رواية انا لها شمس الفصل الخامس والأربعون 2 لروز أمين
الحياة كلوحة بيضاء تنتظر منا الألوان لتغدو أكثر جمالاً وتألقًا وتأنقًا،فاختر ألونك بعناية كى تزهو حياتك وتزدهر،اصمد أمام حلمك حتى يتحقق فلا مستحيل مع الإصرار والتحدي،إذا حُجبت سماؤك يوماً وتلبدت بالغيوم أغمض جفونك لبرهة ترى خلف الغيوم نجوم، والأرض حولك إذا ما توشّحت بالثلوج أغمض جفونك تجد تحت الثلوج مروج،واعلم أن وراء كل فشلِ يوجد نجاح وخلف كل حزنٍ تأتي السعادة لتفتح بابها على مصراعيها لاستقبالك،وخلف كل جفافٍ بأتي غيث الله،فمهما يحدث تمسك بحُلمك وأعلم أن برغم قساوة الواقع ومرارته دائمًا يوجد أمل.
بقلمي« روز أمين»
قاطعها وهو ينظر إليها بازدراء:
-إنتِ إيه،إنتِ واحدة أنانية مبيهمكيش غير نفسك وبس،أهم حاجة تعملي اللي في دماغك وتحسي باستقلاليتك ويولع الباقيين، لا اهتميتي بخوفي عليكِ ولا شفع لي عندك حبي ليكِ ولا أي حاجة عملتها علشان أخليكِ مبسوطة وعايشة معايا في أمان
أشار بكفه بانفعال وألم ظهر بعينيه:
-حتى أهلي اللي عاملوكِ بمنتهى الحب والحنية سقطوا من حساباتك،وإنتِ عارفة ومتأكدة إن أمان الأولاد ووصولهم للدنيا بسلام بقى حلم حياتهم اللي عايشين علشانه
حالة من الصدمة أصابتها وهي تستمع لكم الإتهامات الباطلة التي انهالت عليها من حبيبها التي اختارته ليكون رفيق دربها لنهاية العمر،صدمة لعدم شعوره بها وتقدير ما تشعر به من ضياع،نطقت بصوتٍ خرج منها بصعوبة وهي تُشير إلى حالها بذهول:
-هي دي نظرتك ليا؟!
لتتابع بعينين تلتمعُ بهما قطرات الدموع التي تأبى النزول إمتثالاً لكرامتها:
-أنانية وعديمة أصل وناكرة للجميل؟!
نطق بصوتٍ حاد رافضًا تحويرها لمعاني الكلمات:
-أكتر حاجة بكرهها في حياتي إن كلامي يتحور ويتقلب معناه، فبلاش تتبعي معايا الإسلوب ده لأني مش هقبله
خرجت من بين شفتيها إبتسامة واهنة تحمل الكثير من الألم والمعاناة لتنطق بصوتٍ واهن ضعيف كحالتها:
-الكلام مش محتاج يتحور علشان يتفهم يا سيادة المستشار،الكلام شارح نفسه وواضح جداً
صمتت لتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تنطق بطاعة وخنوع:
-وحاضر،هنفذ لكم أوامركم بعد كده من غير ما أفتح بقي ولا أطالب بأي حقوق،لأني إكتشفت إني مسلوبة الحقوق والإرادة في أي مكان بروحه،وكأن إنكتب عليا طول الوقت الخضوع وكلمة “حاضر”
حملق بها غير مستوعبًا ماتفوهت به من حماقة لينطق بحدة:
-برافوا عليكِ، قوام قلبتي التربيزة وطلعتيني الزوج الديكتاتور اللي كل همه إن أوامره تتنفذ بدون نقاش
شعرت بإنهاكٍ روحي وكأنها تبحر ضد التيار،فنطقت بنبرة منكسرة:
– إنتَ عاوز إيه مني يا فؤاد،عاوز إيه من واحدة لقت نفسها بين يوم وليلة محبوسة في بيت مبتشوفش شكل الشارع غير في وجود حراسة مشددة مانعة عنها حتى الهوا،وبعد ما كانت مسؤلة عن نفسها وسيدة قرارها أصبحت عبد طائع مش مسموح له حتى ياخد قرار بنفسه ولا ينفذه؟!
اقترب منها على بعد خطوتين ليتوقف وأخذ ينظر لوجهها بتمعن وهو يرفع أحد حاجبيه متعجبًا ويقول:
-والوضع ده مين السبب فيه يا إيثار، مش دي ظروفك اللي إتفرضت علينا،انا تعايشت معاها وإنتِ مش قادرة تتعايشي ولا تتأقلمي؟!
نظرت إليه بضعف وقد خارت قوتها لينطق بنبرة أظهرت كم عشقه لتلك التي ملكت القلب واستوطنت:
-أنا بعمل كده علشان حمايتك إفهمي
واسترسل بايضاح:
-فيه فرق بين إني أكون شخص متعنت وديكتاتور وكل اللي يهمني إن أوامري تتنفذ،وبين إني خايف عليكِ إنتِ ويوسف وولادي
نطقت وهي تُشير بسبابتها باتهامٍ صريح وكأنها لم تستمع من حديثه سوى الكلمةِ الأخيرة:
-أيوا،هنا بقى القصة كلها يا سيادة المستشار،ولادك،ولادك اللي إنتَ مرعوب عليهم وعامل عليا حصار بسببهم وصل لإنك تدخل بنوعيات الأكل اللي باكله
-ولادي أنا لسه مشفتهومش…جملة قالها بنبرة عاتبة ونظراتٍ لائمة ليتابع بتذكير:
-ولو ترجعي بذاكرتك لأول ما اتجوزنا هتلاقي معاملتي ليكِ محصلش فيها أي تغيير،خوفي عليكِ وحرصي على حمايتك وأمانك إنتِ ويوسف كان من أهم أولوياتي من أول يوم دخلتوا فيه البيت ده
واسترسل متهمًا إياها:
-بس إنتِ مش بتشوفي غير اللي إنتِ عاوزة تشوفيه وبس
تبادلت الإتهامات بينهما لتنطق بصوتٍ يدل على احتراق قلبها:
-وإنتَ يا فؤاد حاسس بيا؟ حاسس باللي بمر بيه وبوجعي،أنا عايشة في بيتك ليا أكتر من خمس شهور مفيش مخلوق من أهلي دخل عليا في يوم،طول الوقت حاسة بالخجل منك ومن أهلك
هتف بقوة يسألها بصرامة:
-وأمتى أنا ولا أهلي حسسناكِ بده،إمتى فرق معانا موضوع أهلك وزيارتهم ليكِ؟!
