رواية انا لها شمس الفصل السابع والعشرون 2 لروز أمين
عصر يوم الجمعة
كانت تجلس بغرفتها تراجع لصغيرها بعض دروسه، استمعت لبعض الطرقات الخفيفة فوق الباب لتسمح للطارق بالدخول،لتلج “وداد” وهي تخبرها باحترام:
-مساء الخير يا هانم، علام باشا عاوز يوسف ينزل في الجنينة علشان عاملين حفلة شوي وعاوزه يلعب مع بيسان، وبيقول لحضرتك تنزلي علشان الغدا هيكون في الجنينة النهاردة
اومأت لتجيبها:
-حاضر يا وداد،خدي يوسف وأنا هغير هدومي واحصلك
ارتدت بنطالاً من القماش الخفيف باللون البيچ وكنزة باللون النبيتي المفضل لدى معذب قلبها كانت قد ابتاعتها عبر الأنترنت قبل يومين، جلبتها خصيصًا لإثارة ذاك الذي أصبح لا يعيرها أدنى إهتمامًا فقررت بدهاء الانثى سحبه لعندها رغمًا عنه،تعلم من أعماقها أنه تغير معها للثأر منها لأجل كرامته التي أُهينت على يد تلك العنيدة،لذا قررت إتباع الأساليب الملتوية لتجذبهُ إليها من جديد متغاضية عن حديث فريال،فأحكام القلب أقوى من أي حساباتٍ أخرى،لعنت حالها وغبائها حين أنجرفت خلف كبريائها وانساقت لحديث تلك الفريال رغم كل ما تشعر به من عشق وحنان يشملها به وتتلمسه من إهتمامه بها وبالصغير، وقفت أمام مرآة الزينة لتضع بعض الرتوش الخفيفة على وجهها مما أعطاها مظهرًا جذابًا، فهي بالأصل جميلة ولا تحتاج لأي إضافات،تنفست بعمق لتتحرك للخارج،ارتبكت حين وجدته يخرج من باب جناحه،توقفت لانتظاره تترقب ردة فعله على لونه المفضل لكنه صدمها عندما تحرك لحتى وصل إليها ليقول بنبرة باردة كالثلج دون أن يلتفت إلى ما ترتديه من الأساس مما أصابها بخيبة الأمل:
-نازلة؟
أومأت له بنعم ليشير هو لها باحترام لتتحرك بجانبه، سألها باهتمام:
-يوسف فين؟
اجابتهُ بتوتر ظهر بصوتها:
-سيادة المستشار بعت وداد أخدته من شوية
اكتفى بهزة من رأسه ونزلا الدرج سويًا ومنه إلي الحديقة مع إلتزامهما بالصمت التام، تمعنت بالنظر لتلك الفتاة الواقفة تساعد علام وماجد بتسوية اللحوم فوق الشواية،ضيقت عينيها وهي تنظر لثيابها المتحررة حيث ترتدي شورتًا قصيرًا بالكاد يغطي منتصف فخديها تعتليه كنزة بحمالاتٍ رفيعة وصدرٍ مفتوح،ترفع شعرها الاشقر لأعلى على هيأة كعكة،انتبهت لصوت ذاك المجاور لها وهو يهتف بمرحٍ ليصل صوتهِ لتلك الفتاة الشقراء:
-ده إيه المفاجأة الحلوة دي
وكأنها كانت تنتظر صوته لتلتفت متلهفة على رؤياه،ضحك وجهها بسعادة وألقت ما بيدها فوق المائدة بإهمال ولم تنتظر حتى يذهب إليها بل أتت هي مهرولة لاستقباله،إحتضنته بحفاوة ليشتعل داخل إيثار من المنظر ومازاد من نار غيرتها تقبيل زوجها لتلك الشقراء من وجنتيها،كانت تنظر إليهما كالبلهاء حتى استفاقت على صوت تلك الدخيلة وهي تتأمل ملامحه بعيناي متشوقة لفتاةٍ عاشقة، نعم فهي أدرى الناس بحال العاشقين:
-وحشتني يا فؤاد، وحشتني قوي
ابتسم وهو يقول بنبرة رزينة:
-إزيك يا سميحة، جيتي إمتى من لندن؟!
