روايات روز أمين

رواية انا لها شمس لروز أمين الجزء الثالث

رواية انا لها شمس الفصل الثاني والعشرون 2 لروز أمين

صمتٍ مُريب أصاب الجميع ليقطعه عمرو الذي اتجه صوب أحد الرجال المسلحين واختطف من يده السلاح موجهًا إياه صوب فؤاد بتهور بعدما فقد صوابه وهو يرى حبيبته تحتمى منه خلف ظهر أحدهم،مما جعل الأخر يسحب إيثار ليخبأها خلف ظهره لحمايتها أولاً وبسرعة البرق كان يوجه فوهة سلاحه باتجاه رأس عمرو،بدورها ثشبثت بثيابه محتمية به وقلبها ينتفض رُعبًا على فارسها الهمام الذي أتى لينقذها من بيت الأشرار،ليجن جنون عمرو الذي تحدث باشتعال بعدما رأى ذاك المشهد المدمي لقلبه:
-مالك شايف نفسك كدة ليه يَلاَ،عمال تؤمر وتتأمر وكأنك في بيت أبوك،اسمع إنتَ بقى خلاصة الكلام ونهايته يا دكر،والله العظيم لو ما سيبت إيثار وخرجت من هنا لاكون قاتلك وراميك للكلاب تنـ.ـهش لحـ.ـمك،وابوك اللي جاي تتحامى في إسمه ده مهيعرف لك طريق جُرة
-عمروووو…نطقها نصر البنهاوي بحدة ليستطرد صارمًا:
-إرمي الزفت اللي في إيدك ده وإبعد نفسك عن الموضوع ده خالص

-إسمع كلام أبوك يا شاطر وارمي السلاح ليعمل لك واوا في إيدك و روح استخبى في حُضن أمك…نطقها فؤاد متهكمًا مما جعل الأخر يجن ويشد أجزاء السلاح استعدادًا لاطلاق النار بعدما فقد اتزانه وهو يرى حبيبة عمره تحتمي بذراع ذاك الغريب منه،صرخت وخرجت من خلفه لتقف أمامهُ بانتظار إخراج الرصاصة من فوهة المسدس ليجذبها سريعًا ويُعيدها خلف ظهره من جديد ليهتف بصوتٍ صارم وهو يوجه السلاح باتجاه عمرو:
-خليكِ ورايا وإوعي تتحركي

ليسترسل بعينين تطلق شزرًا موجهًا حديثه إلى عمرو المشتعل:
-لأخر مرة هحذرك وهقول لك إرمي السلاح من إيدك قبل ما أفجر لك دماغك بطلقة تخلصنا منك وتحسر أمك عليك

بسرعة البرق وقف نصر أمام نجله ممسكًا بفوهة السلاح ليهتف حانقًا بعدما افقدهُ نجله الإمعة اتزانه:
-إنتَ اتجننت،هات الزفت ده واقف زيك زي الكرسي

جذب السلاح من يده عنوةً عنه واسترسل وهو يناوله للرجل متوعدًا له:
-حسابك معايا بعدين
نكس الرجل رأسه ليستطرد وهو يتطلع إلى طلعت بصرامة:
-هات يوسف من البيت وسلمه لسيادة المستشار يا طلعت خلينا نخلص

-إنتَ بتقول إيه يا نصر؟!… نطقت بها “إجلال”بتعجب وجنون لينظر لها بمعنى أن تصمت وبالفعل صمتت لتجبر فؤاد وتهديداته المباشرة لزوجها، كاد عمرو أن يهتف باعتراض لكنه ابتلع حديثه حينما رأى نظرات والده الحارقة قبل أن يقوم بصفعه بقوة ألمته وجعلته يشعر كم هو صغيرًا وقلل من مقامه أمام غريمه

هتف فؤاد بذكاء وهو يخطر طلعت قبل خروجه:
-أحب أنبهك إن والدي سيادة المستشار عارف إني موجود هنا أنا ومراتي
ليسترسل بذات مغزى:
-ده من باب العِلم بالشئ

رمقه طلعت بنظراتٍ نارية ليتحدث نصر بعدما قرر بينه وبين حاله تجنب إثارة حنق ذاك القوي:
-متخافش يا باشا،إحنا ضيوفنا بنشيلهم على راسنا من فوق، ولو جنابك زورتنا في ظروف غير دي كنت شفت كرم الضيافة على أصوله