هتفت بحدة وقد فكت الحصار عن دموعها الحبيسة وسمحت لها بعدما فقدت السيطرة لتنطلق بقوة أغرقت وجنتيها وهي تقول:
-حتى لو مش دي طريقة تفكيركم والموضوع مش فارق معاكم
لتنطق بصوتٍ أظهر نزيف قلبها:
-بس فارق معايا أنا قوي،شعور إني مكملة حياتي زي الزرع الشيطاني اللي ملوش أصل شعور مُميت،عمر اللي زيك ما يحس بيه
نزلت كلماتها ودموعها على قلبه كمادة كاوية شديدة أحرقت وطاحت بطريقها كل ما قابلها بعنفوان لينطق بنبرة خافتة:
-أنا أهلك وجوزك وحبيبك
طالعته بألم ونظراتٍ مريرة ممزوجة باللوم قبل أن تنطق:
-مش حقيقي،إنتَ كل اللي يهمك سلامة ولادك وبس
سألها بعينين متعجبتين:
-وإنتِ،ميهمكيش سلامتهم؟!
ناظرته لتصمت فابتسم نصف ابتسامة مؤلمة ثم أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول:
-جهزي نفسك بكرة علشان هنقوم بدري
تطلعت عليه ثم أخذت نفسًا مطولاً قبل أن تطرق برأسها وتقول بصوتٍ واهن حزين:
-قولت لك مش هروح
هتف بقوة أرعبتها:
-مش بمزاجك على فكرة،مش بعد ما جهزت كل حاجة وبلغت الحراسة وجهزت أمان العربيات تيجي بكل بساطة وتقولي مش رايحة
أطرقت برأسها تنظر إليه بحزن لتهرول على باب الحمام تغلقه وتختبئ خلفه،إستندت بظهرها على الباب وأطلقت العنان لدموعها فشهقت شهقة خرجت عنوةً عنها لتصل لذاك الواقف بمكانه بين نارين،نار العشق والاشتياق وقلبه الملتاع،ونار كلماتها الجارحة التي وصمته بها منذ ذاك اليوم المشؤوم،أغمض عينيه بألم وبات يمسح على وجهه بكف يده عله يطفئ من لهيب قلبه المشتعل،يشعر وكأن قدماه متسمرة بأرضها ليزفر بقوة ويقرر التوجه إليها بعدما ساقه قلبه العاشق ليدق الباب وهو ينطق بهدوء:
-إفتحي الباب يا إيثار
انتفض جسدها حين استمعت لصوته يناديها بكل ذاك الحنان لينفطر قلبها من شدة البكاء لينتج شهيقًا عاليًا بفضل بكائها الحار،شعرت بمقبض الباب يدار فابتعدت ووالتهُ ظهرها ليلج إليها متحدثًا:
-بطلي عياط وتعالي إرتاحي برة علشان ماتتعبيش
شهقة عالية خرجت منها وبدأ جسدها يهتز تأثرًا بحالة البكاء الهيستيرية التي أصابتها لينتفض قلبهُ حزنًا عليها وما شعر بحاله وهو يهرول إليها ليقف أمامها ممسكًا كتفيها بعناية لينطق بعينين لائمتين:
-ليه ده كله،عاملة في نفسك وفيا ليه كده؟!
