روايات روز أمين

رواية انا لها شمس روز أمين الجزء الرابع

رواية انا لها شمس الفصل الثالث والثلاثون 2 لروز أمين

داخل قسم الشرطة،بعد خروج فؤاد ومغادرته للقسم وقف عمرو يتطلع إلى أبيه بيعينين متوسلة بألا يتركه بهذا المكان المستوحش، فأكثر ما يفقده إتزانه ويشعره بالجنون هو وجوده بين جدران تلك الحجرة الملعونة المسماة بحجرة الحجز وهؤلاء المجرمون المتواجدون بداخلها،نطق بصوتٍ عالي متذمرٍ كعادته:
-إتصرف يا بابا بأي طريقة وخرجني من هنا
واستطرد بصراخٍ يوحي لمدى فقدانه للسيطرة على حاله:
-أنا مش هقعد هنا يوم واحد، مش إبن الـ… خد اللي هو عاوزة،خرجوني بقى
صاح ضابط الشرطة بصوتٍ مرعب هادرًا بصرامة:
-إحترم نفسك يا بني أدم ومتنساش إن اللي بتتكلم عنه ده يبقى رئيس نيابة
واسترسل مهددًا:
-ولا تحب أعمل لك محضر سب وقذف يضاف لبلاويك؟!

ارتعب نصر من تحول ملامح ضابط الشرطة فبادر سريعًا بالحديث ليهم قائلاً:
-حقك عليا يا باشا،هو مايقصدش، ده بيتكلم بس من غلبه وصدمته من اللي حصل
قاطعة الرجل لائمًا بحدة:
-الاستاذ ناسي إنه في قسم شرطة يا سيادة النائب وبيشتم على رئيس نيابة؟

-أنا بتأسف لك بالنيابة عنه…نطقها مجبرًا مرغمًا ليتابع مترجيًا:
-وبعد إذنك يا باشا ياريت تسيبنا مع عمرو خمس دقايق بس، هنتكلم معاه كلمتين وهنمشي طوالي
تنفس مطولاً ليتطلع عليهم قبل أن ينسحب هو والعسكري وقبل أن ينطق عمرو باعتراض هتف نصر بحدة وهو يشير بسبابته في وجه ذاك الحانق:
-قولتها لك قبل كده وهفضل أقولها،نهاية كل اللي عملته في حياتي هتبقى على إيديك

-إهدى يا حاج وبراحة عليه، كفاية اللي هو فيه…قالها حُسين متأثرًا وهو ينظر بأسى لعينين شقيقه المنتفخة والدماء الجافة السائلة من جانب فمه،ناهيك عن تلك الكدمات المنتشرة بجميع وجهه نتيجة تعرضه للضرب المبرح على يد فؤاد،ليسترسل بنبرة حزينة:
-مش شايف شكله عامل إزاي
هتف من بين أسنانه بطريقة عنيفة أظهرت كم غيظه:
-محدش يقولي إهدى ،أنا عمر ما حد قلل من إحترامه معايا قبل كده،كنت بدوس على أجدعها شنب بجزمتي ولا حد يقدر يتنفس معايا

تهدَّلت أكتافه للأسفل لينطق بحسرة تكونت بصدره:
-مشفتش التهزيق وقلة القيمة غير على إيديه
كل شوية يجي لي بمصيبة أنقح من اللي قبلها،وأنا أجري واتوسل لده ولده علشان أطلعه منها، وأخرتها رايح يخطف لي مرات رئيس نيابة، وأدي النتيجة

قال الأخيرة بإشارة من كفيه ليتابع بغصة مُرة وقفت بحلقه وكادت أن تودي بروحه وهو يدق بقبضته فوق صدره بقوة:
-بسببه إتنازلت النهاردة عن حتة من قلبي، يوسف اللي كنت بستنى رجوعه لحضني بفارغ الصبر علشان أعلمه وأكبره على إيديا ويبقى إمتداد لنصر البنهاوي،قدمته بكل ذل لبنت غانم

