روايات روز أمين

رواية انا لها شمس لروز أمين الجزء الثالث

رواية انا لها شمس الفصل السابع والعشرون لروز أمين

وما لِي لا أرَى من حَسْنَاوَاتِ الدُّنيا سواكِ حبيبتي، نعم حبيبتي الأولى بل والأخيرة وآسرةُ لُبِّي،فأنتِ الوحيدة من بين نساءِ الكون بأكمله التي وجدْتُ حالِي الضائعةَ بأعماقِ عينيها وبين ثنايا قلبِها  الراقي،بعناقِكِ أشعرُ وكأنًِي مَلكاّ متوَّجًا وأمتلكُ الكونَ بما عليه،يا لكِ من ساحرةٍ ماكرةٍ،كيف استطَعتِي أن تسرقيني من نفسي بتلك الطريقةِ السلسة حتى أنني لم أشعر ؟!
متى وكيف ؟
فقد قضيتُ أعوامًا أبحثُ فيها عن ذاتِي التائهةَ فلم أجدُها إلا بين ثنايا روحك الطاهرة،فيا مستبَّدةً كفى عنادًا، فالقلبُ فاض ولم يعد فيهِ تحمل الإبتعادَ،
أتبعِيني وتعالي لتسكُني أحضاني وأقسمُ سأُذيقُكِ بداخلِها شرابَ العسلِ المُصفىَ وستنعمين بقربي،سترين معي ما لم يخطرُ لك يومًا حتى بأحلامِكِ، فقط سلِّمي لي قلبك وامهليني الفرصةَ كي أسلبُكِ لُبَّك مثلما فعلتي،
ووعدًا ستعضِّين على قَلبُكِ ندمًا، فلن تكفيكِ حينها العشرةِ أصابعَ على كلِّ ما أهدرتِه من وقتٍ في ابتعادنا !

#أنا_لها_شمس
#فؤاد _علام_زين_الدين
#بقلمي_روز_أمين

انتفضت بارتياب حين وعت على حالها ورأتهُ يقف بجوار فراشها فجرًا لتهتف بسؤالٍ خرج تلقائيًا بنبرة حادة:
-خير يا سيادةالمستشار،إيه اللي جايبك في الوقت المتأخر ده؟!
إعتدل يتطلع عليها ثم نطق بصوتٍ رزين جاد:
-سعاد إتصلت عليا وبلغتني إن عزة تعبانة قوي
شهقت بخضة وارتعبت أوصالها لتقفز بجلبة واحدة وبلمح البصر كانت تقف أمامه تسألهُ بلهفة وارتياب:
-تعبانة إزاي؟
أجابها بإيضاح:
-أنا نزلت شوفتها وتقريبًا عندها مغص كلوي،لازم تتنقل للمستشفى حالاً لأنها بترجع
هتفت وهي تتوجه نحو الباب بهلعٍ ظهر فوق ملامحها:
-ياريت تتصل لنا بعربية إسعاف وأنا هاخدها وأروح لأقرب مستشفى

باغتها بجذب ساعدها بقوة ألمتها ليهمس غاضبًا وهو يرمقها بنظراتٍ نارية:
-إنتِ رايحة فين بهدومك وشعرك ده؟!
تطلعت لنظراته المستعيرة لتستشعر جرمها وهي تنظر لذاك الروب الحريري المجسم عليها ناهيك عن شعرها المفرود فوق كتفيها وظهرها لتبتلع لعابها حرجًا فيتابع هو بنبرة حازمة:
-بطلي بقى تتصرفي كأني مش موجود في حياتك،سيادتك بقيتي مراتي ومسؤلة مني وكل حاجة تخصك بقت تخصني
ليستطرد بتذكير لحديثها المميت له:
-حتى لو جوازنا صوري ولوقت محدد زي ما جنابك مقررة فأنتِ مجبرة إنك تحترمي وجودي في حياتك وتتصرفي بشكل يليق بيا وبمكانتي طول ما أنتِ على ذمتي

ابتلعت لعابها رعبًا من هيأته وعينيه الغاضبة وصرامته التي كان يتحدث بها،مالت برأسها للأسفل بعدما اعتراها الخجل ليزفر هو بقوة فقد سأم تجاهلها له ولعبها لدور القائد بحياتها طيلة الوقت وهذا ما يحرق فؤاده ولم يتقبله منها،فهي حبيبته بل إبنته الضائعة من حالها،يريد أن يضمها لصدره ويخبأها ليحميها من جميع الأخطار والذئاب الشرسة التي تلاحقها طيلة الوقت،يريدها أنثاه الطائعة،تسلمه زمام أمرها ليقودها معه ويبحرا حتى يرسا لبر الأمان،لكن تلك العنيدة لا تعطيه الفرصة،دائمًا ما تشعره بأن لا حاجة لها به،تتصرفُ كما كانت قبل أن تصبح زوجته أمام الجميع وهذا ما يثير جنونه،فقط حالتها النفسية وتشتتها الذي إجتاح كيانها بفضل وفاة والدها وما تلاه من أحداث هو من يجعله صبورًا مراعيًا،لكنها وبمواقفها المستفزة معه تثير حفيظته وتجبره أحيانًا لإنفجار ثورته العارمة بوجهها،أغمض عينيه وأخذ نفسًا عميقًا ليهدئ به روعه ليسترسل ناطقًا بنبرة هادئة كي يسحبها من دوامة حزنها قبل أن تبتلعها بعمقها:
-غيري هدومك والبسي حجابك وألحقيني على تحت علشان ناخدها للمستشفى في عربيتي