ما كان منها سوى البكاء بشدة لينطق وهو يضمها بين أحضانه وما أن تلامسا حتى انتفض جسديهما معًا،فمنذ سبعة أيام لم يقترب أحدهما من الأخر وهذا ما جن جنون كلًا منهما، فتلك هي المرة الأولى التي يبتعدا عن بعضيهما منذ أن إلتحمت روحيهما قبل الجسد،لم تشعر سوى وهي ترفع ذراعيها لتحاوط بهما عنقه وكأنها كانت تنتظر الإشارة،ابتلع لعابهُ حين تلامس جلد وجنتها مع عنقه ليشعر بانتفاضه بجميع عروقه،ود لو باستطاعته حملها بين ساعديه والتوجه بها نحو فراشهما ليضعها فوق ساقيه ويضمها لصدرهِ حتى يُشبع روحهُ العطشة من رائحة جسدها الذكية والنظر داخل مقلتيها الساحرة والغوص ببحريهما العميق،لكنه الكبرياء لعنة الله عليه من منعه،شعرت بتخشب جسدهِ لتتنهد بألم،تعلم أنهُ غاضب بل وثائر لكرامته التي دُهست تحت قدميها على حد وصفه،لكنها تريده،تريد ضمة أحضانه الحانية التي حُرمت منها طيلة الأيام المنصرمة،لقد أصبحت أنفاسه ترياقها وأحضانه حصنها المنيع،تريد ضمته الأن وبقوة،خرجت من بين أحضانه لتطالعه بعينيها الباكية وهو تقول بدلالٍ أنثوي خفيف أرادت بهِ كسر الحواجز التي بُنيت على يد العناد والكبرياء:
-أنا زعلانة منك قوي
طالع عينيها بعتابٍ قائلاً:
-أنا كمان زعلان منك قوي
قالت بنبرة أكثر دلالاً عل جسده المتخشب ذاك يلين ويحتضنها بقوة:
-إنتَ مش بتحبني
تنهد بشوقٍ لو خرج لفاض وتكفل بقلوب العاشقين جميعًا ثم قال بمراوغة:
-أنا فعلاً مش بحبك
ليسترسل بنبرة تصرخ بأنين الهوى:
-أنا بعشق كل ما فيكِ،نظرة عيونك إبتسامتك لما تكوني راضية،لمسة إيدك وهي بتطبطب عليا
لم تنتظر أكثر لتضع كفها تتلمس به ذقنهُ النابتة التي تعشق النظر إليها وملمسها الحنون،إرتعش جسده تأثرًا بلمستها لتنطق بعينين معتذرتين:
-أنا أسفة
نظر لأنفها الأحمر بفضل بكائها وابتسم ليقول بنبرة حنون:
-وأنا كمان أسف
سحبها وخرجا ليجلس فوق الفراش وتتخذ هي من ساقيه مجلسها،ارتمت داخل أحضانه لتضع رأسها فوق موضع قلبه،تنهدت براحة وظلت داخل أحضانه لفترة ليست بالقليلة
خرجت من بين أحضانه التي طالت لتسألهُ بعدما استمعت لدقات قلبهِ العالية وهي تنبض كطبول الحرب:
-هو أنتَ لسه زعلان مني
ابتلع لعابه من مظهرها المهلك لقلبهِ،فقد امتزج إحمرار وجهها السعيد بعودتها داخل أحضانه وإحمراره السابق بفضل بكائها ليشكلا مظهرًا جعل قلبهُ ينتفض اشتياقًا،كان يريد أن يغوص معها ببحر عشقهما ليتذوق شهدها ويذيقها من لذة شراب العشق لكنه كان يمنع بل ويحارب ذاك الشعور كي لا يؤكد لها إتهامها المهين لشخصه بإن كل ما يربطهما هو الإحتياج الجسدي لها وغريزته التي تحركه، فأراد أن يثبت لها عكس ما تشعر به،هز رأسه بنفيٍ دون حديث لتسألهُ وهي تتحسس شعر صدره الظاهر من فتحة قميصهُ:
-طب ليه باعد نفسك عني
أجابها بمراوغة يريدها أن تكشف عما بمكنونها أكثر:
-باعد إزاي وأنا واخدك في حُضني
شعرت بالخجل يعتري روحها لتميل برأسها تنظر للأسفل ثم تحدثت بنبرة حزينة:
-إنتَ زعلان من الكلام اللي أنا قولته لك، صح؟!
لم ينطق لترفع أهدابها تتطلع عليه لتتحسس ذقنه في حركة أنهت على صبره لتنطق:
-مش أنا قولت لك إني أسفة،المفروض الكلمة دي تمحي أي زعل بينا
-تفتكري كلمة أسفة ممكن تزيل شعور الإهانة اللي حسيت بيه منك…نطقها لائمًا ليتابع بنبرة متألمة:
-إنتِ حصرتي علاقتي بيكِ في لانجري وليلة حلوة بنقضيها مع بعض،هو ده اللي بينا من وجهة نظرك يا إيثار؟!
تعمقت بمقلتيه وبأناملها الرقيقة باتت تتحرك فوق ذقنه بطريقة إحترافية جعلت من قلبهِ مستسلمًا لتنطق بنبرة أقرب إلى الهمس:
-اللي بينا كتير قوي يا فؤاد،اللي بينا مفيش حاجة في الدنيا ولا أي كلام يقدر يوصفه
انتهت من كلماتها لترفع جسدها للأعلى كي تطوله وتطبع قُبلة حنون فوق شفته السُفلى سرعان ما أثارت حواسه وانتفض لتتحول القُبلة إلى شغوفة عنيفة ويفقد هو صبره ليقع قناع القوة الذي ارتداه لكنه لم يستطع الصمود أمام سحرها ودلالها ليخر راكعًا راضخًا لأمر الهوى ويذوب معها.
***
تتمدد على جنبها فوق الفراش المخصص لها،تسند رأسها بكفها الموضوع فوق وسادتها،شاردة بحالة أنجالها وما حدث لهما وتبكي بانهزام،فقد هاتفها حسين وقص لها ما حدث وبأن الشرطة قامت بالحجز على منزل وسيارة عمرو وهروبه للخارج،أبلغها أيضًا أنه يعمل بإحدى الشركات وبالكاد استطاع تأجير غرفة يستطيع العيش بداخلها لحين إشعار أخر،ما زاد من شعورها بالمرارة هو انتشار تلك الاخبار بالبلدة بأكملها وشماتة الناس بهم وحتى أشقائها وعائلتها رجحوا حدوث ذلك لقتل نصر لهارون والغدر به،لم تتوقع ما حدث لعائلتها الصغيرة حتى بأسوء كوابيسها،برغم ما اقترفه نصر بحقها إلا أنها مازالت تكن لهُ عشقًا عميقًا داخل قلبها،فتلك الـ إجلال تنطبق عليها مقولة”ومن الحب ما قتل”فـ لاجل الثأر لكرامتها دمرت أسرتها بالكامل،ذاك هو العشق لدى إجلال ناصف،ولجت زوجة شقيقها المدعوة بـ شريفة لتنطق بضيق وهي ترى انتحابها المتواصل ليلاً ونهارًا منذ أن جاء بها زوجها وأسكنها بمنزلهم:
-هو احنا يا اختي مش هنخلص من الندب ده، ده حتى فال شوم على البيت واصحابه
نطقت بحدة وهي تخفي أثر دموعها بكفيها:
-سبيني في حالي يا ولية واطلعي برة
شهقت الأخرى لتنطق باستهجان:
-ولولو عليكِ ساعة وسكتوا يا بعيدة،هي مين دي اللي ولية؟
اتسعت عيني إجلال واحتدت ملامحها لتمتلؤ بالقسوة وهي تعتدل سريعًا لتهتف بقوة:
-إنتِ بتكلميني أنا كده يا بت؟!
