رواية انا لها شمس الفصل الأربعون 2 لروز أمين
داخل شركة أحمد زين الدين
كان يخرج من مكتب المدير التابع له بعدما أنهى بعض التعاملات ليتحرك إلى كافيتريا الشركة لبدأ فترة الراحة الفاصلة بين ساعات العمل ،وجد تلك الجميلة تقابله ويبدوا أنها هي الاخرى بطريقها لنفس وجهته،إنها “أميرة”تلك الفتاة التي لفتت إنتباهه منذ أن استلم عمله في الشركة، فقد رأى بها كل ما تمنى في الفتاة التي يريدها شريكة لأحلامه، الأدب والأخلاق والإحتشام في ملابسها وأيضًا حجابها بما يتلائم مع دينه وتربيته وقناعاته، نظرت عليه بخجلٍ وكادت أن تمضي بوجهتها لولا إقتحامه لطريقها وهو يقول بابتسامة هادئة:
-إزيك يا أستاذة أميرة
-الله يسلمك يا أستاذ أيهم… نطقتها بهدوءٍ وصوتٍ بدى عليه الإرتباك بعض الشئ لينطق هو من جديد:
-رايحة الكافيتريا؟
أجابته بهدوء:
-أه،هروح أخد أي سندوتش خفيف مع نسكافية
أشار لها لتجاورهُ ثم سألها ليخلق حديثًا بينهما:
-عاملة إيه في شُغلك؟
ابتسمت لتجيبهُ بمشاكسة:
-المفروض أنا اللي أسألك السؤال ده،إنتَ ناسي إن أنا أقدم منك هنا ولا إيه يا حضرة المحاسب
إبتسم ليجيبها بحفاوة تأثرًا بملاطفتها له:
-في النقطة دي معاكِ حق،بس بما إني الراجل فلازم أبدأ بالسؤال وأطمن على أحوالك، ولا إيه يا أستاذة؟
اومأت بموافقة لتسألهُ بما يشغل بالها وبال الجميع منذ أن تم تعيينه معهم بالشركة:
-هو حضرتك قريب باشمهندس أحمد الزين؟!
هز رأسه لينطق نافيًا:
-لا خالص
-غريبة قوي…نطقتها بتعجب ليسألها بجبينٍ مقطب:
-إيه الغريب في كده، ولا هي الشركة عاملة التعيينات حكر على شباب عيلة الزين وأنا معرفش؟!
ضحكت بجاذبية لفتت إنتباهه لتجيبه على تساؤلهُ الفكاهي:
-مقصدش طبعاً،إحنا كلنا إفتكرناك قريب الباشمهندس لأنه مهتم بيك لدرجة إنه وصلك بنفسه لمكتبك أول يوم،كمان إختار لك مكتب مميز في الشركة،بس كده
أجابها بابتسامة بشوشة:
-أنا هوضح لك سبب الإهتمام ده،ببساطة كده إختي تبقى مرات فؤاد علام إبن أخو الباشمهندس
إتسعت عينين الفتاة لتسألهُ بذهولٍ ظهر بعينيها:
-تقصد سيادة المستشار فؤاد علام إبن المستشار علام زين الدين؟!
أوما لها بإيجاب لينطق ببساطة:
-بالظبط كده
نطقت الفتاه بحبورٍ ظهر فوق ملامحها:
-أنا عارفة فؤاد علام وبباه،جم الشركة كذا مرة قبل كده، لما بيكون فيه أحداث كبيرة زي إفتتاح فروع جديدة أو إتمام صفقات كبيرة بيحضروا،وكمان بنشوفهم في الحفلات الخاصة بالشركة
واسترسلت بصدقٍ نال استحسانه:
-ناس محترمة جداً وأكيد أختك حد مميز علشان فؤاد علام يختارها تكون مراته
تطلع إليها معاتبًا إياها بافتعال وهو يقول بمداعبة:
-طب إيه،هنفضل نتكلم كتير كده عن أختي وجوزها؟
ابتسمت لتسأله بمشاكسة:
-طبيعي لأن مفيش أحاديث مشتركة ببنا علشان نتكلم فيها
وصلا إلى الكافيتيريا ليتحركا إلى إحدى الطاولات وتحدث وهو يشير لها بالجلوس:
-طب ما تيجي نخلق لنفسنا أحاديث مشتركة،مش يمكن دماغنا تطلع واحدة ونوحد أفكارنا ونلمها على بعض بدل مهي مشتتة وكل فكرة تايهة في طريق لوحدها
ابتسمت بخجل لفهمها مقصده لتجلس مقابلة له ليتابع هو بهدوء:
-هتاكلي إيه؟
أملت عليه ما ستتناوله من طعام فأبلغ به العامل وبدأ يتحدثان ليبحثا معًا عن النقاط المشتركة بينهما ليستكشف كلاً منهما الأخر بعدما اكتشف كلاهما انجذابه للأخر
*****
عصرًا
داخل فيلا أحمد زين الدين، كانوا يصطفون حول مائدة الطعام يتناولون وجبة الغداء،أحمد وزوجته نجوى ونجلهم بسام وزوجته،تطلع أحمد من حوله ليسأل زوجته باستغراب:
-سميحة منزلتش لحد الوقت ليه؟!