هزت رأسها لعدة مرات للتأكيد لكنها توقفت وهي تنظر لصغيرها الغافي بتشتُت وارتياب:
-طب يوسف هعمل فيه إيه؟ لو صحي ولقى نفسه لوحده من غيري أنا وعزة هيترعب

هز رأسها يحدثها بجدية كي يطمأن قلبها:
-متقلقيش،هخلي سعاد تطلع له حد من البنات تقعد جنبه لحد ما نرجع

أومأت بإيجاب لتسرع إلى خزانة الملابس وتنتقي بنطالاً وكنزة باللون الأسود، بعد قليل كانت تستقل الكنبة الخلفية بجانب عزة التي تتألم بشدة ليتحدث فؤاد إلى رئيسة العاملات من نافذة السيارة:
-خلي بالك من يوسف كويس يا سعاد،الولد أمانة عندك وإنتِ المسؤلة عن أمانه قدامي،ولو الباشا والدكتورة صحيوا قبل ما نرجع بلغيهم باللي حصل وطمنيهم

أجابته برتابة وجدية:
-إطمن يا سيادة المستشار،يوسف في عنيا
انطلق بسيارته سريعًا لتصرخ عزة وهي تشدد بقبضتها على كف إيثار ويبدوا على ملامحها شدة الألم:
-هموت يا إيثار، جنبي هيتفرتك
بملامح وجه متألمة لألمها نطقت بارتعاب ظهر بعينيها لطمأنتها:
-سلامتك يا عزة،أول ما نوصل على المستشفى هيدوكي أدوية هتريحك على طول إن شاءالله
كان يقود بسرعة متابعًا الطريق ويتابعهما أيضًا بإنعكاس مرآة السيارة فتحدث كي يبث داخل عزة الطمأنينة:
-إتحملي شوية يا عزة، المستشفى قريبة من هنا وأنا بلغتهم إننا في الطريق،إن شاء الله هنلاقيهم في انتظارنا على البوابة

بالفعل ما هي إلا دقائق وكان يصف سيارته ليسرع إليه طاقم من التمريض والعمال ليصطحبوا عزة ويحملوها فوق التخت المتحرك وبسرعة البرق كانت داخل حجرة الكشف الأولي،كانت تقف بالخارج تستند برأسها على الحائط ويبدوا عليها الهلع،إقترب عليها وتحدث قائلاً ليهدأها:
-متقلقيش،أكيد شوية مغص والدكتور هيديها أدوية تريحها
أومأت له والتزمت الصمت،بعد قليل خرج الطبيب ليتحدث إلى فؤاد:
-المريضة عندها إلتهاب شديد بالزايدة الدودية ولازم إستأصالها فورًا
وضعت كف يدها على فمها واغرورقت عينيها بدموع الالم أما فؤاد فتحدث بنبرة جادة:
-اتفضل شوف شغلك يا دكتور
اومأ له وتحرك الطبيب فاقترب هو عليها ليقول:
-عملية الزايدة سهلة جداً،هتعملها وهتقوم بالسلامة إن شاء الله
-يارب يا فؤاد، يارب…قالتها بضعف ألم قلبه لأجلها فاقتربت إحدى الموظفات لتبلغهُ:
-ياريت حضرتك تتفضل معايا للحسابات علشان تدفع تأمين العملية

أوك…نطقها لينظر لتلك الواقفة وهو يبلغها بنظراتٍ حنون وكأنه يحدث ابنته:
-خليكِ هنا علشان عزة لما تطلع من الكشف تلاقيكِ، وأنا مش هتأخر،شوية وهرجع لك على طول
أمسكت كفه قبل أن يتحرك لتبلغهُ بما أشعل روحه:
-خليك إنتَ جنب عزة وأنا هروح معاها، أنا معايا الفيزا وفيها فلوس كفاية الحمدلله
تحول بلحظة وأصبحت ملامحه الحنون إلى شرسة وهو يرمقها بعينين تطلق شزرًا قبل أن يقول من بين أسنانه بلهجة حادة غير قابلة للنقاش:
-إقعدي مكانك وأستني عزة زي ما قولت لك

ارتبكت من نظراته الغاضبة لتهز رأسها سريعًا عدة مرات دلالة التأكيد مما جعله يكظم ضحكاته من هيأتها التي تشبه الفأر داخل المصيدة ليتحرك ويتركها تتنفس براحة فور ابتعاده،بعد مدة عاد لينضم إليها، بعد قليل كانا يتحركا بجوار عزة وهي محمولة على الشزلونج المتحرك باتجاه غرفة العمليات،امسكت كفها لتنطق بأعين تفيضُ حنانًا:
-متخافيش يا حبيبتي،العملية سهلة وهتقومي منها بالسلامة

شددت على كف يدها لتوصيها بنبرة صوت مرتعبة ونظراتٍ شقت بها صدر الأخرى:
-متسبنيش لوحدي في المستشفى وتمشي يا إيثار،ولو موت في العملية إتصلي باختي علشان تاخدني وتدفني جنب أمي

نزلت دموعها وقبل أن تجيبها قاطعها فؤاد بما فصل وصلتهما وهو يتطلع على كلاهما باستغرابٍ وتعجب مشمئز:
-إيه الأوڤر اللي إنتَ فيه ده يا عزة، هو أنتِ داخله تعملي قلب مفتوح يا ماما؟!
واستطرد بتهاون أراد من خلاله تهوين الامر عليها:
-دي عملية زايدة،حاجة كده شبه لما تدخلي المطبخ تعملي كباية شاي
وتابع قاصدًا كليهما:
-فبلاش تعيشوا الدور إنتِ وهي وتقلبوها لنا دراما كوين