رمقه طلعت بحدة وقلبٍ شامت،فطالما رفع ذاك الصغير على الجميع وبالغ بتدليله هو ووالدتهم ومن شدة عشقهما له لم يرا غيره من صغار المنزل حتى خلقا الضغينة بين الاشقاء بعضهم البعض،فبات هو يبغض عمرو وصغيره ولو بيده الامر لتخلص من كلاهما نهائيًا،لكن جبروت والديه هو من منعه فقط لا غير،أما عمرو فنطق بسخطٍ يرجع لعدم تقبله المكوث بذاك المكان البغيض:
-اللي حصل حصل خلاص،المهم الوقت تخرجني من هنا،ويوسف أنا هعرف إزاي أرجعهولك تاني، وبالتهديد والحيلة زي ما الـ…. عمل بالظبط

أشار نصر بكفيه لينطق بحدة وهو يتبادل النظر بين نجليه وقد أوشك للإصابة بذبحة صدرية على يد نجله الأرعن:
-إسمعوا وشوفوا الخيبة القوية اللي أنا فيها،الباشا مش مكفيه المصيبة اللي حطها فوق دماغنا ولسه مخرجناش منها وبيدبر للي بعدها
هتف طلعت بكلماتٍ أراد بها صب المزيد من الوقود فوق نار نصر المشتعله ليزيد من توهجها:
-ما تبطل غباء يلاَ وتفوق لنفسك كده واتظبط،يظهر إن عيارك فلت من كتر ما بنسكت لك ونعدي البلاوي اللي كل يوم والتاني تعملها،وكل ده بسبب دلع ستهم فيك، الله يسامحها خلقت منك عيل تافه عديم الكرامة والمسؤلية، واحدة ورفضاك يا جدع،داير وراها وذالل نفسك وذاللنا معاك ليه
واستطرد ليشعل النار اكثر بعدما رأي تجهم ملامح نصر باتجاه شقيقه:
-طب أبوك ذنبه إيه في قلة كرامتك دي، تمرمطه معاك وتخلي واحد زي المستشار يقل بيه قدامنا وقدام الظابط ليه؟!
احتدم نصر غيظًا ليهتف بنبرة حادة قبل أن يفقد توازنه وينقض عليه ليوسعه ضربًا:
-تترمي مكانك وتبطل نواح النسوان بتاعك لحد ما أشوف لك حد يطلعك من المصيبة دي
ليستطرد موبخًا إياه بتوعد:
-وحسابي معاك بعدين،وحياة أمك ماهفوتها لك المرة دي يا عمرو

بعد قليل، ولج إلى حجرة الحجز ليدفعه العسكري بقوة كادت أن توقعه ليستند على الحائط بتخبط،في الزاوية يقف رجلاً قصير القامة أشار بعينيه للجميع ليفهموا أن تعيس الحظ هذا هو من تم التوصية عليه من قِبل الضابط،فهز رجلاً رأسه بإيجاب قبل أن يهتف ساخرًا منه:
-إسم الله عليك يا صغنن،مش تحاسب لتتكعبل
قهقه السجناء بقوة ليتابع أحدهم متهكمًا:
-هاتوا لسيد أمه طاسة الخضة يا رجالة

