روايات روز أمين

رواية انا لها شمس لروز أمين الجزء الثالث

رواية انا لها شمس الفصل الثامن والعشرون لروز أمين

أشرقت الشمس من جديد لتدب الحياة بقصر علام زين الدين حيث يعمل جميع من بالمطبخ على قدمٍ وساق لتجهيز مائدة الفطار قبل أن تتجمع أفراد العائلة حولها ككل صباح،تحركت عزة وتطلعت لحركة الجميع النشطة باستحسان وانبهار بتنظيمهم،وقفت في المنتصف تتطلع إلى تلك الواقفة بلباسها الأنيق تباشر العاملات لتنطق هي بصوتٍ مرتفع متعمدة ليصل للجميع:
-مدام سعاد،
إلتفتت إليها سعاد لتتابع بنفس الصوت الحماسي:
-فؤاد باشا قال لي إمبارح بالليل أبلغك إنه نايم في جناح الست إيثار، وبيقولك محدش يصحيهم ،هما هيقوموا بمزاجهم
تطلعن جميع العاملات إلى بعضهن وبدأن بالهمس والاحاديث الجانبية فيما بينهن لترفع سعاد قامتها قبل أن تسألها:
-هو الباشا مش هيروح النيابة النهاردة؟!
نطقت وهي ترفع قامتها في محاولة منها لتقليد تلك الراقية:
-لا،هو قال لي يا عزة أنا مش هروح الشغل بكرة ومحدش يقلقنا علشان هنام متأخر

ضحكت العاملات بخفوت لترمقهن سعاد بحدة وتعود ببصرها إلى تلك التي تابعت بكبرياء يرجع لتفضيل فؤاد لها عن سعاد بذاتها برغم مكانتها المرتفعة بالمنزل:
-وقالي كمان،خلي سعاد تجهز نفسها هي وكام بنت علشان يطلعوا يساعدوكي وإنتِ بتنقلي حاجة الهانم لجناحي الخاص
لتسترسل بسعادة وتفاخر:
-وقال لي يا عزة،طلعي حاجتك في جناح الهانم علشان من النهاردة ده هيبقى جناحك إنتِ ويوسف
تنفست سعاد بضيق لتهتف وداد تسألها بتطفل:
-يعني إيثار هانم هتعيش خلاص مع الباشا في جناحه؟!

هزت رأسها عدة مرات دلالة على التأكيد لتهتف إحدى العاملات بحفاوة:
-المفروض نجهز فطار العرايس من الوقت، فطير وعسل
لترد عليها أخرى بمشاكسة:
-ومتنسيش الحمام، الباشا بتاعنا بيحبه

هتفت أخرى بعدما قررت المشاركة في ذاك السباق:
-وهو الباشا محتاج الحمام، ده الله أكبر عليه
إنطلقت ضحكات جميعهن لتصيح سعاد بنبرة صارمة:
-سكوت، مش عاوزة أسمع نفس واحدة فيكم
دارت بعيناها الثاقبة بينهن لتتابع بصرامة أرعبتهن:
-شوفي شغلك منك ليها بدل الرغي والكلام الفاضي، الدكتورة لو صحيت وملقتش السفرة جاهزة كلكم هتتجازوا

ثم استدارت تتطلع لتلك العزة والتي أخذت أوامر من عصمت وفؤاد بشخصه بأن يتعامل الجميع معها باحترام وأنها ليست بعاملة بل إيثار تعاملها كشخصًا من عائلتها لذا فقد حرصت عصمت على إحترام تلك النقطة كي لا تثير حزن تلك الخلوقة التي استطلعت جذب نجلها الغالي إليها،تحدثت إليها باحترام وهدوء:
-حاضر يا عزة، لما الباشا الصغير يصحى هنطلع مع بعض ننفذ أوامره

مالت عزة بجانب أذنها لتسألها بتمعن:
-هو أحنا مش هنعمل لهم فطار يرم عضمهم
قطبت الأخرى جبينها متعجبة للكلمة لتسترسل الاخرى:
-الباشا هيقوم هفتان أكيد،ولازم له أكلة حلوة تروم عضمه

