روايات روز أمين

رواية انا لها شمس روز أمين الجزء الرابع

رواية انا لها شمس الفصل الثاني والثلاثون 2 لروز أمين

تحرك فؤاد إلى عمله وقد إلتقى مع فريقًا من اصدقائه المقربون بعد أن قرر مراقبة نصر وعمرو وجميع أشقائه، هو بالأساس كان مقررًا هذا لكنه كان يأخذ إستراحة المحارب بعد ما حدث معهما منذ يومين بكفر الشيخ، بعد يومان كان قد حصل بجعبته على معلوماتٍ ثرية للغاية،فمن خلال مراقبة عمرو استطاعوا معرفة بيته الذي اشتراه سرًا منذ شهرين دون علم والده ولاحظوا ايضًا تردد عمرو على مكتب مستترًا خلف واجهة الإستيراد والتصدير يشتبه بمالكه بأنه عميل لتهريب الأثار المنهوبة من البلد،ذهب فؤاد إلى أبيه وقص عليه ما حدث من مراقبة عمرو المستديمة لمنزلهم هو وصديقه وتردده على ذاك المكتب المشبوه فتدخل والده وأخذ لهما موعدًا من النائب العام وقصا عليه الرواية والشبهة التي تدور حول ثروة نصر الطائلة والإشاعات الدائرة بالبلدة عن إتجاره بالأثار،أعطى النائب العام كل الصلاحيات إلى فؤاد بإعطائه الأمر لمراقبة المدعوان نصر وعمرو،استغل الفريق الذي كونه فؤاد خلو منزل عمرو المتواجد بأحد المناطق الجديدة ليقوموا بزرع عدة كاميرات صوت وصورة بجميع انحاء المنزل كي يستطيعوا الإطلاع على كل ما يدور داخل المنزل

بعد مرور يومين عاد فؤاد ليلاً من عمله الذي استغرق طيلة اليوم ليبلغه الحارس الأمني بأن زوجته السيدة إيثار قد خرجت ظهر اليوم من المنزل دون علمه ورفضت إصطحاب الامن معها إلى مسكنها الخاص حيث ذهبت لجلب بعض الأشياء الخاصة بها وبصغيرها ليجن جنونه ولولا علمه بأن المدعو عمرو قد سافر اليوم إلى كفر الشيخ كي لا يدع الشك يساور والدهُ بأنهُ يفعل شيئًا مريبًا لكان فقد عقله، صعد للأعلى وظل يجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا وهو يتخيل سيناريو أن ذاك العمرو لم يسافر اليوم وكان يراقب المنزل كعادته وقام باختطافها أو أذيتها دون ترتيبًا منه، هز رأسه رافضًا مجرد التخيل، وبعث الخادمة كي تستدعي له تلك العنيدة ليهدر بها بحنقٍ، لم يتمالك حاله وثار عليها حتى أنهُ أهانها بقوة بعدما فقد اعصابهُ جراء رعبه عليها كلما تخيل ماذا كان سيصيبها لولا ستر الله عليهما.

استمرت المراقبة القانونية لمدة شهر اكتشفوا به زيارة رجل من دولة أوروبية إلى منزل عمرو واستمعوا بالصوت والصورة من خلال الكاميرات إلى إتفاق عمرو مع الرجل بأن يذهب برجاله إلى محافظة سوهاج للتنقيب عن الأثار لتهريبها للخارج عن طريق المكتب المشبوه الذي تردد عليه عمرو سابقًا، وكان هذا إنجازًا حققه فؤاد وهدية قدمها للوطن على طبقٍ من ذهب،فالقضية كانت متفرعة حيث تحتوي على مهربين ومساعديهم من الدولة،وللأسف الشديد إكتشفوا بعض الشخصيات التي تساعد المهربين منهم رجالاً من القضاء والشرطة الفاسدين
أعطى النائب العام أمرًا لوزارة الداخلية كي تتخد الإجراءات اللازمة للقبض على عمرو بشأن إختطافه لإمرأة متزوجة من رئيس نيابة والتخطيط لاختطاف نجله أيضًا المؤيد حضانته إلى والدته من قبل حكم محكمة،أما بخصوص قضية الأثار فتم تأجيلها لحين القبض عليهم وهم متلبسين بالجرم المشهود

جهز فؤاد سيارة خاصة زرعت الشرطة بفوانيسها الخارجية الأمامية منها والخلفية كاميرات مراقبة صوت وصورة وأيضًا من الداخل لكي يستطيعوا الإطلاع على كل ما سيحدث معها بالتفصيل الممل،أيضًا جلب فؤاد ساعة لزوجته وقام الفريق بوضع جهاز تتبع بداخلها كي يتتبعوا خطواتها بعد أن يسمح لها بالخروج بمفردها كطعمٍ يتم به اصطياد ذاك الأبله الذي خِيل له بأنهُ الأذكي وما هو إلا أداة لحدوث ما أراده فؤاد وخطط له ليوقعه في الفخ الذي نصبه له بمنتهى البراعة والدهاء ليسقط عنه حضانة الصغير بإرادته ويغلق ذاك الباب بشكلٍ أبدي

