رواية انا لها شمس الفصل الثامن والعشرون 2 لروز أمين
أغمض عينيه يأخذ شهيقًا عميق ليزفرهُ بقوة ثم من جديد فتح عينيه ينظر لها بعمقٍ قبل أن يقول بنبرة حاسمة:
-بيتهئ لي أن الأوان إنك تعرفي حكايتي مع الست اللي وثقت فيها وسلمتها إسمي وإسم عيلتي
توقف ليأخذ نفسًا يستطيع به المتابعة:
-وبالمقابل طعنتني في ظهري وباعتني بأقذر طريقة ممكن تغدر بيها ست بالراجل اللي عمره ما عمل فيها حاجة واحدة يستاهل عليها الغدر
إتستعت عينيها بذهولٍ جراء إستماعها لكلماته التي خرجت من قلبٍ يأنُ ألمًا لمجرد مرور الذكرى بخاطره،بدأ يقص عليها ما حدث من تلك الخائنة تحت قلبها النازف لأجل حبيبها،بعد مرور حوالي نصف ساعة نطق بأعين معتذرة وصوتٍ آسف:
-وده كان السبب ورا طلبي المُهين ليكِ
هز رأسه بأسى ليُكمل بعيني تأن ألمًا:
-كان صعب عليا أرجع أثق في أي ست تاني بعد اللي حصل لي من وراها، أنا عمري ما قصرت معاها في أي حاجة،وبرغم كده كانت مصرة تخسرني كل حاجة،شغلي سمعتي حتى إبني اللي كنت بتمناه،قتلته بدم بارد
تنفس بعمقٍ ليتابع موضحًا:
-وده اللي عملي شرخ كبير في حياتي وخلاني حريص في معاملاتي مع الناس لأبعد الحدود
تطلع لتلك التي تستمع بعينين تملؤهما غشاوة الدموع لأجله،أما قلبها فكان كقتلة نارٍ عليه ومنه،حزينة هي عليه وعلى ما حدث له على يد تلك التي لا تستحق حب نبيلٍ مثله،لكنها بالوقت ذاته لم تستطع كبح غيرة المرأة بداخلها،فقد شعرت بنارًا مستعرة غزت جسدها وهو يروي تفاصيله مع إمرأةٍ آخرى،هو حبيبها هي، رجلها الأول والأخير، كيف له أن يتحدث عن أخرى حتى ولو بالسئ،مال برأسه لينطق بكثيرًا من الأسف:
-أنا آسف،آسف لنفسي قبل منك لأني في يوم حطيتك في نفس الخانة مع البني أدمة دي،آسف لأني موثقتش فيكِ في أول علاقتنا واستسلمت لماضي لعين يتحكم فيا
جلست على ساقيه تقابل وجهه ثم حاوطت وجنتيه بكفيها ومالت لتسند جبهتها بخاصته وهي تهمس أمام شفتاه:
-إوعى تتآسف على حاجة عدت،إنسى كل اللي فات وإطوي صفحة الماضي،خلينا نعيش اللي جاي من حياتنا في هدوء ونستمتع بعمرنا مع بعض،أنا وإنتَ ويوسف، و
تعمقت بعينيه لتسأله في محاولة منها لإنتشاله من تلك الحالة:
-مقولتليش،تحب أول بيبي لينا يبقى ولد ولا بنت؟
إهتز قلبهُ وإجتاحته نشوة من نوعٍ خاص،علا صوت تنفسه وبدأ صدره يعلو ويهبط وعيناهُ تتعمقُ بساحرتيها بحيرة ممزوجة بسعادة هائلة لينطق بصوتٍ متأثرًا يغلب عليه السعادة:
-عارفة، لأول مرة أحمد ربنا على إنها نزلت البيبي
قبل شفتاها برقة ثم تابع وهو يتعمق بعينيها وينطق بولعٍ:
-شعور إن أول مرة أجرب إحساس الأبوة من الست اللي بحبها أكيد هيكون مختلف وليه فرحته،معاكِ بجرب كل حاجة وكأنها المرة الأولى ليا
مطت شفتيها بإنوثة لتسألهُ بمشاكسة:
-بردوا مجاوبتش على سؤالي
ابتسم بسعادة وكأنه نفض جميع همومه خلف ظهره ليجيبها بنبرة حماسية:
-أنا في حبك ومعاكِ أكبر طماع،عاوزك معايا وجوة حضني طول الوقت،وعاوز أخلف منك ولاد كتير قوي صبيان وبنات، وكلهم يبقوا شبه روحك الحلوة، نفسي أفرح أمي وأبويا وأعوضهم عن اللي شافوه معايا،نفسي أمسح كل دمعة نزلت من عيونهم عليا وامحي أي إحساس بالحزن صابهم علشاني
أمسكت كف يده وقامت بوضع قبلة عليه لتقول بعيني واعدة:
-يا حبيبي يا فؤاد،إن شاء الله كل اللي جاي جايب لنا معاه فرح وخير
-إن شاءلله يا حبيبي،إن شاءلله…قالها ثم نهض وتحرك نحو المقعد ليلتقط بنطاله ويرتديه ثم سحب منامتها التي كانت ترتديها بالأمس وعاد إليها من جديد ليناولها إياها قائلاً بإقتضاب:
-إلبسي بيچامتك يا حبيبي
تطلعت على ما بيده باستغراب قبل أن تنطق معترضة:
-وأنا إيه بس اللي هيلبسني البيجامة يا فؤاد وأنا داخلة أخد شاور؟!