ابتسم متهكمًا وهو ينطق ساخرًا:
-لا ما أنا شفت بعيني يا سيادة النائب
ليسترسل بقوة وصرامة:
-بس أحب اقول لك إن فؤاد علام مابيخافش غير من اللي خالقه

استقل طلعت سيارته وانطلق بها بسرعة فائقة ليجلب الصغير بينما كانت الاجواء مشحونة ليهتف عزيز موجهًا حديثه لتلك المختبأة خلف فؤاد:
-كل ده يطلع منك،ولعتيها وزي عادتك خسرتينا كل حاجة، لعبتي على الراجل الغلبان وخلتيه كتب لك كل اللي حيلته؟

-أنا عمري ماطلبت من بابا أي حاجة،هو اللي عمل ده من نفسه علشان يحميني،كان عارف إن بمجرد موته هتتكاتروا عليا وتبعوني لنصر وإجلال علشان يذلوا فيا من جديد…كلمات نطقتها بنبرات صوتٍ تأنُ ألمًا لينشطر قلب فارسها عليها وهي تسترسل:
-واللي حسبه هو لقيته أنا،حتى مدتونيش فرصة أحزن على ابويا

خرجت من خلفه لتجاوره الوقوف وبدأت تتطلع على أشقائها الثلاث وتلك التي من المفترض أنها والدتها،تألمت وهي تنظر بأعينهم المتهربة لتنطق:
-من النهاردة مش عاوزة أشوف وش حد فيكم،مش بس وشوشكم اللي مش عاوزة اشوفها،أرقام تليفوناتكم هعمل لها بلوك،عقد البيت والارض هيفضلوا معايا لحد يوسف ما يكمل السِن القانوني زي ما فؤاد قال،وبعدها هرمي لكم عقودكم تشبعوا بيها
رفعت سبابتها لتُشير به في وجوههم جميعًا:
-وأي دقة نقص منكم والله العظيم ما هعمل للدم اللي بينا حساب

رمقتها منيرة باشمئزاز وهي تقول:
-بقى واقفة بكل بجاحة تهددينا في قلب بيتنا وتتحامي في الغريب

-ده مش بيتك، ده بيتي أنا…نطقتها بحدة لتسترسل وهي تتشابك بأناملها لتلتف على أصابعه مما جعل قلبه ينتفضُ بقوة وهو يتطلع عليها منبهرًا بقوتها وأصالتها:
-واللي بتقولي عليه غريب ده يبقى جوزي اللي حماني من شركم
رفع قامته للأعلى وشعر بأنهُ سيد رجال العالم وأقواهم،جاء دورهُ ليتحدث بقوة:
-أنا هكتب على مراتي رسمي وعند مأذون علشان أحفظ لها حقوقها

قطع حديث الجميع دخول ذاك الصغير الذي هتف بسعادة وهو يهرول إلى والدته:
-مامي
فتحت ذراعيها على مصراعيهما لاستقبال صغيرها الذي حُرمت منه يومًا كاملاً كنوعًا من الضغط عليها كي تستسلم وترضخ للعودة إلى ذاك للعمرو، حملت صغيرها واحتوته بذراعيها دافنة رأسهُ بصدرها،نظر الصغير إلى ذاك المجاور لوالدته ليهتف متعجبًا بجبينًا مقطب:
-شرشبيل؟!
إيه اللي جابك هنا؟!
ابتسم ليجيبهُ بهدوء:
-جيت علشان أخدك إنتَ ومامي

ضيق بين عينيه لتحتضنه إيثار باشتياق وهي تُقبل كل إنشٍ بوجهه،تنفس براحة لينظر للجميع وهو يقول بنبرة حذرة:
-أنا هاخد إيثار ويوسف وهخرج،ياريت قبل ما أي حد فيكم يتهور ويتصرف بغباء يفكر في العواقب

-متقلقش يا سيادة المستشار،إنتَ في حمايتي،يعني محدش هيتعرض لكم، تقدر تاخد إيثار ويوسف وتطلع من هنا بأمان… قالها نصر بهدوء عكس ما بداخله من استشاطة ليسترسل بنبرة تنبيهية:
-بس يكون في معلومك، إحنا هنرفع قضية نطلب فيها حضانة الولد، وأظن إن القانون كدة في صفنا، بما إن أمه اتجوزت فكدة الحضانة تسقط عنها، وإنتَ سيد العارفين بالقوانين