****
عودة للحاضر
كان يقود سيارتهُ بجنون ليلحق بخليلة الروح قبل أن يحدث لها مكروهًا على يد ذاك المختل الذي لا يمتلك من العقل مثقال ذرة،أما عمرو فقد وقف يتطلع على الدماء المسال من شفتها وأنفها ليهتف بحدة وغضب ملقيًا باللوم عليها:
-شفتي وصلتيني لإيه بعندك
أمسك محرمة ورقية وبات يجفف لها الدماء تحت نفورها منه وتراجعها للخلف وهي تقول بصرامة وسخطٍ:
-إبعد إيدك عني وإوعى تلمسني
إحتدم صدرهُ غيظًا من نفورها منه ليقبض على فكها بعنفٍ قبل أن يهتف هادرًا بحدة:
-ماشي يا إيثار،هنتحاسب على كل ده صدقيني، وحسابك هيبقى شديد،شديد قوي يا بنت غانم، بس قبل ما أحاسبك عاوزك تجاوبيني على سؤال واحد
رمقته بمقتٍ واشمئزاز لاقتراب أنفاسه الكريهة التي تبغضها كما تبغضه ليتابع وهو يهمس بهسيسٍ مُرعب:
-سلمتي نفسك لإبن الكـ….. ده، ولا صونتي جسمك لجوزك
هتفت بصوتٍ مختنق يرجع لشدة قبضته:
-فؤاد هو جوزي،فوق بقى من القرف اللي بتشربه ولحس دماغك ده

إشتعل جسده بنار الغيرة ليشدد على قبضته بقوة جعلت من أسنانها تصتك ليعلو صريرها وهتف وهو يجز على نواجذه بقوة:
-لو إسمه جه تاني على لسانك هقطعهولك،أنا بس اللي جوزك،أنا قدرك اللي مش هتعرفي تتخلصي منه غير بطلوع روحك
والوقت لازم تنطقي…قالها بحدة ليكمل بسبابٍ لعين تحت ارتعابها ونظراتها الزائغة:
-الـ…. ده قرب منك، سلمتي له نفسك وخنتيني،ولا لسه محافظة على شرفك لجوزك؟

قطع حديثه أحد الرجال الذي كان من المقرر أن يأتي بالصغير بعدما يستوقفوا سيارة المدرسة ويقومون بخطفه وجلبه إلى هنا:
-ملقناش الولد في اتوبيس المدرسة يا عمرو بيه
فك قبضته من فوق فكها ليستدير يتطلع عليه وهو يهتف بجنون:
-يعني إيه ملقتهوش في الاتوبيس يا بهايم؟!
أنا متأكد إنه راح المدرسة النهاردة،أنا بنفسي شايفه وهو بيركب الأتوبيس
إرتعدت اوصاله عندما وصل لأذناه أكثر صوتًا يبغضه وهو يهتف بنبرة حادة:
-يوسف في البيت قاعد مستني مامته

قبل أن ينطق بكلماته كانت جميع الرجال مكبلين من قبل رجال الشرطة أما هو فحاول إخراج مسدسه من جيب الجاكيت الچينز ليشد فؤاد اجزاء مسدسه الخاص ليحدث صوتًا أرعب عمرو وهو يراه يصوب فوهة المسدس نحوه لجاهزيته قبل أن ينطق بتحذيرًا شديد اللهجة:
-قبل ما إيدك تلمس هدومك هكون مفرغ رصاص المسدس ده كله في قلبك

أسرع شخصين من رجال الشرطة لتكبيله مستغلين تشتته لتصرخ هي مستنجدة بحبيبها:
-فؤاااااد
إنتفض جسده حين وجدها مكبلة ومقيدة بالمقعد وما جعل النيران تستعر وتتوهجُ بجسده هو خط الدماء السائل من جانب شفتها لتجحظ عينيه وهو يهرول عليها جثى بركبتيه أمامها وبات يتفحص وجهها وهو ينطق بضعفٍ ظهر كم ضعفه الداخلي تجاه تلك الحبيبة:
-مين اللي عمل فيكِ كده؟
وكأنها كانت تحبس دموعها حتى وصوله،إنهمرت كشلالاتٍ وهى تنطق بضعفٍ:
-الحمدلله إنك جيت يا حبيبي
حاوط وجنتيها وعينيه المرتعبة تتجول بهلعٍ فوق ملامحها وجسدها تستكشف سلامته لينطق بنبرة تقطرُ حنانًا وعشقًا:
-متخافيش يا بابا،أنا معاكِ خلاص
مال على قدميها يفك الوثاق ليهرول أحد الرجال صوبها وكاد أن يفك وثاق ذراعيها ليوقفه بإشارة حازمة جعلته يتراجع سريعًا:
-محدش يقرب منها
وكأن تحذيره هذا بمثابة أعلانٍ منه بملكيته الخاصة لتلك الجميلة الغير قابلة للمس أو حتى النظر، بعدما انتهى من فك قدماها هب واقفًا ليتجه خلفها ويحل وثاق ذراعيه ليوقفها وما شعر بحاله سوى وهو يحتضنها بقوة متناسيًا الجميع لتتشبث هي به فهو بالنسبة لها أصبح الخلاص من جميع ما يؤرق روحها ويعيق إستمرار حياتها بهدوءٍ،شدد من ضمته ليستمع لصرخات عمرو الجنونية وهو يصيح:
-إبعد عنها يا ابن الـ، والله لاموتك يا فؤاد يا علام، والله لأقتلك

قام بسبه وياليته لم يفعل ويُخرج صوته من الاساس،فقد أيقظ الوحش الكامن بداخله والذي تأجل خروجه لحين الإطمئنان على خليلة القلب والروح،أجلسها من جديد فوق المقعد لتسألهُ بصوتٍ مختنق بالدموع:
-إبني فين يا فؤاد؟
حاوط وجهها لينطق بصوتٍ حنون:
-يوسف في البيت مع جده علام،أنا بعت له الحارس جابه من المدرسة بعد ما راح بساعة واحدة،متخافيش عليه وإهدي يا حبيبي