تعمقت الاخرى وهي تتشفى بمظهرها المذبهل،فقد أتت لها الفرصة ويجب أن تغتنمها جيدًا،فكم من المرات التي أُهينت بها وتم تصغيرها على يد تلك المتجبرة،والان هو وقت الحصاد والإنتقام،هتفت بنبرة حادة وهي تقوم بإهانتها:
-أكلمك وأكلم اللي يتشدد لك كمان،فوقي وإوعي لنفسك يا إجلال،لتكوني فاكرة نفسك لسه قوية زي الأول
استشاط داخلها من تعدي تلك الحقيرة عليها بتلك الطريقة المهينة:
-إنتِ اللي لازم تفوقي لنفسك وتعرفي مقامك في البيت ده يا شريفة،أنا إجلال بنت الحاج ناصف، ستهم اللي مهما حصل هفضل ستهم
واسترسلت بابتسامة خبيثة:
-اتمتعي باليومين اللي أنا قاعدة فيهم في اوضتي حزينة،علشان لما أفوق وأطلع لك من الاوضة دي،مش هتبقي ست البيت زي ما أنتِ متعودة، هتبقي الخدامة بتاعتي، فاهمة يا بت
اقتربت عليها لتهتف بفحيحٍ كالأفعى:
-ده في أحلامك يا إجلال،إنتِ خلاص، بقيتي منبوذة من العيلة كلها زيك زي الكلب الجربان اللي الكل بيبعد عنه ويزقه برجليه لـ يعديه،زمنك فات وانتهى خلاص يا بنت الحاج ناصف
لتسترسل بعينين حادة كنظرات الصقر وهي تُشير بسبابتها نحو باب الغرفة:
-ولما يتفك حزنك على الخاين اللي استغفلك وراح اتجوز عليكِ بت صغيرة وتطلعي من باب الأوضه دي،هتشوفي المعاملة الجديدة اللي تستاهلها واحدة زيك
كانت إمرأة متجبرة متعالية لم تستثمر بحياتها وتجمع رصيدًا في قلب أحدهم حتى يشفع لها بعد إنهيارها،بل كانت تعادي الجميع وتجبرت،هبت من جلوسها لتُمسك ذراعها وتحاول ليه لتصرخ المرأة بقوة ومن سوء حظ إجلال ولج شقيقها ونجله للتو من باب المنزل ليستمعا لصرخات المرأة فيهرولا ويجدا إجلال وهي تعنفها،هرول الشاب ليقوم بتخليص والدته بالقوة وهو ينهرها:
-سيبي أمي يا عمة،إنتِ مسكاها كده ليه؟
ليهتف محمد بحدة وصرامة:
-إنتِ إتجننتي يا إجلال،إيه اللي بتعمليه ده؟
نطقت وهي تحاول الهجوم عليها بشراسة والمرأة تختبئ خلف زوجها لتحتمي به:
-إنتَ أصلك مسمعتهاش بتقولي إيه يا حاج محمد،مراتك طلعت قليلة أصل
صرخت المرأة لتنطق بتزييف لما حدث:
-ولا قولت لها حاجة يا اخويا،ليه وليه داخلة بقول لها بطلي ندب وعويل في البيت أنا خايفة على راجلي وعيالي، هجمت عليا وقالت لي هشغلك عندي خدامة
ثار الشاب بعدما استمع لإهانة والدته ليهتف برعونة الشباب:
-كلام إيه اللي بتقوليه ده يا اما،إنتِ ست البيت ده ومحدش يجرأ يوجه لك أي إهانة حتى لو كان مين
اتسعت عينين إجلال لتهتف بسخطٍ:
-أما إنك عيل قليل الرباية صحيح، بقي بتصدق العقربة أمك وتنصفها على ستهم
-إجلال… كلمة أطلقها محمد بصوتٍ زلزل أركان المنزل بأكمله ليسترسل بنظراتٍ حادة كطلقات الرصاص:
-إحترمي نفسك وإتكلمي بأدب مع ست البيت
جحظت عينيها لتنطق بذهول:
-إنتَ كمان هتنصفها عليا يا محمد؟!