أجابته بلامبالاة:
-هي قالت للشغالة نازلة وراكي
ما هي إلا ثواني وكانت تهبط من أعلى الدرج بمرحٍ وسرعة مرتدية ثيابًا يبدوا من هيأتها أنها على كامل إستعدادها للخروج،وصلت إلى أبيها لتميل على وجنته واضعة قُبلة وهي تقول بسعادة:
-هاي داد
نظر لهيأتها ولحقيبة اليد التي تحملها ليسألها متعجبًا:
-رايحة فين؟!
نطقت بحبورٍ ظهر فوق ملامحها:
-رايحة عند عمو علام، هقضي اليوم عندهم ويمكن أبات مع فريال
تحدثت نجوى بلامبالاة:
-إقعدي إتغدي قبل ما تمشي
نطقت بهدوء:
-مليش نفس يا مام،هبقى أكل حاجة خفيفة بالليل معاهم
أخذ أحمد نفسًا عميقًا كي يستطيع ظبط إنفعالاته من اسلوب ابنته وتصرفاتها التي أصبحت مستفزة لأبعد الحدود بشأن زياراتها المتكررة لمنزل عمها وتعمدها استفزاز مشاعر زوجة فؤاد بالتحديد وهذا ما لمسه يوم التجمع العائلي بالمزرعة، تحدث بنبرة صوت حازمة:
-إقعدي إتغدي يا سميحة،وبالنسبة لزيارة بيت عمك أجليها ونبقى نزورهم أي يوم تاني أنا وإنتِ
طالعته باستنكار لتنطق بصوتٍ معترض:
-وليه ما أروحش النهاردة زي ما خططت ليومي؟!
نطق بحدة ظهرت بنبرات صوته:
-علشان مينفعش تروحي للناس بيتها كل شوية، كل واحد عنده حياته الخاصة وأكيد محدش بيرتاح لما حد يقتحم عليه بيته ويقيد حريته فيه
تذمرت ومطت شفتيها للأمام لتقاطعه نجوى بطريقة مستفزة:
-إنتَ بقيت غريب قوي يا أحمد وحقيقي مبقتش قادرة أفهمك
طالعها بجبينٍ مقطب غير مستوعبًا هجومها لتسترسل مفسرة لتذكيره بطريقة استهجانية:
-إنتَ مش طول عمرك بتقول لأولادك لازم تروحوا تزوروا عمكم وتقربوا من ولاده،وطول الوقت كنت بتكلمهم عن القيم الإنسانية الجميلة وصلة الرحم والكلام الكبير اللي طول عمرك بتسمعهولنا لحد ما حفظناه؟
واسترسلت باستهجان:
-إيه اللي جد خلاك تمنع سو وتديها محاضرة في إحترام القواعد الأساسية للزيارات المنزلية والعائلية والكلام الكبير اللي أنا مش فاهمة معظمه ده
احتدت ملامحه وظهر الغضب على محياه لينطق بصرامة:
-كلامي اللي مش عاجبك ده محاولة أخيرة لإنقاذ كرامة بنتي اللي مُصرة إنها تهدرها بغبائها،يعني كلامي وتصرفي ده لمصلحتها يا هانم
أخذت تقلب عينيها بضجرٍ يوحي لعدم تقبلها لحديثه فطالما رأته رجل الخطابات الفارغة، ليتابع هو بحدة تحت ألم وحزن سميحة:
-هو أنتِ حاسة بحاجة ولا شايفة حد في البيت ده غير نفسك، إقعدي مع بنتك وقومي بدورك كأم ولو لمرة واحدة في حياتك
امتعضت ملامحها وقد بدا عليها الإنزعاج وهي تنظر لزوجة بسام التي انتفضت واقفة لتنطق بانسحاب وهي توجه حديثها إلى زوجها لتعفي الجميع الحرج:
-أنا طالعة أوضتي يا بسام
أومأ لها باستحسان لتصرفها الراقي،وما أن صعدت حتى انفجرت نجوى بحدة ترجع لتقليل زوجها من شأنها أمام زوجة نجلها:
-عاجبك الفضايح دي،مرات إبنك تقول علينا إيه؟!