واسترسلت وهي تُشير إلى عليقة الملابس:
-إديني الروب كفاية
أشار بكفه بإقتضاب:
-إسمعي الكلام وإلبسي البيچامة يلا
مطت شفتيها باستغراب ثم تناولتها منه وبدأت بارتدائها،أما هو فأمسك هاتفه الخاص وتحرك خارجًا بالشرفة واتصل على المطبخ لتجيبه سعاد فسألها مستفسرًا:
-دكتور ماجد راح الجامعة ولا موجود في البيت يا سعاد؟
أجابته المرأة بتوقير:
-الدكتور راح الجامعة في ميعاده يا باشا، بس الدكتورة موجودة
أومأ لها ثم تابع برزانة:
-تمام،جهزي لي أنا والمدام فطار كويس وكاسين عصير جريب فروت، وخلي عزة تطلعهم على الجناح بتاعي بعد ساعة بالظبط
أغلق معها وولج للداخل ليجدها قد انتهت،تحرك إليها ليقف مقابلًا لها ثم رفع كفها مقربًا إياه من فمه ليطبع بباطنه قُبلة بث من خلالها إحترامه وحبه الشديد،سحبها وجلس على طرف الفراش واستدار ليحسها على الجلوس خلفه ثم رفع ذراعيها يحسها على لفهما حول عنقه وبحركة مباغتة مسك ساقيها ليلفهما حول خصره وهب واقفًا منتصب الظهر ليتحرك صوب الباب مما جعلها تصيحُ بهلعٍ:
-إنتَ واخدني ورايح فين يا مجنون؟!
-رايحين على جناحنا يا عروسة…قالها ليسترسل بوقاحة:
-الحمام هنا ضيق ومش هناخد راحتنا فيه إحنا الإتنين،البانيو هناك أوسع
هتفت وهي تحاول إيقافه:
-طب إستنى يا فؤاد أجيب حاجة ألبسها بعد الشاور
-كل حاجة معمول حسابها يا قلب فؤاد…قالها وأمسك بكفه مقبض الباب واداره ليخرج وهو يحملها فوق ظهره وهي تقهقه لتقول بمرحٍ وسعادة:
-يا مجنون
قهقه عاليًا لتبتلع هي باقي كلماتها عندما فوجئت بفريال وسميحة يقبلان عليهما من خلال الممر المؤدي إلى الدرج، اتسعت عيني فريال وهي ترى شقيقها العاقل بتلك الصورة العجيبة،كان عاري الصدر ولا يرتدي سوى بنطالاً فقط،بدا كمراهقًا يحمل صديقته فوق ظهره ويمرح بها دون الإلتفاف لإنتقادات الاخرين،
تأججت نيران سميحة المستعرة وهي ترى أمامها أكثر مشهد أدمى قلبها،حتى بليلة زفافه على المدعوة نجلا لم تحزن كما الأن، فزواجه من زوجته الأولى كان تقليديًا إلى حدٍ ما، فهو رأها بإحدى الحفلات وأعجب بجمالها وأناقتها، بعدها تحرى عنها ووجدها مناسبة له إجتماعيًا وثقافيًا فقرر الزواج منها،طيلة سنوات زواجه بها لم تره بهذا الشغف ولم يفعل ما يفعله الآن مع تلك الدخيلة التي ظهرت من العدم،حتى برحلات المصايف العائلية التي كانت تجمعهم لم يحدث وترك العنان لحاله كما هو الآن،
إبتسم لكلتيهما وتحدث بإبتسامة واسعة لم يستطع كبحها:
-صباح الخير
-صباح النور…نطقتها كلاً منهما بتيهة وبلاهة لتستغل الأخرى الموقف أسوء إستغلال لتميل وهي تهمس بجانب أذنه قائلة بدلال:
-يا فضيحتك اللي هتلف القصر كله يا فؤاد يا علام
لم يدري بحاله إلا وهو يطلق ضحكاته العالية التي توحي لمدى وصوله العالي من السعادة ليهمس بجانب أذنها:
-جوزك جامد ووشه مكشوف
تسمرتا الفتاتان وظلا ينظران ببلاهة،وصل فؤاد إلى باب حجرته وأدار المقبض ليفتح الباب واستدار يغلقه لتوجه لهما كلماتها وهي تداعب بأناملها شعر حبيبها الحريري:
-سوري يا جماعة
قالتها ليغلق فؤاد الباب ويوصده جيدًا،إتسعت عيني فريال ذهولاً من أفعال تلك الـ إيثار التي تبدلت وكأنها فتاة آخرى،ابتلعت لعابها خشيةً من أن تقص لشقيقها الحديث الذى دار بينهما سابقًا ويكون هذا الفيصل بعلاقتهما لتسحبها من شرودها تلك التي جذبتها لتهتف بنبرة حادة:
-هو ده اللي جوازهم صوري يا فيري؟!
زاغت عينيها لتسترسل بذهول:
-إنتِ شوفتي اللي أنا شفته،هو اللي أنا شوفته من شوية ده فؤاد بجد؟!
هزت رأسها يمينًا ويسارًا لتنفض عنها ذهولها وهي تقول:
– أنا أخر حاجة كنت أتخيلها هو إني أشوف أخويا بالمنظر ده،أنا حقيقي مش مصدقة اللي شافته عنيا
هتفت سميحة بتمعن وحقدٍ عليها:
-البنت دي شكلها مش سهل يا فيري
بالداخل،تحدثت وهي تدفن وجهها داخل تجويف عنقه:
-كده يا بيبي كسفتني
-وتنكسفي ليه، هو إحنا بنعمل حاجة غلط…قالها ليلج بها داخل الحمام ويختفيا داخله بعد أن قرر أن يسرقا من الدنيا لحظاتهم السعيدة ويختطفا حظيهما السعيد بنفسيهما، بعد قليل خرج كل منهما يرتدي الثوب الخاص بالحمام، كانا متشابهين حيث إبتاعهما طاقمًا واحدًا، هو باللون الابيض وهي اللون الروز،وقفت بمنتصف الغرفة لتسأله وهي تربع ساعديها بتذمرٍ مصطنع:
-إتفضل بقى روح هات لي لبس من الاوضة
إقترب عليها ليحتضنها من الخلف وتحرك يقودها أمامهُ ليدخل بها إلى باب حجرة الملابس الخاصة به وسرعان ما فتح الضوء لتنبهر وتتسع عينيها وهي ترى غرفة كبيرة مرتبة بأناقة وما جعلها تذهل هو وجود ملابس حريمي بكثرة، وأكثر ما لفت إنتباهها هو طغيان اللون النبيذي،دارت بعيناها لترى الكثير من الاحذية الحريمي التي تملؤ الارفف وكل حذاءٍ تجاورهُ حقيبة اليد المناسبة له من حيث اللون والموديل، إستدارت تتطلع عليه لتشير بكفها نحو حالها بعينين سعيدتين:
-الحاجات دي علشاني؟!