نطق بقوة وهو يحاوط كتف زوجته بذراعه:
-إسمعيني كويس يا بنت أبويا،اللي أوله شرط أخره نور،شريفة هي ست البيت وكلمتها تمشي على حريم الدار كله، وطالما هتعيشي في بيتها يبقي تحترميها وتسمعي كلامها كمان، أنا راجل مبحبش النكد والمشاكل في بيتي، وأكتر حاجة أكرهها هو الصوت العالي
واسترسل وهو يرمقها بازدراء:
-ومن النهاردة مش عاوز اسمع شكوى من شريفة بخصوص النويح والندب على الندل اللي راح
قال كلماته بصرامة ليخرج من الغرفة تابعه نجلهِ لتطالعها شريفة بنظراتٍ متشفية ثم ابتسمت بتهكم لتلحق بزوجها تاركة تلك التي اشتعلت نارها لتشعر بالقهر والعجز
***
تشعر وكأن روحها عادت إليها وهي تسكن أحضان ذاك الممدد بجوارها مشددًا عليها وكأنهُ يخشى هروبها،تتنعم بلمساته الحنون مغمضة العينين سارحة بسماء عشقهما بعد غوصها معه بإحدى الجولات العشقية التي أنعشت روح كلًا منهما،استفاقت على صوت حبيبها الذي نطق وهو يضم جسدها لخاصته ليقربها بقوة:
-إوعي تبعدي عني تاني
تحدثت بدلال وهي تلقي باللوم عليه:
-وهو أنا كنت بعدت أولاني يا باشا
ضحك بصوتٍ خافت ليقول من جديد:
-مش فارقة مين السبب يا عمري،المهم إن اللي حصل ده ما يتكررش تاني
بطريقة مازحة أجابته:
-عُلم ويُنفذ جنابك
ابتسم وتنفس بهدوء ليسألها بنبرة حنون وهو يتلاعب بخصلات شعرها بين أصابع يده:
-إيه رأيك أخلي سعاد تطلع لنا العشى هنا وناكل لوحدنا،هأكلك بأديا وإنتِ قاعدة على حجري
نظرت تتطلع عليه بسعادة ليسترسل كي يزيل بعض الأسباب التي تؤرقها:
-ويا ستي فيكِ تختاري الأكل على مزاجك، ومهما كان الصنف اللي هتختاريه هخليها تعملهولك بدون نقاش
ابتسمت لتجيبهُ بهدوء:
-هو أنتَ فاكرني زعلانة علشان الأكل اللي أنا ممنوعة منه يا فؤاد؟!
ضيق عينيه يتطلع عليها بحيرة لتكمل بنبرة جادة:
-طول عمري وأنا أكتر حاجة بتنرفزني وتخليني أفقد اعصابي هو الإجبار وفرض القرارات عليا،وده اللي حصل لما عملت لي لستة بالأكل اللي لازم أكله ولستة بالممنوعات
تنهد بهدوء ليرفع ذقنها يحثها على النظر إلى عيناه قبل أن ينطق مستفسرًا:
-وهو أنا عملت كده علشان أضايقك يا حبيبي؟!
ليتابع بتذكيرها:
-مش لما تعبتي من الأملاح والصديد واتحجزتي يومين في المستشفي والدكاترة علقوا لك محاليل،كان لازم أتدخل وأعمل لستة بالاكل علشان صحتك أولاً والاولاد ثانيًا وإلا كنا هندخل في مشاكل صحية لا حصر لها
ابتسمت بخفوت لتتحدث بنبرة أظهرت تشتتها هذه الفترة:
-أنا أسفة،أنا عارفة إن أنا تعبتك معايا من يوم ما عرفتني،بس كل الظروف بتضغط عليا وبتخنقني،مش بلحق أخد نفسي من كتر الصدمات يا فؤاد
لتنطق بنبرة منكسرة:
-خايفة في يوم تزهق مني ومشاكلي تكون سبب في إنك تبعد عني
بلهفة أجابها:
-أنا عمري ما أقدر أبعد عنك يا حبيبي،هو ينفع حد يبعد عن النفس اللي بيحييه؟!
رفعتها كلماته لعنان السماء لتشعر وكأن روحها تتراقصُ على أنغام كلماته ما جعلها تدفن حالها بين أحضانه تتمسح به كقطة تعشق مربيها
تحمحم لينطق بحذرٍ خشيةً ردة فعلها:
-حبيبي،عاوز أفاتحك في موضوع بس مش عاوزك تزعلي ولا تاخدي الموضوع بحساسية
ابتعدت قليلاً لتتطلع بتمعن وهي تقول:
-أنا عمري ما أزعل منك يا فؤاد،قول اللي إنتَ عاوزة وتأكد إني هفهمه مهما كان
تحمحم وتحدث بهدوء:
-أنا عارف إنك عانيتي كتير قوي في حياتك واتعرضتي لصدمات محدش يتحملها
قاطعته قبل أن يكمل:
-قول اللي إنتَ عاوزه بدون مقدمات يا حبيبي،وأنا وعدتك إني هتفهم الوضع
أخذ نفسًا عميقًا قبل أن ينطق بحذر:
-أنا شايف إننا لو روحنا لمعالج نفسي الوضع هيكون أفضل
توقع ثورتها أو حتى تحسسها من طرحه للأمر لكنها فاجأتهُ حين تنهدت لتنطق بهدوء:
-أقول لك على سر؟
أومأ بقوة ليحمسها فاسترسلت:
-أنا فكرت قبل كده إني أروح لمعالج نفسي
واسترسلت بابتسامة تتوارى بها خلف خجلها:
-بس بصراحة حالتي المادية هي اللي منعتني وقتها،المرتب كان يدوب بيكفي مصاريف المدرسة التجريبية بتاعت يوسف وأكلنا واحتياجتنا الضرورية،بجانب مبلغ بسيط كنت بوفره لـ عزة كل شهر كـ مرتب ليها
واسترسلت بابتسامة وهي تتذكر مواقف تلك المرأة الجميلة التي ساندتها بكل ما أوتيت من قوة:
-مع إنها كانت بترفض تاخده وأنا اللي كنت بصر عليه،ولما كنت بقصر في طلبات البيت كانت هي اللي بتجيب من مرتبها من غير ما تحسسني
واسترسلت بألم:
-بس أنا كنت بعرف
نطق بابتسامة حنون لسببين،أولهما أن يلهيها عن حساسية الامر كي لا تخجل والثاني هو إعجابه الحقيقي بتلك الـ عزة:
-جميلة قوي علاقتك بـ عزة وغريبة
ابتسمت لتومي بموائمة ليتحمحم وهو يسألها:
-يعني أشوف معالج كويس وأحجز لنا عنده؟!