هتف بعصبية وحدة ظهرت بعينيه:
-علشان تعرفي إنك مغيبة ومش عايشة معانا على أرض الواقع، مرات إبنك عارفة وشايفة كل حاجة ومش هي بس يا مدام، كل اللي حوالينا ملاحظين جري بنت أحمد زين الدين ورا إبن عمها ورمي روحها عليه ومحاولة تطفيش مراته وإثارة غيرته
ظهر التوتر أكثر على ملامحها لتنطق بصوتٍ مرتبك تنفي به إتهام والدها عنها:
-إيه الكلام اللي حضرتك بتقوله ده يا داد،دي إهانة أنا لا يمكن أقبلها
طالعها بحدة ليهتف بعصبية:
-إنتِ فاكرة إن أنا مبسوط وأنا بواجهك بالكلام ده،ده أنا قلبي بيتقطع عليكِ وكاتم في نفسي من يوم اللي حصل وشفته بعيني في المزرعة
ليتابع بغضبٍ عارم لو خرج لأحرق الاخضر واليابس:
-بس خلاص يا سميحة،مش هقدر أسكت أكتر من كدة وأنا شايفك بتهيني كرامتك وتمرمغي بإسمي في الأرض
تابع بقهرٍ ظهر بصوتهٍ المتألم:
-كنت ساكت وبقول بكره تعقل وتعرف مصلحتها فين،دي دكتورة وعقلها كبير وأكيد هتراجع نفسها وتعرف غلطها وتتراجع عنه، بس للأسف، كل شوية بتزيدي في الخيبة وبتثبتي لي أنا قد إيه فشلت في تربيتك
تحرك بسام ليجاور والده لينطق بهلعٍ ظهر بعينيه عندما رأى حدة والده الهائلة:
-أرجوك يا بابا إهدى،حضرتك كده ممكن تتعب
ارتمى على مقعده من جديد ليقول بانكسار:
-تعب إيه ونيلة إيه اللي بتفكر فيهم في وسط الخيبة اللي إحنا فيها دي يا بسام
هزت رأسها بدموع لينطق بصرامة وهو يشير لها نحو الدرج:
-إطلعي على أوضتك وأخر مرة هنبهك فيها للموضوع ده
واسترسل بحدة:
-وتفكري بشكل جدي في موضوع خطوبتك من مازن الجيار،واخر الإسبوع ده تديني الأوكيه علشان أبعت لأبوه الموافقة
أغمضت عينها فى ألم ثم فتحهما من جديد لتنهمر دموعها فوق وجنتيها ثم هرولت تصعد الدرج، التفت أحمد لزوجته التي تشعر بالخجل بعد أن قام زوجها بتعرية روحها وأظهر فشل قيادتها لاسرتها وبالتحديد ابنتها،تحدث بصرامة بالغة:
-تصرفات بنتك من النهاردة مسؤليتك،أي غلطة ليها إنتِ اللي هتتحاسبي عليها قدامي
واسترسل موبخًا إياها وهو يرمقها بازدراء:
-وفوقي بقى لبيتك شوية وإنزلي من قصر وهمك العالي وعيشي معانا على أرض الواقع
نطق كلماته الحادة ليندفع كالإعصار إلى غرفته تحت صدمة نجوى التي تحدثت لنجلها بذهول:
-باباك شكله إتجنن خلاص يا بسام
أجابها الشاب بنفيٍ تضامنًا مع تصرف والده الصحيح:
-بالعكس يا ماما،اللي عمله بابا مع سميحة صح جداً،بس للأسف،متأخر قوي
*****
في الحادية عشر ظهرًا من اليوم التالي
خرجت من حُجرتها متأنقة ترتدي ثوبًا رائعًا أظهر جمالها واناقتها وقامت بوضع القليل من مساحيق الزينة لتجعلها أيقونة جمال رغم شحوب وجهها قليلاً بفضل الحمل،فقد هاتفتها لارا أيمن وأخبرتها أنها ستأتي اليوم لزيارتها كي تطمئن عليها هي والصغير،توجهت صوب الدرج لتهبط منه بهدوءٍ وهي تستندُ على درابزين السلم الزجاجي لتلحق بها فريال التي كانت تحمل صغيرها وتهبط للطابق الارضي،ضحكت لتنطق بمشاكسة لزوجة شقيقها:
-من أولها نازلة تستندي على الدرابزين زي العواجيز، أمال لما توصلي للشهر السابع هتعملي إيه