تحولت نظراتها لحادة وهي تقول بتنبيه:
-إسمي سو يا فؤاد، مش سميحة
قهقه بصوتٍ مرتفع وطريقة جذابة لتختطفه تلك الغريبة وهي تتحرك به للأمام تاركين إيثار بالخلف تتطلع عليهما بذهولٍ وبلاهة،شعرت بالإحراج وفكرت بأن تنسحب للأعلى من جديد لكن صوت علام الذي هتف يستدعيها بإبوة كان رادعًا لتفكيرها:
-تعالي يا إيثار،واقفة عندك ليه يا بنتي
تحركت للأمام تحت نظرات فريال المتفحصة لملامحها وتأثير زيارة سميحة وتقبيلها بحفاوة لفؤاد، ابتسمت عصمت لتضع يدها على كتفها باحتواء وهي تقدمها إلى سميحة المندمجة بالحديث مع فؤاد ولم ترى بأعينها سواه من بين الجميع:
-تعالي لما أعرفك على سو بنت عم فؤاد وفريال، كانت مسافرة بريطانيا بتحضر ماجستير في الطب النفسي ولسة راجعة من يومين
اومأت إيثار برأسها وهي تقول بصوتٍ خفيض وملامح وجه ساكنة:
-أهلاً وسهلاً
أومأت لها الأخرى لتستدير عصمت وهي تنظر بفخرٍ إلى تلك التي دخلت إلى قلبها واتخذت مكانًا بجوار نجلها الغالي:
-ودي إيثار،مرات فؤاد
نزل الخبر على سميحة كصاعقة زلزلت كيانها،قصدت عصمت التنوية لكي لا تجعل تلك السميحة تتأمل ككل مرة ترى بها فؤاد،فهي تعشقه منذ صغرها وقبل أن يتزوج نجلا لكنه لم يراها سوى شقيقة له مثلها كفريال
ابتلعت لعابها لتنطق وهي تتفحص تلك الواقفة أمامها:
-مرات فؤاد!
حولت بصرها إليه لتسألهُ بعيني لائمة:
-إنتَ إتجوزت؟!
آه يا حبيبتي،عقبالك…قالها ببرود ليستدير لوالده يتابع معه تكملة عملية نضج اللحوم،جذبت عصمت إيثار وجلستا حول المائدة تنتظران تسوية الطعام،أما سميحة فسألت فريال بترقب ومازالت الصدمة ظاهرة فوق ملامحها:
-ليه ماقولتليش إن فؤاد إتجوز وإنتِ بتعزميني على الغدا؟!
رفعت كتفيها لتنطق بلامبالاة:
-لأنه متجوزش بالمعنى اللي فهمتيه
سألته باهتمام:
-يعني إيه كلامك ده؟
رفعت كأس المشروب البارد لترتشف بعضًا من قطراته ثم انزلته بهدوء لتقول وهي تتفحص إيثار الجالسة بارتياح بجوار والدتها:
-دي جوازة مؤقته وليها ظروف خاصة،فترة وكل واحد منهم هيروح لحاله
سألتها متلهفة:
-بتتكلمي جد يا فيري؟
طب إحكي لي التفاصيل
هزت رأسها بنفيٍ قبل أن تقول:
-التفاصيل متخصناش، المهم في الموضوع إن الطلاق هيتم قريب جدًا، لو لاحظتي هتلاقي فؤاد متجنبها خالص
تنهدت سميحة براحة وعاد لها الامل من جديد بفضل كلمات فريال المطمأنة،وبعد قليل كان الجميع يجتمع حول طاولة الطعام،تعمدت سميحة مجاورة فؤاد والحديث معه بصوتٍ خافت أثار حنق تلك المجاورة له بالمقعد الاخر، غرست الشوكة بقطعة من اللحم ومدتها باتجاة فم فؤاد لتقول بجرأة:
-دوق حتة اللحمة دي يا فؤاد وقول لي رأيك فيها،أنا اللي شوياها بنفسي
إقتضمها منها تحت غليان قلب إيثار حيث اشتعل جسدها بالكامل من تقرب تلك الحية من زوجها، نعم هو زوجها هي فكيف لها أن تكون بتلك البجاحة وتتقرب منه هكذا،ضحك علام وهو يداعب إبنة شقيقه الغالي:
-اللي يسمعك يقول إن إنتِ اللي متبلة اللحمة ومجهزاها
نطقت بدلال وهي تنظر إلى فؤاد:
-خلاص بقى يا عمو، مش لازم تكسفني قدام فؤاد وتعرفه إني مش بعرف أطبخ
