 
						رواية انا لها شمس الفصل الثامن لروز أمين
دوائر مُفرغة،بتُ أشعرُ أني تائهة داخل دوائر مُغلقة الإحْكَام حيثُ لا مَفَرّ ولا إِدْبَار،كلما سعيتُ وحاولت البُزُغُ منها والنأيُ بحالي،إِسْتَنْبَطتُ أني عُدتُ لنقطة البداية لأكتشف من جديد أنَ لا مفر ولا نهاية.
إيثار غانم الجوهري
بقلمي«روز أمين»
داخل منزل غانم الجوهري
تجلس منيرة فوق الأريكة الخشبية مربعة الساقين،تدقهما بكفيها منتحبة بعدما عاد نجليها وقصا عليها ما حدث من طرد نصر لهما وحرمانهما من الأموال التي بنيا عليها أحلامهما،رفعت بصرها تتطلع على نجليها اللذان يقابلاها الجلوس منكسين رئسيهما لتقول بعويل:
-يعني الفلوس طارت خلاص يا عزيز؟
رفع رأسه ليهتف بغيظ وشر :
-فلوس إيه دي اللي طارت يا أما،ده أنا كنت أطير فيها رقبة بنتك
هزت رأسها بألم لتتحدث بدموعٍ وقهر:
-من يوم ما خلفتها وأنا عارفة إنها هتكون سبب شقايا ونكدي في الدنيا،لما ابن الحاج نصر اتقدم لها دونًا عن بنات البلد كلها، قولت لنفسي شكلك كنتي ظلماها يا منيرة وهي اللي هتبقى سبب سعدك، بس بعد كل اللي حصل عرفت إنها شؤم عليا وعلى ولادي
هب عزيز من جلسته ليقف بعينين تطلق شزرًا وهو يقول متوعدًا:
-وديني وما أعبد،لو مارجعت لجوزها الإسبوع ده بمزاجها، لاكون مرجعها في صندوق خشب ودافنها علشان ارتاح من عارها
-جرى إيه يا عزيز، ما توعى لحالك وتحـ.ـسس على الكلام اللي خارج منك… نطقها وجدي محملقًا ومنتفضاً لأجل شقيقته ليسترسل بغضبٍ حاد:
-أختك بمية راجل وعايشة بكرامتها وشرفها،وبعدين لما أخوها الكبير يتكلم عليها كدة الناس الغريبة هتقول إيه؟
لوى جانب فمه بابتسامة ساخرة ليهتف متهكمًا:
-هي الناس لسة هتقول يا سبع البرمبة،ما الكل كل وشنا بعد ما الهانم فضحتنا بقعادها لوحدها في مصر
-قطع لسان اللي يجيب سيرة بنتي بكلمة…انتبه الجميع موجهين رؤوسهم نحو الباب ليتطلعوا على غانم الذي استفاق من غفوته على أصوات نحيبهم العالية ليسترسل بنبرة لائمة محملقًا بعزيز:
-الفضيحة عمرها ما كانت لبنتي، بنتي طلعت من بيت البنهاوية بكرامتها وشرفها،والكل كان شاهد على ولاد نصر التلاتة وهما رايحين جايين على بيتنا علشان يرجعوها وهي اللي رفضت واتطلقت،ولما خرجت من البلد خرجت مع أخوها اللي قعد معاها تلات سنين
ليستطرد وهو يشير بكف يده بين ثلاثتهم بصوتٍ يفيض منه خيبة الأمل:
-لحد ما اتفقتوا عليها مع نصر اللي جاب لـ أيهم تعيين هنا في كفر الشيخ علشان يزغلل عنيه بالوظيفة الحكومية والمرتب الكبير، نصر كان فاكر إنه بكده هضغط على بنتي وأرجعها علشان كلام الناس من قعادها مع نفسها
لوت منيرة فاهها لتهتف متهكمة:
-والشهادة لله إنتَ مقصرتش يا غانم،وبدل ما تعقلها وتخليها ترجع تعيش تحت جناح جوزها وفي حمايته هي وابنها، قويت قلبها ووقفت لاخواتها وهما رايحين يجبوها من شعرها
-إيه اللي جدد الكلام ده الوقت يا منيرة،مش كنا خلصنا منه…نطقها بحدة لتنطق هي بغضبٍ حاد:
-اللي جدده إن نصر طرد عيالك من الجبل بسبب عملة بنتك السودة مع ابنه،وقال لهم ملكمش عندي شغل إلا لما تحكموا على اختكم وترجعوها لجوزها
قالت كلماتها ليهتف هو بوجهٍ متهلل:
-بركة يا جامع اللي جت منه، المفروض تفرحي إن ربنا مش رايد لولادك قرش حرام يدخل في جوف عيالهم
رفع عزيز وجهه ليقول معترضًا:
–يا با تجارة الأثار مش حرام،كذا شيخ قالوا إنها لقية واللي يلاقيها يخرج منها خُمسها والباقي حلال عليه،وبعدين الحاج نصر راجل حاجج بيت الله وعمره ما يعمل حاجة حرام أبدًا
هتف غانم ناهرًا نجله:
-الحلال والحرام يعرفه ربنا يا اخويا، أنا اللي راعبني إن الحكومة لو شمت خبر هتيجي تشدكم على القسم وابقوا شوفوا مين ساعتها اللي هيأكل عيالكم
-فال الله ولا فالك يا أخويا…نطقتها منيرة ليقول وهو يشير لهم بلامبالاة:
-قوموا ريحوا علشان تناموا لكم شوية قبل الفجر ما يأذن
صعد عزيز وما أن ولج لباب مسكنه الخاص حتى هلع منتفضًا بجسده للخلف حينما رأى “نسرين”تقف خلف الباب بالظلام،حيث كانت تتسمع عليهم وعندما وجدته يصعد هو وشقيقه اسرعت للإختباء بمسكنها، هتف والهلع مازال يتملكه:
-إنتِ واقفة في الضلمة كدة ليه يا نسرين،قطعتي خلفي يا ولية
إرتسمت إبتسامة ساخرة علي شفتيها قبل أن تهز رأسها لتقول بتهكم:
-وإنتَ عاوز تخلف تاني ليه يا حبيبي،مش لما تبقى تعرف تأكل الثلاث عيال اللي حيلتنا تبقى تدور على غيرهم
زفر بضيق ليتخطى وقوفها وصولًا لغرفة النوم، لحقته بخطى غاضبة لتهتف بسخطٍ وهي تلوح بكفيها في الهواء:
-هي طول ما اختك في حياتنا هنرتاح ولا هنكسب…نطقتها باستشاطة تنم عن غضبها العارم، لتحتد ملامحها مع إتساعة لعينيها بحقدٍ وهي تهمس بفحيح:
-بقى تلات رجالة طُوال عُراض زيك إنتَ واخواتك،مش قادرين على حتة بت؟
خلع عنه جلبابه لتلتقطه من يده وتذهب لتعليقه ليهتف هو بحدة:
-عوزانا نعمل إيه يعني وأبويا حالف علينا اللي هيقرب لها ميخطيش البيت برجله تاني، وياخد عياله ويشوف له مكان برة
-عمي غانم راجل طيب،أخره كلمتين وخلاص
تسطح فوق الفراش لتستطرد هي بتحريض:
-طب ما تجرب تكلمها في التليفون وتجر معاها ناعم، إبلفها بكلمتين،مش يمكن دماغها تلين؟
احتدت ملامحه وامتلأت بالكراهية وهو يقول بازدراء:
-وهي دي حد يعرف يبلفها، دي بت دماغها سِم بتدور على الأذى منين ومنين، وليا أنا بالذات
هتفت بكراهية:
-بوز فقر من يومها، بقى فيه واحدة عاقلة تسيب العز اللي كانت عايشة فيه في بيت نصر البنهاوي، وتروح تشتغل حتة سكرتيرة بشوية ملاليم
واسترسلت بحقدٍ دفين ظهر بعينيها:
-دي عاشت مع عمرو أربع سنين كان بيتمنى لها فيهم الرضا،وراها فيهم دلع عمرها ما حلمت بيه، اشي ذهب واشي لبس أشكال والوان وسفريات، بس تقول إيه، فقر وعنطزة
نظرت إليه لتهتف بحقدٍ:
-لازم تتصرف وتكلمها يا عزيز، وإن مجتش بالحنية يبقى تاخد وجدي وتأجر عربية وتروحوا تجبوها بالعافية، إن شالله حتى تخطفوها
هز رأسه بضيق ليهتف مزمجرًا:
-ليكِ حق تقولي كده،أصلك مشفتيش اللي حصل، البت بقت إيدها طايلة والراجل اللي بتشتغل معاه واصل، دي حبست عمرو واترمى أربع أيام في الحجز ونصر بجلالة قدره وفلوسه المتلتلة معرفش يطلع إبنه
لوت فاهها ووضعت سبابتها فوق ذقنها لتهتف بعدما جالت بخاطرها فكرة شيطانية:
-أنا جت لي حتة فكرة،هتخلي عمي غانم بنفسه هو اللي هيروح يجرها من شعرها ويوديها لعمرو بإيده
كان متسطحًا واضعًا ذراعيه خلف رأسه،قطب جبينه ليسألها مستفسرًا:
-قولي يا ام العريف
إعتدلت لتتمدد بجواره مستندة بذراعها فوق الوسادة وهي تقول بابتسامة شيطانية:
-إحنا نطلع عليها إشاعة إنها على علاقة مع صاحب الشغل بتاعها علشان كده بيحميها