إلتفتت تناظر تلك اللطيفة التي تمتلك روحًا دعابية لم تكتشفها سوى بعشرتها ثم تحدثت وهي تأخذ نفسها بصعوبة:
-والله ما فاهمة إيه اللي بيحصل لي ده يا فيري، أنا فعلاً حاسة إن بقى عندي تمانين سنة،مع إني حملت في يوسف والوضع كان طبيعي جدًا
رفعت قامتها لأعلى لتنطق مفخمة من شأن شقيقها:
-وإنتَ عاوزة تساوي حملك في يوسف بحملك في إبن فؤاد علام، نحن نختلف عن الأخرون يا أستاذة
أطلقت إيثار ضحكة عالية لتتابع الأخرى بوقاحة:
-نصيحة بس خفوا من الچاكوزي وتوابعه،قولي له عيب وياريت يحترم الحدث ويدي له وقاره وقيمته
نطقت من بين ضحكاتها وهي تتابع النزول:
-يا بنتي حرام عليكِ مش قادرة أضحك
ثم تابعت وهي تتطلع إلى الصغير بنظرة حنون:
-إبقى سيبي لي فؤاد علشان ابص له وأجيب بيبي قمر زيه
أجابتها بتحيزٍ لشقيقها الغالي:
-بصي للنسخة الأصلية اللي عندك وإنتِ تجيبي بيبي ملوش مثيل
ابتسمت بسعادة وتحدثت باستحسان:
-عجباني قوي علاقتك إنتِ وفؤاد
بدون تفكير نطقت بعينين سعيدتين:
-ده بابا التاني وانا أمه التانية
ابتسمت وظهر الالم بعينيها حين تذكرت جحود أشقائها عليها وبعدهما كل البعد عن روحها،وصلت كلتاهما أسفل الدرج لتخرج عزة من المطبخ وبيدها حاملاً كريستالي ملئ بأصنافٍ متتعددة من الفواكة لتقول بسعادة بالغة:
-لارا إتصلت بيوسف وقالت له إنها خلاص قربت على البوابة، والشقي مستنيها هو وبيسان في الجنينة وعامل هوليلة
ابتسمت لها إيثار وتحدثت:
-ما هي كلمتني من شوية،أنا هخرج استناها برة
تحدثت فريال إلى عزة بنبرة ودودة:
-حضرتي ضيافة كويسة تستقبلوها بيها يا عزة؟
نطقت بنبرة حماسية:
-أيوا يا هانم،جهزت التربيزة اللي في الجنينة وحطيت عليها من جميع خيرات ربنا، ربنا يوسع عليكم يا هانم
أومأت لها لتتحدث إلى إيثار:
-أنا هاجي أستقبلها معاكِ وبعدين هسيبكم علشان تتكلموا براحتكم
بعينين ممتنتين نطقت:
-ميرسي لذوقك يا فيريال
نطقت بنبرة هادئة:
-ميرسي على إيه، ده بيتك يا بنتي
خرجت بجوار فريال ليقابلها صغيرها بحماسٍ وسعادة:
-مامي،لارا كلمتني وجاية حالاً
بالكاد أكمل جملته لتلج سيارة لارا بعدما سمح لها حارس البوابة وبعد قليل ترجلت من السيارة ممسكة بيديها بعض الحقائب المملؤة بالهدايا للصغير الذي هرول عليها لتحتضنه بقوة بعدما ناولت ما تحمل بيديها إلى عزة،باتت تزيده من قبلاتها الشغوفة التي أثارت حنق الصغيرة التي تتطلع على صديقها وهو معلقًا بين أحضان تلك الفتاة الشقراء،نطقت وهي تتحسس شعر رأسه:
-وحشتني يا وحش ياللي مبتسألش على لارا
كان يشدد من احتضانه لعنقها ليبتعد قليلاً وهو يقول بطفولة:
-مامي هي اللي مش بترضى توديني عندك، أنا قولت لها عاوز اروح عند لارا وجدو أيمن وهي اللي مش رضيت
نطقت وهي تتحرك به صوب التي انطلقت ضحكاتها على صغيرها الذي ألقى بالتهمة على عاتقها ليبرئ حاله:
-خلاص كده أخدت براءة ومامي هي اللي هتتعاقب
أفلتت الصغير من أحضانها لتحتضنها إيثار وهي تنطق بسعادة هائلة:
-وحشتيني قوي يا لارا