اومأت بهدوء ليهب هو واقفً ليستدير لذاك الثائر الذي يحاول الفرار من بين أيادي الرجلين وهو يسب ويلعن في فؤاد بعدما احترقت روحه وهو يرى إمرأته المفضلة بين أحضان غيره تتشبث به وكأنه طوق نجاتها منه،هجم عليه كأسدٍ جريح ليُمسكهُ من تلابيب ثيابه ليسدد له لكمة قوية إرتد للخلف على أثرها بعدما خلصه من أيادي الرجلين وأبعدهما،ليجذبه من جديد ويسدد له لكمة أخرى تلتها أخرى وهو يقول بنبرة تعبر عن مدى إحتراق روحه مما أصاب حبيبة حبيبها كما يطلق عليها:
-بتتشطر على واحدة ست يا ناقص،بتعوض نقصك وعدم رجولتك بضربها يا زبالة
قذفه للخلف ليقف أمامهُ كالأسد فاردًا ذراعيه وهو يهتف ببسالة:
-تعالى كده وريني الرجولة يا عديم الرجولة

-كفاية يا فؤاد، كفاية أرجوك وخلينا نمشي من هنا…كانت تلك صرخاتها المترجية التي لم يستمع لكلمة واحدة منها لشدة ناره المشتعلة،إقترب عليه ضابط الشرطة محاولاً توقفه عما يفعل من مخالفات لكنه أشار له بقوة وهو يقول:
-من فضلك تبعد يا حسام بيه،لازم أربي عديم الرجولة وأعرفه إزاي يبقى راجل قبل ما أسلمه لك
هتف الضابط بحزمٍ كي يحسه على التوقف:
-يا فؤاد باشا اللي بتعمله ده غير قانوني، وكده سيادتك ممكن تعرض نفسك لمسائلة قانونية

-اللي عاوز تعمله إعمله يا حضرة الظابط…قالها وهو يتجهز للهجوم على ذاك الذي تحدث وهو يستعد لتسديد لكمة إلى فؤاد:
-عامل لي فيها دكر جامد وإنتَ متحامي وسط رجالتك

هجم عليه ليتفادى فؤاد الضربة ويقع ذاك الابله منبطحًا على الأرض نتيجة إندفاعه القوي الخالي من العقل والتخطيط،لينحني فؤاد عليه ويحيط جسده بين قدميه بطريقة أشعرت الاخر بعجزه ليضغط على حنجرته بإبهامه مما حجز الهواء ومنع وصوله إلى رئته ليهمس بهسيسٍ بملامح وجه مخيفة:
-إنتَ اللي دكر يلا،بإمارة ما أنتَ مكتف واحدة ست وبتضربها يا….

وقام بسبهِ بأبشع الألفاظ مما جعل إيثار تفتح فاهها بذهولٍ وعدم تصديق لما يخرج من فم زوجها الخلوق،تحرك الضابط ومعه بعض الرجال ليقومون بصعوبة بتخليص ذاك الحقير من قبضتيه الحديديتين،ظل يسعل بقوة بعد أن كان سيلفظ أنفاسه الأخيرة على يد ذاك المجنون برأيه،وقف فؤاد يتطلع بصدرٍ مشتعل على ذاك الذي يسعل وينظر إليه برُعبٍ ظهر بَين بعينيه المذعورتين من هيأته،لينطق فؤاد بنظراتٍ شامتة:
-غبائك وقعك بين إيديا ومحدش هيقدر يخلصك، حتى أبوك ونفوذه يا ننوس عين أمك
هرول إلى زوجته وتحدث وهو يحتضن كفيها بين راحتيه بحنان:
-خلاص يا حبيبي، الصعب كله عدى

وتابع قاصدًا ضابط الشرطة الذي سأم تواجده وأفعاله الجنونية لكنهُ مضطر لتحمل تصرفاته نظرًا لمنصب والده الكبير وهذا ما جعل التوصية عالية عليه من رؤسائه:
-ياريت يا حضرة الظابط تاخد إجراءاتك اللازمة وتاخد أقوال مراتي علشان نمشي

إقترب الضابط منها وبدأ بأخذ أقوالها كمجني عليه أما هو فأمسك بهاتفه الخاص وقام بالإتصال على هاتف نصر الذي كان يترأس طاولة الطعام وهو يتناول وجبة الغداء بصحبة عائلته بالكامل عدا ذاك المشاكس الذي لم يتوانى في جلب المصائب لتستقر بالاخير فوق رأسه،أخرج هاتفه من جيب جلبابه ليضيق بين عينيه وهو يقول بتعجب:
-فؤاد علام،وده عايز مني إيه
هتفت إجلال بفمٍ يلوك بالطعام:
-أكيد عاوزك في حاجة تخص يوسف،رد بسرعة

على الفور ابتلع ما في فمه من طعامٍ كان يلوكهُ ليجيب بصوتٍ مرحب:
-يا أهلاً يا باشا،مبسوط إني جيت على بال سعادتك وسمعتني صوتك
بصوتٍ قوي تحدث بنبرة حادة:
-وهتنبسط أكتر لما أقول لك على الخبر اللي عندي
-خير يا باشا؟…نطقها بارتيابٍ أصابه من حدة صوته ليهتف الاخر بصوتٍ أكثر حدة:
-هو اللي عنده عيل زي عمرو يشوف خير بردوا يا سيادة النائب
رجفة عنيفة اقتحمت جسد نصر وانتظر معرفة أي مصيبة جلبها له ذاك الأبله تلك المرة ليصيح فؤاد بقوة وصوتٍ ينم عن مدى غضبه:
-المجرم إبنك خطف مراتي واتعدى عليها بالضرب
واستطرد بوعيدٍ صارم نتج عن نار قلبه المستعيرة:
-بس أقسم بربي ما هسيبه،هخليه يقضي اللي باقي له من عمره كله في السجن، ووعد مني مهيشوف للشمس نور طول ما أنا على وش الدنيا وفيا نفس