ابتسمت لترد بمداعبة بعدما رأت دموع إيثار المنهمرة فوق خديها:
-يا ساتر عليك يا سيادة المستشار، لازم تفصلني يعني
ابتسم الجميع لتتابع هي بمشاكسة:
-إتصلي بقى بالست دولة في القصر خليها تعملي فرخة بلدي وشوربة لسان العصفور علشان أعوض لما أخرج من العملية
لتسترسل بتنبيه:
-بس نبه عليها تعملها بالسمنة البلدي،حاكم أنا مبحبش السمن الصناعي
ضحك ليجيبها بموافقة:
-بس كده، إنتِ تؤمري يا عزة هانم

وصلت إلى الباب لتختفي خلفه لتنساب دموع إيثار مع خروج شهقاتٍ متتالية،هرول عليها ليسحبها داخل أحضانه وبات يمسح فوق ظهرها ويهدهدها قائلاً بنبرة تقطر حنانًا واهتمام:
-إهدي يا بابا،عزة هتبقى كويسة
اومأت وهي تقول بدموعها:
-يارب يارب
تحرك بها ليجلسها على إحدى مقاعد الأستراحة وجاورها الجلوس ليضع ساعديه فوق ركبتاه شابكًا كفيه ببعضيهما وهو ينظر أسفل قدماه منتظرًا،مرت أكثر من نصف ساعة وفجأة وجدها تميل برأسها على كتفه ليتطلع عليها رأها غارقة بنومها،ابتسم واعتدل ليستند بظهره خلف المقعد ثم مد يده يعدل بها وضعية رأسها لترتاح فوق كتفه، قرب أنفه من حجابها الموضوع فوق شعرها وبات يستنشق رائحته باستمتاع،يالها من رائحة تشبه رائحة تفتح زهور البرتقال،بالتأكيد توجد روائح أفضل بكثير من رائحتها لكنها الأفضل على الإطلاق بالنسبة له،مال بجانب عينيه يتطلع على ملامحها الهادئة وبدون إدراكٍ وضع كفه يتلمس وجنتها الناعمة،أصبح مهووسًا بغرامها فقد فتنته بعنفوانها واختلافها عن الاخريات فوقع صريعًا لغرامها المتيمُ وانتهى الأمر

تنهد بأسى لأجلها فقد بدا على ملامحها الإرهاق أما جسدها فكان مستسلمًا للنوم مما يدل على حاجتها الملحة للراحة ترجع لعدم اخذها القسط الكافي من النوم والراحة هذة الأيام،أسند رأسها بكفاه على خلفية المقعد قبل أن يعتدل ويهب واقفًا ليحملها بين ذراعيه القويتين مما أفزعها وجعلها تفتح عينيها سريعًا لتتفقد ما حدث لها بعد أن شعرت بحالها ترتفع في الهواء،طمأنها سريعًا وهو ينطق بصوتٍ حنون:
-إهدي،هاخدك ترتاحي في الأوضة اللي حجزناها لعزة
شعرت بالإستكانة بين يداه لتباغتهُ بلف ساعديها حول عنقه تتشبث به بعدما شعرت بأمانها داخل أحضانه،ابتسم وهو ينظر لملامحها الجذابة وتحرك بها بقلبٍ منتفض بقوة لشدة قُربها منه بتلك الطريقة المُهلكة له،تحرك بها حتى وصلا للغرفة وقام بفتحها ليلجا ثم قام بغلق الباب بمقدمة قدمه وسار إلى الأريكة الجانبية ليميل ويضعها بحرصٍ كمن يتعامل مع بلورٍ شفاف ويخشى من كسره،تجمد جسده حين شعر بتشبثها به بقوة وكأنها تخشى ابتعاده ليهمس لها وهو يفك كفيها من حول عنقه:
-نامي لك شوية علشان رقبتك ترتاح
حركت أهدابها لتسأله بصوتٍ متحشرج:
-هي عزة خرجت؟

-لسة قدامها نص ساعة كمان في اوضة العمليات وساعة على الأقل في غرفة الإفاقة،نامي وأول ما تخرج هصحيكِ…نطقها بهدوء لتومي له برأسها وأغمضت عينيها على الفور،كاد أن يتحرك نحو النافذة ليتطلع منها على الخارج لكنه تصنم حين أمسكت كفه بقوة لتمنعه من الرحيل حيث همست بنعاسٍ وعيناي مازالتا مغمضتان:
-خليك جنبي يا فؤاد، ماتسبنيش