-لو وحشتك بجد كنت جبتي چو وجيتي زورتينا…قالتها بنبرة لائمة لتتابع مبررة:
-مش تستني لما العروسة تسيب تجهيزاتها للفرح وتيجي علشان تشوفك
نطقت بعينين معتذرتين:
-والله غصب عني يا لارا،أنا حكيت ظروفي واللي حصل لي مؤخرًا للباشمهندس في التليفون،وبررت له خوف فؤاد عليا من الخروج
بابا وماما وكلنا مقدرين ظروفك يا قلبي،انا بهزر معاكِ…قالتها الفتاة بملامح وجه بشوشة لتنتقل إلى فريال قائلة باحترام وهي تصافحها بلباقة:
-إزيك يا مدام فريال
اجابتها الاخرى بابتسامة مشرقة:
-إزيك إنتِ يا لارا، نورتينا
التفتت الفتاة على صوت عزة المعترض وخفة ظلها:
-وأنا مفيش إزيك يا عزة، ولا أنا كنت بايتة في حضنك وأنا ما أعرفش
بملاطفة نطقت وهي تستعد لاحتضانها:
-والله وحشتني طولة لسانك يا زوزة
اتسعت عينيها لتشهق وهي تقول باعتراضٍ مفتعل:
-طولة لساني،طب إبقي شوفي مين هيجيب لك الكريم كراميل اللي عملته مخصوص علشانك
نطق الصغير ملطفًا الاجواء بطفولته:
-عزة عملت لك الكريم كراميل علشان إنتِ بتحبيه يا لارا
مالت لتضع قبلة حماسية على وجنة الصغير لتنطق بملاطفة وهي تداعب وجنتيه بأناملها:
-يا قلب لارا إنتَ، خلاص أنا هصالح عزة علشان خاطر الكريم كراميل
ضحك الجميع لتنسحب فريال إلى الداخل لتترك لهما بعض المساحة للتحدث،جلسن إيثار ولارا وعزة بصحبة يوسف حيث أجلسته لارا فوق ساقيها لتضمه بأحضانها كي تُشبع روحها من ذاك الذي صنع لحاله مكانًا بقلبها،نظر على تلك الصغيرة الجالسة بصحبة المربية تلهو بألعابها وعينيها مثبتتين بنظراتٍ غاضبة على ذاك القابع بأحضان تلك الشقراء، أفلت حاله من بين أحضان لارا ليذهب صوب التي ما أن رأته يقبل عليها حتى أزاحت ببصرها للجهة الأخرى، جلس بجوارها لينطق بعفوية:
-إنتِ زعلانة مني يا بيسان؟
ربعت ذراعيه فوق صدرها لتنطق بغضب طفولي:
-أه زعلانة،ومش هلعب معاك تاني يا چو، ويلا روح عند صاحبتك اللي سبت بيسو وروحت عندها
مط شفتيه وظهر الحزن بعينيه ليضع كفه على وجنتها يجبرها على استدارت وجهها والنظر إليه ثم نطق بنبرة أظهرت كم ندمه وحزنه:
-متزعليش يا بيسو أنا مش هعمل كده تاني وأزعلك،بس لارا صاحبتي من زمان وبتحبني قوي
هتفت متذمرة بغيرة ظهرت بعينيها الغاضبة:
-أنا كمان صاحبتك يا چو
لوى فمه قليلاً يتعمق بملامحها الغاضبة ثم تحدث لترضيتها:
-علشان خاطري مش تزعلي
ابتسمت لتقول له:
-طب تعالى إلعب معايا ومش تروح عندها تاني
ابتسم بسعادة بالغة ليشاركها اللهو ويندمجا متناسيين من حولهما
*****
داخل شقة صديقه رأفت المتواجدة بالمركز التابع لهم كان يجلس بصحبة الرجل الوسيط بينه وبين المشترى لينطق بملامح وجه جادة:
-رجالتي هتروح الإسبوع الجاي علشان تبدأ حفر في سوهاج،إحنا خلاص جهزنا كل حاجة وهنستغل إنشغال الكل في الإنتخابات ونبدأ من غير ما حد يحس بينا
واستطرد بما أثار تعجب الأخر:
-بس قبل ما نبدأ ليا طلب عند الخواجة،والطلب ده تنفيذه هيكون قصاد نسبتي
سأله الرجل متعجبًا حديثه:
-يعني إيه، مش هتاخد نسبتك من تمن الأثار اللي هتطلع من الحفر؟!