-حقك طبعاً، وحقي أنا كمان إني أقف في صف مراتي..نطقها بهدوء ما قبل العاصفة ليُشير بسبابته على الجميع بذات مغزى مسترسلاً بما جعل داخل نصر يرتعدُ خوفًا:
– وأحاول بكل قوتي إني أثبت إن أي حد منكم لا يصلح لاستلام حضانة يوسف، وبناءًا عليه الحضانة هترجع لـ إيثار

حمل عنها الصغير وحاوطها بذراعه يحتويها وتحرك بهما إلى المأذون مشيرًا بكفه بحدة:
-هات البطاقة
ناولهُ إياها بيدٍ مرتعشة ليتناولها منه لتهتف هي بعدما تذكرت:
-هاتي تليفوني من عزيز يا فؤاد

أشار بعينيه ليرتعد الاخر وبسرعة البرق كان يُخرج الهاتف من جيب جلبابه ويسلمهُ إياه ليتحرك الاخر سريعًا صوب الخارج محتويًا حبيبته وصغيرها تحت صرخات عمرو الذي هتف بجنون:
-إنتَ هتسيبه ياخد مراتي وابني وتقف تتفرج عليه؟!

العقل بيقول نطاطي للريح وبعد ما تهدى نفكر… نطقها بتعقل ليهتف عزيز برعونة:
-والله العظيم لولا وجودك يا سيادة النائب لكونت طخيته وتاويت جتته في الجبل

إخرص يا عزيز، مش كل الناس ينفع معاهم طريقتك… قالها بنبرة حادة لتهتف إجلال بنبرة غاضبة:
-وده ينفع معاه أنهي طريقة بالصلاة على النبي؟!
-الصبر حلو يا ستهم…نطقها بتوعد.

هرول عمها خلفهما ليهتف بكامل صوته أمام المارة من أهل القرية:
-يا أهل البلد، الحاضر يعلن الغايب،أخويا غانم الله يرحمه جوز إيثار قبل ما يموت بأيام لسعادة وكيل النيابة فؤاد بيه

وقفت لتنظر لعمها وبجوارها ذاك المحاوط لكتفها ليقترب الرجل ليجاوره مسترسللً بزيفٍ لحماية وحفظ سيرة أخيه الحسنة وعدم الخوض بشرف ابنته:
-وانا كنت شاهد مع أخويا،أخويا جوزها علشان يطمن عليها قبل ما يموت وكان ناوي يقول للكل بس الموت كان أسرع، وبنت اخويا الوقت قاعدة في مصر في بيت جوزها وتحت حمايته

توقف المارة وباتوا يتطلعون على ذاك الرجل وهيأته الجذابة وسيارته الفارهة بأعين متسعة،لكنهم تعجبوا كيف تزوجت وكسرت قواعد وجبروت “نصر البنهاوي” ليقترب منهم الجميع مقدمين التهاني للعم والعروسان تحت ارتياح قلب فؤاد واستحسانه لتصرف العم الحكيم، اما هي فنظرت إلى عمها تشكره بامتنان ليقترب منها محتضنًا إياها وهو يقول بصوتٍ حنون:
-خلي بالك من نفسك ومن ابنك، واسمعي كلام جوزك وصوني عشرته، واضح إنه إبن ناس وشاريكِ، اللي يقف في وش نصر وجبروته يبقى راجل بجد

-ربنا يخليك ليا يا عمي…نطقتها بدموعها التي انهمرت من فرط حنينها ليربط عليها الاخر،تنفس فؤاد ليشكر الرجل واتجه يفتح لها الباب الأمامي لتجلس ثم وضع الصغير فوق ساقيها لتحتضنه مقبلة إياه بجميع أنحاء وجهه بتلهف،اما نصر وعزيز وجميع الماكثين بالداخل فاشتعل جسدهم من تصرف العم الحانق سوى وجدي وأيهم ونوارة

تحرك واستقل مقعد القيادة لينطلق بسرعة فائقة خارجًا من تلك القرية الملعونة،نظرت إليه وبكل معاني الامتنان حدثته:
-مهما اتكلمت وشكرتك قليل على اللي عملته معايا، معروفك هيفضل فوق دماغي ولو عيشت عمري كله أشكرك مش هقدر أوفيك حقك