ضيق فؤاد عينيه باستغراب لتضحك فريال وهي تقول بمشاكسة:
-فؤاد مش بيهتم بالحاجات دي يا سو، فمتقلقيش
-فريال…قالتها عصمت بحزم لتتابع بعدما وقفت:
-تعالي معايا نجيب باقي اللحمة من على الشواية
تعجبت من حدة والدتها ونظرت للطعام الذي يملؤ الطاولة إذاً فلا داعي لجلب المزيد وخصوصًا أن اللحوم بعيدة عن النار فلا خوفٍ عليها من الإحتراق، لكنها انصاعت لأمر والدتها وتحركت بجانبها وما أن ابتعدا حتي هتفت بصوتٍ خفيض كي لا يصل للأخرين:
-ممكن أعرف أخرة اللي بتعمليه ده إيه؟
مطت شفتيها لتسألها بدهاء:
-مش فاهمة يا ماما، تقصدي إيه؟
هتفت بنبرة صارمة:
-أقصد بنت عمك اللي فاجأتينا كلنا بعزومتك ليها على الغدا من غير ما حتى تبلغيني، وكلامكم ونظراتكم الغريبة لبعض، وكلامكم عن فؤاد
واسترسلت بنبرة تحذيرية:
-إسمعيني كويس يا فريال وإعتبري ده اخر إنذار ليكِ مني، إبعدي عن اخوكِ ومراته وسبيهم في حالهم، أخوكِ بيحبها فبلاش تعملي بينهم مشكلة بسبب بنت عمك
ابتسمت بسخرية قبل أن تقول متهكمة:
-مرات مين يا ماما، هو حضرتك مصدقة إنها مراته بجد
وأشارت بكف يدها نحو فؤاد المنسجم بالحديث والضحكات مع سميحة لتتابع ساخرة:
-هو فيه واحد بيحب واحدة يبقى قاعد يهزر ويضحك مع غيرها ولا عامل لوجودها حساب
تنهدت عصمت بأسى لتسترسل الاخرى بإيضاح:
-إيثار قربت تكمل شهر في بيتنا،تقدري تقولي لي ليه لحد الوقت كل واحد منهم في أوضة لو فعلاً بيحبها زي ما حضرتك بتقولي؟!
فوقي يا ماما وبلاش تعلقي نفسك بوهم مش هيتحقق
لتتركها فريال وتنسحب لتنضم إلى الطاولة من جديد وتابعتها عصمت،أشار علام إلى أحد الصحون ثم قال قاصدًا إبنة شقيقه:
-ممكن تناوليني طبق السلطة يا سميحة
-سو يا عمو، سو سو سو…نطقتها بطريقة اظهرت كم حنقها لتتابع وهي تغمض عينيها باستسلام:
-الله يسامحك يا بابي، من بين كل أسماء البنات مختارليش غير إسم تيتا
ضحك ليجيبها متهكمًا:
-إنتِ كنتي تطولي تتسمي على إسم سميحة هانم الحداد
قلبت عليها بسأمٍ وغيظ مفتعلان لتنطق بملاطفة:
-طبعاً، مين يشهد للعروسة
لتجاريها بالحديث فريال التي قالت وهي تنظر لوالدها بمداعبة:
-إبنها
أطلق الجميع ضحكاتهم،قرر ماجد المشاركة بالحديث الدائر برغم أنه لا يفضل كثرته:
-أكيد بباكِ بيحبك جدًا وليكِ مكانة مميزة في قلبه بدليل إنه إختار لك إسم أغلى حد في حياته
-أكيد، بس سميحة إسم قديم قوي…قالتها بعدم تقبل ليتابع الجميع الحديث عدا تلك الجالسة بصمتٍ تام رغم محاولات علام وعصمت بإشراكها معهم لكنها ظلت متحفظة
انتهى وقت الطعام وانتقلوا للجلوس حول حمام السباحة وظلوا يتبادلون الأحاديث فيما ببنهم حتى أتى المساء،أما فؤاد فقد استغل وجود سميحة أسوء إستغلال بعدما لاحظ غيرة واشتعال تلك الشرسة، فأراد أن يزيد من نارها حيث طلب من سميحة مجاورته ليريها الحديقة والزهور النادرة الموجودة بها،انسحبت إيثار معتذرة متعللة بإصابتها بصداعٍ نصفي لتصعد لغرفتها بعدما فقدت القدرة على السيطرة على حالها،خطت بساقيها للداخل لتفك حجاب رأسها لتلقي به بعنفٍ فوق التخت،باتت تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا بجسدٍ ملتهب من شدة اشتعاله، اقتربت من النافذة لتنظر للأسفل فوجدت ما جعل قلبها يتحول لفوهة بركانية على وشك الإنفجار حين رأت فؤاد يجلس أرضًا فوق النجيلة فاردًا ساقيه للأمام مستندًا بساعديه للخلف في مظهرٍ جذاب أثارها هي شخصيًا، تقابله تلك الحقيرة المتكأة بكوعها على الارض وتتمدد على جنبها بجسدها المفرود دون خجلٍ أو حياءًا يمنعها، كانت ساقيها العاريتان مقابلة بوجه فؤاد مما أشعل جسدها بالكامل وجعلها تهرول إلى داخل الحمام لتخلع عنها جميع ثيابها وتنزل تحت صنبور المياة وتفتحه على البارد علها تهدأ من اشتعال روحها ولو قليلاً
أما فريال فكانت تتمشى بجانب زوجها الذي تحدث بنصحٍ:
-على فكرة،كل تصرفاتك مع فؤاد غلط، صدقيني هتخسريه لو فضلتي مكملة بالطريقة دي
-حتى أنتَ كمان مش قادر تفهمني يا ماجد…قالتها بتأثر لتنطق بصدقٍ ظهر بعينيها:
-أنا خايفة على فؤاد وعاوزة أنهي المسرحية دي بسرعة قبل ما يتأذي من علاقة ملهاش ملامح
تخطت الساعة التاسعة ليلاً ومازالت تراقبه من نافذتها تحت نظراته الخبيثة التي تراقب خيالها الظاهر برغم حرصها على ألا تظهر،وقف منسحبًا للأعلى وترك سميحة التي انتوت المبيت بالمنزل اليوم تحت ترحيب الجميع عدا عصمت الغاضبة مما يحدث، وصل لغرفته وما أن شرع بتغيير ثيابه وبالكاد ارتدي بنطالاً مريحًا ليجد خبطات سريعة وقوية تقتحم بابه، ابتسم لمعرفته لشخص الطارق وتنفس بعمقٍ قبل أن يرسم الجدية على ملامحه وينطق قائلاً:
-إتفضل
فتحت الباب لتتحرك سريعًا وتقف بمقابلته متلاشية عدم ارتدائه لملابس بالجزء العلوي من جسده،هتفت بنبرة حادة وعيناي تطلق شزرًا توحي بمدى إحتراق روحها:
-ممكن تفسر لي اللي عملته تحت قدام أهلك ده؟!
قطب جبينه بعدم إستيعاب ليسألها بعدما قرر اللعب على أعصابها:
-مش فاهم؟
هتفت بحدة وجسدٍ متشنج:
-أقصد ضحكك وهزارك الغير مقبول مع بنت عمك وكأني مش موجودة
إرتسمت إبتسامة ساخرة فوق شفتيه قبل أن يضيق بين عينيه ويسألها متعجبًا:
-هو مش المفروض إن جوازنا صوري وهنتطلق بعد ما أضمن لك حضانة يوسف؟!
هز رأسه ليتابع مستفسرًا بتهكم:
– يبقى إيه اللي يزعلك في إني أهزر مع بنت عمي أو حتى أصاحبها
اشتعلت روحها من ردوده الباردة لتصيح بلهجة غاضبة:
-اللي يزعلني شكلي اللي خليته زي الزفت قدام أهلك وقدام اللي معرفش إسمها إيه دي كمان
-سميحة…نطقها ببرود ليتابع بنظرات جادة:
-إسمها سميحة
رفعت سبابتها أمام عينيه لتصرخ بعيني ملتهبة من شدة غضبها:
-ميهمنيش إسمها ولا هي مين أصلاً، كل اللي يهمني إنك تحترم وجودي وهي كمان تحترم نفسها ومتقربش منك
بمنتهى الهدوء أمسك صباعها وأنزلهُ للأسفل ثم تنهد ليقول بصوت خال من المشاعر:
-لو خلصتي كلامك ممكن تتفضلي على أوضتك علشان نعسان وعاوز أنام
صاحت لتنطق بقوة متغاضية عن كلماته المهينة:
-مش همشي غير لما تجاوبني على سؤالي
-اللي هو إيه سؤالك؟! قالها مستفسرًا لتتابع هي بنبرة متألمة:
-إنتَ حكيت لأهلك عن مشاكلي مع إخواتي وقولت لهم إنك إتجوزتني شهامة وإن جوازنا مؤقت لحد ما أحل مشكلة الحضانة؟!