اومأ برأسه لتسأله باستغراب:
-إمتى جبتهم؟
أدار وجهها ليقابلها ثم أجابها وهو يتحسس وجنتها بعيناي تفيض حنانًا:
-تاني يوم ما جينا هنا بدأت أجهز، أخدت مقاس هدومك من أوضتك من غير ما تاخدي بالك، وأدتهم لمصمم شاطر وهو جهزهم لي
ابتسمت لتداعب شفته بأناملها برقة:
-ده أنتَ كنت واثق إننا هنكمل مع بعض
ابتسم ليجيبها بعيناي حنون:
-من يوم ما حبيتك وإنتِ بقيتي ملكية خاصة لفؤاد علام، الموضوع كان مسألة وقت مش أكثر
واستطرد غامزًا بعينيه:
-فيه ضلفة سليمة خاصة باللانجري، ومعظمهم نبيتي وأزرق
ضحكت لتسأله مستفسرة:
-نفسي أفهم إيه سبب عشقك للنبيتي
تنهد قبل أن يجيبها بنبرة صادقة:
-هتصدقيني لو قولت لك إن عمري ما كان ليا في الألوان ولا بركز اصلاً معاهم
واسترسل متذكرًا ذاك اليوم الفارق بحياته:
– بس من ساعة ما شوفتك بالبدلة النبيتي يوم إجتماع الفندق وأنا حبيته،سحرتني طلتك فيه واتمنيت أشوفك دايما بيه
أخرجت تنهيدة حارة لتنطق بنبرة متألمة:
-تعرف إني قطعت البدلة دي هي وكل الالوان النبيتي اللي عندي
قطب جبيبنه مستغربًا لتجيب تساؤل عينيه:
-يوم ما طلبت تقابلني في مطعم الاوتيل وقولت لي إنك عاوزني في موضوع مصيري،توقعت إنك هتعرض عليا الجواز،يومها نزلت من البيت ودخلت أفخم محل لفساتين السوارية الهادية، وإشتريت الفستان بمبلغ كبير جداً عليا، كنت فرحانة جداً وانا بجهز نفسي لأهم عرض هسمعه في حياتي
شعر بغصة مرة وهو يستمع لكلماتها المريرة لتتابع وهي تشيح عينيها بعيدًا عنه:
-يومها روحت البيت وقلعت الفستان وقطعته بالمقص لميت حتة، وجبت البدلة وكل حاجة لونها نبيتي وقطعتهم وبعدها إنهارت من العياط جنبهم
-أنا آسف… قالها بعيناي تقطر ندمًا لتأخذ نفسًا مطولاً قبل ان تبتسم وكأنها تطرد كل مشاعر السلبية والحزن:
-مفيش آسف ولا دموع تاني خلاص، إحنا ننسي كل اللي فات ونفكر بس في كل السعادة اللي مستنيانا
ابتسم بإيجاب، سحبها ليجلسها وخلع عنها منشفة الرأس ليبدأ بتصفيف شعرها بمنتهى الرقة تحت سعادتها الهائلة،إنتهى من تصفيف شعرها ليساعدها على اختيار ثوبًا للنوم رقيق من اللون النبيذي ومعه روبًا بنفس اللون،وساعدها ايضًا في إرتدائه ولفت حزام الروب حول خصرها فبدت ساحرة،بعد قليل صعدت العاملة تحمل صينية كبيرة بها الكثير من أصناف الاطعمة المختلفة للفطار واللذيذة، أجلسها فوق ساقيه وظل يطعمها بيده وبفمه بمداعبة حتى انتهيا تحت سعادتهما التي تخطت عنان السماء،إتصل بعزة لتصعد لهما بالصغير، دق الباب فتحرك ليفتحه، وجد عزة تحمل الصغير الذي هتف باسم والدته، هرولت هي عليه لتحمله بين أحضانها،هتفت عزة بعدما رأت جمالها الذي تضاعف بفضل قربها من الحبيب وطغي على وجهها ليجعل منها جميلة وجذابة حد الفتنة:
-بسم الله الله اكبر، صباحية مباركة يا عرسان
ابتسمت لها بخجل ليرد عليها فؤاد الذي أغلق الباب جيدًا:
-الله يبارك فيكِ يا عزة
عقبال البكاري يا باشا…نطقتها بغمزة من عينيها ليجيبها بجبينٍ مقطب:
-بصي يا عزة أنا ليا سنين بسمع الكلمة دي في الافلام والمسلسلات، بس عمري ما فكرت في معناها
-يعني عقبال ما نفرح بخلفتكم يا سيادة المستشار،فهمت ولا لسة محتاج شرح…نطقتها بحدة ليسألها ساخرًا:
-عزة، أنا عاوز اسألك سؤال مهم بالنسبة لي، من يوم ما اتقابلنا عند النيابة، اليوم ده إتعاملتي معايا بمنتهى القرف وأنا فوتها وقولت يمكن يكون بسبب توترها من اللي حاصل ل إيثار، بس الموضوع طول يا ماما، إنتِ بتتعاملي معايا ولا اللي ماسكة عليا ذلة؟
أهو أنا طبعي كده من ساعة ما ربنا خلقني،مبحبش الحال المايل ولا اللي يسأل سؤال عوج…قالتها وهي ترفع كفاها للأعلى،هز رأسهُ ليبتسم وهو يقول لها:
-عزة
تحرك إلى الباب وقام بفتحه ليشير لها للخارج:
-إنزلي تحت ومش عاوز أشوفك قدامي باقي اليوم
رمقته وهي تنطق باستياء:
-الحق عليا،قال وانا الي عماله اجهز لسعادتك تحت إيشي حمام محشي بالفريك وإيشي كوارع وإشي بط وفطير، وفي الاخر لا حمد ولا جميلة