أومأت بموافقة لينطق في محاولة منه للتخفيف عنها:
-أنا كمان هحجز وهاخد جلسات على فكره،عندي حبة كلاكيع نفسية محتاجة أزيلها من جدورها
ضحكت ليطلق هو الأخر ضحكاته ليكملا حديثهما بأريحية بعدما أزيح ذاك الثقل من فوق صدره،فمنذ أخر مشادة كلامية حدثت بينهما وهو يرى أن الحل الأنسب لإزالة العراقيل التي تواجهه بعلاقته مع زوجته هو زيارتها لمعالج نفسي كي يساعدها على تخطي ما حدث معها بالماضي والذي ترك أثرًا كبيرًا داخل نفسها المتألمة.
***
داخل منزل غانم الجوهري رحمة الله عليه
تقف منيرة ونوارة على قدمٍ وساق يعيدان ترتيب المنزل وينظفاه لاستقبال ابنتهم الغائبة وزوجها إبن الأكابر مثلما يطلقون عليه أهل البلدة،تحدث عزيز إلى أيهم الذي حصل على عطلة اليوم للتجهيز لاستقبال شقيقته وزوجها الذي أخبره بالأمس أنه سيجلب إيثار لزيارة قبر أبيها ومنزل عائلتها غدًا بيوم الجمعة “العطلة الرسمية لدى الجميع” :
-مقولتليش يا أيهم،إيثار وجوزها جايين البلد ليه؟!
أجاب شقيقه بهدوء:
-واحدة جاية بيت أبوها هسألها جاية ليه؟!
ابتسم وجدي لينطق بما أثار حنق عزيز:
-قصدك جاية بيتها يا أيهم
تطلع عليه عزيز ليقول بحدة:
-قفل على السيرة دي الله يبارك لك يا وجدي،انا كل ما افتكر المبلغ اللي معروض علينا قصاد بيع القيراط وافتكر إننا منملكش الحق في بيع أرضنا بتركبني شياطين الجن كلها
تنفس وجدي عاليًا لينطق لائمًا أبيه على تلك الحالة التي وضعهم بداخلها:
-الله يسامحك على اللي عملته فينا يا ابا،لولا إنه كتب لـ إيثار كل حاجة كان زمانا بيعنا القيراط واشترينا البيت اللي جارنا ووسعنا على ولادنا
وتطلع على المنزل بحالتهِ المتواضعة واسترسل بإشارة من كفه:
-على الأقل كان زمانا مجددين دهانات البيت والفرش بدل ما واحد زي وكيل النيابة ده يدخل البيت بحالته دي
قاطعه أيهم حيث نطق وهو يتطلع من حوله:
-وماله بيتنا يا وجدي، الحمدلله البيت نضيف وزي الفل وفرشه زي فرش بيوت كتير
ابتسم عزيز ليقول ساخرًا:
-بقى بذمتك اوضة الكنب دي تليق إن الباشا ابن الأكابر يقعد فيها،على الاقل كنا اشترينا أنتريه
انتهت منيرة من اعداد المنزل بمساعدة نوارة ونجلتاي عزيز لتجلس بهدوء،سألها وجدي باهتمام:
-جهزتوا لغدا يشرف بكره يا اما،أنا اديت فلوس لنوارة علشان تجيب لك كل الطلبات اللي هتحتاجيها بكرة
نطقت بصوتٍ خافت ظنوا أنه وهن من تنظيف المنزل لكنهُ خجلاً من تلك المواجهة التي لم تستعد لها بعد:
-نوارة قالت لي يا ابني، وأنا نضفت تلات دكورة بط وكام جوز حمام هحشيهم فريك بالسمنة البلدي
نطق عزيز دون وعي منه:
-إبقي إعملي لها برام رز معمر يا اما،إيثار بتحبه
صمت الجميع ليتطلع عليه شقيقاه لينطق مبررًا وكأنهُ فعل شيئًا مشينًا حين أظهر اهتمامه بزيارة شقيقته الوحيدة:
-دي بردوا ضيفة ولازم نعمل لها الاكل اللي بتحبه
أتت نوارة على أصواتهم لتهتف بسعادة وحماس يرجعان لتشوقها لرؤية صديقتها الحنون:
-متقلقش يا أبو غانم،ماما عاملة كل الأكل اللي إيثار كانت بتحبه، وأيهم الله يكرمه جايب معاه من مصر حلويات وجميع أنواع الفاكهة اللي في السوق
واشارت بكفها بنبرة حماسية:
-يعني هتبقى عزومة تشرف، ولا عزومة نصر البنهاوي في زمانه اللي كان بيعملها للكبرات
قاطعتها منيرة بحدة ترجع لتشاؤمها:
-فال الله ولا فالك يا بت،قفلي علي السيرة الزفت دي وقومي إعملي لنا دور شاي يظبط دماغنا
نطقت بابتسامة ووجهٍ بشوش:
-من عنيا
قالتها وانطلقت لتترك خلفها زوجها وعائلته يرتبون ويستعدون لزيارة الغد.