لا يدري ما أصابهُ جراء تلك الحركة ،انتفض جسده وسارت دقات قلبه تقرع مثل طبول الحرب،مال مقتربًا على وجهها وبدون إدراكٍ منه وكأنهُ مغيب أجابها بهمسٍ ناعم تسلل لداخلها ليشعرها بالأمان الفوري:
-عمري ما أقدر أسيبك
تزحزحت بجسدها للخلف تفسح له المجال ليجلس بجانبها،اقتحمت سعادة الدنيا روحه لتنتعش وكأنه عاد مراهقًا، فتلك المشاعر التي تجتاحه بحضرتها لم يسبق ومرت عليه،نعم فكل شيئٍ معها مختلف وله مذاقٌ من نوعٍ خاص،جاورها الجلوس ومازال كفها متشبث بخاصته وكأنه أصبح ملاذها لتدخل بنومٍ عميق،نظر لملامحها المطمأنة وعلى الفور ارتسمت ابتسامة سعيدة فوق ثغره
تنهد بقلبٍ أرقته كثرة الإشتياق، همس من بين شفتيه الغليظة وهو يتعمق بها:
-لحد إمتى هفضل أكابر وأتحمل،ربنا يصبرني على هرمونات الجنان اللي بتهب عليكِ فجأة
ليتنهد بقلبٍ يتحرق شوقًا متابعًا بلهيبٍ:
-والله حرام عليكِ اللي عملاه فينا ده
مر الوقت سريعًا وهو جالسًا بجوارها يتأمل وجهها بجسدٍ متيبس جراء إقترابه بهذا الحد المهلك،وأثناء اندماجه استمع لخبطاتٍ فوق الباب،سحب كفه سريعًا لتنتفض تلك النائمة وتجلس تتلفت حولها بفزعٍ قبل أن يطمأنها بهدوء:
-إهدي يا بابا وعدلي حجابك كويس
تحرك سريعًا وقبل أن يصل للباب وجده قد فُتح ودلف من خلاله العمال وهم يحركون الشزلونج حيث تتمدد عليه عزة،قفزت لتهرول ناحيتها ليوقفها بيده وهو يقول بهدوء:
-أصبري لما ينقلوها على سريرها

بعد قليل اطمئنوا على عزة حيث فاقت واستعادت وعيها بالكامل، إتصل فؤاد بأحد حراس القصر وطلب منه أن يأتي بالعاملة “وداد”كي تجالس عزة وبالفعل أتى كلاهما وانتظرا خارج الغرفة،بعد مرور بعض الوقت تحدث فؤاد بنبرة هادئة وهو يطالع تلك الممسكة بكف عزة بتشبث:
-يلا بينا يا إيثار
تطلعت إليه باستغراب ليتابع بعدما قرأ ما بعينيها من رفض:
– إحنا لازم نروح لاني عندي شغل وإنتِ كمان محتاجة تاخدي شاور وتنامي، كمان علشان يوسف لما يصحى،
واستطرد لإقناعها:
-الولد لسة مش متعود على حد من أهل البيت، ولو صحي وملاقكيش جنبه إنتِ أو عزة هيتخض

كانت تستمع له بتمعن شديد لتنطق مقترحة:
-إنتَ ممكن تبعتهولي مع حد من الـ Body Guard
تحولت عينيه لحادة كالصقر ليرتعب داخلها أثر استماعها لطريقته الخشنة:
-إيثــار
واستطرد بنبرة صارمة ترجع لرعبه عليها من فكرة استفراد نصر ونجله بها:
-الموضوع ده غير قابل للمناقشة
أطرقت برأسها فى حزن ليزفر هو بقوة قبل أن تنطق عزة بما حسم الأمر:
-روحي مع جوزك يا حبيبتي علشان الولد

لم تدري ما حدث لها حينما استمعت لكلمة”زوجك”من عزة،فقد غزت مشاعر رائعة داخلها لكونها منسوبةً له،لتستطرد عزة بحروفٍ متقطعة ترجع لتأثرها بدواء التخدير:
-هو عنده حق، يوسف هيتفزع لو قام من النوم ملقناش إحنا الإتنين،وغلط عليه إنك تجبيه هنا في المستشفى
طالعتها بحزنٍ لأجلها لتتابع الاخرى للتهوين من الامر عليها:
-روحي ومتقلقيش عليا،أنا معايا وداد والحارس هيستنانا قدام المستشفى،أنا هعوز إيه تاني أكثر من كده

نظرت لها بوجهٍ حزين لتحثها الاخرى على التحرك:
-يلا يا بنتي روحي مع جوزك علشان الراجل يلحق يروح شغله
ابتسم ليقول باستحسان لحديثها:
-ربنا يبارك في عقلك يا عزة والله
-عد الجمايل يا باشا…قالتها بابتسامة ليردها إليها بامتنان

استقلت السيارة معه وانطلق بطريقهما للعودة إلى القصر،وضعت كف يدها على فمها لتتثاوب بنعاسٍ لمحه بطرف عينيه المراقبتين لها طيلة الوقت ليسألها بمشاكسة أراد بها انتشالها من دوامة حزنها على تركها لعزة وحيدة بالمشفى:
-لسه مشبعتيش نوم، ده أنتِ نايمة من ساعة مطلعنا من البيت