سألها متعجبًا:
-بتجهزيهالي أنا؟! ليه إن شاءلله
هتفت بنبرة حماسية وهي تشيح بكفيها بطريقة كوميدية جعلته يبتسم رغمًا عنه:
-مش عريس والنهاردة صباحيتك ولازم تتغذى يا باشا
قهقهت إيثار التي تتابع الحوار بتسلي لينطق باستسلام بعدما فاض به:
-إنزلي يا عزة قبل ما أفقد أعصابي اللي ماسكها عنك من أول يوم شفتك فيه
أشاحت بكفها لتنطق بوجهٍ عابس:
-اديني نازلة
خرجت وصفقت خلفها الباب لينظر هو لتلك الضاحكة ليسألها بجنون:
-إنتِ استحملتيها كل السنين دي إزاي
-دي حبيبتي… قالتها بوجهٍ منير ليقترب عليها مترقبًا الصغير الذي بات يتحسس وجنة والدته وهو يقول بانبهار طفولي:
-شكلك حلو قوي يا مامي
باتت تقبلهُ بنهمٍ لتهتف بنبرة حماسية:
-يا عيون وقلب ورح مامي، وحشتني يا چو
-وإنتِ كمان وحشتيني
قالها ببراءة واسترسل يطلعها على تقرير يومه:
-أنا كنت بعيط بس عزة أخدتني أنا وساندي ولعبنا في أوضة بحر الكور وانبسطنا كتير، وكمان جدو علام قعد يحكي لنا حكايات حلوة قوي، وانا انبسطت معاه
واسترسل بمشاعر صادقة:
-أنا بحب جدو علام قوي يا مامي
إقترب عليه ليدغدغه ببطنه وهو يقول بمداعبة:
-طب وانا يا چو، خلاص مبقتش تحب شرشبيل، نسيته خلاص؟!
قهقه الصغير بسعادة ليجتمع ثلاثتهم ويجلسون فوق التخت جلس هو مستندًا على ظهر التخت واحتضن ظهرها لصدره والصبي بأحضان والدته وجلسوا يتحدثون ويضحكون كعائلة
****
بعد مرور ساعتين،صعدت عزة لجلب الصغير كي تفسح لهما المجال بالتقرب من بعضيهما،قضيا وقتًا مثيرًا بث فيه كلًا منهما عشقه للأخر وبعدها إغتسلا وقاموا بتأدية صلاة العصر معًا ثم أختار لها ثوبًا أيضاً باللون النبيذي وساعدها في إرتدائه، كان يدللها بشكلٍ مبالغ به، يريد تعويضها وتعويض حاله عن كل مرا به كليهما من صعاب وكوارث،إرتدت حجابها وجاورته النزول،وجدا الجميع يجلسون بالبهو وكأنهم ينتظرون نزوليهما،انتفض داخلها حين استمعت لصوت الزغاريد التي تطوعت عزة بإطلاقها تحت خجلها الذي شملها وسعادة ذاك المجاور لها الذي ضم خصرها إليه وكأنهُ يريد إخبار الجميع بشرعية ملكيته لها،لا يدري لما دائمًا يشعر بالتفاخر وهي بجواره، يراها بعينيه ملكة تستحق التتويج، هي عن غيرها من سحرته،نظرت لعيناه لتتوه بليليهما لكنها سرعان ما فاقت على صوت سميحة المستنكر بشدة وهي ترمق عزة باشمئزاز:
-يااااي، بلدي قوي
رمقتها إيثار بقوة هي من الاساس لا تطيق تواجدها بفضل أفعالها بالامس،نظرت سعاد إلى عزة قبل أن تقول بجدية:
-الحاجات دي متنفعش هنا يا عزة
قاطعها صوت عصمت التي وقفت تستقبل نجلها وعروسه بسعادة:
-حاجات إيه اللي متنفعش يا سعاد
واسترسلت بحماس:
-زغردي يا عزة وإملي المكان كله زغاريد
إقتربت على تلك الجميلة لتحتضنها بانبهار لجمالها الخلاب والذي يظهر كل يومًا أكثر:
-الف مبروك يا إيثار، ألف مبروك يا حبيبتي
تمنت لو الارض انشقت لتبلعها وهي ترى اعين الجميع مصوبة تجاهها، تمنت أيضًا لو باستطاعتها أن تُمسك بعزة لتنتقم منها على طريقتها الخاصة لوضعها بهذا الوضع المخزي
شعرت عصمت بخجلها وتوترها لتهمس بابتسامة:
-إنتِ مكسوفة ليه كده، الموضوع طبيعي ومفهوش اي كسوف
اجابتها بارتباك:
-متشكرة على ذرع الثقة يا دكتورة، بس الحقيقة أنا في وضع لا أحسد عليه، وكله بسبب عزة ربنا يسامحها
ضحكت لتقول بنبرة صادقة:
-طب والله ست زي العسل، أنا حبيتها جداً عزة على فكرة
كانت نظرات سميحة الموجهة إلى إيثار حادة، فقد إعتبرتها غريمتها التي سرقت منها حبيب عمرها والرجل الوحيد الذي تمنته، أما فريال فكانت في حيرة من أمرها، فهي ولأول مرة بالحياة ترى شقيقها سعيدًا لهذه الدرجة،فقد اقتحمت السعادة قلبه بشدة لتغزو جميع جسده وتظهر على ملامحه،فبدا كشابٍ في منتصف العشرينات وهذا ما جعل قربها يتراقص
نظرت عصمت لنجلها وسعادة الدنيا تكونت بنظراتها الحنونة له لتحتضنه بحفاوة وهي تقول:
-أخيرًا ريحت قلبي يا فؤاد