انتفض من مقعده وهب واقفًا ليهتز المقعد وينقلب للخلف مما أحدث رعبًا بقلوب الحاضرين ليصيح نصر بقلبٍ مرتاب:
-الكلام اللي جنابك بتقوله ده لا يمكن يحصل من عمرو يا باشا،ده أكيد بلاغ كيدي، إبني لا يمكن يتصرف بالو…. دي مع أم ابنه
أجابه فؤاد بصوتٍ واثق:
-جريمة إبنك في حق مراتي متصورة صوت وصورة يا حضرة، وأحب أقولك إني بكلمك في الوقت الحالي من ڤيلا إبنك اللي في زايد وحواليا فريق من الشرطة اللي ظبطت الواقعة، وفريق من النيابة العامة جاي في الطريق لمعاينة المكان
-بالمختصر كده القضية لابسة إبنك وإنسى إنه يعرف يخرج منها…قالها بقوة ليستطرد بدهاء قانوني أراد به بث الرُعب داخله:
-وبكده أقدر أقول لك بل وأجزم إنك تنسى فوزك في البرلمان الدورة دي يا سيادة النائب،وتأكد إني مش هسيب حق مراتي وهبذل أقصى ما عندي علشان أدمر مستقبل التافه إبنك
ليصرخ بقوة زلزلت المكان وجعلت الجميع ينتبه ويلتفت صوب ذاك المشتعل بملامح وجهه الغاضبة:
-وأقسم بالله،لأدفعه تمن كل لحظة رعب مراتي حست بيها وعاشيتها على إيديه هو وشوية الأوباش اللي لاممهم حواليه

كان يتحدث وكل ذرة بجسده تنتفض من شدة ناره،كلما تخيل صفع ذاك الحقير لخليلة القلب واقترابه منها ولمس جسدها يتخلل الاشتعال بخلايا جسده بالكامل،شعورًا مريرًا تملك من روحه،تناقض ما بين عشقه الجارف لها وعدم تقبل فكرة كيفية السماح لنفسه بوضعها داخل تلك التجربة المريرة وما بين إنهائه لقضية صغيرها التي تؤرق روحها ولا تدعها أن تحيا حياتها بسلام،إنتبهت على صياح حبيبها الذي يبتعد عنها عدة أمتار ويتركها بصحبة الضابط الذي يهتم بأخذ أقوالها،تطلعت إليه بإشفاقٍ على حاله، تعلم جيدًا غيرته المرة عليها ولهذا زاد حزنها،ليتها لم تخرج اليوم،لو لم تخرج لكانت كفته وحالها شر ما حدث

على عجالة نطق نصر الذي شعر ببساط المجلس ينسحب من تحته تحت نظرات الجميع المرتعبة الذين وقفوا يتابعون ما يحدث بصمتٍ تام نظرًا لهيئة نصر المستوحشة والتي توحي بحدوث كارثة:
-إهدى يا فؤاد باشا وكل مشكلة وليها حل،أنا مستعد اجي لحد عندك وأبوس على دماغ الهانم وأراضيها بالطريقة اللي هي تؤمر بيها،وهي أكيد مش هيرضيها تضيع مستقبل عمرو ولا تضر إسمي،إحنا مهما كان أهل يوسف وأي حاجة تضرنا هتضره

قال كلماته الأخيرة ليبتز مشاعره باتجاه الصغير واسترسل مترجيًا:
-الإنتخابات مفاضلش عليها غير تلات أسابيع يا سعادة الباشا،وحضرتك ميرضكش الفضيحة اللي هيتعرض لها إسمي لو الموضوع ده اتعرف
أجابه فؤاد بسخرية:
-الكلام ده تروح تقوله لإبنك عديم النخوة والرجولة،كان من الاولى هو اللي يعمل حساب لمكانتك وللإنتخابات اللي إنتَ داخل عليها

صاح بحديثه ليغلق الهاتف بوجهه دون إعطاء الاخر حق الرد،تحرك إلى حبيبته ووقف خلف المقعد الجالسة فوقه ليحتوي كتفيها بكفيه وهو يسأل الضابط:
-خلصت يا افندم؟
-خلصنا يا فؤاد باشا،تقدر تتحرك بالهانم…نطقها الرجل بهدوء ليملي عليه فؤاد بجدية:
-فريق النيابة جاي في الطريق يعاين المكان، متنساش تحرز الكاميرات وتخلي فريقك يفرغ محتواها ويسلموها للنيابة

استشاط الرجل من تعدي فؤاد على إختصاصاته لينطق بقوة وحزم:
-ده شغلنا يا سيادة المستشار وإحنا أدرى بيه

-وانا مخول من النائب العام بذات نفسه بمتابعة كافة الإجراءات،ومتنساش إن المجني عليها تبقى مراتي يا حضرة الظابط…كلماتٍ هتف بها فؤاد بصرامة وحدة أظهرت كم توتره واحتراق روحه مما حدث لزوجته وهذا ما استشفه الضابط ليأسف بعينيه لما حدث،أما تلك العاشقة فرفعت كفيها للخلف تحتوي بهما كفيه لينتفض جسده من إثر لمساتها،تحرك ليقف أمامها ثم قام بحملها بين ساعديه لتتشبث بعنقه كما المتشبثُ بالحياة وتستند بوجنتها على صدره ليشملها شعورًا رائعًا بالأمان في القرب منه،تحرك بطريقهُ للخارج ليوقفهُ صريخ ذاك المعتوه قائلاً بعدما رأى حبيبته تتشبث بأحضان غيره:
-مش هسيبك يا إيثار،هدفعك تمن كل اللي عملتيه فيا،هندمك على عمر الباشا اللي متعلقة في رقبته ده،وبكره تشوفي
رفعت رأسها بإعياءٍ لتراه مكبل اليدين بالأصفاد الحديدية يجاوره رجلين شرطة يسحبونه صوب سيارة الشرطة وهو يزأر كالأسد الحبيس محاولاً الفكاك من بين أياديهم ليهتف فؤاد وهو يتخطى وقوفه حاملاً حبيبته:
-إخرس يا تافه واستنى جحيمي اللي هينسفك من على وش الارض إنتَ وعيلتك بالكامل