-منمتش كويس ليا يومين…نطقتها بصوتٍ متألمٍ خجول يرجع سببه لما حدث بينهما منذ أن خرجت صباح أول أمس لينتهي اليوم بمشاجرة وتراشق بالكلمات وما نهى على تماسكها وحرم على عينيها النوم هو ما حدث بمساء أمس،تنهد بأسى حين رأى نظراتها الزائغة وفهم مغزاها ليتطلع أمامه وهو يتابع القيادة بصمتٍ تام دام من كلاهما حتى وصلا لداخل القصر، توقف بالسيارة وتطلع عليها ليجدها غارقة بالنوم، ابتسم وتأذى بنفس الوقت لحالتها المزرية،فك وثاق حزام الامان الخاص به واقترب عليها يهمس كي لا يفزعها:
-إيثار،قومي إحنا وصلنا
حركت أهدابها لتفتحها بصعوبة ليميل عليها وبدأ بفك وثاق حزام الأمان من حول خصرها، انتفض داخلها بقوة لاقترابهِ منها لهذا الحد وأسرتها رائحة عطرة التي باتت تعشق استنشاقها وكأنها أصبحت الأكسچين بالنسبة لها،انتهى وعاد لمكانه ليخرج من السيارة بأكملها ويتجه للجهة الاخرى وقبل أن يصل لها كانت قد فتحت الباب ليسرع هو ويبسط كفه لها،تطلعت بعينين ولهة للاعلى تتعمق بعينيه لكنها صُدمت حين رأت بهما جمودٍ على غير العادة، ابتلعت ريقها برعُبٍ وخجلٍ لتسلمه كفها كي يساعدها على الترجل من السيارة،أغلق الباب وتحدث إليها باهتمام لكنه الجمود ذاته مازال ساكنًا عيناه:
-قادرة تمشي؟
إمممم…قالتها بأعين خجلة ناظرة أسفل قدميها لتتحرك بجانبه للداخل ليصعدا الدرج سويًا إلى ان وصلا لجناحيهما المتجاوران لتتفاجأ به ينسحب صوب بابه الخاص دون أن يكلف حالهُ عناء النظر إليها لتنطق سريعًا وهي تراه ممسكًا بمقبض الباب يستعد للفه:
-متشكرة يا سيادة المستشار، مش عارفة من غير وجودك معانا النهاردة كنت هعمل إيه انا وعزة… نطقتها بعينين تنطقان ولهًا،استدار يتطلع عليها ليبتلع لعابه تأثرًا بمظهرها الفاتن ،للحظة شعر بغصة مرة بقلبة عندما أُعيدت لذاكرته رفضها له بكل مهانة لتصرخ كرامة الرجل بداخلهُ وهي تأمره بالهروب الأضطراري وباتباعه لسياسته الجديدة الذي قرر بين حاله إتباعها كي يكسر عناد تلك المستبدة لتتحول على الفور نظراته لباردة وهو ينطق بصوتٍ صارمًا متجاهلاً شكرها وامتنانها:
-أنا هاخد شاور سريع وأروح على شغلي

رفع ساعده ينظر بساعة يده فوجدها قد تخطت السابعة والنصف ليتابع بترتيبٍ لها كي يطمأنها لتغفوا بسلامٍ واطمئنان:
-وهبلغ سعاد تطلع بعد ساعة تلبس يوسف وتسلمه للباص بنفسها
واستطرد بجدية وكأنه ألة:
-لو احتجتي أي حاجة خاصة بعزة إبقي رني عليا

أومأت بحزن لمعاملته التي تغيرت على حين غرة لينسحب لداخل حجرته مغلقًا الباب دون النظر لتلك الواقفة تطالعه بقلبٍ متمزق،نظرت لباب غرفته المغلق وكأن احدًا قد قام بطعنها بنصل سكينٍ حاد،أخرجت تنهيدة حادة لتنسحب داخل غرفتها باستسلام،انتقت منامة هادئة واختفت داخل الحمام لتغتسل سريعًا وتبدل ثيابها وتخرج من جديد لتنضم لصغيرها كي تغفو ولكن من أين يأتيها النوم بعد تلك المعاملة الخشنة التي تلقتها للتو من حبيبها ومالك روحها، تنهدت ودخلت بدوامة تفكيرها ليمر على مخيلتها كل ما بات يؤرقها مؤخرًا.

****
بعد مرور عدة أيام
داخل منزل غانم الجوهري،ولجت منيرة من باب المنزل حيث كانت بالخارج تقوم بتأدية واجب عزاء في وفاة إحدى سيدات القرية،سألت إبنة عزيز الكبرى مستفسرة بشكلٍ روتيني:
-أمك ومرات عمك فين؟
في المطبخ بينضفوا بط
اتسعت اعينها وأسرعت بخطى واسعة وهي تهتف غاضبة:
-بط إيه ده اللي بينضفوه
خطت بساقيها لتتوقف وهي ترمقهما بعيني جاحظة لتصيح بنبرة مشتعلة:
-بتعملي إيه إنتِ وهي؟!
هي تكية أهاليكم علشان تعملوا اللي ييجي في دماغكم من غير ما تستأذنوا صاحبة البيت اللي أويكم؟!
هبت نوارة لتقف منتفضة وهي تقول بارتياب وبجسدٍ منتفض لحدة غضب والدة زوجها:
-أنا ماليش دعوة يا مرات عمي،نسرين هي اللي دبحتهم وندهت عليا أنضف معاها
واسترسلت برعبٍ ظهر بمقلتيها:
-وأنا والله كنت فكراكِ إنتِ اللي قايلة لها
توسع بؤبؤ عيناي منيرة وهي تنظر لبرود تلك الـ”نسرين”التي لم تتزحزح بجلستها وتابعت ما تفعل لتنطق بملامح وجه هادئة وهي تنظر لما بيدها دون عناء النظر لتلك التي تشتعلُ غضبًا:
-مفرقتش كتير يا نوارة،كبير البيت هو اللي قال لي
هتفت منيرة وهي تضرب كفًا بالاخر:
-ويطلع مين يا اختى كبير البيت ده كمان؟

رفعت عينيها تتطلع إليها لتقول ببرودٍ كالثلج:
-عزيز يا حماتي،كبير البيت واللي بقى ليه الكلمة الاولى والاخيرة في البيت ده
-على نفسه وعليكِ يا موكوسة الأملة…نطقتها بغضبٍ لتتابع بسخرية وتهكم:
-وبعدين اللي يحكم يحكم من ماله ومن جيبه يا اختي، مش يحكم في ملك غيره؟!