تحمحمت سعاد لتقترب عليها قبل أن تسألها لتتأكد لتبلغ سيدتها:
-إنتِ متأكدة إن الباشا والهانم،
تحمحمت بخجل لتعيد عليها:
-يعني،تمموا جوازهم بجد؟
لوت فاهها لتجيبها باستياء يرجع لتشكيك الاخرى بحديثها:
-وأنا يعني هضحك عليكِ؟
لتسترسل بثرثرة وهي تشير بكفها:
-طب ده أنتِ لو شفتي شكله وهو بيفتح لي الباب، شعره كان منكوش وهدومه…
-خلاص خلاص…صاحت بها المرأة وهي تشيح بكفها لتصمتها قبل أن تتجرأ في الوصف أكثر،تنهدت عزة لتسألها من جديد:
-بردوا مقولتليش، هنعمل لهم فطار إيه
رفعت المرأة قامتها قبل أن تنطق بجدية:
-هسأل الدكتورة لما تصحى،وهي هتقول لنا

بالأعلى، فاقت سميحة ووقفت أمام مرآة الزينة المتواجدة بالغرفة المجهزة لإستقبال الضيوف تستعرض الثوب الذي أحضرتهُ لها فريال لترتديه بدلاً عن ملابسها التي حضرت بهم واتسخت،ابتسمت بسعادة وهي تتطلع لبهائها وجمال شعرها الأشقر المجعد التي فردته فأعطاها مظهرًا حيويًا لفتاة عصرية،أخرجت قنينة عطرها من حقيبة يدها ونثرت من رذاذه فوق عنقها وفتحة صدر الثوب ثم أخرجت أحمر شفاه باللون النحاسي وبدأت بضم شفتيها لتضعه بتمهلٍ وما أن انتهت تطلعت على حالها بخيلاءٍ ثم تحركت سريعًا كي تحضر الفطور من بدايته لترى حبيبها وتسعد قلبها وعيناها برؤياه البهية،تحركت للخارج لتتابع طريقها داخل الممر المؤدي للدرج واثناء مرورها تصادف خروج فريال وزوجها من باب جناحهما الخاص،توقفت تتبادل معهما الإبتسامات وهي تقول:
-صباح الخير
ردوا التحية وانسحب ماجد ليسبقهما للاسفل لتسألها فريال بملامح متعجبة:
-صاحية بدري ليه،ده أنا قولت هتنامي لحد أذان الظهر!

أجابتها بإيضاح:
-إنتِ ناسية إني كنت بحضر ماجستير في بريطانيا، وهناك كنت بقوم بدري جداً
تحركا حتى وصلا إلى جناح فؤاد لتسألها بصوتٍ هائم:
-هو أنا ممكن أدخل عند فؤاد،يعني علشان أستعجله
ضحكت بمرح لتجيبها وهي تسحبها من يدها صوب الباب:
-تعالي نستعجله أنا وإنتِ،تلاقيه لابس وجاهز على النزول

طرقت بخفوت عدة مرات وحينما لم تجد ردًا فتحت الباب بهدوء لتطل برأسها وباتت تتطلع على المكان باستغراب، حيث وجدت الحجرة فارغة وستائرها مغلقة لتتطلع على الفراش بتعجب لترتيبه الزائد عن الحد،تنفست بهدوء لتعود للخلف وهي تغلق الباب تحت تعجب سميحة لتقول الاخرى:
-مش موجود،أكيد عنده شغل بدري ونزل
سألتها بعيناي متلهفة:
-يعني هلاقيه لسة تحت ولا مشي على شغله؟
أجابتها فريال وهما تتحركان صوب الدرج:
-فؤاد مبيخرجش قبل ما يفطر، وشغله مبيبدأش قبل تسعة

دخلتا معًا لحجرة الطعام حيث الجميع جالسون حول طاولة الطعام عدا العاشقان الغارقان بالاعلى بأحضان بعضيهما،رحب الجميع بسميحة لينطق عمها بحفاوة وهو يشير على المقعد المجاور لزوجته:
-تعالي يا حبيبتي إقعدي جنب طنط عصمت
ابتسمت لها عصمت لتنطق هي قبل الجلوس:
-هو فؤاد فين؟!
نطقت عصمت بجمود وعدم ارتياح للوضع التي فرضته فريال على الجميع:
-شوية وهينزل، إقعدي يا حبيبتي
سحبت المقعد لتجلس عليه بهدوء قبل أن تقول باستغراب:
-هينزل منين،! فؤاد مش في أوضته يا طنط