هز رأسه بإيجاب لينطق الرجل بتردد:
-إنتَ عارف نسبتك دي ممكن تتقدر بكام؟!
نطق دون تفكير:
-عارف ومتنازل
هتف رأفت صديقه بحدة في محاولة منه لإفاقة صديقه من غفوته:
-إعقل يا عمرو وبطل جنان، اللي إنتَ طالبة ده مستحيل
واسترسل ناصحًا:
-وبعدين إنسى بقي وفوق لنفسك واتعلم من اللي فات يا اخي،خد الفلوس وعيش بيها ملك زمانك،إتجوز عيلة بنت تمنتاشر تدلعك وتنسيك اللي فات،وخلف لك منها كام عيل قبل العمر ما يعدي بيك يا صاحبي
رمقهُ بنظراتٍ كالسهام النارية ليقول بحدة:
-يا تقول كلمة عدلة يا تسمعني سكاتك يا عم رأفت.
ضيق الرجل بين عينيه ليسأله بفضولٍ:
-هي إيه الحكاية يا عمرو،طلب إيه ده اللي خلى صاحبك اتجنن كده
نطق ببرود:
-عاوز رجالة الخواجة يخطفوا لي مراتي وإبني ويسفرهم لي فرنسا،وأنا هخلص له مصلحته واسلمها له بيضة مقشرة وبعدها أحصلهم
قطب الرجل جبينه ليسأله بعدم استيعاب:
-طب ولما هما مراتك وإبنك هتخطفهم ليه؟!
كاد أن يرد لولا صوت رأفت الذي صدح بحدة:
-علشان لا دي مراته ولا من حقه ياخد الواد
واسترسل بإبانة:
-البيه مطلقها والست في عصمة راجل تاني، ومش أي راجل ده مستشار وأبوه التاني مستشار وعضو في المحكمة الدستورية،حتى الواد متنازل عن حضانته لأمه
اتسعت أعين الرجل وهتف بحدة وغضب:
-إنتَ إتجننت يا عمرو،عاوزنا نلعب مع ناس في القضاء وإحنا شغلنا كله شمال؟!
أرجع ظهره للخلف لينطق بصرامة:
-والله ده شرطي الوحيد علشان أكمل لكم العملية بتاعتكم،غير كده إعتبروني منسحب
تنهد الرجل ليقول بهدوء وعقلانية:
-إديني يومين أبلغ فيهم البوص واشوف رأيه إيه
-على أقل من مهلك…قالها عمرو تحت استشاطة رأفت من تصرفات ذاك الأبله الذي لا يتعلم من اخطائه أبدًا
*****
بغرفة إجلال، ولج نصر إليها لتهب واقفة وتحركت صوبه وهي تهتف بحدة وعينين تطلق شزرًا:
-إطلع برة ورجلك لو خطت أوضتي تاني هكون قطعاها لك يا نصر
أشار لها بكفيه لتتوقف ثم نطق سريعًا:
-إهدي يا إجلال وخلينا نتكلم بالعقل، عيب اللي بتعمليه ده
هتفت بغضبٍ عارم وهي تقول:
-العيب لو إتعمل مع أهل العيب ميبقاش عيب يا ابن البنهاوي
نطق بخنوعٍ وتذلل كي يستدعي هدوئها:
-أنا جاي اراضيكِ واشوف كل طلباتك وانفذهالك،لو على موضوع البت هطلقها وهغورها من حياتي خالص،بس استهدي بالله وخلي ابن عمك يسحب ورق ترشيحه، عيب يا بنت الناس لما تقفي مع واحد زي هارون قصاد جوزك أبو ولادك
لوت فاهها ساخرة لتقول متهكمة:
-خلصت الكلمتين اللي جاي تبلفني بيهم ولا لسه، لو خلصتهم خد الباب في إيدك وإنتَ طالع
كاد أن يتحدث قاطعته بعنفٍ وشراسة:
-ولو على الرقاصة بتاعتك اللي خبيتها مني أنا هعرف أوصل لها، ومبقاش إجلال إن ما خليت الدبان الازرق ما يعرف لها طريق
وصل لذروته من الغضب ليصيح بحدة وسخطٍ:
-ماشي يا إجلال، أنا هخلصها بطريقتي، بس خليكِ فاكرة إني جيت لك لحد عندك وإنتِ اللي اتمنعتي
قالها لينطلق غاضبًا كالإعصار تحت اشتعال روحها وغضبها العارم منه وهي تقول:
-إنتَ لسه شفت حاجة يا واطي،إصبر عليا، إن ما خليتك تلف حوالين نفسك زي المجنون ما أبقاش أنا ستهم
*****
ليلاً داخل بهو قصر علام زين الدين
كان علام وزوجته وفريال وماجد يجلسون يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم،أما فؤاد فكان يهبط الدرج محتوي كتف حبيبته برعاية،وصلا للتجمع العائلي لينطق بنبرة هادئة:
-مساء الخير
رد الجميع التحية لتقول هي الاخرى بعدما ألقت التحية على الجميع:
-إزي حضرتك يا بابا
اجابها بابتسامة حنون:
-إزيك إنتِ يا حبيبتي وإزي حفيدي البطل
ابتسمت بسعادة لتجيبهُ بملاطفة:
-مغلبني معاه والله يا بابا
ساعدها فؤاد على الجلوس ثم جاورها لتبتسم عصمت قبل أن تقول بنبرة حماسية:
-إستحملي التعب لحد ما حبيب نانا يشرف وبعدها هشيل عنك كل التعب، مش هخليكِ تشتكي منه أبدًا
-إن شاءالله يا ماما…قالتها بحبورٍ ليسألها ذاك العاشق باهتمامٍ زائد بعدما وضع إحدى الوسائد الصغيرة خلف ظهرها:
-مرتاحة يا بابا ولا أحط لك كمان مخدة ورا ظهرك؟
تحمحمت لتجيبه بهدوء:
-كده كويس يا حبيبي تسلم إيدك
أومأ لها ليعتدل بجلسته،ليسألها علام بنبرة أظهرت اشتياقه الجارف لمعرفة نوع جنـ.ـس حفيده الغالي:
-هتعملي سونار للشقي ده إمتى يا إيثار؟
ليتابع بملاطفة:
-عايزين نتعرف عليه أكتر علشان نعمل له إستقبال بالشكل اللي يليق بيه
أجابته ببشاشة وجه وابتسامة سعيدة تأثرًا بحنين ذاك الراقي للتعرف على حفيده:
-الدكتورة قالت لي الإسبوع الجاي إن شاء الله
نطق ذاك العاشق وهو يتطلع إليها بعينين أظهرت كم العشق الذي يكنه لها بقلبه:
-بنوتة وشبه أمها إن شاءالله
نطقت عصمت برضا بقضاء الله ظهر بصوتها وداخل عينيها:
-كل اللي ييجي من ربنا خير،أهم حاجة يوصل بالسلامة بصحة تامة ونفرح بنسلك يا حبيبي
أمن الجميع على حديثها ليتطلع ماجد إلى فريال بذات مغزى بادلته إياها بنظراتٍ يملؤها الحزن وكأنها تدعوه للتراجع فتنهد قبل أن ينطق بنبرة جادة بعدما اتخذ قراره وحسم أمره:
-أنا وفريال أخدنا قرار وحابين نبلغكم بيه
تطلع الجميع إليهما ليجدوا علامات الحزن والأسى تملؤ ملامح فريال بينما سأله علام مستفهمًا:
-خير يا ماجد؟!