صرخ بجنون يرجع لعدم استطاعته لرؤية ذاك المشهد الذي ثار جنونه وأخرج وحوشه الكامنة:
-هقتلك يا فؤاد يا علام،وحياة أمي لأقتلك
نطق وهو يتحرك للامام بطريقه للسيارة:
-لو قدرت متتأخرش،يلا إنتَ أخرك بوقين فاضيين تهجس بيهم
واسترسل بتقليلٍ من شأنه ليشعل قلبه:
-بالمناسبة يا فاشل، أبوك جاي لك في الطريق،هيعلقك على الفلكة بعد ما طيرت من إيده كرسي المجلس اللي عامل له قيمة

ثم التفت له ليتابع بإبتسامة شامتة:
-غبائك صور لك إنك ممكن تتفوق على فؤاد علام وتخطف مراته،بس أنا دايمًا سابق الأغبية بخطوة،خيوط اللعبة كلها كانت بين إيديا وأنا بحركك بين صوابعي زي الدمية،وإنتَ زي الأهبل بتتحرك على الخط اللي أنا برسمهُ لك بالملي،خليتك تصدق نفسك لحد ما وقعتك في شر أعمالك ووصلتك للمكان اللي يستحقه غبي زيك

كانت تستمع إليه بعدم استيعاب لكلماته، ماذا يقصد،أكان على عِلم بخطفها؟!
جن جنون عمرو وبات يصرخ بهيستيرية توحي لمدى وصوله للغضب العظيم،ظل يسب ويلعن بأقذر الشتائم ليهتف رأفت وهو يعض على أصابعه ندمًا:
-منك لله يا عمرو، ضيعت مستقبلي يا فاشل، بس أنا اللي غلطان، أنا اللي سلمت دماغي لواحد تافهة دلوع أمه زيك، وأدي النتيجة، روحت في داهية من وراك

فتح أحد الرجال باب السيارة لفؤاد ليضع حبيبته بالمقعد المجاور لمقعد القيادة وساعدها على الإعتدال ثم أغلق الباب بهدوء وتحرك للجهة الأخرى ليستقل مقعده أمام طارة القيادة

****
عودة إلى نصر
صدم بعدما أغلق فؤاد الهاتف دون أن يعيره أي إهتمام ليصرخ وهو يُطيح بجميع ما يقابله من أدوات فوق طاولة الطعام وبلحظة تناثر الطعام بأرضية وحوائط الغرفة وتناثر زجاج الكؤوس هنا وهناك مما أرعب الجميع وجعلهم يتراجعون للخلف للنأي بحالهم من غضب ذاك الذي اصابه الجنون،أخذت زوجة طلعت أطفالها وهرولت للخارج تبعتها مروة وأبنائها بينما ظلت سُمية لتعلم أي مصيبة أتى بها ذاك الأبله تلك المرة،هرولت عليه إجلال لتصرخ باستعلام وعينيها مرتعبتين بعدما استمعت لاسم مدللها أثناء المحادثة:
-إيه اللي حصل يا نصر، عمرو جرى له إيه؟!

بهيئة جنونية لا تبشر بخير أشاح بكفيه هاتفًا:
-عمرو ما بيجرالوش حاجة يا اختي، عمرو بيعمل كل مصيبة وأختها ويخلع منها وأنا اللي بلبسها في الاخر يا أم الننوس
أسرع إلى مكانه حُسين وطلعت الذي تسائل بحيرة:
-إيه اللي حصل يا أبا، عمرة نيل إيه المرة دي كمان؟

صاح بغضبٍ عارم وبصدرٍ يعلو ويهبط من شدة إنفعاله:
-البيه أخوك خطف إيثار هانم،الأهبل فاكرها لسة بنت غانم الراجل الغلبان،ميعرفش إنها بقت مرات إبن علام زين الدين أبرز وأهم اعضاء المحكمة الدستورية، ده غير جوزها رئيس النيابة
دبت إجلال على صدرها بكفيها أما نصر فوضع كفيه فوق رأسه باستسلام لينطق بنبرة إنهزامية:
-كرسي المجلس طار من إيديا خلاص،مش هيبقى لي لزمة في المركز من هنا ورايح
لينطق بشعورًا من الضياع:
-ضعت وضاعت هيبتك بين الناس خلاص يا نصر، وإبنك هو اللي كتب نهايتك بإيده

قطعت حديثه بكلماتها الصارمة وهي تهتف بجبروت إمرأة:
-هو كل اللي همك يا نصر؟!
واسترسلت بنبرة أمرة:
-إتحرك يلا على مصر ومترجعش البيت غير وإبني معاك

جحظت عينيه وهو يتطلع عليها متعجبًا جبروت تلك المرأة ليهتف مذهولاً:
-إنتِ لسه ليكِ عين تتكلمي يا إجلال، كل المصايب اللي أنا فيها دي بسبب دلعك فيه!،ليا شهر بقول لك خدي بالك من إبنك وشوفيه بيبات في أنهي داهية وإنت كالعادة بتدافعي عنه
شملها بازدراء ليسألها شامتًا:
-يا ترى دلوع أمه قال لك إنه شاري بيت في مصر؟!