قبل يدها ومقدمة رأسها لينطق بنظراتٍ آسفة:
-سلامة قلبك يا حبيبتي، وحقك عليا
-يا قلبي أنا أهم حاجة عندي تبقى مبسوط…قالتها بنبرة تقطر حنانًا،ليجيبها بجرأة جديدة عليه:
-كلمة مبسوط دي فقيرة قوي جنب اللي أنا حاسة مع إيثار يا ماما
تحدثت بعيناي تنطق سعادة لأجل ولدها الغالي:
-يا حبيبي، ربنا يخليكم لبعض
تحرك فؤاد إلى علام ثم بادر باحتضانه ليهمس كي لا يستمع عليهما أحد:
-مع إنك إتأخرت وخيبت لي أملي فيك، بس على كلٍ مبروك،وعلى رأي المثل،أن تصِل متأخرًا خيرٌ من أن لا تصل أبدًا
رفع فؤاد حاجبه مستنكرًا ليرد بمشاكسة:
-ربنا ما يحرمني من تشجيعك ليا يا سيادة المستشار،دايمًا رافع من معنوياتي
-أغشك يعني؟…قالها بنظرة مستنكرة ليطلق فؤاد ضحكة عالية
أشار بكفه إلى إيثار لتقترب فوضع كفه فوق رأسها ليقول بنبرة أبوية حنون:
-مبروك يا بنتي
أجابتهُ بنبرة خجلة:
-الله يبارك في حضرتك يا سيادة المستشار
تنفس لينطق بكلماتٍ صادقة ظهرت بين نبراته وداخل نظراته الحنون:
-من النهاردة هتقولي لي يا بابا
انتفض قلبها تحت سعادة فؤاد وعصمت في لحظة مؤثرة ليتابع وهو يشير بكفه نحو فؤاد:
-والولد ده لو زعلك تعالي لي وأنا أملص لك ودانه
نظرت إلى فؤاد وبكل جرأة لا تدري من أين أتتها تحدثت بعيناي تفيض غرامًا:
-ده حبيبي وهدية ربنا ليا، ربنا يخليهولي
لم يشعر بحالهُ إلا وهو يسرع إليها ويسحبها ليسكنها أحضانهُ محاوطًا جسدها بذراعيه مشددًا عليها وكأنه يريد إدخالها بين ضلوعه،مال على رأسها ليقبلها بعشقٍ دون أن ينطق بكلمة، فكانت الأفعال كفيلة للتعبير عما شعر به من جراء كلماتها الصادقة
كان الجميع يتابع المشهد بتأثر كبير عدا تلك السميحة فقد غزت نار الغيرة قلبها وأشعلته، تحدث علام بنبرة حنون:
-ربنا يسعدكم يا بنتي ويجعلكم عوض لبعض عن أي حاجة وحشة مريتوا بيها في حياتكم
أمن الجميع على دعائه لينظر فؤاد لشقيقته التي تقف بعيدًا فاقترب عليها ليتحسس خدها ويسألها بنظراتٍ عاتبة:
-مش هتقولي لي مبروك، ولا مش فرحانة علشاني؟
تنفست بهدوء لترتمي بأحضانه بعدما شعرت بالراحة وهي تقول له:
-مبروك يا حبيبي، وربنا يسعدك
قالت كلماته لتتنفس براحة،نظرت إلى إيثار بتعجب،فقد توقعت أن تقص له ما قالته لها لتكسب جولة على حسابها، لكنها لم تفعل، هي متأكدة من حدة فؤاد وصرامته بتلك المواضيع، فلو علم إفترائها عليه لربما تكون تلك النهاية بينهما،فأكثر شيئان يبغضهما بحياته هما الكذب والإفتراء، وهي لم تقصر معه فقد كذبت ولفقت له حديثًا مفبرك،إحتارت حقًا في أمرها وقررت متابعتها عن كثب ومراقبة أفعالها لربما تكون تلك خطتها لخديعتهم
إقترب ماجد لينطق بهدوء:
-مبروك يا مدام إيثار
-الله يبارك فيك يا دكتور… هكذا أجابته بجدية،جلس فؤاد وأجلسها بجواره فوق الأريكة وبدأوا بالحديث،تحدث فؤاد للجميع بتذكر:
-بالمناسبة يا باشا، أيمن الاباصيري إتصل بيا إمبارح بالليل وبيطلب من جنابك تحدد له ميعاد علشان يجيب عيلته وييجوا يزورا إيثار
تحدث بإبتسامة هادئة وهو ينظر لتلك التي استقبلت الخبر بكثيرًا من السعادة وكأنها عائلتها الأصيلة:
-الباشمهندس ينور طبعاً،خليه يشرفنا بكره بالليل،ده كفاية إنه من طرف إيثار
شملته بعيناي تفيض من الشكر والعرفان وهي تقول:
-متشكرة يا سيادة المستشار
زمجر بافتعال وهو ينطق معترضًا:
-إحنا قولنا إيه؟!
-متشكرة يا بابا… قالتها بسعادة ليحتضن كفها ذاك الفارس المجاور لها والذي يحمل يوسف فوق ساقيه من يراهم يعتقد انهم عائلة واحدة وسعيدة
لتنطق عصمت بنبرة حماسية:
-خلينا نحدد ميعاد لحفلة كبيرة يا باشا، نعلن فيها عن جواز فؤاد من إيثار وكمان بمناسبة ترقيته
إلى هنا لم تستطع سميحة الجلوس وهبت لتصعد للأعلى وتركت الجميع يتفقون على موعد الحفل
صدح هاتف فؤاد الموضوع فوق المنضدة ليمسكه ينظر بشاشته ثم ضيق عينيه ليوجه حديثه لها باستغراب:
-ده رقم نصر البنهاوي؟!
-وده عاوز منك إيه…قالتها بتعجب لتسترسل:
-وجاب رقمك منين أصلاً؟!