بملامح وجه قاسية أجابها باقتضاب:
-مقولتش أي تفاصيل غير لأبويا وده لأماني أنا وإنتِ، وعمري ما جبت سيرة إن جوازنا مؤقت ليه ولا لأي مخلوق،إنتِ اللي طول الوقت بتقوليها
ابتلعت لعابها ليسألها بجبينٍ مقطب بعدما بدأ بربط الخيوط:
-الكلام ده وصلك منين؟!
تنهدت وفكرت بالبوح له عما أخبرتها به فريال لكنها تراجعت لعدم إرادتها بافتعال المشاكل وزرع الفتنة بينه وبين شقيقته،هزت رأسها لتجيبه بصوتٍ خرج هادئًا:
-محدش قالي حاجة، أنا اللي حبيت استفسر إذا كنت اتجوزتني شهامة منك وحاطط في دماغك إنها فترة وهتطلقني ولا لا
-خلصتي كلامك واستفساراتك؟!…قالها ببرود ليشير لها من جديد صوب الباب
شعرت بكلماته القاسية تلك وكأنها نصل سکينٍ حاد غرز في وسط قلبها لينهي عليه،ابتسمت ساخرة من حالها لتنطق بضعفٍ وقد لمعت عينيها من إثر الدموع:
-أنا اسفة يا سيادة المستشار، يظهر إني نسيت نفسي وتخطيت حدودي في البيت من جديد
نطقت كلماتها وانطلقت مهرولة للخارج لتصل إلى غرفتها لترتمي بجسدها فوق التخت وتطلق العنان لدموعها الحبيسة
****
ظل يتحرك داخل غرفته يجوبها بغضبٍ عارم وهو يشدد على خصلات شعره الغزير يسحبهُ للخلف بحدة يكاد أن يقتلعه من جذوره،توقف فجأةً لينظر باتجاه الباب ومن دون تفكير هرول للخارج ليقتحم باب غرفتها دون استئذان مما أفزع تلك الحزينة حيث تطلعت عليه بنظراتٍ هلعة تتمعن بهيأته الجنونية،أما هو فزاد جنونهُ حين رأى دموعها المنهمرة ليسألها بغضبٍ عارم:
-إنتِ عاوزة إيه بالظبط، ها؟
جيتي لي الأوضة ليه برغم إني مش فارق معاكِ!غيرانة عليا من بنت عمي ومرعوبة ليكون فيه بينا حاجة وقاعدة بتعيطي ليه؟!
ليصيح وهو يشيح بذراعية بطريقة مسرحية:
– مش جوازنا صوري والهانم وخداني كوبري يعديها لبر الأمان هي وابنها؟!
ليستطرد بما زلزل كيانها رُعبًا:
-أحب ولا أصاحب ولا أتجوز ملكيش فيه بقى،أنا حر زي ما أنتِ حرة في قرارك اللي أخدتيه
زادت شهقاتها وانهمرت دموعها أكثر وأكثر وهي تتطلع لحالته التي تراه عليها ليصرخ قائلاً بجنون:
-بطلي عياط وكلميني زي ما بكلمك
تابعت شهقاتها وبصمتٍ وضعف هزت رأسها مما زاد من اشتعال جسده، لم يدري بحاله إلا وهو يهجم عليها كثور هائج فلت لجامه ليمسك بمعصمها بقسوة كادت أن تكسره ويجذبها بعنفٍ لتقف أرضًا أمامه تترنح بجسدٍ غير متزن ليهتف متجاهلاً حالتها بلهجة أشد:
-إنطقي،أنا مش هسيبك النهاردة غير لما ننهي المسرحية السخيفة دي
نطقت بحروفٍ متألمة:
-فؤاد أنا بحبك، بس خايفة
هتف يسألها بصرامة وعيناي حادة:
-من إيه؟ خايفة من إيه وأنا معاكِ
واسترسل بلهجة أقرب للجنون:
-جاية تسأليني إذا كنت اتجوزتك شهامة وحاطط في دماغي إنها مرحلة مؤقتة وتنتهي ولا لاء؟!