جميل إيه بس اللي بتتكلمي عنه يا إيثار…نطقها بابتسامة هادئة ليستطرد مازحًا بغمزة من عينه اليُمنى هزت كيانها:
-وبعدين هو فيه شُكر بين الراجل ومراته

ابتسمت بعد أن اعتقدت أن البسمة قد فارقتها للأبد، لتسألهُ متعجبة غير منتبهة لذاك المسحور الذي انتفض قلبه أثر ابتسامتها وجلوسها بسيارته:
-أنا مش فاهمة حاجة،إزاي وإمتى عملت كل ده؟!
قطبت جبينها لتستطرد مستفسرة:
-وعرفت منين إن إخواتي حابسيني هنا وهيجبروني على كتب الكتاب؟!

تنهد بهدوء ونظر للصغير فوجده قد غفى يبدوا أنه منهك كـ والدته وكان يبكي أيضًا لبعده عنها لذا غفى بمجرد عودته لأحضانها وشعورهُ بالامان،فتح فاههُ ليقطع حديثهُ رنين هاتفه الذي صدح ليجيب في الحال وهو يقول بهدوء:
-أيوا يا عزة
اتسعت عينيها ليكمل هو:
-إطمني،هي راجعة معايا في العربية ومعانا يوسف
عزة؟!…قالتها بفاهٍ مفتوح بذهولٍ

فلااااش باك
عودة للأمس
بعدما أغلقت الهاتف مع منيرة باتت تجوب المكان ذهابًا وإيابًا وقلبها يغلي من شدة رُعبها على ابنتها التي اعتبرتها عوضًا من الله عن العائلة التي لم تحظي بتكوينها،استمعت إلى صوت رنين هاتف المنزل لتهرول عليه وبعجالة كانت تُجيب:
-مين معايا
نطق ذاك الجالس بغرفته ليقول بصوتٍ هامس:
-أنا أيهم يا ست عزة

-إيثار عاملة إيه طمني عليها…نطقتها بتلهُف لينطق الاخر:
-انا بكلمك بخصوصها،روحي لـ أيمن بيه خليه يلحقها، عزيز خلاص اتجنن ومحدش قادر عليه، زي ما يكون ماصدق إن ابويا مات علشان يفرد ضلوعه علينا ويتحكم في الكل

سألته بنبرة حادة:
-طب وإنتَ واخوك فين من عمايله السودة دي، ما تقفوا له وتنقذوا الغلبانة اختكم من إيده

-مش هينفع يا ست عزة،عزيز كان هيضربني من شوية وانا بحوشها من إيده… نطقها بجُبن لتهتف بنبرة ساخطة:
-خايف على نفسك ومش صعبان عليك أختك، والنبي إيثار مبلية بيكم كلكم، كتكم الهم إخوات بالإسم وبس

-روحي لـ أيمن واحكي له وخليه يتدخل بس قبل صلاة العشا بكرة…قالها بصوتٍ خجول متألم لتهتف بحدة:
-طب يا أخويا كتر خيرك،إقفل وانا هتصرف

اغلقت الهاتف لتقف لدقيقة تفكر لتهتف وهي تهرول باتجاه غرفة إيثار:
-أنا عرفت هعمل إيه وهروح لمين
فتحت خزانة الثياب لتُخرج عقد المنزل والارض الذي منحه غانم لإبنته وكعادتها قصت لها ما دار بينها وبين أبيها واخبرتها بكل التفاصيل لتتنهد براحة،

أما ذاك العاشق فقد حاول الإتصال بها مراتٍ عديدة وبكل مرة يجد بها الهاتف مغلقًا وبالأخير رجح غلقها للهاتف كي تريح عقلها وجسدها المنهك بسبب ما مرت به طيلة الثلاثةُ أيام المنصرمة

صباح اليوم التالي كانت تقف أمام مبنى النيابة العامة التابع لمنطقتهم والتي علمت عنوانه من إيثار حين تم استدعائها أثناء التحقيق بقضية محاولة إغتيال “أيمن الأباصيري”وايضًا بقضية تهجم عمرو،هرولت بداخل المبنى لتسأل رجل الامن قائلة باستفسار:
-بقول لك إيه يا اخويا، أنا عاوزة اقابل وكيل النيابة فؤاد بيه ضروري