تغيرت ملامح عصمت لحادة قبل أن تسألها بجدية وصرامة ترجع لعدم قبولها لتعدي أحدهم الأصول والإحترام بمنزلها:
-وإنتِ عرفتي منين إنه مش في أوضته؟!
ارتبكت من لهجة عصمت الحادة لتنقذها فريال التي تدخلت لانتشالها من صرامة والدتها التي لا تتهاون مع الخطأ أبدًا:
-أنا عديت عليه يا ماما وإحنا نازلين،ولقينا الجناح فاضي ومترتب

قطبت عصمت جبينها ونظرت لزوجها الذي فهم سريعًا ما حدث لما لديه من فطانة وأيضًا كان واضحًا له من نظرات إيثار وغيرتها المستعرة بعيناها على زوجها، وأيضًا راقب نظرات نجله حيث كان يتعمد إثارة الغيرة بقلبها وهو يراقب رد فعلها دون ملاحظتها للأمر،تحمحمت عصمت التي لم تفهم نظرات زوجها إلى الان لترفع صوتها تستدعي كبيرة العاملات:
-سعاد، سعاد
أتت المرأة لتقف منحنية قليلاً وهي تقول باحترام:
-أفندم يا دكتورة
تعمدت نطق سؤالها بهذا الشكل كي تقطع الأمل على تلك السميحة التي استدعتها ابنتها لمهمة التفريق بين نجلها ومن إختارها فؤاده:
-فؤاد باشا والهانم منزلوش لحد الوقت ليه؟!
تحمحمت المرأة وأقتربت لتميل بجانب أذنها لتخبرها بما قصته عليها عزة،لا تعلم ماذا حدث لقلبها، فقد انتفض وعلت دقاتهُ من جمال المفاجأة،ظهرت السعادة جليًا فوق ملامحها لتسألها بتأكيد:
-إنتِ متأكدة؟!
أومأت لتجيبها بهمسٍ:
-أنا بنفسي طلعت وإتأكدت إن جناح معاليه فاضي ومنمش فيه إمبارح يا دكتورة

شملت كيانها راحة تامة لم تشعر بمثلها منذ الكثير لتأخذ نفسًا عميقًا قبل ان تقول:
-تمام، خلي البنات يطلعوا يوضبوا الجناح كويس وشوفي لو ناقصه حاجه بلغيني

-تحت أمرك يا دكتورة… قالتها المرأة وانصرفت لتتحدث عصمت بحبورٍ لم تستطع تخبأته:
-فؤاد بايت في أوضة مراته وواخد أجازة من شغله النهاردة

صوت ضحكة خرجت مكتومة من ماجد الذي تخيل واقع الخبر على زوجته التي خططت وكان للقدر وشقيقها رأيٍ أخر،سعلت سميحة بشدة حيث توقف الطعام في حلقها فور استماعها لذاك الخبر الذي أنهى الأمل بداخلها من جديد بعد أن تجدد بفضل تشجيع إبنة عمها،ناولتها عصمت كأس الماء لتنطق بهدوء:
-إشربي يا حبيبتي وخلي بالك
أما فريال فهتفت متسائلة بحدة خرجت رغمًا عنها:
-مين اللي قال لحضرتك الكلام الفارغ ده يا ماما؟

تعجب علام من هجوم صغيرته وثورتها العارمة التي ظهرت بعينيها المعترضة ليسألها متعجبًا بمنطقية:
-وإيه العجيب والفارغ من بيات راجل في أوضة مراته يا فريال؟!
-آسفة يا بابا،خاني التعبير …قالتها بصوتٍ محبط وهي تنظر للأسفل، أما سميحة فحالها أصبح حال، فقد أتت متحمسة بعد إستدعاء فريال لها وإعطائها أملاً لتكتشف اليوم أنهُ كان زائفًا وتحول من جديد لسراب،
استمع الجميع لصوت بكاء الصغير الاتي من الخارج وأيضًا صوت عزة وهي تهدهده وتحاول إلهائه،استدعاها علام لتلج إليهم ليسألها عن سبب بكائه وهو ينظر للصغير بحنان فهو منذ أن حضر للقصر قد ملأهُ مرحًا وسعادة ترجع لقبولٍ قد وضعه الله في قلب كل من يراه،أجابته بهدوء:
-أصله عاوز مامته يا باشا
-ومستنية إيه، ما طلعيه عندها…جملة حادة نطقت بها فريال لتجيبها تلك الثرثارة التي انفتحت بالحديث كعادتها:
-مينفعش يا هانم،سيادة المستشار منبه عليا محدش يطلع يصحيهم،وقالي إحنا هنصحى بمزاجنا،أصل سعادته أخد أجازة النهاردة،ويمكن ياخد باقي الأسبوع كمان،
لتسترسل بسعادة ظهرت جليًا بصوتها وفوق ملامحها:
-عرسان بقى، عقبال ولادك
هتفت متذكرة وهي تنظر إلى عصمت:
-إلا بالحق يا دكتورة، هو أحنا مش هنعمل فطار يليق بالعرسان
ابسمت عصمت لتتابع الاخرى بثرثرة ليست بجديدة عليها:
-اصل سألت الست سعاد وقالت لي هبقى أسأل الدكتورة، ولحد الوقت مردتش عليا