نطق مبررًا ليثبت لها أنها حبيبته بالفعل لا بالكلام:
-ده أنا روحت كفر الشيخ علشان أجيبك إنتِ ويوسف وأنا مش عارف إذا كنت هطلع من هناك حي ولا جثة،ده ما يشفعليش عندك ويغفر لي غلطتي الأولى اللي مش قادرة تنسيها لي؟!
-أنا محتاجة أطمن يا فؤاد…نطقتها بضعفٍ ودموعٍ مزقت بها قلبه ليهتف بجنون فقد أثارت غضبه وأوصلته تصرفاتها للهياج وانتهى الأمر:
-أطمنك إيه أكتر من إني إتجوزتك رسمي وجبتك على بيتي ووقفت بيكِ قدام أهلي وبكل فخر واعتزاز قولت لهم دي مراتي؟!
واسترسل وهو يهز رأسه باستسلام وحيرة:
-إيه المطلوب مني تاني علشان أثبت لك إني بحبك وبحترمك وعاوزك زوجة في النور، زوجة أكمل معاها باقي حياتي في استقرار وحياة طبيعية،قولي لي أعمل لك إيه تاني؟
صرخ بجملته الاخيرة لتنطق بضعف بعدما مالت برأسها تترجاه عينيها:
-أنا آسفة
سألها بحدة مستفسرًا:
-يعني إيه آسفة؟
-آسفة…كررتها هامسة بعيني متوسلة ليصرخ بجنون وهو يشدد من قبضته على رسغها:
-على إيه، آسفة على إيه بالظبط؟!
نطقت بكلماتٍ متقطعة بفضل بكائها الحاد:
-آسفة إني تعبتك معايا ووصلتك للحالة دي،فؤاد أنا بحبك زي ما أنتَ بتحبني ويمكن أكتر
انتفض قلبه وهو يستمع لكلمة”أحُبك”للمرة الأولى من بين شفتاها لتتابع هي بدموعها الكثيفة:
-بس أنا خايفة ومحتجاك تطمن خوفي وتحتويني
رفع كتفيه للأعلى وأنزلهما ليسألها باستسلام:
-طب قولي لي إزاي،وأنا هعمل اللي يريحك ويطمنك
أجابتهُ هامسة:
-خليك معايا ومتسبنيش
-ما أنا معاكِ،أنا أمتى سيبتك ولا بعدت؟!…قالها بعيناي حائرة لم تجد برًا ترسو عليه مع تلك المشتتة التي أرقت مشاعره وساقتهُ لدرب الجنون،تنهدت بعمقٍ قبل أن تتخذ قرارها وتباغتهُ بإلقاء حالها داخل أحضانهُ لتتجرأ أكثر وهي تلف ذراعيها حول عنقة لتتعلق به كتعبيرًا منها عما لا تستطع الكلمات شرحه ولا يساعدها لسانها بقوله،زادت من جنونه حين اقتربت بشفتيها من عنقه لتطبع به قُبلة متعمقة جعلت من كل ذرة بجسده تنتفض،همس بجانب أذنها يسألها للتأكيد،هو يريدها بجنون ولكن،سيتحمل لأجل أن يحسم الأمر كي يغلق عليها كل أبواب العودة:
-معناه إيه اللي عملتيه ده
-بحبك…كلمة نطقت بها للمرة الأولى وهي تلامس جلد عنقه بحالمية زلزلت بها كيانه وكانت كفيلة للرد عليه لكنه لم يكتفي ليسألها كي يضع الإمور في نصابها الصحيح:
-يعني إيه بتحبيني،إيه اللي لازم أفهمه من الكلمة دي؟
ابعدها عن أحضانه مجبرًا ليتعمق بمقلتيها،أخفضت عينيها للأسفل بخجلٍ لتواريهما عنه مع اشتعال وجنتيها بحمرة الخجل مما جعله يمد أنامله أسفل ذقنها رافعًا وجهها إليه ليهمس متابعًا برقة وحنان:
-عاوز رد واضح؟
ابتلعت ريقها وهي تقول على استحياء وعيناها تنطقان بالولهِ والإحتياج يصرخ بهما:
-يعني عوزاك معايا يا حبيبي
لمسات أناملها التي تتحرك فوق عنقه الخلفي لتصعد لخصلات شعره تداعبه برقة مع صرخات عينيها المتوسلة زلزلت كيانه ليشعر باهتزاز جسده وتصلب جميع شرايينه ليقول مستفسرًا بشفتاه الغليظة:
-إنتِ قولتي إيه؟
حركت اهدابها عدة مرات لتضغط على شفتها السُفلى مما جعل دقات قلبهُ تُسرع،كاد أن يقترب عليها ليدخلها بين ضلوعه ويشدد من احتضانها علهُ يطفيء نيران قلبهِ الشاعلة بعشق تلك الحورية لكنه صمد ليرى رد فعلها لتنطق هي بخجلٍ ظهر جليًا بصوتها:
-عوزاك معايا
-يا إيه؟… نطقها متلهفًا منتظرًا إجابتها بشفاة مرتعشة لتجيبهُ بصوتٍ انثويًا ناعم وابتسامة سلبته لبه:
-يا حبيبي.
