حسين البنهاوي،ومعاها بنت عمرو وسمية
لتسترسل بإبانة:
-الأمن حاجزينهم برة وواحد منهم هو اللي خبط وبلغني

أوقفها الأمن ومرر على جسدها وجسد الطفلة جهاز كشف الأسلحة والمعادن ليتأكدا من خلوها قبل أن يسمحا لها بتخطي الحاجز الأمني الذي حدده المسؤل عنهم.

ارتبكت بجلستها لينطق فؤاد بحدة بعدما استمع للقب “البنهاوي”:
-من فضلك بلغيها إن إيثار مش عاوزة تقابل حد
وقفت إيثار وتحدثت إلى زوجها برجاء:
-معلش يا فؤاد أنا هقابلها،ده بعد إذنك طبعاً
اتسعت عينيه يرمقها بحدة لتتابع مبررة:
-مروة شخصية طيبة مش زيهم، وبعدين أنا معاكم ووسطكم

نطقت منيرة:
-متقلقش يا ابني،مروة من عيلة محترمة وبنت ناس
ثم وقفت وجاورت ابنتها لتتابع كي تطمأنه:
-وأنا هطلع معاها علشان تطمن

اطمئن قليلاً بوجود الحرس وتأكد من أن رئيسهم لن يسمح لها بالدخول لولا تأكده من الأمان،خرجت إيثار لتجد مروة تقف بجوار الطفلة المتشبثة بثوبها تختبئُ خلفها وكأنها حصنها المنيع،اقتربت عليها تحت نظرات مروة المتفحصة لحال إيثار الذي تبدل وكأنها ترى أميرة،نعم طالما كانت جميلة وبرغم فقرها إلا أن ثيابها كانت جميلة وأنيقة وبعد زواجها من عمرو تغير حالها للأفضل ولكن ليس بتلك الحالة التي عليها الان، فقد أصبحت طلتها كالأميرات ونجمات السينما نظرًا للمستوى المادي التي انتقلت إليه بزواجها من أحد الأثرياء، تحدثت إيثار وهي تقترب عليها:
-أهلاً يا مروة
بسطت مروة يدها للمصافحة لتنطق بنبرة لإمرأة ظهرت بائسة حزينة لما أوت إليه:
-إزيك يا إيثار
أشارت لها منيرة لإحدى الغرف:
-تعالي يا بنتي جوة

-معلش يا خالتي،انا جاية أتكلم مع إيثار كلمتين وماشية على طول… قالتها بانكسار لتتابع وهي تنظر إلى تلك الصغيرة المنكمشة خلفها:
-وجبت زينة معايا علشان تشوف أخوها وتسلم عليه

ازدردت إيثار ريقها وهي تتطلع بتمعنٍ لما يظهر من تلك الصغيرة التي تحمل إثم والدتها على عاتقها،فتلك هي حصاد الخيانة التي تعرضت لها بأقسى طريقة، زوجها وصديقة العمر،يا لها من ضربة قاسية أطاحت بحياتها بالكامل وأفقدتها الثقة في الجميع حتى بحالها لمدة ليست بالقليلة حتى تعافت وعادت لها ثقتها بحالها من جديد،لم يظهر من الصغيرة سوى إحدى عينيها التي تتطلع بها من خلف جلباب مروة وكأنها تخشى مواجهة العالم، نطقت إيثار بهدوء وهي تنقل بصرها إلى مروة:
-يوسف مجاش معايا،خفت يسأل عنكم ويطلب يزور البيت

واسترسلت بتأثر ظهر بصوتها ونظرات عينيها الحزينة:
-إبني لسه صغير على إني اصدمه وأقول له حقيقة اللي حصل مع عيلته

تألم داخل مروة ثم تحدثت:
-أنا جايبة لك رسالة من حسين، ومني أنا كمان
قطبت جبينها باستغراب لتتابع الأخرى بتوسل:
-حسين طالب منك تسامحيه وتسامحي أهله،بيقول إن اللي حصل لهم ده كله بسبب لعنتك، لعنة ظلمك اللي كلنا شهدنا عليه وسكتنا
أخذت الأخرى نفسًا عميقًا وتحدثت:
-ربنا اللي بيسامح يا مروة،أنا ربنا عوضني أنا وابني براجل محترم ونسيت معاه كل اللي فات، وصدقيني لو قولت لك إني زعلت على اللي حصل معاكم
واسترسلت بجدية:
– دول مهما كان أهل إبني واللي يضرهم يضره

سألتها باهتمام:
-يعني مش زعلانة مني ولا من حسين؟!
هزت رأسها بنفي لتسألها باهتمام:
-هو حسين معاكم هنا؟
تنهدت بألم حين تذكرت حال زوجها لتقول بصوتٍ متأثر:
-حسين قاعد في مصر شغال هناك في شركة،بيقبض مرتب ضعيف ولما ظروفه تتحسن هيبعت ياخدني أنا والولاد
ثم تطلعت لتلك المختبأة خلفها:
-وهاخد زينة معايا، هي عايشة معايا عند بابا
-هي أمها… قالتها إيثار وقبل أن تُكمل قاطعتها مروة لتنطق:
-كانت عيانة، عندها ورم في الرحم بعيد عن السامعين،عملوا لها العملية وحُكم الإعدام هيتنفذ فيها بعد بكرة
هزت إيثار رأسها بأسي لتتابع الأخرى بيقين:
-ربنا جزاها على كل الأذى اللي عملته في حياتها،الله يسامحها بقى
هتفت منيرة بحدة وشراسة:
-الله لا يسامحها لا دنيا ولا أخرة وينتقم منها بحق العيال اللي يتمتهم وكسرتهم
نطقت مروة بكلماتٍ حق:
-مهي نسرين التانية مكنتش بريئة يا خالتي
أشارت منيرة بكفها وتحدثت بأسى:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيهم هما الإتنين،ربنا يكحمهم في جهنم بحق ما خربوا بيت بنتي