تطلع عليهم ففهم المغزى من تهكماتهم،فضل الصمت وانسحب ليختلي بحاله جانبًا، بالكاد لمس جسده الارض ليقبل عليه شخصًا بجسدٍ عملاق ويبدوا على وجهه الإجرام ليركله بإحدى ساقيه وهو يزمجر بصوتٍ غليظ مخيف:
-ده مكاني يا حيلتها،شوف لك غيره
انتقل للجوار ليتحرك نفس الرجل معه ليكرر جملته:
-وده كمان تبعي
-والمطلوب؟!… قالها عمرو باستسلام ليشير الرجل بعينيه لمكانٍ بأخر الحجز يوجد به وعاءًا يقضون المحتجزون به حاجتهم الإنسانية ليشمئز وهو ينطق باستهجان:
-نعم،عاوزني أنا، عمرو إبن سيادة النائب نصر البنهاوي أنام جنب جردل الـ
صمت لبرهة ليكمل بازدراء:
-القرف ده؟!
نطق الرجل ببرود وملامح وجه مبهمة:
-هو كده بالظبط، ولو ماقومتش بالذوق هخلي صبياني يودوك غصب عنك، بس ساعتها مش هتجاور الجردل بس،ده هيبقى عشاك النهاردة
كاد أن يتقئ ما بمعدته بمجرد تلفظ الرجل بتلك الكلمات البذيئة ليهب واقفًا وبصمتٍ مخزي تحرك ليجلس بالمكان الذي خصصه له لينظر الرجال بعضهم إلى بعض ويبتسمون لينتقلون للفقرة التالية من الحفلة
****
داخل السيارة الخاصة بـ نصر ونجلاه،استقل مقعده المجاور لطلعت ليمسك هاتفه ويضغط زر الإتصال بالشخص السادس على التوالي متأملاً أن يقدم له المساعدة ولا يتخلى عنه كا الخمس الذين سبقوه،هتف بنبرة متحمسة:
-شوقي باشا،إزي جناب معاليك
الطرف الأخر:
-أهلاً يا نصر، عاش من سمع صوتك
قص عليه نصر ما حدث وطلب منه المساعدة لإخراج نجله من الحجز بما للرجل من سلطة لينطق الرجل بعقلٍ متزن:
-للأسف يا نصر، لا أنا ولا غيري هنعرف نخدمك في الموضوع ده
واسترسل بإبانة:
-إنتَ واقع مع حوت كبير من حيتان القضاء، علام زين الدين راجل ليه وزنه وثقله في البلد وبكلمة منه يشيل ناس من مناصبها،وإبنه خليفته،برغم صغر سنه إلا إن ملفه مليان بالإنجازات اللي تُحسب له
ليتابع لائمًا باستهجان:
-إنتوا إيه بس اللي وقعكم مع الناس دي؟!
تنهد بثقل لينطق باستسلامٍ مخزي:
-نصيبنا يا باشا
تحدث الرجل بنصحٍ صادق:
-أنا من رأيي متحاولش تتحداهم وتخرج إبنك قبل الإسبوع ما يعدي،طاطي للريح علشان تعدي يا نصر، بلاش تستفزهم علشان هيحطوك في دماغهم أكتر،وبدل ما إبنك يخرج بعد إسبوع زي ما هما قرروا مدة عقابه،تلاقيه لابس في قضية تقعدوا جوة السجن سنين

ليسترسل بجدية:
-الناس دي مبتهزرش يا نصر، علام زين الدين مش مجرد عضو بارز في المحكمة الدستورية وبس، ده يمتلك أصول وشركات هو وعيلته مقومة جزء كبير من إقتصاد البلد، وده اللي معزز مكانته
أغلق الهاتف ليستند للخلف مغمضًا عينيه باستسلام بعدما اقتنع بحديث ذلك المسؤل،سأله حسين متأثرًا لأجل شقيقه:
-هتسيبه خلاص يا حاج؟
زفر بألم يعتصر قلبه،لم يكن الأمر بالهين عليه بأن يترك فلذة كبده حبيسًا بين أربع حوائط وسط مجموعة من الخارجين عن القانون،نعم غاضب منه وبقوة بسبب تصرفاته الرعناء لكنه يظل الأقرب لقلبه،نطق بصوتٍ أظهر ضعفه وقلة حيلته:
-وأنا في إيدي إيه أعمله ومعملتوش يا ابني، ما على إيدك إنتَ وأخوك، كلمت واتذللت لـ طوب الأرض،الكل خايف يقرب لـ تصيبه لعنة علام زين الدين