إنتِ عارفة إنتِ عملتي فيا إيه بكلمتك دي؟… نطقها بصوتٍ هامس ليكمل مسترسلاً بعينين هائمتين:
-طلعتيني لسابع سما،لدرجة إني حاسس إني طاير وعاوز أغرق في بحر هواكِ
-وإيه اللي مانعك؟…نطقتها بدلال افقدهُ عقله ليجيبها متوجسًا:
-خايف
-من إيه؟
ليجيبها بصوتٍ يشوبهُ الخوف من خيبة الامل:
-لتوقعيني على جدور رقبتي زي ما عملتي المرة اللي فاتت
ابتسمت لتنزل بصرها خجلاً وهي تدعوه صراحتًا:
-طب ماتجرب، هتخسر إيه؟
تنهد لينطق بلهجة تحذيرية:
-المرة دي مفيهاش رجوع يا إيثار، لو دخلت جنتك مفيش قوة هتجبرني على إني أخرج تاني،هحبسك جوايا حتى لو كان ده ضد رغبتك
همست وهي تعبث بزرائر قميص بيچامته بجرأة جديدة عليها لتقول وهي تميل برأسها بدلال اجهز على ما تبقى لهُ من صبرٍ لديه:
-ومين قالك إنه هيكون ضد رغبتي… قالتها وهي تقترب منه ليسألها بمشاكسة:
-قد كلامك؟
ابتسمت لتهز رأسها بإيجاب بنظراتٍ خجلة أثارت جنونه،مال يطبع بشفته قبلة رقيقة بجانب شفتها السفلى حاسما امره بعد كلماتها الرقيقة تلك لينحنى عليها رافعًا إياها بين ساعديه القويين وصار متوجهًا بها ناحية الفراش ليضعها برفقٍ فوقه ثم اتجه لباب الغرفة يوصدهُ للأمان وشرع بخلع ثيابه وانضم اليها لينتهى إلى هنا حديث الكلمات ويبدءا معًا حديثًا من نوع أخر لا مكان فيه للكلمات،ليطلقا العنان لمشاعرهما المكبوتة لتعبر عن مكنون العشق الجارف الذي يحملهُ كلاهما للأخر
باتا يتذوقان شهد الغرام لوقتٍ غير معلوم لكليهما، فقد توقف الزمان عند هذه اللحظات ليتناسا نفسيهما وفقط كل ما يتذكراه الأن هو الشعور الهائل بالسعادة التي ولأول مرة يصلا له،فحقًا كل شيءٍ من الحبيب مختلف وله نعيمهُ الخاص، العناق،القبلات الهمسات وحتى النظرات لها رونقًا خاصًا ولغة لا يعلمها سوىَ العاشقين.