هتفت نوارة باتساع عينيها المتعجبة:
-لسة بتقول خراب بيت بنتها؟!،هو أنتِ يا خالتي مش شايفة حالة بنتك ولا جوزها سيادة المستشار، إيش جاب لجاب
نطقتها بملامة ثم نظرت إلى مروة لتنطق بصوتٍ جاد:
-معلش يا مروة أنا لساني فالت ومبعرفش أسكت قدام الحق، وبصراحة كده إيثار ربنا بيحبها إنه نجاها من العيلة الهم دي

قالت إيثار لإنهاء ذاك الحديث:
-خلاص يا نوارة،كل شئ انتهى وراح لحاله والكلام مبقاش ليه لزوم
تحدثت مروة وهي تستعد للرحيل:
-يعني أطمن حسين يا إيثار؟
أومأت لها وتحدثت بنبرة صادقة:
-حسين طول عمره كان محترم معايا،وعمره ما أذاني حتى بكلمه،ربنا يصلح حاله ويفك كربكم وتتجمعوا قريب
استمعت لصوت ذاك الحنون الذي خرج ليطمئن عليها بعدما فقد القدرة على الصبر أكثر من هذا، لينطق:
-الوقفة دي غلط عليكِ يا حبيبي

ما اروعهُ حين يقول كلمة حبيبي،ينطقها أمام الجميع دون أن يخجل بالعكس،يشعر دائمًا بالفخر بامتلاكه لتلك الرائعة،اقترب عليها لتنطق مروة بعدما شعرت بالخجل:
-أنا همشي
قالت منيرة بنبرة هادئة:
-هتمشي يا بنتي من غير ما تشربي حاجة
تطلعت إلى فؤاد الذي يخترق ملامحها بنظراته ليستكشف نواياها بحكم ما تعود عليه من خلال عمله لتنطق هي بارتباك:
-مرة تانية يا خالتي،متشكرة يا إيثار

رفعت كتفيها لتنطق بنبرة صادقة:
-على إيه بس يا مروة

تطلعت إيثار على تلك الصغيرة لتشعر بالأسى تجاهها،فقد جنى عليها والداها بمجيئها للدنيا بتلك الطريقة المهينة،رحلت المرأة لتتركها بصحبة عائلتها،قضت سهرتها بصحبة عائلتها لتغفى بالليل بصحبة زوجها بغرفة أيهم،وباليوم التالي خرجت من البلدة لتمر من ذاك الكوبري ولأول مرة مرفوعة الرأس بقلبٍ سعيد،تطلعت لذاك الجالس بجوارها لترتمي داخل أحضانه تتنعم بحنانه ليهمس بأذنها:
-بعد الليلة دي محتاجين نستجم في الچاكوزي،أظن كده من حقي أدلع

لفت ذراعها حول عنقه لتنطق بسعادة وارتياح لم تشعر به منذ سنوات:
-أنا حبيبي يستاهل دلع الدنيا كلها
ابتسم بسعادة لشعورهُ بشدة حبور خليلة الروح ليشدد من إحتضانها ويضع كفهُ يتحسس موضع صغيراه ليسألها:
-حبايب قلبي أخبارهم إيه
-زي الفل يا حبيبي…قالتها وهي تطمئنهُ على جنيناه ليتنهد براحة

*****
بعد مرور أقل من ثلاثة شهور
كانت بصحبة زوجها وعائلتها داخل منزل “أميرة”تلك الفتاة التي تعرف عليها”أيهم” من خلال عمله بشركة الزيني،فقد حضروا اليوم لزيارتهم لخطبة الفتاة لـ أيهم،وقد حضرت معهم إيثار وفؤاد بعدما تحسنت علاقتهم وعادت كأي علاقة صحية لفتاة بعائلتها، وأثناء الترحاب بهم وبعد الإتفاق على تفاصيل الزواج،شعرت إيثار ببعض الألم، في البداية كظمت ألمها كي لا تفسد فرحة شقيقها وعروسه الجميلة لكنها لم تستطع الصمود اكثر لتطلق صرخة مدوية وهي تتمسك بكف زوجها:
-فؤاد،إلحقني
إنتفض قلبه لينظر عليها بوجهٍ شاحب كالأموات من شدة هلعه عليها ليسألها:
-مالك يا قلبي

حملقت عينيها باتساع وهي تقول بهلعٍ:
-شكلي بولد، أاااااااه

إنتهى الفصل
أنا لها شمس
بقلمي روز أمين

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل حاجب الإعلانات لتستطيع تصفح الموقع