صمت حسين والحزن خيم على قلبه وهو يتطلع إلى والده ويراه للمرة الاولى مهزومًا حزينًا، الحزن تملك منهما عدا ذاك الشامت حيث ابتسم بجانب فمه ليتطلع على هذا الجبل الشامخ وهو ينهار.
***
كان يقود سيارته بقلبٍ مستكين إلى حدٍ ما،فقد وفىَ اليوم بوعده الذي قطعه لحبيبته، وها هو الأن يعود إليها بورقة الحصان الرابح، فابتداءًا من اليوم لن يستطيع مخلوقًا على وجه الأرض إزعاجها بشأن الإحتفاظ بصغيرها الغالي،لذا ستسير حياتهما بهدوءٍ من اليوم وطالع،تلفت حولهُ بتمعن قبل أن يصف سيارته جانبًا أمام أحد المتاجر المتخصصة ببيع ألعاب الاطفال بعد أن قرر أن يبتاع بعض الالعاب لإدخال السرور على قلب الصغير، فقد أخذ عهدًا على حاله أن يعامله معاملة حسنه ويتخذ منه ولدًا عوضًا عن أبيه ذاك الأمعة الذي لا يفكر سوى بحاله وفقط، إلى الان لم يستوعب كيف لقلب أب أن  يعرض صغيره لحالة من الرعب نتيجة خطته الفاشلة للخطف، إبتاع مجموعة من الالعاب للصغير ونجلي شقيقته وتحرك بطريقه للمنزل بعدما جلب بطريقه أحد أروع باقات الزهور وعُلبة من أفخر أنواع الشيكولاتة ليهديهما لحبيبته بتلك المناسبة السعيدة،وأيضاً جلب كعكة شيكولاته كبيرة للإحتفال مع العائلة بضم الصغير لوالدته بشكلٍ نهائي ،صعد للأعلى وبيده صناديق الالعاب الخاصة بالصغير وعلبة الشيكولاتة وباقة الورد بعدما أهدى أنجال شقيقته هداياهما

حمل جميع الاغراض ورفض على الإطلاق مساعدة العاملات اللواتي عرضن عليه حملهن،لكنه أبى، ولج بهدوء ليجد الظلام الدامس يجتاحُ الجناح،تحرك ببصيرته ليضع الأشياء برفقٍ فوق المنضدة ثم ذهب إلى زر الإضاءة الخافتة وأشعله ليرى خليلة الروح تغط في سباتٍ عميق حاضنة ملاكها الصغير حيث غفى بجوارها ولم يفق للأن لذا تركهما الجميع لعدم إزعاجهما،ابتسم وانشرح قلبه وهو يراهما، لقد كان مظهرهما رائعًا، للحظة تخيل حاله الوالد الحقيقي لذاك الملاك فانتابته قشعريرة لذيذة سرت بجميع جسده، أخرج من جيبه عقد التنازل ليضعه بدرج الكومود ثم تحرك سريعًا إلى الحمام ليبدل ثيابه ببجامة خفيفة وبعد قليل كان يتمدد خلفها ليضم خصرها بذراعه ويدفن رأسها من الخلف بين ثنايا عنقه، قرب أنفه من شعرها ليستنشق عبيره باستمتاع، شعرت به لتهمس وهي تستدير بخفة لتتطلع على رجلها وفارسها المغوار:
-جيت إمتى يا حبيبي؟
-لسه داخل حالاً…همس بها لكي لا يزعج الصغير فهمست من جديد وهي تحاول النهوض خشيةٍ إزعاجه من وجود ملاكها:
-هتصل بعزة تيجي تنقل يوسف لأوضته
جذبها برفقٍ يعيدها لأحضانه من جديد قبل أن يهمس بجانب أذنها:
-سيبي الولد علشان متزعجهوش
واسترسل بإبانة:
-الساعة سبعة المغرب وكلها ساعة وهنصحى كلنا علشان نتعشى

لم يكن هذا روتين يومهم الطبيعي لكن اليوم مختلف،فقد هزل جسدها واستسلم للنوم لما تعرضت له من خلال تلك التجربة البشعة، وهو أيضًا فقد خارت قوته وهزل جسده لما حدث،بجانب عدم استطاعته النوم ليلة أمس لترقبه وانشغاله بما سيحدث،أما الصغير فقد استسلم للنوم بهناءٍ بعد أن شعر بحنان والدته ودفئ حضنها ،همست تسألهُ بعدم وعي كامل يرجع للمخدر الموجود بالدواء لتسكين الألم:
-عملت إيه مع نصر؟
-كل حاجة تمت بفضل ربنا وتوفيقه،زي ما رتبت لها بالظبط…قالها بهدوء ليتابع بابتسامة حنون:
-عقد التنازل في درج الكومود اللي جنبك،لما تقومي شيليه في خزنة مجوهراتك
برغم عدم وعيها بشكلٍ كامل إلا أن سعادتها تخطت عنان السماء وهمست وهي تحتضن كفه برعاية:
-ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك يا فؤاد