تنفست براحة لتجيبها بحبورٍ ظهر بصوتها:
-إدخلي المطبخ وإعملي كل اللي تشوفيه مناسب، والبنات معاكِ هيساعدوكي، ولو محتاجة حاجة من برة خلي سعاد تطلبها لك
لتسترسل بنبرة سعيدة وهي تنظر إلى ماجد:
-خدي لي أجازة عارضة من الشؤون يا ماجد
واستطردت وهي تنظر لزوجها الضاحك:
-ميصحش أسيب العرسان في يوم زي ده

أجابها باحترام:
-تحت أمرك يا دكتورة
وتابع هامسًا بعدما مال على أذن زوجته:
-أهو أخوكِ بنفسه حسم لك الأمر، إهدي بقى وتقبلي الوضع، وبلاش تنكشي في مواضيع ممكن تفسد علاقتك باخوكِ
تنهدت بخيبة أمل وهي تنظر لإبنة عمها حيث سيطر الحزن عليها والتزمت الصمت التام

تحدث علام وهو يشير للصغير الذي توقف عن البكاء إثر هدهدت عزة له:
-تعالى يا يوسف إقعد على حجري علشان تفطر معايا

نطق بصوتٍ خافت:
-ميرسي،أنا أكلت مع عزة

-أنا أكلته يا باشا،هخرجه يلعب شوية في الجنينة على ما مامته تصحى…قالتها عزة لتنسحب الصغيرة من المقعد المجاور لأبيها وهي تستأذن من والدتها:
-مامي، أنا هروح ألعب في الجنينة مع چو
-أوكِ يا بيسان…نطقتها بهدوء لتلتفت إلى عزة وهي تقول بتوصية:
-خلي بالك منها يا عزة،وإوعوا يروحوا ناحية البيسين
-حاضر يا مدام…تحركت عزة بالصغار لتهب سميحة من مقعدها وهي تقول باقتضاب:
-بعد إذنكم
سألها علام بحنو:
-رايحة فين يا سميحة، إنتِ ما أكلتيش حاجة لسه
-مليش نفس يا عمو…قالتها وانسحبت للخارج لتتطلع عصمت لإبنتها بنظراتٍ لائمة لما فعلته بإبنة عمها،ليهمس زوجها بنبرة لائمة:
-ضميرك مرتاح باللي عملتيه في بنت عمك،كان إيه لزمته كل ده يا فريال؟!
شعرت بالخزي لتقف بهدوء وهي تقول:
-هروح أشوف سو
صعدت لغرفة الضيوف وجدت إبنة عمها تبكي بغزارة،جلست بجوارها لتهتف الاخرى بنبرة حانقة ودموعها تنهمر بغزارة:
-أنا عاوزة أعرف أنا فيا إيه مش عاجبه علشان يسيبني مرتين،أول مرة فضل عليا نجلا وإتجوزها وفي الاخر طلعت نصابة وكانت هتوديه في ستين داهية،والمرة دي فضل عليا واحدة مطلقة وعندها ولد ومستواها المادي لا يشرف عيلتنا ولا يناسبه
تحدثت الأخرى بهدوء:
-ممكن تهدي
-أهدى إزاي يا فيري وفؤاد كل مرة بيتعمد يهيني…قالتها بصريخ لتتابع بمرارة:
-فؤاد مش غبي علشان مياخدش باله من إني بحبه
ردت فريال على حديثها باستسلام:
-مشكلة فؤاد إن طول عمره شايفك أخته الصغيرة
هتفت الاخرى بعيناي لائمة:
-ولما أنتِ شايفة كده وعارفة إنه بيحبها كلمتيني وأدتيني أمل ليه يا فيري؟!، ما أنا كنت بعيدة وبحاول أنساه وأشغل نفسي بالماجستير وشغلي