صكت سمية على أسنانها بغضبٍ شديد بعدما نزلت عليها الاخبار كالصاعقة وجعلت من نار الغيرة تشتعل بصدرها،فطالما تمنت لو باستطاعتها الوصول إلى إيثار لتخلصت منها دون أن يرف لها جفن، فقد أصبح وجود تلك الإيثار يسبب لها عائقًا عن إستكمال حياتها بشكلٍ طبيعي ولا بد من وجود حلٍ لمحوها من الحياة بأكملها
تحدث حُسين بعقلٍ كعادته فهو الوحيد بين أفراد تلك العائلة من يمتلك عقلاً وقلبًا إلى حدٍ ما متوازنين:
-مش وقت الكلام ده يا جماعة، خلونا نتحرك ونروح نشوف حل للمصيبة دي قبل ما المحضر يتحول للنيابة زي المرة اللي فاتت
توافق الجميع مع رأيه لينطلق نصر ونجلاه للحاق بذاك الطائش لترمق إجلال تلك الواقفة جانبًا وهو تهمس بفحيح:
-كله منك يا عِرة النسوان يا بنت الـ
سبتها بأبيها لتهجم عليها بعدما فلت لجام تحكمها، جذبتها من شعرها لتهتف تحت صرخات سمية المستنجدة:
-لولا وسـ…. ولعبك على ابني علشان تدبسيه في جوازته السودة منك مكنش كل ده حصل

حضرت ياسمين ومروة على صرخات سمية المستنجدة واقتربتا من إجلال في محاولاٍ بائسة لتخليص خصلاتها التي تقطعت بين أصابع إجلال التي تابعت بقوة:
-إبعدي يا مرة إنتِ وهي، مفيش واحدة فيكم تتدخل وسيبوني أربي الأفعى بنت الـ…  دي
وتابعت بفحيحٍ وهي تصك على أسنانها:
-دخلتك البيت كانت شؤم على ابني، من يوم ما عرفك ما شافش يوم عِدل في حياته
هتفت مروة بحكمة:
-سبيها يا ستهم لتموت في إيدك ويحسبوها عليكِ واحدة
لتكمل ياسمين على حديث مروة:
-سبيها يا ستهم،مفيش حد يستاهل إنك تضايقي نفسك علشانه، الجيران هيسمعوا صواتها وهنتفضح بين الناس

دفعتها بقوة ليرتطم جسدها بالارض بقوة لتهتف من بين أسنانها:
-غوروها من قدامي بدل ما أقتلها باديا
ألقت كلماتها لتخرج سريعاً، انحنت كلا من ياسمين ومروة لمساعدة تلك المنبطحة أرضًا لتدفع بأياديهم وهي تهتف بحدة وغضب:
-إبعدي عني منك ليها
اعتدلت مروة لتهتف وهي ترمقها باشمئزاز:
-الخير مينفعش مع العقارب اللي زيك
إبعدي عني الساعة دي يا مروة…قالتها بحدة وتهديد لتسألها الاخرى بسخرية:
-وإن مبعدتش هتعملي إيه يا شملولة
كادت ان تتحدث قبل ان تقاطعهما ياسمين التي صرخت:
-إتلمي إنتِ وهي وخلي ليلتكم تعدي على خير وكفاية المصيبة اللي حطت على راسنا من ورا عمرو
القت مروة نظرة احتقار لتنطق بسبابٍ:
-تستاهلي كل اللي إنتِ فيه يا رخيصة.

***
داخل قصر علام زين الدين
كان يجلس داخل الحديقة بصحبة زوجته وفريال بعدما استدعاهما ليطلعهما على المستجدات لتنطق عصمت بلهجة مرتعبة وقد سكن الرعب عينيها:
-يا نهار إسود، هي حصلت للخطف، دول مجرمين يا علام
واسترسلت بجسدٍ مرتجف وعينين زائغة:
-وفؤاد ليه يدبس نفسه في التدبيسة السودة دي

صاحت فريال بذعرٍ ظهر بعينيها:
-أنا قولت من الاول إني مش مرتاحة للموضوع ده يا ماما محدش فيكم صدقني
مالنا إحنا بواحدة اهل جوزها مجرمين

تحدث علام وهو ينظر للصغير الذي يلهو مع الصغيرة على بعد مترين فقط:
-ممكن تهدوا من فضلكم،ووطوا صوتكم علشان الولد ما يسمعش ونفسيته تتأثر
هتفت عصمت بحدة:
-نهدى إزاي بعد اللي حكتهولنا ده يا علام، مش يمكن المجرمين دول يفكروا يإذوا إبني هو كمان

هتف بصرامة وقوة ترجع لثقته بحاله وبمنصبه الكبير:
-إنتِ شكلك إتجننتي يا عصمت،مين ده اللي هيتجرأ ويإذي إبن علام زين الدين

صاحت بقوة لتجيبه بما يتنافى مع حديثه الغير مقنع لها:
-نفس اللي اتجرأ وخطف مراته يا سيادة المستشار

-اللي خطف مراته عيل أهبل وإبنك هو اللي رسم له الطريق اللي مشي عليه، يعني مفيش خوف أبداً منه… قالها باستفاضة ليسترسل موضحًا:
-ده غير إن اللي حصل ده فيه خير كبير قوي لفؤاد
قطبت فريال جبينها لتسأل والدها باستفسارٍ متعجب:
-وإيه بقى الخير اللي هيعود على فؤاد من حاجة زي دي يا بابا؟!