-خير يا سيادة المستشار…قالها برزانة ليتابع موضحًا:
-إحنا قررنا نشتري شقة نعيش فيها لوحدنا
أغمضت عصمت عينيها بألم وكأن كلماته نصل سكينٍ حاد إخترق نصف قلبها لتندفع الدماء على إثره بشدة ولم يختلف الوضع عند فؤاد،نعم وجوده بدأ يسبب له المشاكل والحرج ولم يعد يتقبل تواجده الدائم بالمنزل ذاته مع زوجته،لكنه بالوقت ذاته يتألم بل يذرف قلبهُ دمًا من مجرد فكرة خروج شقيقته من المنزل التي عاشت بداخلهُ منذ أن أتت إلى الدنيا ولم تخرج منه إلى الأن، أما إيثار فشعورها كان مختلفًا،فقد إقتحم داخلها شعورًا هائلاً بالذنب وحملت حالها نتيجة قرار ماجد بالإبتعاد والخروج، فقد بات واضحًا للضرير السبب الذي دفع ماجد لاتخاذ تلك الخطوة الصعبة بعد تغير معاملة فؤاد له
خرج صوت عصمت متألمًا وهي تسألهُ بقلبٍ يذرف دمًا:
-إيه اللي خلاك تاخد الخطوة دي يا ماجد وإنتَ ليك سنين عايش معانا
-كده أحسن للكل يا دكتورة…قالها ليسأله علام بهدوء:
-يا ابني إنتَ عايش معانا من سنين وخلاص بقيت واحد مننا، إزاي عاوز تاخد بيسان وفؤاد من حضننا وتبعد
شعورًا ضاري بالذنب اقتحم قلب فؤاد،لينطق ماجد مفسرًا بطريقة تجنب بها شرط علام بداية زواجه بابنته منعًا للحرج للجميع:
-يا باشا إحنا كنا عايشين معاكم علشان الولاد يكونوا ونس ليكم، لكن ماشاء الله مدام إيثار حامل وبكرة ولاد سيادة المستشار يملوا القصر عليكم،وإحنا مسيرنا في يوم هنمشي علشان يكون لنا حياتنا الخاصة وولادنا يتربوا في بيت أبوهم،فخليها الوقت أحسن من بعدين
أغمض فؤاد عينيه بألم ليخرج صوته أخيرًا بنبرة يكسو عليها الحزن والالم:
-مفيش داعي تخرجوا من القصر يا ماجد،أنا كنت بدور على مكان قريب من هنا وهنقل فيه أنا ومراتي
وقبل ان يكمل جملته صاحت عصمت بصوتٍ أظهر مدى ذهولها وجنونها معًا:
-إيه الكلام الفارغ اللي بتقوله ده يا فؤاد،إنتَ عاوز تاخد مراتك وابنك اللي ليا سنين بحلم بإني أربيه على إيديا وتمشي؟!
نطق علام لتهدئة حبيبته:
-إهدي يا عصمت من فضلك،ومش عاوز أي كلام في الموضوع ده من أي حد فيكم
-لكن يا باشا…كلمة نطقها ماجد ليقاطعه علام بحدة وصرامة:
-مش عاوز أسمع صوت حد فيكم،وأنا هحل الموضوع ده بنفسي
كانت تجاور زوجها بجسدٍ ينتفض وقلبٍ حزين يشعر بالأسى،تخيلت للحظة أن عصمت وعلام وأيضًا فريال ستتغير معاملتهم لها ولصغيرها عقابًا منهم على ما حدث من نجلهم،توقعت أنهم سيحملوها نتيجة ما حدث مما أصابها بتقلصاتٍ خفيفة بالرحم مع شعورٍ بالغثيان والإعياء الشديد،لاحظ ارتجاف جسدها ليحول نظره إليها ليفزع عندما وجد وجهها شاحبًا لينطق سريعًا بهلع أصاب قلبه:
-مالك يا بابا
ضغطت على كفه وهي تغمض عينيها بقوة لتنطق بخفوت بعدما شعرت بدوارٍ شديد:
-أنا تعبانة يا فؤاد، إلحقني
هلع الجميع وهرولوا باتجاهها لتصيح عصمت بنبرة مرتبكة:
-مالك يا إيثار، حاسة بإيه يا حبيبتي؟!
هتفت فريال بكلماتٍ خرجت مرتجفة:
-إتصل بالدكتورة بتاعتها وبلغها إننا رايحين لها حالاً يا فؤاد
لم يكن يستمع لأحدٍ منهم كل ما كان يشغله هو حبيبته ذات الوجه الشاحب وفقط
*****
بنفس التوقيت ببلدة مجاورة لقرية نصر البنهاوي
كان هارون يتجول بالبلدة بصحبة رجال وشباب عائلته في جولة دعائية،وبلحظة استمع الجميع لطلقاتٍ نارية متتالية إنطلقت من خلف الأشجار ليصرخ أحد الرجال بهلعٍ بعدما رأى أحدهم ممددً على الأرض غارقًا بدمائه بعدما أصابته رصاصة واستقرت بين عينيه ليقع صريعًا في الحال على إثرها:
-الحاج هارون إتقتل يا بلد، الحاج هارون إتقتل.
إنتهى الفصل
«أنا لها شمس»