ابتلعت لعابها لتنطق بكلماتٍ تعلم من داخلها عدم صحتها لكنها مصرة على إبعادها عنه من شدة ارتيابها على شقيقها الغالي:
-صدقيني فؤاد مش بيحبها
واسترسلت بحديث هرائي:
-تلاقيه كان رايح يتكلم معاها في موضوع ونعس ونام عندها

-إنتِ مصدقة نفسك يا فريال؟!…سؤالاً وجهته لها سميحة باستياء لتتابع باستسلام وهي تنهض:
-أنا لازم أمشي قبل ما فؤاد يصحي، مش لازم يشوفني وأنا بالضعف ده

جذبت يدها للاسفل لتحثها على الجلوس وهي تقول:
-هتمشي تروحي فين، إنتِ لازم تبقي أقوى من كدة،عاوزة تنسحبي من أول جولة، صدقيني، هتلاقيها هي اللي رامية نفسها عليه علشان تكمل خطتها

هتفت باعتراضٍ غاضب كي لا تدع حالها تتعلق بأملٍ ومن جديدٍ يتحول إلى سراب:
-أخوكِ اللي رايح لها اوضتها يا فريال، لو العكس كنت قولت لك جايز، لكن فؤاد هو اللي بايت عندها وكمان أخد لها أجازة،وده ملوش غير معنى واحد، وهو إن فؤاد عاوزها بإرادته

-طب ممكن تهدي ونقعد نتكلم شوية…نظرت لها لتهتف متذكرة بنبرة عاتبة:
-تعالي هنا يا ست فيري، إنتِ إزاي تخلي بيسان تختلط بالولد إبن السكرتيرة؟!
قطبت فريال جبينها لتتحدث باستغراب:
-وإيه المشكلة لما بنتي تلعب معاه، على فكرة الولد متربي كويس جداً وطبعه هادي
رفعت حاجبها لتهتف باستنكار:
-يا سلام،وهو علشان هادي تسيبي بنتك معاه، الولد من بيئة غير بيئتنا يا فريال
أخذت فريال نفسًا مطولاً ثم تحدثت بقناعة وصدق:
-بصي يا سو،موضوع الطبقات ده أنا مبعترفش بيه خالص،بابا وماما ربونا على كده، وأنا شايفة إن طالما الإنسان اللي قدامي متربي كويس معنديش مانع يبقى صديق مقرب مني
هزت الاخرى رأسها متعجبة لتنطق بسؤالٍ منطقي:
-إنتِ غريبة قوي، طب لما هو ده تفكيرك إيه وجه إعتراضك على إيثار؟!

وكأنها تحولت لقطة شرسة تخربش بأظافرها الحادة كل من يقترب من صغارها لتنطق بحدة ظهرت بعينيها قبل صوتها:
-الموضوع هنا مختلف يا سو، الموضوع هنا يعني أمان اخويا وسعادته،وأنا لا يمكن هسمح لأي حد يقرب منه على سبيل التجربة، يعني يا طلعت بنت حلال وكويسة، يا طلعت نسخة مكررة من الحقيرة نجلا وتكرر مأساة أخويا تاني
واستطردت بعقدة داخلية تكونت نتيجة حبها الشديد لشقيقها وهلعها من تكرار تجربته المريرة التي عاشتها معه بكل جوارحها وأثرت بداخلها:
-علشان كده فؤاد لازم يتجوز حد نعرفه كويس، والحد ده هو إنتِ بالذات يا سو،علشان إنتِ اكتر حد مناسب لفؤاد،بنت عمنا وعارفين أصلك وفصلك،وعندك الفلوس اللي تخليكي ما تطمعيش ولا تفكري تخوني فؤاد،وفوق كل ده إنتِ بتحبيه وأكيد هتسعديه بكل الطرق

باتت تحاول إقناعها لتبقى ويكملا تخطيتهما المفيد لكلتاهما

أما بالاسفل فكان علام يتناول القهوة بصحبة زوجته التي لم تسعها الفرحة،تنهدت وهي تقول بانتشاء:
-يــا يا علام، متتصورش فرحتي قد إيه النهاردة