أجابها بهدوء:
-خلينا نرد ونشوف
وقف وبسط لها كف يده بطريقة أظهرت كم عشقه وإهتمامه بها لتبتسم له وهي تضع كفها بخاصته ليطبق عليه ويحتويه،سارت بجواره متجهين خارج الحديقة إلى أن وصلا لنقطة لن يستطيع أحدًا الإستماع إليهم وضغط زر إستقبال المكالمة حيث صدح الهاتف للمرة الثانية،ضغط أيضًا على زِر مكبر الصوت ليستمع لصدوح صوت نصر حيث نطق بحماس:
-إزيك معاليك يا سيادة المستشار
واستطرد بتفاخر:
-مع جنابك سيادة النائب نصر البنهاوي عضو مجلس الشعب
أجابهُ بصوتٍ رخيم:
-أهلاً وسهلاً يا سيادة النائب، إسمك ظاهر لي في الـ Truecaller
تنفس نصر الجالس ببهو منزله يجتمع حوله إجلال، عمرو،طلعت وحسين يترقبون لحديثه،تابع حديثه قائلاً:
-أهلاً بيك يا باشا،متأخذنيش إني بكلمك على غير ميعاد، أنا خدت رقم تليفونك من واحد حبيبي علشان عاوز جنابك في موضع مهم
واستطرد منافقًا:
-قبل ما ياخدنا الكلام حابب أهنيك على الترقية،وصلتني معلومات إن جنابك إترقيت وخدت منصب كبير
اشتعل داخل عمرو المجبر على الجلوس والإستماع لمكالمة والده لذاك الحقير سارق أحلامه،حيث اقتحم حلمه باللحظة الأخيرة ولم يكتفي بخطف زوجته بل اكمل على ما تبقى وسرق صغيره الرقيق،رد فؤاد بهدوء ورزانة يتميز بهما:
-الله يبارك فيك يا سيادة النائب، ياريت تدخل في الموضوع على طول لأن وقتي محسوب
اشتعل داخل نصر من غطرسة ذاك المتعالي لينطق بتفهم مفتعل نظرًا لمنصبه الجديد ومكانة والده أيضًا:
-مفهوم يا سعادة الباشا،كان الله في العون، أنا بكلم جنابك علشان ألاقي طريقة أبعت بيها مصاريف يوسف الشهرية
قطبت إيثار جبينها ليسأله فؤاد وهو ينظر لحبيبته:
-على حد علمي إن مصاريف يوسف بتتبعت له عن طريق المحكمة يا سيادة النائب
أجابه بنبرة خبيثة أراد بها بث السم وزعزعة العلاقة بين فؤاد وإيثار:
– إنتَ قصدك المبلغ اللي المحكمة حاكمة بيه يا باشا،تفتكر بردو أن حفيد نصر البنهاوي هيصرف سبعمية جنية في الشهر
واسترسل بكبرياءٍ وغرور:
– ده أنا بديهم للبت الخدامة اللي عندي تجيب بيهم فاكهة لعيالها وهي مروحة
تنفس لينطق بزهوٍ زائف:
-أنا ببعت لـ إيثار كل شهر تلاتين ألف جنية جنابك،يدوب يغطوا مصاريف حفيدي الغالي
جحظت عينيها فور إستماعها لكلماته الكاذبة وكادت أن تصيح وتكذبه لولا أصبع فؤاد الذي سبقها ووُضع فوق شفتها بنعومة ليطمأنها بعينيه مطالبًا بـ صمتها، هزت رأسها تنفي جميع إفتراءته ليرمش بعينيه دليلاً على تصديقه لها،فهي قد قصت له كل ما يخص هذا الموضوع هو والمحامي الذي احضره لها بالقصر ليتابع القضية،تابع نصر إختلاقه قائلاً:
-ده غير مصاريف المدرسة أنا اللي بدفعها كلها، كل ده ببعتهولها مع عزيز أخوها وتقدر جنابك تسأله
إكفهرت ملامحها وبدأت بهز رأسها مستنكرة حديث ذاك الكاذب المضلل والذي يريد به تشكيك فؤاد بها لينطق فؤاد بنبرة قوية واثقة:
-إسمعني كويس يا سيادة النائب،الكلام اللي حضرتك بتقوله ده ملوش أي أساس من الصحة بالنسبة لي أنا كرجل قانون اللي بيوصل إيثار هو المبلغ المدون في دفاتر المحكمة واللي بتستلمه هي كل شهر بشكل رسمي وقانوني،تاني حاجة لو سيادتك فعلاً عندك النية إنك تصرف على حفيدك بما يرضي الله ويتناسب مع دخلك ومكانتك الإجتماعية إتفضل إعمل ده بشكل قانوني والمبلغ يوصل ليوسف عن طريق المحكمة
هتف نصر متسائلاً بحدة:
-يعني إيه كلامك ده يا باشا، إنتَ بتكدبني ولا إيه؟!