-والله الكلام ده تروحي تقوليه لإبنك مش ليا…كلماتٍ قالتها بتجبر وتقليل من شأن والدة زوجها اشعلتها وقبل أن تجيبها صدح صوت عزيز من خلفها حيث ولج للتو من الخارج ليهتف بنبرة حادة:
-صوتكم عالي وجايب أخر الشارع ليه؟!
وما أن استمعت نسرين لصوت زوجها حتى هبت واقفة لتنفض يداها من ريش الطير وهرولت إليه لتقول بملامح وجه رسمت عليها الحزن والتأثر:
-تعالى يا عزيز شوف أمك عملت فيا إيه، بهدلتني علشان دكرين البط
وتابعت بتفخيم لذاته كي تستدعي غضبه على والدته اكثر:
-وليه وليه اللي بقول لها إن كبير البيت هو اللي أمرني بكده
استدارت منيرة لنجلها تسأله بحدة:
-إنتَ اللي قولت لها تعمل كده يا عزيز؟!

رفع قامته ليجيبها بتجبر:
-ايوه يا أما أنا اللي قولت لها، وحتى لو ما قولتلهاش،ده بيتها وخير جوزها ومن حقها تعمل اللي على كيفها
صاحت بكل صوتها لتنطق بطريقة لأول مرة تتعامل بها معه:
-ده لما يكون المال مالك يا عين أمك، إنما كل الخير اللي عمال تبهدل فيه إنتَ والمعدولة مراتك ده يبقى مال أبوك وشقايا أنا وهو طول السنين

صاح بحدة وعيناي تشتعل نارًا من حقدها:
-كل حاجة بتاعتي وشقايا مع أبويا،كفاية إني أخدت دبلوم وسبت عيالك يدخلوا الكليات،ده حتى البت لما خدت كليه،يبقى العدل بيقول إن أخد نص البيت ونص الارض قصاد تعليمي اللي ماكملتوش

-لا، ده انتَ عيارك فلت إنتَ ومراتك ولازم اخواتك يقعدوا معاك علشان تعرف حدودك…نطقتها لتنطلق لغرفتها وتصفع بابها بحدة لتعلن من خلاله عن غضبها العارم،نظر عزيز لزوجته ونوارة ليشير لكليهما بلامبالاة وكأن شيئًا لم يحدث:
-يلا انجزوا علشان تلحقوا تطبخوا الغدا في ميعاده،أنا ميت من الجوع

ليلاً
اجتمع الشقيقان ومنيرة بصحبة عزيز في جلسة عائلية طلبتها منيرة لوضع النقاط فوق الحروف،وتناقشا ليهب عزيز من جلسته وينطق بتجبر:
-أخر كلام عندي، البيت ده أنا اللي هتحكم فيه والكلمة الاولى والأخيرة ليا
ليستطرد بنبرة صارمة:
-وإنتِ يا أم عزيز، ريحي نفسك وأقعدي على الكنبة إتفرجي على التلفزيون مع العيال،ومن بكرة نسرين هي اللي هتمسك البيت

نزلت كلماته على قلب منيرة شطرتها لنصفين،أفبعد كل ما فعلته من أجله ووقفت بجبهته تحارب معه جميع الجبهات يتجبر عليها هكذا وينصر زوجته بل ويطلب منها التقاعد كموظفي الحكومات،نزلت دمعة ألم وحسرة من عينيها ليهب أيهم واقفًا ليقول بعنفوان الشباب:
-إنتِ اتجننت يا عزيز،إيه اللي بتقوله لأمك ده
تسمر بمكانه عندما نزل كف عزيز على وجهه ليلطمه بقوة جعلت الجميع يذهلون لتصرخ منيرة ويهرول وجدي إلى عزيز يمسكه من تلابيب جلبابه ويقول وهو يهزه بعنف وعيناي تطلق شزرًا:
-هي حصلت كمان تضرب أخوك، إنتَ فجرت ومبقاش حد قادر عليك، بس أنا بقى اللي هقف لك يا عزيز
قبض عزيز على كفاي شقيقه وقام بنفضهما بقوة ليهتف بتجبر وفجور ظهر بعيناه:
-أعلى ما في خيلك إركبه يا بيه، وهي دي معاملتي من هنا ورايح للكل
وتابع بصياحٍ وهو يرمق أيهم المصدوم بحدة:
-واللي مش عاجبه الباب يفوت جمل

صرخ ايهم ليهتف بنبرة غاضبة:
-الباب اللي يفوت جمل ده إنتَ اللي هتطلع منه إنتَ والخسيسة مراتك اللي اصلها الواطي ظهر في معاملتها لأمك، وديني وما أعبد لأكلم إيثار واخليها تجيب جوزها وييجوا يرموك إنتَ وهي وعيالكم في الشارع زي كلاب السكك
قهقه بقوة لينطق بثقة عالية:
-وإنتَ فاكر إن إيثار هتعبرك ولا هترد عليك من الأساس

صاح أيهم يتحداه بنظراتٍ نارية:
-هترد وهتيجي لما تعرف اللي حصل لأمها على إيدك إنتَ وقليلة الاصل مراتك

ضحك ليجيبه ساخرًا:
-بأمارة إيه يا حبيبي هتجي تقف جنبها،أمك بالنسبة لـ إيثار أكبر عدوة ليها، وكل اللي يهم إيثار هو حضانة إبنها
واستطرد بدهاء:
-أختك ذكية وهي عارفة إن أنا الوحيد اللي أقدر أجبر أمها واخليها ترفع قضية الضم،علشان كده عمرها ما هتعاديني، ولا هتيجي في صفكم لأن ببساطة كلنا بقينا في نفس الخانة عندها بعد اللي حصل في عزا أبوك