أبتسم وربت على كفها بحنان لينطق بحبٍ:
-ربنا يكمل فرحتك على خير يا حبيبتي ونسمع خبر يفرح قلوبنا قريب

هتفت بقلبٍ يتراقص من شدة سعادته:
-يارب يا علام يارب، البنت كويسة جدًا وهادية، وماشاء الله على تربيتها لإبنها،يعني إن شاءلله هتكون أم هايلة وتليق بإنها تربي أولاد فؤاد علام

-وإنتَ بردوا هتسبيها تربي حفيدك يا دكتورة؟!… نطقها ليطلق ضحكة مدوية توحي لمدى سعادته لتبتسم وهي تجيبه بملاطفة:
-مش هضحك عليك وأقول لك إني هسيب لها حرية تربيته بالكامل
واسترسلت بمشاكسة:
-بس ممكن أخليها تشاركني فيها
إطلقا ضحكاتهم السعيدة واكملا الحديث

****
بالأعلى،كانت تضع خدها فوق صدره العريض وهي تغط في سباتٍ عميق بوجهٍ يبدو عليه الراحة، تغطيه بعض خصلات شعرها الحريري بلونهِ الأسود الذي أظهر بشرتها الحليبية،جسدها محاطًا بجسد ذاك المتملك حيث يشدد ذراعهُ الأيسر حول خصرها لاصقًا إياها بجسده والذراع الأخر يلفه حول كتفها بتملك،أما هي فكانت رأسها تتوسط صدره واضعه كفها الصغير على كتفه،تمللت تُحرك جسدها بهدوءٍ فشعر بحركتها ليفتح عيناه ويرى أجمل مشهد رأته عينيه وتمناه منذ أن رأها وذاب بغرام عينيها،فطالما حلم بامتلاكها زوجةً شرعية له لتغفو  بأحضانه ويصحو على أجمل إبتسامة،وضع أنامله يزيح بها خصلات شعرها ليرى كامل ملامحها ويُسعد قلبه، شعرت بحركة فوق وجنتها فحركت أهدابها تحاول فتحهما لتغمضهم من جديد وعلى الفور فتحتهم على مصراعيهما حين شاهدت إبتسامتهُ الخلابة وعينيه المغرومتين وهو يتطلعُ عليها بتمعنٍ ووله،زادت إبتسامته ليتحسس وجنتها بنعومة قبل أن يهمس بصوتٍ متحشرج من إثر النوم:
-صباح الخير
تمطأت بدلالٍ أنثوي بين ذراعه المكبلة لها لتجيبهُ براحة وسعادة واستجمام ظهروا بعينيها:
-صباح النور يا حبيبي

أحقًا هي الأن بين يديه وداخل أحضانه،لم يستوعب إلى الآن أن ما حدث بينهما بليلة أمس وإمتلاكهُ لها حقيقة لمسها وعاش بداخلها أم أنها حلمًا راوده من شدة إشتياقه لضمتها،تحسس وجنتها لينزل بإبهامه على شفتها الممتلئة ويمررهُ ليتأكد من حقيقة وضعه لصك ملكيته عليها، تنهد لينطق بصوتٍ يفيض عِشقًا وحنانًا:
-عارفة يا حبيبي
تطلعت لشفتاه بتمعن وتركيز ليسترسل بنظراتٍ ولهة:
-إنتِ أحلى حاجة حصلت لي في حياتي كلها

إبتسامة حانية إرتسمت لتنطق بعينيها الهائمة ما زلزلت به كيان متيمها:
-وإنتَ أول راجل بجد يدخل حياتي يا فؤاد
إنتَ إزاي راجل قوي كده؟

مال رأسه قليلاً يتطلع عليها بتأثرٍ وعيناي تنطق بالهوىَ لتسترسل بصدقٍ:
-من النهاردة هسلمك روحي وهتبقى لي وطن وعنوان ،هغمض عيوني وأمشي معاك طريقي
هزت رأسها لتنطق عينيها قبل لسانها:
-مش عاوزة أعرف رايحين لفين ولا هوصل معاك لإيه،كل اللي حساه إني عاوزة أكمل معاك وأفضل تحت ضلك ورعايتك أنا ويوسف،أنا روحي بوجودك بقت مطمنة يا فؤاد