اجابهم بإبهام:
-فؤاد وهو بيرتب لموضوع خطف إيثار ظهر قدامه موضوع مهم جداً خاص بأمن البلد، ولو تم على خير فؤاد هيترقى فيها، وده يبقى عوض ربنا ليه عن وقف ترقيته التلات سنين اللي فاتوا
تنهدت عصمت بحيرة ومازال قلبها يرعتب قلقًا على صغيرها ليتابع علام بلهجة تحذيرية:
-مش عاوز حد منكم يضايق البنت ولا يحسسها بحاجة لما تيجي، في النهاية هي ضحية وملهاش أي ذنب في الظروف اللي أجبرت عليها

تطلعت فريال لوالدتها بنظراتٍ تنم عن مشاعر مختلطة

****
عودة إلى إيثار المصدومة
تحرك فؤاد منطلقًا بالسيارة وكل خلية بجسده تنتفض بقوة، صوبت بصرها عليه لتسألهُ بصوتٍ مرتجف بعدما استشفت بفطانتها معرفته من خلال حديثه مع الضابط عن الكاميرات تلاهُ حديثه العجيب مع عمرو:
-إنتَ كنت عارف إن عمرو هيعمل فيا كده؟
تابع القيادة وهو ينظر امامه بوجهٍ مبهم وفضل الصمت لتكرر عليه سؤالها بطريقة حادة:
-رد عليا يا فؤاد، كنت عارف؟
إرتاحي ولما نروح بيتنا نبقى نتكلم هناك… نطقها بصوتٍ خافت لتصرخ بكامل صوتها وهي تدق على تابلوة السيارة:
-مش بمزاجك يا سيادة المستشار،إحنا هنتكلم حالاً وهتقول لي الحقيقة كلها ومن غير كذب

اوقف السيارة فجأة لتحتك إطاراتها بالاسفلت مما أحدث صريرًا مزعجًا تحرك جسد كليهما للامام على إثره،حول بصره إليها ليهتف بحدة وغضب لنعتها له بأكثر صفة يمقِّتها:
-وأنا من إمتى كذبت عليكِ يا مدام علشان أكذب الوقت؟!

-طب فهمني إيه اللي بيحصل حواليا…نطقتها بضعفٍ ودموع الالم تجمعت بمقلتيها،إنتفض قلبهُ حال رؤيته لغشاوة دموعها ليفك وثاق حزام الامان خاصته ويهرول عليها ليجذبها ويدخلها بأحضانه كي يزيل عنها كل ما شعرت به اليوم من رُعبٍ،ما شعرت بحالها إلا وهي تلف ذراعها حوله لتشعر بالامان الذي لم تجده سوى بأحضانه،أطلقت العنان لدموعها لتنهمر بقوة لينطق وهو يمسد بكفه على رأسها وظهرها بحنانٍ:
-بلاش عياط علشان خاطري،مش هقدر أتحمل أشوفك كده
نطق كلمته بصوتٍ أوحى إلى ضعفه أمام دموعها لتتأثر كثيرًا بصوته لتبتعد متسائلة وهي تنظر بعينيه:
-خلاص مش هعيط، بس فهمني يا فؤاد
-هقول لك على كل حاجة يا بابا…قالها وهو يداعب ذقنها بأصابع يده ليسرد عليها جُل ما حدث مستثنيًا موضوع الأثار لسريته التامة ولعدم إكتماله بعد، لينطق مستنتجًا ما سيحدث:
-كده نصر مقداموش غير حل واحد قصاد خروج إبنه من المصيبة اللي حط نفسه فيها، وهو تنازل إبنه عن الحضانة بشكل نهائي وبعقد موثق
بلهفة وتمني سألته:
-تفتكر نصر هيوافق على كده يا فؤاد؟

مط شفتيه بلامبالاة ليقول بثقة عالية:
-مفيش قدامه حل غير كده،حضانة يوسف، قصاد خروج إبنه وضمانه لكرسي المجلس، والكرسي أهم حاجة بالنسبة له
واسترسل بابتسامة منتصر:
– يعني يا يوافق يا يوافق
قطع حديثهما صدوح رنين الهاتف ليخرجه من جيب سترته وينظر بشاشته لترتسم إبتسامة عريقة على ثغره وهو ينظر لها:
-نصر البنهاوي
إبتسمت بسعادة ليغمز لها بطرف عينه قبل أن يجيب ويضغط على زر خاصية مكبر الصوت ليستمعا لصوت نصر الجالس بسيارته بجوار طلعت الذي يقود:
-فؤاد باشا
-نعم يا سيادة النائب…قالها بحدة لينطق الاخر بتذليل:
-أنا بترجاك يا باشا وبحلفك بغلاوة يوسف توقف كل إجراءات نقل عمرو للنيابة لحد ما أوصل ونقعد ونتفق، أنا في الطريق ونص ساعة بالظبط وهكون عندك

-وأنا بصفتي إيه هوقف الإجراءات يا سيادة النائب؟!…قالها باستغراب ليتابع ساخرًا منه:
-يظهر إن من كتر كسرك للقوانين وتعديك عليها فاكر إن الكل زيك

اجابه بانكسار بعدما حاول مهاتفة جميع من يعرفهم للمساعدة:
-يا باشا الكل عامل حساب لجنابك وجناب الباشا الكبير، كل ما اتصل بحد من معارفي يقول لي الموضوع أكبر مني، ده الخِصم جناب المستشار شخصيًا
تطلعت إلى حبيبها بفخرٍ،هل حقًا جاء اليوم الذي ترى به ذاك المتجبر مكسورًا ذليلاً ويطلب العفو من أحدهم،رد فؤاد بجبروتٍ يليق بنصر:
-والمطلوب مني إيه؟