تطلع لوجوه الجميع التي أصابها الوُجومُ جراء صحة حديث ذاك الحاقد الذي استغل الوضع لصالحه، رفع سبابته ليشير به متنقلاً بين الجميع:
-من هنا ورايح كل واحد فيكم يلزم تمامه ويعرف حدوده في البيت،والكلمة اللي اقولها تتنفذ ومن غير وش كتير
وإنتِ يا أم عزيز،الكلام اللي قولته يتسمع، أنا عاوز لك الراحة…قالها بتأكيد لينسحب للخارج بارتياح تحت عدم استيعاب الجميع لما حدث للتو ونظراتهم المتبادلة فيما بينهم بذهولٍ لما وصلوا إليه، ارتمت منيرة فوق الاريكة لتنهمر دموعها الغزيرة والمتألمة تحت نظرات نجليها المتألمين لرؤيتهما لوالدتهما على تلك الحالة المزرية

***
في تمام الساعة الثالثة ظهرًا
كانت تجلس بجوار حوض الزهور الذي سلبها عقلها منذ أن أتت إلى القصر، تجاورها الجلوس عزة التي بدأت تتعافى وتخرج في الحديقة لاستنشاق الهواء النقي بعدما ملت من التمدد بتختها، والحق يقال فقد راعتها عائلة علام وحاوتطها بالإهتمام مما حسن نفسية عزة وجعلها تشعر بالراحة والإنسجام،تحدثت بهدوء وحذر:
-نوارة كلمتني الصبح
خير؟!…قالتها باقتضاب حيث انها قد اغلقت قلبها من ناحية الجميع منذ ما حدث وما عادت تطيق الإستماع لأخبارهم،اجابتها بهدوء:
-بتقول لي عزيز مبهدل أمك وإخواتك معاه من ساعة ما أبوكِ مات

ابتسمت ساخرة قبل أن تنطق بلا مبالاة:
-وإحنا مالنا
أجابتها بتعاطف:
-البت مكلماني ومتعشمة تتدخلي وتلمي عزيز ومراته وتهدديهم بعقد البيت والأرض

زفرت بحدة لتقول بصرامة:
-عزة،أنا مش عايزة أسمع أي كلام في الموضوع ده تاني، الناس دي أنا مشفتش منهم أي خير،أول ما عزيز إتجبر بدأ بيا أنا،وبدل ما يقفوا جنبي ويدافعوا عن الحق وقفوا معاه هو ضدي، ولولا ربنا سخر لي فؤاد كان زماني مرمية تحت رجلين إجلال ويا عالم كان هيجرى لي إيه،ولولا بابا الله يرحمه كان عنده بُعد نظر كان زمانهم واخدين إبني مني ومسلمينه لنصر

وتابعت بعيناي زائغة غير مستوعبة:
-بأي عين جايين الوقت يطلبوا مساعدتي؟!
كادت ان تنطق لتوقفها بإشارة من يدها واسترسلت قائلة:
-خلاص يا عزة،إنتِ لسة تعبانة من العملية ومش حمل مناهدة

تنهدت بهدوء لتقول وهي تستند على حواف المقعد لتفرد ظهرها:
-حاضر يا إيثار، هقوم أخد الدوا اللي قبل الغدا
إستني لما أجي أساعدك…قالتها وهي تستعد للوقوف لتهتف الاخرى سريعًا مما طمأنها وجعلها تتسمر بمقعدها:
-خليكِ مكانك، أنا زي الفل النهاردة
لتسترسل بعيناي تحمل الكثير من عبارات الشكر والإمتنان:
-كتر خيرك على اللي عملتيه معايا، من ساعة ما عملت العملية وإنتِ مسبتنيش لحظة واحدة، لو عندي بنت مكنتش هتحبني وتهتم بيا زي ما عملتي معايا يا إيثار

-طب ما أنا بنتك يا عزة، ولا هو لازم أقولك يا ماما علشان تحسيها…قالتها بعيناي حنون لتسترسل بنبرة صوت متأثرة:
-ربنا يخليكِ ليا أنا ويوسف يا عزة

ابتسمت لتنطق بدعابة ابتسمت على أثرها الأخرى:
-ويخلي لك سيادة المستشار ويهديكِ عليه يا بنت الحاج غانم
ضحكت لتنسحب الاخرى للداخل،تنهدت وباتت تتطلع حولها بتمعن لتشغل عقلها بعيدًا عن اخبار عائلتها التي برغم جمودها التي اظهرته أمام عزة إلا انها تأثرت وحزن قلبها لأجل والدتها وشقيقاها،فبرغم ما فعلوه بها إلا انهم يظلوا عائلتها، أثناء ترقبها للحديقة وجدت سيارته تدخل من البوابة الحديدية لينتفض قلبها بقوة كادت تخرجه من بين ضلوعها، راقبت ترجله من السيارة وقدومه ناحيتها لتبتسم بحالمية وهي تنظر إليه متلاشية كلمات فريال اللاذعة التي قذفتها بوجهه،انصدمت بمروره للداخل وهو ينطق بجمودٍ دون الإلتفاف إليها:
-السلام عليكم
اتسع بؤبؤ عينيها وهي تتطلع على ظهره تتابع خطواته الواسعة المتجهة صوب المنزل ليخيمُ على قلبها الحزن أما هو فتبسم حين لم يجد منها ردًا مما يعني صدمتها من معاملته ونهجه الجديد الذي اتبعه معها