-قصدك فؤاد بيه علام؟…قالها بتساؤل لتنطق هي بعفوية:
-معرفش إسم أبوه، بس اللي اعرفه ان ابوه راجل كبير قوي في البلد

-هو فؤاد بيه…نطقها بتأكيد لتسألهُ بلهفة:
-طب دخلني عنده يسترك ربنا
نطق الرجل برفضٍ ليقول معللاً:
-مينفعش يا ست،لازم يكون عندك استدعا من النيابة ومتحولة عليه،وبعدين فؤاد بيه ده تقيل قوي ومش أي قضية بتتحول له، وهو عنده قضية كبيرة جوة بيحقق فيها ومش فاضي
بعد مجادلات إستمرت لعدة دقائق رفض دخولها بشدة خرجت لتجاور رجل الأمن الخارجي الجلوس لتنتظر خروجه بعد أن طلبت منه أن يُشير لها على شخصه ويرجع ذلك لعدم معرفة شكله،انتهت ساعات العمل الرسمية وهي جالسة لمدة ست ساعات لم تكل من الانتظار لأجل ابنتها،بعد قليل أشار لها الرجل على ذاك الجذاب الذي يخرج بهيبة ويجاورهُ رجلاً يحمل عنه حقيبته لتهرول عليه وهي تقول:
-يا فؤاد بيه،إلحقني يا فؤاد بيه

قطب جبينه ورفع نظارته الشمسية ليدقق النظر بها لتجيب تساؤل عينيه:
-أنا عزة،اللي بشتغل عند إيثار،اللي بربي لها يوسف
انتفض قلبه حين استمع لاسم حبيبته الغائبة منذ الأمس والتي حاول الإتصال بها لمراتٍ عديدة دون استجابة ليخمن بغلقها الهاتف ونومها نظرًا لما عانته من ألام وأحزان طيلة الأيام المنصرمة ليقرر أن يذهب لمنزلها للسؤال والإطمئنان عنها لكن عزة سبقته وأتت هي إليه،وقفت تقص عليه ما حدث لينتفض قلبهُ رُعبًا عليها ووقف يفكر فيما سيفعل وبعدها طلب منها العقد ليحتفظ به، هرول إلى سيارته وقام بفتح بابها الأمامي ليهتف قائلاً بعدما راودته فكرة سيقوم بتنفيذها لإنقاذها:
-إقعدي إستنيني في العربية على ما أدخل جوة هعمل حاجة واجي لك

-هتعمل إيه جوه يا اخويا،بقول لك البت اخواتها حابسينها وهيرجعوها للمنيل إبن إجلال غصب عنها،تقولي هتدخل جوه؟!…نطقت كلماتها بحدة لتسترسل متسائلة بتهكم وهي تحتوي فكها بكف يدها:
-هو مش إنتَ بتحبها بردوا ولا كنت بتلعب بيها يا ابن الإصول؟!

بعينين مشتعلتين نطق بسخطٍ:
-بقول لك إيه، أنا أكتر حاجة بكرهها في حياتي هي الرغي والرغايين، يا تسمعي الكلام وتستنيني في العربية، يا تتفضلي ترجعي البيت وتستني مني خبر

ابتلعت لعابها من هيأته وعاد هو للمبني واتجه نحو الأرشيف ليخرج منه ملف قضية إغتيال أيمن ليحصل على ورقة بها إمضائها وبيانات البطاقة الشخصية الخاصة بها ليهرول سريعًا إلى الخارج ليتجه إلى أيمن بصحبة عزة بعدما أخبره بالهاتف،جلس واتفق معه على كتابة عقد موثق بتاريخًا قديم وطلب منه الشهادة وأخبره أنهُ قد تقدم لخطبة إيثار وبأنهما أضطرا لتأجيل الموضوع نظرًا لوفاة والدها،وافق أيمن على المشاركة في تلك القصة التي ستنجي تلك المسكينة وستخرجها من براثن هؤلاء الاشرار وذلك بعدما تيقن من نية فؤاد،أوصل عزة للمنزل ثم ذهب لمحامي صديقه وطلب منه كتابة عقد بصيغة قانونية قام بالتوقيع عليه أيمن وسيادة المستشار شريف صديقه