أجابه بهدوء:
-إنتَ اللي هتطلب وتتشرط يا باشا،وانا عليا التنفيذ
واستطرد بتذلل:
-وزي ما قولت لسعادتك،أنا هاجي بنفسي وأحب على راس الهانم مراتك

-مرات مش محتاجة حد يبوس على راسها يا سيادة النائب…قالها بقوة ليتابع بدهاء مخطط له جيدًا:
-اللي يرضي مراتي حاجة واحدة بس
نطق على عجالة دون تفكير:
-اللي تؤمر بيه كله هنفذه
إبتسم بجانب فمه وأمسك كفها ليقبل باطنه ثم قال برأسٍ شامخ تحت نظراتها العاشقة وقلبها الذي بات لا يحيا سوى بدقاته:
-إبنك يسحب قضية ضم الحضانة ويتنازل بعقد موثق عن حضانة يوسف لإيثار بشكل نهائي

نزلت كلماته على قلب نصر كحمية بركانٍ ثائر،هذا حفيده الغالي والاقرب لقلبه، من فعل الكثير والكثير لأجل عودته لأحضان عائلته والإحتفاظ به، كيف له أن يتخلى عنه بتلك السهولة، ابتلع لعابه لينطق بصوتٍ خافت:
-إطلب أي طلب تاني غير ده يا باشا
واستطرد بلهفة:
-أنا مستعد أكتب لها نص ثروتي، بس بلاش موضوع التنازل عن يوسف دي
جحظت عيني طلعت ليلتفت لأبيه ويرمقه بغضبٍ حارق، ألأجل الإحتفاظ بذاك الملعون الصغير يهدر نصف ثروتهم بتلك السهولة،ابتلعت لعابها بتوتر لينطق فارسها ورجلها الاوحد بغضبٍ حاد:
-خلي بالك من كلامك يا نصر وإعرف كويس إنتَ بتقول إيه ولمين
واستطرد بسخطٍ أرعبه:
-نص ثروة مين اللي تديها لمرات فؤاد علام قصاد حضانة إبنها، نص ثروتك اللي فرحان بيها دي متجيش نقطة في بحر اللي مراتي تملكه حاليًا

نزلت كلماته على قلبها كقطرات الندى فوق الزهور العطشة لتنعشها،فقد أخبر نصر أن ما يملكه هو ملكًا لخليلة قلبه كما يلقبها،ليسترسل هو بثباتٍ وتهديد:
-اللي عندي قولته وده أخر كلام والقرار ليك، وياريت تقرر حالاً لأن كل دقيقة بتعدي، إبنك بيقرب أكتر من السجن المؤبد،وكرسي المجلس بيبعد عنك

أجفل عينيه بحزنٍ وشعر بعجزٍ هائل،لم يعد لديه رفاهية الإختيار بعدما وضعه ذاك الداهي بمأزق عمره، تنفس مطولاً لينطق بحزنٍ وألم لم يشعر بهما من قبل:
-أنا موافق يا سيادة المستشار،وقف الإجراءات وأول ما نوصل هخلي عمرو يكتب لك التنازل ويمضي عليه

إشتدت سعادتها لدرجة انها تناست جُل ما مرت به من ألامٍ وعثرات وحزنًا استوطن قلبها طيلة سنواتها الماضية،فاليوم هو أسعد أيام حياتها على الإطلاق، فقد تمكنت بالإحتفاظ بصغيرها الغالي للأبد على يد حبيبها، هذا المغوار الذي إختطف لها حضانة الصغير من فم الأسد ليقدمها لها على طبقٍ من ذهب

أغلق الهاتف لتفك وثاق حزامها وتقفز بسعادة كالاطفال لتستقر داخل أحضان ذاك العاشق الذي قهقه بقوة وهو يقول مربتًا على ظهرها:
-مبروك يا عمري
الله يبارك فيك يا حبيبي،الله يبارك فيك…قالتها بصوتٍ سعيد لتخرج سريعًا وهي تتابع بلهفة:
-انا هعيش عمري كله أشكر ربنا وأشكرك على اللي عملته معايا يا فؤاد
شملها مضيقًا عينيه ليقول بحديثٍ ذات مغزى:
-مبحبش الشُكر بالكلام، أنا سيد الأفعال
أمسكت كفيه تحتويهما لتهتف بحبورٍ شمل روحها:
-أطلب اللي إنتَ عاوزه يا حبيبي وأنا تحت أمرك
هما طلبين مفيش غيرهم…قالها بابتسامة جذابة ليتابع بغمزة وقحة:
-أول طلب،عاوز مراتي حبيبتي تدلعني النهاردة
وأشار بكفيه بطريقة جعلتها تضحك:
-بدلة رقصك وخلخالك والموسيقى اللي على كيف كيفي، وأشوف بقى دلعك الرايق لجوزك حبيبك، مليش دعوة بقى بيومك الصعب اللي عيشتيه
ليتابع بدلالٍ على أنثاه بكلماتٍ متقطعة:
-أنا، عاوز، مراتي تدلعني
-بس كده، من عيوني…قالتها وهي تتحسس صدره بدلال اشعل ناره ليتابع هو:
-والطلب التاني
تطلعت عليه بتمعن ليتابع بجدية:
-تقدمي إستقالتك، وموضوع الشغل تنسيه وتخرجيه من دماغك نهائي.
إتسعت عينيها ذهولاً لتتراجع للخلف وهي تشملهُ بنظراتٍ تملؤها خيبة الأمل قبل أن تنطق بخفوت:

إنتهى الفصل
«أنا لها شمس»
بقلمي« روز أمين»

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل حاجب الإعلانات لتستطيع تصفح الموقع