*****
أتى الصباح على الجميع كلٍ يحمل مشاعر مختلفة ما بين خوف وارتياب وترقب واستغراب،وقفت تتطلع على هيأتها بانعكاس المرآة،كان مظهرها رائعًا تبدو كملكة ذاهبة لتتويجها،فقد تبدل حالها كليًا لتبدو لمن يراها كأخرى لم تشبهها سوى بالملامح الجميلة التي لم تختلف بعد،فقد إعتنى بها فؤاد كثيرًا حيث سلمها لمختصون بدار أزياء عالمية كي ينتقوا ثيابها بعناية وأيضًا خبراء الإهتمام بالبشرة والشعر لتبدوا أصغر من عمرها بعدة سنوات حيث من يراها الان يتوقع الا يتعدى عمرها الثانية والعشرون،هكذا كانت مكافأة ودلال ذاك العاشق لـ أنثاه التي أثارت جنونهُ بجموحها واختلافها عن الأخريات
وضعت بعض اللمسات من زينة الوجه والإكسسوارات والحُلي اللائقة بثوبها الناعم وحجابها الأنيق،أمسكت قنينة عطرها الفرنسي وقامت بنثره بسخاءٍ على عنقها وثوبها لتعيدها من جديد.تناولت ساعة اليد المرصعة بحبات الألماس هديتها الثمينة التي تلقتها من عصمت بمناسبة حملها بالتوأم لترتديها لتزيد من أناقتها ومظهرها الجذاب،إرتدت أيضًا خاتم الزواج الذي أهداها إياه فؤاد ليتناسب مع تلك الساعة ويكملا الاناقة،تطلعت بتمعن على ملمع الشفاة بلونه الوردي التي وضعته ليزيد من جمالها وإشراقة ونضارة وجهها الصبوح،خرج من غرفة ملابسهُ جاهزًا ببدلته السوداء ذات الماركة العالمية ليطلق صفيرًا ونظراته المنبهرة تحاوطها لينطق باعجاب:
-إيه الجمال والشياكة دي كلها يا حبيبي
تطلعت عليه وهي تبتسم بسعادة ليتابع وهو يرفع كفاه للأعلى بملاطفة:
-أنا كده هغير رأيي ومش هنخرج من الجناح ده النهاردة
رفعت حاجبها لأعلى لينطق بمداعبة:
-ما أحنا ما اتفقناش على إنك تبقي مثيرة قوي كده
تحركت إليه بخطواتٍ أنثوية واثقة وكعب حذائها المرتفع يصدر صوتًا عاليًا ليرسخ ثقتها العالية،اقتربت عليه لتضع كفيها على صدره وتقول بإغراء مصطنع بصعوبة لشدة ارتباكها من تلك الزيارة:
-أنا مينفعش غير إني أكون حلوة ومثيرة،لأني أنا مرات فؤاد علام
هز رأسه بثقة ليعود للخلف يميل برأسه وهو يقيمها بشمولية لينطق بنبرة هادئة:
-طب إتفضلي يا حبيبة قلب فؤاد علام غيري الشوز دي حالاً
مطت شفتيها بتذمر ليتابع ساخرًا:
-هي البرنسيس ناسية إنها حامل في السادس ولا إيه؟!
اقتربت عليه لتقول بعينين تلتمستين الرضا وبشفاه ممدودة بإثارة كي تستطيع التأثير عليه:
-مش ناسية ولا حاجة يا حبيبي،بس إحنا مش هنمشي علشان ألبس شوز أرضي،إحنا هننزل من العربية جنب القبر وكذلك البيت بردو
نطق بصوتٍ هادئ:
-بيبي،بلاش شغل المحلسة ده علشان أنا اللي بدعته
واسترسل بصرامة لا تقبل النقاش:
-يلا إلبسي كوتش أرضي علشان ظهرك
زفرت بقوة لتقول متعللة:
-مش هعرف أربط رباط الكوتش يا فؤاد
رفع ذراعيه بطريقة مسرحية:
-بسيطة
خلع عنه حلة بدلته ليلقي بها فوق الفراش ثم اختفى بداخل غرفة الأحذية والحقائب الخاصة بها ليخرج بعد قليل حاملاً زوجًا من الأحذية الرياضية ليسحبها نحو الفراش ويجلسها قبل أن يستند بركبتيه أرضًا تحت ساقيها ليرفعها ويقول وهو ينزع عنها ذاك الحذاء ذو الكعب العالي:
-أنا أربط لك الشوز وأعمل لك كل حاجة تعوزها يا بابا
برغم غضبها منه إلا أن تصرفهُ أصاب جسدها بالإرتجاف من شدة تأثرها بحنانهِ المفرط الذي يغرقها به،ألبسها الحذاء وعقد لها ربطته بطريقة إحترافية نالت استحسانها ليرفع بصره إليها وتحدث بغمزة جريئة من عينيه:
-فاكرة اول مرة لبستك الخلخال؟
واسترسل رافعًا قدمها ليرفع ثوبها للأعلى ويظهر جزءًا من ساقها البيضاء ثم قربهُ من شفتيه الغليظة ليطبع قُبلة مثيرة وهو يتعمق بمقلتيها المتسعة وصدرها الذي بات يعلو ويهبط من شدة شعورها الرائع الذي شملها من تصرف ذاك الراقي
تحدثت بنبرة حنون وهي تتطلع عليه:
-إن شاءالله بعد الولادة هعمل لك كل اللي نفسك فيه يا حبيبي
أنزل ساقها وانتفض منتصب الظهر ليسألها وهو يساعدها على النهوض لتقابلهُ:
-وحبيبة حبيبها هترقص له؟
أومأت بسعادة ليتابع بمشاكسة:
-بالبدلة النبيتي؟
أومأت لتقول بتأكيد:
-بالبدلة النبيتي