إنتهاء الفلاش باااااك

نظر لها وتابع قائلاً:
-المحامي كان صديقي خليته يكتب العقد بصيغة قانونية وبتاريخ قديم،ومضى عليه الباشمهندس أيمن وسيادة المستشار شريف علشان العقد يبقى له قيمة قدام إخواتك

سألته باستغراب:
-طب وإمضتي؟
تنهد ليجيبها بإيضاح:
-بالنسبة لإمضتك المحامي جاب لي فنان تشكيلي يعرفه،رسم إمضتك بحيث اللي يشوفها لا يمكن يفرقها عن الحقيقية

-ومنين جبت إمضتي؟…سؤال وجيه وجهته له ليجيبها بابتسامة:
-من أقوالك في محضر حادثة محاولة إغتيال “أيمن الأباصيري ”
تحدثت بابتسامة واعجاب:
-ده انتَ مسبتش أي حاجة للصدفة
-شغلي علمني تحري الدقة في أبسط الأمور…ثم
تنهد ليتحدث بجدية:
-على فكرة يا إيثار، إحنا لازم نتجوز بجد وحالاً
اتسعت عينيها بدهشة ليسترسل مفسرًا قبل أن ترفض متعللة بوفاة والدها:
-مش هيسبوكي في حالك، اللي اسمه نصر ده شكله مش سهل، هيحاربك بأقذر الطُرق علشان ياخد منك يوسف، علشان كده لازم نتجوز رسمي وفورًا، لأنه أكيد هيدور ورانا ولو عرف إننا مش متجوزين بجد هيستغل النقطة دي ضدك، ومش بعيد يخلي إخواتك يقدموا فيكي بلاغ ويبهدلوكِ، وساعتها للأسف مش هقدر أساعدك، لأن ببساطة مليش أي صفة

تحدثت بتيهة:
-بس أنا لو سمعت كلامك واتجوزنا يبقى بسهل له مهمته وبقدم له حضانة إبني على طبق من دهب
واستطردت مذكرة إياه بتبريرهُ لطلبه المهين:
-مش ده كان كلامك ليا؟
تنهد بثُقل حينما ذكرته بما حدث بينهما في الماضي ليتحدث بانكسار:
-إنسي كل اللي قولتهولك قبل كدة وخلينا نفكر في اللي جاي

اتسعت عينيها لتسألهُ بعقلٍ مُشتت:
-يعني إيه؟ إنتَ كنت بتكذب عليا لما قولت لي إن عمرو هياخد حضانة إبني بمجرد ما اتجوز رسمي؟
التف إليها لينطق سريعًا نافيًا إتهامها له:
-لا طبعاً مكنتش بكذب، حتى إسألي أي محامي صغير هيأكد لك كلامي
سألته مستفسرة بعدما فقدت تركيزها:
-طب ولما هو كدة، إيه اللي خلاك تغير كلامك الوقت؟

أجابها وهو يتابع الطريق:
-لأني ساعتها مكنتش أعرف ظروفك بالظبط
واسترسل قاصدًا قصته مع نجلا:
-وفيه أسباب تانية هقولها لك بعدين،ده غير إن موضوع العقد اللي بباكي كتبه لك قوى موقفك وعززه،وقضية السُكر بتاعت طليقك نقطة قوى بالنسبة لك، زائد إن من النهاردة هبتدي أدور ورا نصر وأكيد هلاقي ثغرات تملكنا من رقبته وتخلينا نكسب القضية بسهولة
اكمل بإبانة:
-من الاخر كده مش عاوزك تشيلي هم حضانة يوسف وإعتبري الموضوع منتهي، المهم الوقت إننا نعدي على أي مكتب مأذون شرعي ونكتب الكتاب

تعمقت بالنظر لمقلتيه وبرغم الألم التي تشعر به بسبب الهاجس الذي اقتحم مخيلتها بأنه كان يكذب عليها بشأن الحضانة ويرجع هذا لتشتتها لكل ما حدث لها اليوم وعدم تركيزها وتفكيرها بشكلٍ صحيح، إلا أنها استرسلت بامتنان:
-جميلك هيفضل طوق في رقبتي مش هيحلني منه غير الموت
لتسترسل رافضة:
-بس أنا مش هقدر أتجوز واخسر إبني،أنا هعرف أحمي نفسي كويس منهم وكفاية إني هعيش مع إبني في سلام