رفعت كفه إلى فمها لتطبع عليه قبله بثت له من خلالها كم العشق الذي تحملهُ داخل قلبها المغروم لينطق هو بمشاكسة:
-حبيبة حبيبها تؤمر،والتنفيذ عليه
ابتسمت بخفوت لتسحبها الغفوة بداخلها من جديد، تبسم وشدد من إحتضانه لها ليلحق بها سريعًا وينجرف داخل سباتٍ عميق

****
داخل منزل نصر البنهاوي، وصل بصحبة نجليه ليجد زوجته بانتظاره وعلى وجهها غضبٌ عارم فتيقن أن ليلته لن تمر بسلام،هتفت سريعًا عند رؤياهم دون مدللها:
-فين عمرو، مجاش معاكم ليه؟!
لم يعير لسؤالها إهتمام وتابع المضي بطريقه ليرتمي بإهمال فوق أول مقعد قابله بطريقه لتعيد عليه سؤالها ولكن بطريقة أعنف تلك المرة:
-إنتوا مبتردوش عليا ليه؟!
وتبادلت النظرات بين نجليها المطأطأين لرأسيهما لتصيح هادرة بحدة:
-ما تنطق منك ليه؟
هتف طلعت وكأنه يريد التشفي برد فعلها الاول على خبر احتجاز صغيرها المدلل:
-عمرو خد حبس إسبوع يا ستهم
جحظت عينيها بقوة ليتابع بما أكمل على ما تبقى من صبرها:
-واتنازل لإيثار عن حضانة يوسف بعقد موثق قصاد خروجه من قضية خطفها

لم تدري بحالها،فقد اشتعلت النار بجسدها لتصرخ موبخة إياه وهي تنظر إليه بكراهية بالغة:
-إنتَ بتخرف وبتقول إيه يا بغل إنتَ؟!
يوسف مين اللي نتنازل عنه
صمتٍ تام عم على المكان بأكمله لتحول بصرها إلى ذاك الجالس باستسلام وتسأله بهدوء ما قبل العاصفة:
-الكلام اللي طلعت بيقوله ده حصل يا نصر؟
أخذ نفسًا عميقًا وظل صامتًا لتصرخ بصوتٍ هز أركان المكان ودب الرعب بقلوب جميع ساكني المنزل:
-ما ترد عليا،ولا مش لاقي كلام تقولهولي يا خايب الرجا
-إجلال…قالها بصياحٍ وعينين مشتعلتين ليتابع بحدة أرعبت الجميع:
-إحترمي نفسك وإنتِ بتتكلمي معايا

صرخت بعزم صوتها توبخه وهي ترمقه باشمئزاز وتقليل من شأنه:
-مش لما تكون محترم ومالي مكانك أبقى احترمك
ضيعت الواد اللي حيلتنا وسلمته لبنت غانم بضعفك وخيبتك؟

دارت حول نفسها بجنون لتسترسل باستعلاءٍ وعدم استيعاب لما حدث:
-خليت بنت غانم الجعان تنتصر على ستهم اللي رجالة بشنبات بتقف لي تعظيم سلام لما بمشي بعربيتي في البلد
هب واقفًا ليهتف باعتراض على تحميلها لجميع أخطاء نجلها الأرعن:
-الحيوان إبنك هو السبب في كل ده،لولا تصرفاته الغبية مكناش وصلنا لكده

صرخت وهي تلقي باللوم عليه:
-مهو لو لقاك فالح وبتتحرك صح في الموضوع مكنش اتصرف من ورا ضهرك وحاول يرجع إبنه بطريقته
-إنتَ لسه بتدافعي عنه بعد كل المصايب اللي وقعنا فيها… نطقها باستغراب لتصيح بعلو صوتها:
-كل المصايب اللي إحنا فيها بسببك يا سيادة النايب
جحظت عينيه ليلقي عليها اللوم كاملاً:
-قصدك بسبب دلعك الماسخ لـ دلوع عين أمه لحد ما حولتيه لواحد تافه