تنهيدة عميقة خرجت من أعماقه تدل على مدى تأثرهُ بكلماتها،فحبيبته تقدم له حالها ليسير بها إلى بر الأمان،خرجت كلماته على هيأة همساتٍ من رقة شعوره لينطق بصدقٍ يقطرُ من بين حروفهُ:
-وعد عليا ما هخلي دمعة ندم واحدة تنزل من عنيكِ الغالية،وعمري ما هخليكِ تندمي على إختيارك ليا
تنهد ليتابع بصدقٍ ظهر بين بعينيه قبل كلماته:
-ولو أمانك إنتِ ويوسف قصاده روحي،تأكدي إني مش هفكر دقيقة في إني إختار أمانكم

أحاطت وجنتيه بكفاها وهمست بلسان قلبها العاشق وهي تتطلع عليه بنظراتٍ تهيمُ شوقًا:
– تسلم لي روحك ويخليك لقلبي يا حبيبي،ده أنا ما صدقت لقيتك

وإلى هُنا لم يعد للكلمات مكان،فاستلمت المشاعر الدفة لتدير سفينتهم المبحرة لتتعمقِ داخل بحر الغرام،مال على كريزتيها لينهل من شرابهما فذابت معه داخل تلك الرحلة التي استغرقت وقتًا غير معلوم لكليهما بعد أن قادتهما مشاعرهما الملتهبة للغوص بجولة عشقية جديدة لتوثيق ما حدث بالأمس، بعد مدة كانت تقبع بأحضانه يشدد عليها بذراعيه كمن يخشى إبتعادها،فيكفيهما ما تذوقاه من نار الإبتعاد إلى الآن،وضعت كفها الرقيق تتحسس صدره قبل أن تهمس بصوتٍ هائم يدل على مدى وصولها لدرجات العشق والهيام التي وصلت إليهما على يد فارسها المغوار:
-كنت فين من زمان يا حبيبي
مال يتطلع لها بعيناه فتقابلت بخاصتيه الحنون ليبتسم قبل أن يجيبها بصوتٍ متحشرج تأثرًا بما حدث:
-كنت مستني أمر ربنا وقدره اللي حطك في طريقي علشان نوصل للحظة اللي إحنا فيها دي

-تعرف إني مستغربة نفسي قوي…نطقتها باستكانة ليرفع حاجبهُ مستفهًا دون حديث،فأجابته تلك المتطلعة باستغرابٍ عليه:
-مكنتش متخيلة إني هبقى طبيعية معاك قوي كده، كنت فاكرة نفسي هنكسف منك وأخد وقت طويل لحد ما أتعود عليك، لقيت نفسي بترمي في حضنك وأمان الدنيا كله حسيته في اللحظة دي، علشان كده سلمتك روحي واتعاملت معاك وكأن لينا سنين مع بعض

ابتسم بحنان ومال يُقبل جانب شفتها ليبتعد قليلاً وهو يقول بصوتٍ يشع طمأنينة أقرب للهمس:
-محدش بيتكسف من روحه يا بابا،أنا وإنتِ روح واحدة، ومش علشان قربنا من بعض لا، إحنا من ساعة ما شوفنا بعض كل واحد فينا إنجذب للتاني
ليبتسم بمداعبة:
-بس كنا بنكابر ونكذب إحساسنا، واحدة واحدة الشعور بدأ يكبر جوانا، ومع مرور الوقت أرواحنا إتحدت وبقت واحدة،والدليل على كده إن برغم كل اللي حصل بينا مقدرناش نبعد بشكل كامل
ابتسمت بحالمية ليسألها لنبرة جادة:
-يوسف ما وحشكيش؟
هتفت بعيناي متشوقة:
-جداً
أجابها بنبرة جادة وهو يستعد للنهوض:
-طب يلا ناخد شاور علشان أكلم عزة تطلعه،أصله وحشني انا كمان وزمانه متضايق علشانك

تعمقت بعينيه وأمسكت كفه تحثه على عدم الحركة:
-فؤاد،هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
تو…صوتٍ اخرجه من فمه ليتابع بجاذبية اهلكت قلبها:
-إنتِ متسأليش،إنتِ تؤمري وأنا أطيع
ابسمت بسعادة لتنطق بصوتٍ متردد بعض الشئ:
-هو أنتَ ليه مخلفتش من طليقتك طالما بتحب الاولاد قوي كده؟!

إنتهاء الجزء الاول من الفصل

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل حاجب الإعلانات لتستطيع تصفح الموقع