تنهد بضيق وتحدث بدهاء بعدما استشف من حديثها إستحالة موافقتها،فالوقت ليس بصالحهما ولا يوجد رفاهية لديهما للجدال:
-سيبك من أي كلام فرعي وفكري في مستقبل إبنك ومصلحته،نصر مش هيسيبك في حالك، وأظن إنتِ شوفتي بنفسك نفوذه وسطوته وتحكمه في اخواتك، ده أمرهم يحبسوكِ ويبعدوا ابنك عنك علشان يبتزوكِ وتوافقي مرغمه على جوازك من الحيوان الي اسمه عمرو، تخيلي بقى لو اخواتك عرفوا إن الراجل اللي إدعى إنه جوزك وإنتِ خرجتي معاه ورافقتيه في عربيته، واكتشفوا إن كل ده كذب، هيعملوا فيكي إيه؟

شردت بصحة حديثه ليستطرد مستغلاً تشتتها:
-ده غير إن أنا الوحيد اللي في إيدي أساعدك وأخلى يوسف ميسبش حُضنك

-بجد هتساعدني في موضوع حضانة يوسف؟… سؤال وجهته له بتلهف ليجيبها بتأكيد بعدما استشف بداية مبشرة:
-أكيد لما تبقي مراتي رسمي هحارب الدنيا كلها علشانك، ولو وصلت إني استخدم نفوذي وده اللي عمري ما عملته ولا أتبعته، لكن هستخدمها علشان أحافظ عليكِ إنتِ ويوسف

شعرت بصدق حديثه وارتجف جسدها حين استشفت العشق من شعاع عينيه مما جعلها تبتلع لعابها، سألها مجددًا بعدما شعر باستجابتها:
-قولتي إيه يا إيثار، نعدي على مكتب مأذون شرعي نكتب الكتاب وتروحي معايا على بيتي وتبقى في حمايتي إنتِ وابنك
صف سيارته بجانب الرصيف ليستطرد بصوتٍ خفيض:
-ولا أوصلك لشقتك؟
ضمت صغيرها الغافي وقربته أكتر من صدرها بحماية وبدى على ملامحها التشتُت والضياع ليستطرد هو برجولة متفهمًا تخوفها:
-أنا عارف إنتِ بتفكري في إيه ومش عاوزك تخافي، جوازي منك هيكون لغرض الحماية ده في الوقت الحالي لأني مراعي ظروف وفاة والدك وتشتتك من اللي حصل من إخواتك،ولو حصل واتجوزنا هتقعدي مع يوسف في أوضة مخصصة ليكم لحد ما تجي لي بنفسك
ثم تعمق بعينيها واسترسل بكلماتٍ خرجت منه مرغمًا:
-ولو مش عاوزاني أقرب منك نهائي أنا هحترم ده، أنا أه بحبك وعاوزك بجنون، بس أكيد مش بالشكل ده

تحمحمت لتنطق بكلماتٍ بعيدة كُل البعد عن ما تشعر به الآن تجاهه من عِشقٍ لكنها مضطرة لقوله لحفظ كرامتها فقط:
-لو طلبت منك إن الجواز يكون بمدة معينة لحد ما أظبط أموري وأعرف أأمن نفسي أنا ويوسف توافق؟

-موافق…أومأ برأسه وهو ينطقها بصوتٍ مختنق برغم تيقنه من شعورها تجاههُ وكشفه لما بداخلها عن طريق عينيها التي افصحت عما بقلبها من عشقٍ جارف له لتسأله هي من جديد:
-وطول المدة دي مش هتلمسني، يعني العقد هيكون صوري

صرخ داخله مطالبًا إياها بالرحمة لقلبه المسكين، تلاشت نظراته العاشقة مبتعدة ببصرها لينطق بصوتٍ رجولي:
-زي ما تحبي،وعاوزك تعرفي إن مش أنا الراجل اللي اتطفل وأجبر مراتي على معاشرتي، لو هي مش عوزاني أكتر ما أنا عاوزها يبقى متلزمنيش حتى لو كانت روحي فيها

ابتلعت لعابها واحتقرت حالها لنطقها لتلك الكلمات الجارحة لذاك الشهم لكنها معذورة،فلابد من تأكدها من جديته بقصة الزواج منها فبالاخير هي منذ قليل كانت ستباع بسوق النخاسة بأيادي أشقائها فمن أين ستأتي بالثقة الكاملة بالأخرين؟!