-لا يا سيادة النايب، اللي إحنا فيه كله بسبب فشلك وضعفك…قالتها بحدة لتتابع وهي ترمقه بنظراتٍ تقليلية:
-أنا لما اختارتك علشان تبقى نايب عن الدايرة وكلمت إخواتي وولاد عمي علشان يقفوا معاك ويخلوا كل قرايبنا ومعارفنا يدوك أصواتهم، عملت كده علشان تحمي مالنا وتكبره وتحمي لي عيالي
بس إنتَ فاشل يا نصر،لا عرفت تعمل علاقات مع ناس كبيرة تنفعك لما نقع في مصيبة، ولا أنتَ اللي حميت عيالي،وفي الاخر خليت بغبائك حتة عيلة زي بنت نصر تنتصر على ستهم
لتسترسل بهسيسٍ خرج من بين أسنانها ليعبر عن نارها المستعرة:
-لو كنت سمعت كلامي من الأول وجبتها من بيت أبوها بعد ما حاولت تنتحر،كان زمانها مرمية تحت رجليا بتخدمني زي أقل خدامة

اشتعلت عيونه بشرارات الغضب ليهتف بحدة هادرًا باعتراض بعدما فاض به الكيل:
-كفاية بقى،إنتِ كل ما تتزنقي تعايريني باخواتك وعيلتك اللي دعموني

ليتابع رافعًا رأسه للأعلى بكبرياء أراد به حفظ ماء الوجه أمام نجلاه الواقفان يتابعان ما يجرى بصمتٍ مخزي، فمن سيتجرأ ويتدخل ليطاله غضب تلك المرأة الجبروت،فالجميع يهابها ويخشى غضبها المدمر:
-لعلمك، أنا بعد ما بقيت نايب الدايرة بقيت أعلى من الكل،وبقيت أكبر من أهلك وعيلتك كلهم
-طول عمرك وإنتَ ناكر للجميل وقلة الأصل  مش جديدة عليك،…قالتها لتتابع وهي تذكره بماضيه وفقره:
-لولا أبويا الحاج ناصف كان زمانك حتة موظف كحيان في الحكومة وبتقبض ملاليم بالعافية تأكلك عيش حاف، أبويا اللي عمل منك بني أدم ودخلك لعبة الأثار، وقف جنبك لحد ما بقيت من أكبر تجار الأثار في كفر الشيخ كلها
لتسترسل وهي ترمقه مشمئزة:
-وأدي أخرتها، بتنكر فضل أبويا وعيلتي عليك

ظل يتبادلان الإتهامات وذكر صفات كل منهما القبيحة وينعتان بعضيهما البعض بأقذر وأبشع الإتهامات على مرأى ومسمع من نجليهما وأهل المنزل الذين يتنصتون لتلك الحرب الكلامية الشرسة.
***
بعد ساعتين، فاق الصغير تبعه الزوجين السعيدين ليستند فؤاد بظهره للخلف فوق التخت بعدما أشعل الضوء بجهاز التحكم عن بعد،تطلع بألمٍ استوطن قلبه حين رأى الكدمات قد ظهرت أكثر على وجه خليلة الروح،جلب الصغير وثبتهُ فوق ساقيه وبدأ بدغدغته تحت قهقهاته وسعادة إيثار التي لا يضاهيها سعادة بعدما استكانت روحها واطمئنت على مستقبل صغيرها الغالي،أشارت بسبابتها لتسألهُ باستفسارٍ مدلل بعدما لمحت باقة الزهور وعُلبة الشيكولاتة:
-مين جايب الورد والشيكولا دول
-حبيبك…قالها بغمزة من عينيه جعلت روحها تحوم كفراشة ليتابع قاصدًا الصغير:
-وفيه كمان ألعاب حلوة قوي موجودة على الارض علشان چو باشا