على عجالة رد فؤاد بطريقة دبلوماسية تستتر بين طياتها تكذيبه لجميع إفترائاته:
-ياريت متدخلنيش في النقطة دي يا نصر بيه،أظن أنا حسمت لك الموضوع من شوية وقولت لك إني رجُل قانون وبمشي بالورق والمستندات القانونية، عندك مستند قانوني يثبت كلامك أهلاً وسهلاً، معندكش إسمح لي هتعامل مع كلامك كأنه هراء وملوش أي وجود من الصحة بالنسبة لي
إستشاط داخله من عجرفة ذاك القوي ليتراجع سريعًا كي لا يكسب عداوة فؤاد ليتابع بمكرٍ وخُبث لزعزعة ثقته بتلك الإيثار:
-أنا فاهم مقصد جنابك وعاذرك، إنتَ بردوا لسة متعرفش مين هو الحاج نصر البنهاوي، أنا الحمدلله بتقي ربنا في كل شئ وبخافه
إبتسامة ساخرة اعتلت وجه فؤاد مع هزت رأس استنكارية وهو ينظر لحبيبته العابسة ليمرر أنامله يداعب بها وجنتها الرقيقة كي يطمأنها ويحسها على الإبتسامة ليتابع ذاك المضلل قائلاً بزرع بذور الشك:
-انا بس قولت اشرح لك الوضع لتكون إيثار نسيت تقول لك، وتفتكر سعادتك إن سيادة النائب نصر البنهاوي بيدفع لحفيدة مبلغ تافة زي ده
ليستكمل:
-الخلاصة يا باشا أنا هبعت المبلغ لـ إيثار مع السواق بتاعي على قصر جناب المستشار
على الفور خرجت كلماتٍ حاسمة من فم فؤاد لحسم الموضوع:
-ياريت ماتتعبش نفسك لأني مش هقبل حاجة زي دي، وزي ما قولت لك عاوز تبعت حاجة إتفضل خلي المحامي بتاعك يقدم طلب للمحكمة يطلب فيه تعديل وزيادة قيمة النفقة، غير كده مش هسمح بدخول مليم واحد لمراتي منك
هتف بنبرة صارمة لصوتٍ قوي:
-أظن كلامي واضح
-واضح يا باشا…قالها بتأكيد ليتابع بمكرٍ وشماتة ظهرا بنبرات صوته:
-بس يعني مش مستاهلة أخلي المحامي يعمل كل ده وأنا كده كده هاخد حضانة حفيدي في أقل من شهر بعون الله
انتفض جسدها وتجلى الهلعُ بنظراتها لمجرد الفكرة ليجذبها ويحاوطها بذراعه مقربًا إياها داخل أحضانه ليستند بذقنه على رأسها بخفة قبل ان يقول:
-الموضوع ده بقى بالذات نترك الحكم فيه للقانون يا رجُل القانون،وإنتَ عارف القضاء المصري عادل وصارم
أجابه على عجالة:
-أكيد يا باشا، وأنا علشان واثق في القانون حاسس إنه إن شاءالله هينصفنا ويرد لي حفيدي، واستطرد بدهاء بعدما بحث خلفه واستطاع معرفة بعض المعلومات عنه وعن أسرته:
-وانا شايف إن ده أنسب لسعادتك كمان، أهو على الأقل تفضي لمراتك وتخلف لك منها حتة عيل يشيل إسمك وتفرح بيه قلب الباشا الكبير
-سيادة النائب…قالها بحزمٍ وحدة لعدم تقبله لتدخل هذا الحقير في حياته الشخصية ليستطرد بنبرة أشد حزمًا وقوة:
-يا ريت تلزم حدودك وتلتزم بيها لما تتكلم معايا
واسترسل بنبرة صارمة وهو ينهي الحديث دون إنتظار الرد من الطرف الاخر:
-والوقت مضطر أقفل لأنك أخدت من وقتي كتير، مع السلامة
أغلق الخط بوجهه لتبتعد عن أحضانه وهي تهتف بنفيٍ برأسها وملامح وجه مذهولة:
-متصدقهوش يا فؤاد،نصر ده راجل كذاب
حاوط ذراعيها بكفاه لينطق مهدئًا إياها بنبرة تحمل حنان العالم أجمع:
-إهدي يا بابا
هزت رأسها لتقسم بنفيٍ لحديث ذاك الكاذب:
-والله العظيم الكلام اللي بلغك بيه ده ما حصل ولا عمره بعت لي فلوس مع حد
بنظرات عيناي حنون تحدث بكلماتٍ كي يبث السكينة بروحها:
-يا حبيبي أنا عارف وواثق ومتأكد من كلامك اللي قولتهولي قبل كده، هو قاصد يقول الكلام ده علشان يشككني فيكِ
وتابع بذات مغزى ودهاء:
-مش عارف إني كاشف كل ألاعيبه القذرة دي واللي أفظع منها كمان
سألته بعيناي تائهة:
-طب هنعمل إيه يا فؤاد، ده شكله بيخطط لحاجة ومش هيسكت
أخذ نفسًا مطولاً ثم أجابها بطمانينة:
-مش عاوزك تقلقي من أي حاجة طول ما أنا جنبك،أنا متابع الوضع كويس قوي، كل اللي مطلوب منك تنسي خالص الموضوع وتتصرفي على اساس إن يوسف خلاص بقى في حضانتك
إقترب عليها ليحتضن وجنتيها بين كفاه لينطق بعيناي تصرخ من الوله:
-عاوزين نفضى لنفسنا شوية، إنتِ ناسية إننا عرسان جداد ومحتاجين نتدلع ولا إيه؟
-أحلا دلع لعيونك يا باشا…نطقتها بإبتسامة ساحرة ليرد عليها بعيناي تلتهم ملامحها:
-والله ما حد باشا غيرك،عندنا خلخال محتاج يزلزل الجناح فوق
ضحكت بدلال أثار داخله ليتحمحم سريعًا حينما لاحظ إقتراب أحدهم عليهما فحول بصره ينظر بترقب لذاك السخيف الذي قطع وصالهما فوجدها سميحة،كانت تتطلع على تقاربهما بنظراتٍ حادة وما أن لمحتها تلك العاشقة حتى إلتصقت بزوجها لتلف ذراعها خلف خصره تأكيدًا منها على ملكيتها الخاصة له،رمقتها سميحة بحدة ردتها لها إيثار بتحدي،أخذت نفسًا مطولاً ثم تحدثت إلى فؤاد بإبتسامة إصطنعتها بإعجوبة:
-أنا ماشية يا فؤاد
أجابها من باب المجاملة:
-متخليكِ معانا النهاردة يا سميحة
إبتلع باقي جملته واطلق تأوهًا مكتوم على خلفية لكزة قوية قد سددتها له تلك العاشقة التي لكزته بكفها على ظهره،إقتربت عليه سميحة لتسأله:
-مالك يا فؤاد، إنتَ كويس؟
كادت أن تتمسك بكفه فابتعد للخلف سريعًا لينطق بمغزى:
-هبقى كويس إن شاء الله
نطقت بجدية بعدما لاحظت ابتعاده المتعمد:
-أوكِ، أنا مضطرة أمشي حالاً علشان بابي مستنيني على الغدا، بس متقلقش،هروح البيت أظبط شوية حاجات خاصة بشغلي وهرجع تاني
واسترسلت وهي تنظر إلى إيثار بتحدي:
-هقعد معاكم يومين بحالهم قبل الحفلة
-تنوري يا روحي…قالتها إيثار بصوتٍ رخيم مع إبتسامة صفراء بادلتها الأخرى بمثيلتها لتجيبها بعدم تقبل ظهر جليًا بنظراتها:
-ميرسي
-باي باي يا فؤاد…نطقتها بغنچ وهي تقترب عليه إستعدادًا لتقبيله وبلمح البصر كانت تلك العاشقة تقف حائل بينهما لتتراجع الاخرى سريعًا وباتت ترمقها بنظراتٍ نارية وذهول لتقطع حبل أفكارها تلك التي نطقت باستخفاف:
– Sorry يا روحي
وتابعت بتملك ظهر بعينيها الحادتين وهي تقف أمام رجلها بشراسة:
-من النهاردة مش هينفع تقربي من فؤاد بالشكل ده تاني
أشارت بكفها باستخفاف وهي ترمقها بتقليل:
-إنتِ بتقولي إيه، إنتِ عارفة فؤاد ده بالنسبة لي إيه؟!