نظر لها متعمقًا بعينيها بنظراتٍ تصرخ غرامًا علها تشعر بولهه لتبادلهُ إياها بخجلة وتسحب بصرها عنه باستحياء،قاد سيارته من جديد ليصفها عند أقرب مأذون شرعي جاء بطريقهما ونزلا وعقدا القران تحت سعادة قلب فؤاد الذي تنفس وشعر أخيرًا براحة اجتاحت كيانه بعدما اطمأنت روحه،استقلا السيارة من جديد لينظر إليها وينطق بعينين يملؤهما العشق والوله:
– مبروك يا حبيبي،عقبال ما ترضي عني وتدخليني جنتك
ابتلعت لعابها خجلاً وسحبت نظراتها بعيدًا عنه ولولا ظروف وفاة والدها الحبيب وخجلها لارتمت داخل أحضانه لتحتمي بداخلها وتُريح روحها المُتعبة،ابتسم لرؤية خجلها وتشتت عينيها ليتابع بصوتٍ سعيد مُبهج:
-خلينا نروح على القصر علشان نتعشى سوا،أنا ما أكلتش طول اليوم وأكيد إنتِ كمان ما أكلتيش

ابتسمت وهزت رأسها بخفوت ليقود سيارته متوجهًا صوب قصر والده الفخم لينطق بهدوء:
-عزة هتجي لك بكرة علشان هتقعد معانا،أنا بلغتها تجمع لك حاجتك الضرورية إنتِ ويوسف وأي حاجة تحتاجوها أنا هجيبها لكم

-متشكرة يا سيادة المستشار…نطقتها بصوتٍ رُغمًا عنها خرج مبتهجًا ليقاطعها بغمزة من عينيه:
-إيه سيادة المستشار دي كمان،أنا جوزك، يعني تدلعيني وتقولي لي فؤادي
واستطرد مازحًا ليخرجها من كل التوتر التي عاشته بالايام الماضية والذي ترك أثرًا كبيرًا ظاهر بملامحها وصوتها الحزين:
-ولا اقول لك، قولي لي شرشبيل
ضحكة سعيدة إنطلقت رغمًا عنها ليسعد قلبهُ لرؤيتها بهذا الشكل،قطع حديثهما وصولهما لباب القصر ليدلف بالسيارة بداخل الحديقة بعدما فتحت البوابة إلكترونيًا،باتت تنظر حولها بذهولٍ من شدة جمال تلك الحديقة ومساحتها الشاسعة وذاك البناء الشامخ،لمحت رجلان وأمراتان يجلسون حول حوض السباحة ويبدوا من هيأتهم أنهم عائلته

توقف بسيارته وترجل ليتجه للباب الاخر ويفتحه ليحمل عنها الصغير حيث مازال غافيًا ويضع رأسه على كتفه ثم بسط يده ليحتوي كفها بين خاصته وتحرك بها نحو أعين عائلته الذين قضبوا أجبانهم متعجبين ذاك المشهد الغريب، من تلك التي تُمسك بكف فؤاد ومن هذا الصبي الذي يحمله على كتفه،أقبل عليهم ليتحدث فؤاد موجهًا حديثه لتلك التي سيقتلها الخجل وهو يُشير إلى عائلته:
-تعالي أما أعرفك على عيلتي، ده سعادة المستشار علام باشا زين الدين،ودي والدتي، الدكتورة عصمت الدويري
واسترسل مشيرًا لشقيقته بابتسامة حنون:
-أما الاستاذة فدي فريال أختي الوحيدة، وده جوزها دكتور ماجد
أومأت برأسها بابتسامة خجلة كتحية منها ليقابلوها باستغراب وأعين تملؤها ألاف التساؤلات،ليقطع فؤاد شرودهم حين اقترب منها ليضمها إليه بعدما لف ذراعه حول كتفها باحتواء تحت ارتعاشة جسدها لينطق بعينين تشعُ سعادة وقامة مرتفعة:
-ودي إيثار، مراتي.

إنتهى الفصل
«أنا لها شمس»
بقلمي« روز أمين»

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل حاجب الإعلانات لتستطيع تصفح الموقع