اتسعت عيني الصغير بسعادة ليسألهُ مستفسرًا وهو يشير بسبابته قاصدًا حاله:
-علشاني أنا؟
أومأ له بالإيجاب ليقول بصوتٍ حماسي:
-يلا قوم علشان نفتحهم مع بعض
رفعه في الهواء تحت انطلاق ضحكاته لينزلا من التخت على الأرض ليفترشاها وهما يفتحان صناديق الألعاب بحماس، صرخ الصغير بسعادة وهو يرى لُعبة البلاي ستيشن 5،أحدث نسخة نزلت إلى الأسواق وكان الصغير قد استمع عنها من أصدقائه بالمدرسة وتمنى رؤياها واللعب بها:
-دي النسخة الجديدة من البلاي ستيشن
التفت إليه ليسأله بعينين متمنيتين:
-دي بتاعتي؟!
-أه يا حبيبي بتاعتك…هكذا أجابهُ بهدوء لينطق الصغير بعينين مترجية:
-عمو،أقدر ألعب بيه وقت ما احب؟!
تعجب فؤاد سؤال الصبي ونظراته المترجية ليجيبهُ على الفور:
-طبعاً يا حبيبي، كل الالعاب بتاعتك وقت ما تحب تلعب بيهم إلعب

صفق الصغير بسعادة هائلة تحت صرخات قلب إيثار المتألمة من ثأذي نفسية صغيرها وتأثره بنظام التشويق وقانون الإخضاع النفسي الذين اتبعوه وقاموا بممارسته عدماء الشرف على ذاك الملاك كي يجعلوه يضغط على والدته لعودتها مرغمة لأبيه ليحصل على كل ما يريد من ألعابه المحببة والعيش داخل حياة الترف الذي يتمناها صغيرًا مثله،مع كل لعبة يقوم فؤاد بفتحها يصيح الصغير مصفقًا بسعادة تدخل على قلب فؤاد تنعشه

تركه يلهو بألعابه وتحرك ليجاور حبيبته فوق التخت،وضعت كفها تتلمس به ذقنه لتنطق بحنانٍ فائض:
-أنا بحبك قوي
-وأنا بعشقك…قالها ليلتفت جانبًا ويجذب أنبوب المرهم الخاص بتخفيف أثار الكدمات ليقوم بفتحه والضغط عليه لسكب البعض منه على أصابعه ليعتدل قبالتها وهو يقول:
-تعالي يا بابا أحط لك الكريم
لم تعد الدنيا تسع سعادتها، ماذا ستحتاج أكثر من زوجٍ حنون يخاف الله ويرعاها هي وصغيرها،بدأ بتدليك المرهم برفقٍ لينطق ساخرًا على حاله:
-الكدمات شكلها صعب، كده الليلة إنضربت
ابتسمت ليتابع متهكمًا:
-قال وأنا اللي جايب ورد وشيكولاتة وطول الطريق بفكر في الغنوة اللي هترقصي لي عليها بالخلخال وبدلة الرقص البينك اللي لسة مجربنهاش
قهقهت بصوتٍ مرتفع ليسترسل وهو يرمقها بنظراتٍ مغتاظة:
-بتضحكي،ماشي يا إيثار
نطقت بنظراتٍ تشع حنانًا:
-أيامنا الحلوة لسه هتبدأ يا حبيبي،وعد عليا لأخليك أسعد راجل في الدنيا كلها

-أعتبر ده وعد؟…قالها بابتسامة لتهز رأسها بتأكيد وهو يتابع وضع الدهان ليسترسل بإبانة:
-ليكِ عندي مفاجأة حلوة
هتفت بعينين تقطران سعادة:
-أكتر من كده مفاجأت
تنفس بهدوء قبل أن يخبرها:
-أخدت أجازة إسبوع بحاله،جهزي نفسك بعد بكرة،هنسافر جزر المالديف وهعيشك أحلا Honeymoon في الدنيا كلها،أحلا دلع لحبيبة حبيبها الغالية

كادت أن تبكي من شدة سعادتها ليقطع تواصلهما هاتف الغرفة ليجيب وبعدما أغلق الهاتف قال لها:
-يلا يا حبيبي ننزل علشان نتعشى ونقعد شوية في الجنينة

أومأت له بسعادة ليساعدها على تغيير ثيابها ويصطحبها هي والصغير إلى الأسفل لتجد الجميع بانتظارها، شملوها باهتمامهم البالغ لتشعر ولأول مرة أنها تمتلك عائلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى شامل.

إنتهى الفصل
«أنا لها شمس»
بقلمي« روز أمين»

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل حاجب الإعلانات لتستطيع تصفح الموقع