بعد قليل أتت إليها العاملة لتستدعيها للداخل لتناول وجبة الغداء، ولجت للداخل لتجد الجميع بانتظارها مرحبين بتواجدها بينهم كما المعتاد،وما أثار دهشتها وقوف حبيبها السريع ليسحب لها المقعد المجاور له،وكعادته بدأ يحدثها بملاطفة وبدأ بوضع بعضًا من أصناف الطعام داخل صحنها، فقد بات يحفظ ما تحب كما يحفظ اسمه،إنتهى الغداء وجلست العائلة في جوٍ مبهج لكنه لم ينضم إليهم وصعد ليغفو،ليلاً نزلت لتتناول وجبة العشاء معهم لكنها لم تجده فسألت والدته على إستحياء:
-هو سيادة المستشار مش هينزل يتعشى معانا؟
نظرت عصمت لزوجها باستغراب لتجيبها بنبرة هادئة:
-فؤاد خرج يتعشى برة مع واحد صاحبة

أصابها حزنًا لتكمل عليها تلك الفريال التي أرادت إنهاء تلك المسرحية الهزلية بمنتهى السرعة لتنطق وهي تمسك بإحدى حبات العنب تقلبها بأصابعها بتمعن يدعوا للإستفزاز:
-هو مقالكيش ولا إيه؟!
دفنت نظراتها بداخل الصحن لتقول بصوتٍ خافت:
-أنا كنت نايمة

شعرت عصمت بعمق حزنها لتجيب على حديثها كي تسحبها من ذاك الحزن الذي ملئ عينيها وظهر بنبرة صوتها:
-أكيد محبش يزعجك يا حبيبتي.
شاركها علام ايضاً لينطق بملاطفة:
-هو فؤاد طول عمره كده، بيخرج من غير ما يقول
واستطرد بتودُد وهو يشير لصحنها:
-كملي أكلك علشان نخرج مع بعض في الجنينة
واسترسل كي يخفف من وطأة حزنها:
-عاوز أوريكِ أنواع الزرع الجديد اللي جبناه
بالفعل استطاع جذبها لتبتسم له وتومي برأسها بحماس

****
بعد مرور بضعة أيامٍ
داخل إحدى العيادات الخاصة بإحدي طبيبات النساء والتوليد وبالتحديد داخل حجرة الكشف، تجلس سمية بصحبة والدتها تنتظر إنتهاء الطبيبة من قراءة التحاليل والأشعة التصويرية التي طلبتهم منها منذ زيارتها لها بالإسبوع الماضي مع ياسمين،اخرجت الطبيبة زفرة قوية لتهئ حالها وهي تقول:
-للاسف يا سمية،زي ما شكيت
تمعنت بالنظر لها لتتابع الاخرى:
-عندك ورم ليفي ضخم مش عارفة إزاي استنيتي عليه المدة دي كلها،وللاسف إتسبب لك في عُقم ولازم نستئصل الرحم
نزل عليها الخبر كالصاعقة لتجحظ عينيها وهي تصيحُ بجنون:
-إنتِ بتقولي إيه يا دكتورة، عقم مين ورحم مين اللي يتشال

وقفت والدتها لتساندها في حين تحدثت الطبيبة بعملية:
-إهدي يا سمية الإنفعال مش كويس علشانك
تحدثت والدتها بترجي:
-طب شوفي لها أي علاج غير شيل الرحم ده يا دكتورة
هزت رأسها لتجيبها بأسى:
-مفيش اي حل تاني،حالة بنتك متأخرة وللأسف مش هينفع غير الإستئصال وإلا حياتها هتتعرض للخطر

هتفت بذهول واعتراض بعدما انتفضت بجلستها:
-خطر! هو فيه أخطر على حياتي من اللي بتقوليه، أنا لسة مخلفتش الواد اللي هيقويني وياكل الجو من إبن إيثار،اللي إنتِ بتقوليه ده معناه انها انتصرت عليا، وده اللي لا يمكن أسمح بيه أبدًا
صرخت كالمجنونة وهي تشير بكفيها لتتابع بحقدٍ دفين جعل من الطبيبة ترتعب:
-ده أنا أقتلها هي وإبنها بأديا دول
ذُهلت الطبيبة من هيأة تلك الحقودة لتجذبها والدتها من ذراعها تحثها على النهوض لتقول للطبيبة بإحراج:
-معلش،اصل الخبر صدمها وخلاها تفقد عقلها
هزت المرأة رأسها بتفهم وهمي لتسحب ابنتها التي ما أن خرجتا من العيادة حتى هاجت وهي تهتف لوالدتها بسخط:
-شوفتي النحس اللي ملازمني يا ماما،اعمل إيه واروح فين، أنا لو شيلت الرحم العقربة إجلال هتجوز عمرو تاني يوم علشان يخلف، دول كانوا صابرين عليا علشان متأكدين إنهم هيرجعوا له بنت منيرة علشان تخلف له كمان واد، إجلال كانت بتقول إنها طالعة لأمها، خلفتها كلها هتبقى صبيان
واسترسلت بعيناي زائغة تنظر بهما هنا وهناك كالتي فقدت عقلها:
-أهي اتجوزت، يعني خلاص، إجلال هتفضى لي وبعد ما كانت مطنشاني هتفوق عليا، وانا خلاص، لا هعرف أجيب الواد ولا حتى بت تانية
جذبتها والدتها من رسغها تتعجل خطواتها وهي تقول:
-بطلي نواح ومدي شوية خلينا نلحق لنا تاكسي يوصلنا على البيت، وهناك نفكر هنعمل إيه ونتصرف في المصيبة دي إزاي

تابع الجزء الثاني من الفصل

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل حاجب الإعلانات لتستطيع تصفح الموقع