اجابتها بازدراء ونظراتٍ نارية:
-إبن عمك،يعني لا أبوكِ ولا أخوكِ ولا جوزك علشان تحضنيه وتبوسية بالطريقة السخيفة والغير مقبولة دي
أنا مالي بأفكارك المتخلفة دي…قالتها باستهجان وهي ترمقها باستخفاف لتتابع برفضٍ تام لتصرفها:
-ثم إنتِ مالك أصلاً أحضنه ولا ما أحضنهوش
كان يتطلع على حبيبته وهي تدافع عن حقها به بمنتهى الشراسة بقلبٍ يرفرف من شدة سعادته،ما أسعدهُ من رجُل،لقد كانت اقصى أمانية منذ القريب أن تسمح له تلك العنيدة الدخول لجنتها، أما الأن فهي تقف بوجه إمرأة أخرى لتدافع عنه بقوة حيثت نطقت بمنتهى الوحشية كنمرة:
– ده مالي وحلاالي،ده جوزي، يعني ملكية خاصة وممنوع الإقتراب زي ما بيقولوا، ومن النهاردة مشوفكيش تقربي منه بالشكل السخيف اللي عملتيه إمبارح لأني مش هسمح لك
صاحت بحدة وهي تستنجد به:
-فؤاد، إنتَ ساكت لها ليه
تنفس بعمقٍ وجذب تلك الواقفة أمامه لتنضم جانبه ليحيط خصرها ويلصقها بقوة أثارت كليهما ثم نظر للجاحظة عينيها والتي اوشكت على إصابتها بذبحة صدرية ليقول بتفاخر وراحة ظهرت فوق ملامحهِ:
-الكلام في الجزئية دي بالذات لـ مراتي وأنا عليا الطاعة
شعرت وكأنها فراشة تتراقصُ على أنغام كلماته التي تجزم على انها لم تستمع نغماتٍ أرق منها طيلة أعوامها،أما سميحة فتطلعت إلى رجل حياتها التي لم تتمنى سواه بحياتها لتسألهُ بذهول:
-نعم؟!،فؤاد يا علام، إنتَ شارب حاجة،ما أنتَ أكيد مش في وعيك؟!
تعمق بعيناي خاطفة أنفاسه لينطق بصوتٍ يأن عشقًا:
-شارب النعيم كله على إيد حبيبي
يعني إنتَ موافق على الافكار المتخلفة اللي بتقولها دي؟!
كاد أن يرد فقاطعته إيثار لتقول بنبرة جادة:
-على فكرة يا دكتورة،إنتِ محتاجة تقرأي وتتعمقي أكتر في أحكام دينك،الحضن وبوسة الخد اللي إنتِ مستهونة بيهم دول وإنتَ بتديهم لراجل أجنبي عنك، عقابهم عظيم عند ربنا
خجل من كلماتها الجادة،فكان من الأولى إتباعه هو لأحكام الشرع الذي تمعن بدراسته،لكنه للاسف إنساق وراء الأفكار التحررية للطبقة التي خلق منها،أما هي فرمقتها بنظراتٍ تقليلية لتهز رأسها وتوجه حديثها إلى فؤاد متلاشية وجودها وكأنها لم تستمع لشيئًا من الأساس:
-هشوفك قريب يا فؤاد،bye-bye.
-بجحة…قالتها إيثار وهي تنظر لذهابها باشتعال لتنطلق ضحكات ذاك الوسيم الذي أرجع رأسه للخلف وبدأ بإطلاق القهقهات المتتالية لتبتعد عنه وتربع ساعديها فوق صدرها لتنطق بحنقٍ:
-ممكن أعرف بتضحك على إيه؟!
بصعوبة توقف عن إطلاق ضحكاته ليتطلع عليها وبعيناي تتأكلها قال:
-على حبيبي الشرس اللي بيدافع عن جوزه بكل قوته
إبتسمت بخجلٍ ليستكمل ضحكاته مسترسلاً بدعابة:
-البنت خلاص،مش هتدخل البيت ده تاني
-يكون أحسن بردوا…قالتها بملامح وجه غاضبة، إقترب منها ليقول بوقاحة:
-بقول لك إيه،ما تطلعي تجهزي وتستعدي للخلخال، اللانجري النبيتي هيليق عليه جداً
إبتسمت خجلاً ليسحبها من كفها وتحركا عائدين للداخل من جديد.
إنتهى الفصل
أنا لها شمس
بقلمي روز أمين