نفخ أوداجه بالهواء ليزفر بقوة وتحدث وهو يجذب حلته من فوق الفراش ليرتديها على عجاله:
-طب يلا حالاً ننزل من هنا
ضحكت لتقف خلفه تساعده بارتداء حلته مما أسعد قلبه ليستدير ويسلم لها حاله لتقوم بعدل ربطة عنقه وياقة الحلة،مال عليها ليضع قبلة سريعة فوق شفتيها ثم أشار لها بذراعه لتتأبطه وتتحرك بجواره بحبورٍ بينما يشعر هو بالفخر من إمتلاكه لتلك “الدرة المكنونة”مكافأته من رب العباد جراء صبره على الإبتلاء
هبط الدرج بجوار تلك التي تتأبطه لينظر لهما الجميع،علام،عصمت، فريال وأيضًا ماجد حيث اليوم العطلة الأسبوعية،ضيقت عصمت عينيها حين رأت لمعة تسكن مقلتي نجلها،لمعة هي تعرفها جيدًا وتحفظها عن ظهر قلب،تيقنت على الفور أن ذاك الثنائي العنيد قد تنازلا عن عنادهما وارتمى كلاهما داخل أحضان الأخر ليرتويا وينتعشا وتزدهرُ قلوبهم،وقف علام يستقبلهما لينطق بنبرة جادة:
-خلاص نويتوا
هزت رأسها بابتسامة لينطق زوجها الحبيب:
-بإذن الله يا باشا
تحركت عصمت إليهما لتنطق وهي تربط على كتف صغيرها والقلق ينهش قلبها:
-خلي بالك من نفسك ومن مراتك يا حبيبي
وتطلعت إليها بنظراتٍ لائمة نزلت على قلب إيثار زلزلتها لتقول بهدوء:
-ترجعوا بالسلامة إن شاءالله
رأت حزنًا بعينيها فارادت أن تخفف من تأثير نظراتها المرتعبة على نجلها وزوجته وأحفادها:
-سلمي على ماما وإخواتك
كادت أن تتحرك لكنها أوقفتها بكفها لتنطق بنبرة خافتة:
-مش عاوزاكِ تزعلي مني يا ماما
تنهدت لتنطق بنبرة صادقة فقلبها مرتعب من تلك الزيارة:
-أنا مش زعلانة منك يا إيثار،أنا خايفة عليكم وعلى ولادكم
واسترسلت بنبرة حنون:
-أنا قولت لفؤاد مايخدش يوسف معاكم،بس هو كان مقرر قبلها إنه مش هياخده علشان الولد ما يسألش على أهل بباه ونفسيته تتأثر باللي حصل لهم
نطقت بعينين معتذرتين لتلك الراقية التي تتفهم رعبها:
-والله يا ماما غصب عني،شوقي لـ بابا الله يرحمه غلبني،ونفسي أرد أمانته قبل ما أدخل على الولادة علشان أكون مرتاحة
تنهدت بقوة،هي لا تنكر عليها حق زيارتها لـ لحد أبيها الراحل ولا اشتياقها لرؤية عائلتها،لكنها تخشى ما قد يكون وراء تلك الزيارة وهذا البلد الغير أمن كما أخبرتها عزة،أومأت لها لتنطق بنبرة حنون:
-ربنا يرجعكم بالسلامة يا بنتي
إقتربت فريال على شقيقها تحتضنه بقوة وهي تقول:
-خلي بالك من نفسك ومن إيثار يا حبيبي
ليهتف علام بحدة كي ينهي ذاك المشهد الدرامي المبالغ به من زوجته وابنته:
-ما خلاص يا جماعة،ده معاه إسطول عربيات بحراسة مسلحة ولا الحرس الجمهوري
تطلعت عليه عصمت بنظرات لائمة لينطق وهو يربت على كفها بمؤازرة:
-أنا مأمنه هناك كويس،متقلقيش
هتف ماجد وهو يربت على كف فؤاد:
-زيارة موفقة يا سيادة المستشار
تسلم يا دكتور…نطقها فؤاد ليتحرك بزوجته وهو يقول:
-يلا يا حبيبي
تحركا ليقاطع خروجهم عزة التي هتفت وهي تنظر إليه بنظراتٍ عاتبة:
-بردوا سمعت كلامها يا سيادة المستشار،هو ده اللي اتفقنا عليه
-خلاص يا عزة…قالها فؤاد ليكمل بنبرة حاسمة:
-فات وقت الكلام ده
نطقت بنظراتٍ مترجية:
-طب خدني معاك
ثم استرسلت وهي تتمسك بكف ابنتها:
-عاوزة أكون معاها علشان لو حصل حاجة ما يتكاتروش عليها زي المرة اللي فاتت
احتدت ملامحه لينطق بسخطٍ أرعبها:
-شكلك إتجننتي يا عزة،هما مين دول اللي يتكاتروا عليها في وجودي،طب حد يمسها بنظرة وأنا اولع في أم البلد كلها
نظرت الى عينيها اللامعتين بتأثر لتقول لطمئنتها:
-إطمني وريحي بالك،وبعدين مينفعش تيجي معايا وتسيبي يوسف لوحده، إنتِ ناسية إن فؤاد وداه عند بيسان علشان ميشوفناش وإحنا ماشيين ويعرف إننا رايحين الكفر ويشبط
هزت رأسها بهدوء لينطق فؤاد بتوصية:
-خلي بالك من الولد لحد ما نرجع، وإياك توقعي بلسانك وتقولي قدامه إننا سافرنا بلد بباه
-ليه شايفني هبلة قدامك…قالتها وهي ترمقه بازدراء أثار استياءه لينطق من بين أسنانه:
-يلا نخرج قبل ما ارتكب جريمة حالاً
خرج لتستقل المقعد الخلفي بجواره لتنطلق السيارة بين أسطول ذاك السيارات المليئة برجال الحراسة وأسلحتهم المرخصة.
إنتهي الفصل
أنا لها شمس
بقلمي« روز أمين»