بعد مدة كان يستند بظهره على خلفية تختهما يشدد بذراعيه على تلك الجالسة فوق ساقيه وهو يسكنها بأحضانه ويشدد عليها كمن يخشى هروبها،عيناهُ مغمضتان والإبتسامة العريضة تملؤ ملامح وجههِ المنتعشة،”ما أشبه الليلة بالبارحة”،فقد كان أشبه بأرضٍ يبست وتشققت من شدة جفافها والأن بعد ان ارتوت ترعرعت أوراقها الخضراءُ لتتراقص مع نسمات الفجر الباردة،أما هي فلم يختلف حالها بالكثير عن حبيبها، فقد ذابت وانصهرت روحها لتتوحد بخاصته،ظلا يتطلعان بأعين بعضهما بصمتٍ كان أبلغ من الكلام،استمعا لطرقاتٍ فوق الباب لتنتفض تختبئ بأحضانه ليضحك مقهقهًا على هيأتها المثيرة للضحك،لامتهُ عينيها ليطمأنها وهو يهمس بكلماته بجوار أذنها:
-إهدي يا حبيبي، إنتِ في حضن جوزك وحمايته
ابتسمت بسعادة لتحاوط وجنتيه بأناملها الرقيقة واقتربت تطبع قبلة تثبت لنفسها قبله أحقيتها بملكيته:
-أيوه يا فؤاد، إنتَ جوزي حبيبي، ملكي أنا وبس
كان يستمع لها بعيناي مغمضة وجسدٍ متخدر من إثر كلماتها الأشبه بالسحر،مال على شفتيها ليقول بسحرٍ:
-أيوة يا قلب فؤاد من جوة،أنا ملكك وإنتِ ملكي
انتفض جسديهما ليبتعدا حين تعالت الطرقات من جديد، تحمحم وهو يقول:
-هشوف مين السخيف ده وأرجع لك على طول
ترجل من فوق التخت وأمسك بثيابه ليرتديها على وجه السرعة ثم توجه للباب وفتحه بحذرٍ ليتفاجأ بعزة تحمل الصغير فوق كتفها غارقًا بغفوته بعدما قضي يومه باللعب مع الصغيرة وعلام، جحظت عينيها لتسأله ببلاهة:
-فؤاد باشا، إنتَ بتعمل إيه هنا؟
مستني المترو…قالها باستخفاف لتنطق ببلاهة:
-ها
تحمحمت بعدما فهمت ما يحدث من مسكة يده المتشبثة بالباب لينطق هو بهدوء:
-خدي يوسف يبات معاكِ النهاردة ومن بكرة الأوضة دي هتبقى بتاعتك إنتِ وهو
واستطرد بجدية:
-عاوزك بكرة تقفي مع وداد وتنقلي كل حاجة إيثار لجناحي
آه…قالها بتذكر تحت ذهول تلك الواقفة ليتابع:
-نبهي عليهم تحت محدش يصحينا بكرة، إحنا هنصحى براحتنا
-ألاَ، هو أنتَ هتبات هنا يا باشا؟!…سؤالاً نطقته عزة ليضيق عينيه ثم بملاطفة رد عليها مقتبسًا كلمتها:
-ألاَ، ليكون عندك مانع يا عزة هانم
اتسعت عينيها وامتلئ وجهها بالسعادة لتنطق بلهجة شديدة الحبور:
-مانع إيه بس يا باشا، ده أنا هاين عليا أملى القصر كله زغاريد من كتر فرحتي
وضع كفه يتلمس وجنة الصغير لينطق بنبرة حنون:
-طب يلا إنزلي علشان الولد ما ياخدش برد منك
سألته من جديد:
-هو أنتَ مش هتروح الشغل بكرة يا باشا؟
رفع حاجبه الايسر ليقول من جديد باستسلام:
-هو أنا يا عزة مش لسة قايل لك محدش يصحينا بكرة
-تمام يا باشا، تصبح على خير…قالتها وتحركت للأسفل ليوصد الباب جيدًا ثم استدار لتلك المتشبثة بالغطاء خشيةً من أن تراها عزة بذاك الوضع، قهقه عليها وانضم لجوارها ليسحبها داخل أحضانه ليهمس أمام شفتاها:
-هو حبيبي مكسوف لحد يعرف اللي حصل ببنا ولا إيه؟
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تضع كفاها تحيط بهما وجنتيه واقتربت تستندُ بجبهتها على خاصته وهو تهمس بولهٍ ظهر بعينيها المغرمتين:
-من النهاردة مش هتكسف وهدافع عن حقي فيك بكل قوتي يا حبيبي،إنتِ نصيبي الحلو اللي ربنا كان شايلهولي
وتابعت بقوة وإصرار:
-ومن النهاردة مش هسمح لمخلوق يبعدنا عن بعض تاني
قطب جبينه ليسألها مستفسرًا:
-وهو مين كان بعدنا أولاني يا قلب حبيبك؟!
ابتسمت واقتربت تطبع قُبلة فوق شفته لتهمس بنبرة نادمة:
-غبائي وضعفي هما السبب
دفعها بقوة لتنبطح فوق الفراش ليميل عليها قائلاً:
-همحيهم لك،ومن النهاردة مش هسمح لك تخرجي من حضني تاني
قالها وسحبها معه بعنفٍ لعالمٍ من الخيال لا يوجد به سواهما وفقط.
إنتهى الفصل
أنا لها شمس
بقلمي «روز أمين»