إبتلعت في جوفها ما تبقى من خطتها الدنيئة بعدما باغتها عزيز الذي هب من نومه ليخرج صوت صراخها الذي دوى بالمكان بعدما هوت يده على وجنتها تلطمها بقسوة لتنتفض برعب بينما قبض الأخر بقبضته الحديدية فوق عنقها ليهتف مزمجرًا بعينين تطلق شزرًا:
-هي مين دي يا بنت الكـ….. اللي على علاقة بمديرها
واستطرد بانتفاضة لأجل شرف شقيقته:
– طب إنطقي بس حرف من اللي قولتيه ده بينك وبين نفسك حتى وشوفي أنا هعمل فيكِ إيه
جحظت عينيها وباتت تقاوم بكفيها في محاولة بفكاك قبضته الفولاذية من فوق عنقها،شعرت بالإختناق وبأن روحها في طريقها للإنسحاب ليخرج صوتها مكتومًا وهي تقول بتوسُل:
-سبني يا عزيز،روحي هتطلع في إيدك
رمقها باحتقار قبل أن يدفعها للخلف بقوة لترتطم أرضًا،رفعت بصرها لتتلفت عليه بعينين جاحظتين ووجهًا شديد الإحمرار لتمسك سريعًا بعنقها تتحسسهُ وهي تسعل بشدة غير مستوعبة أنها مازالت على قيد الحياة بعدما كانت على أعتاب لفظ أنفاسها الأخيرة،
اشتعلت عينيه بشرارات الڠضب وهو ينهرها قائلاً بسخطٍ وازدراء:
-إطلعي نامي مع بناتك وبلاش تخليني أشوف خلقتك ليومين قدام، وده أحسن لك
قال الأخيرة مزمجرًا لتنهض مهرولة بفزعٍ للخارج دون أن تنبس ببنت شفة.
_______
تقلبت عزة بفراشها وهي تشعر لحاجتها بالذهاب إلى الحمام،نهضت لخارج غرفتها واتجهت صوب الحمام لتتوقف متسمرة بعدما رأت تلك الجالسة فوق الأريكة بالظلام ملقية برأسها للخلف بإهمال، تحركت إليها لتتحدث مستفهمة:
-إيثار!
ظلت ساكنة لم يتحرك منها إنشاً سوى عينيها الحزينة وهي تنظر وكأنها تشتكي إليها مُر حالها،اقتربت عليها لتجاورها الجلوس ثم بسطت يدها تتلمـ.ـس وجنتها لتهمس بحِنوٍ ظهر بصوتها:
-مالك يا بنتي،إيه اللي مقعدك في الضلمة كده؟
وليه مانمتيش لحد الوقت؟!
همست بصوتٍ يوحي مدى تألم روحها:
-مش عارفة أنام ويوسف بعيد عن حُضني
تنهدت بأسى وهي تقول لطمأنتها:
-هو يعني يوسف نايم في الشارع،ده عند أبوه، والشهادة لله اللي إسمه نصر والحرباية مراته بيعاملوه أحسن معاملة،والولد بنفسه بييجي من هناك يحكي ويتحاكي باللي بيعملوه معاه
-إنتِ مش فاهمة حاجة،البيت ده لعنة يا عزة،لعنة،محدش من اللي ساكنين فيه بيحب الخير للتاني،وأنا مش عاوزة إبني يدخل في وسط الناس دي …نطقتها لتنفلت منها دمعة نزلت على قلب عزة كمادة كاوية لتحرقه،جذبتها بأحضانها وبدأت تهدهدها كطفلة صغيرة مع طمأنتها ببعض الكلمات والمسح على ظهرها بحنوٍ مما هدأها لتستكين وكأنها كانت بحاجة ملحة لاحتواء احدهم ليخرجها من ظُلمة ليلها الدائم.
____
بنفس التوقيت
داخل الحديقة الخاصة بقصر المستشار علام زين الدين، يتحرك حول المسبح بطوله الفارع فاردًا جـ.ـسده وهو يتأمل سكون الليل ومظهر نجومه البديعة ،أغمض عينيه ورفع وجههُ للأعلى ليأخذ نفسًا عميقًا من الهواء النقي ويزفرهُ براحة مستمتعًا بالهدوء من حوله،قرب من فمه كوبًا من الشاي الساخن ليرتشف بعض قطراته متذوقًا إياه بتلذذ،ابتسم تلقائيًا عندما تذكر مشاكسته مع تلك الشرسة في الصباح ليضع يده على ذقنه ويحكها بتسلى وهو يتذكر وجهها الذي زاد إحمرارًا من شدة خجلها عندما كان يخبرها إكتشافه لقصة شرشبيل،أنطلقت منه ضحكة عالية ليقول بصوتٍ مسموع:
-ماشي يا أستاذة،عملالي فيها عميقة قوي بالنظارة الطبية اللي لبساها ومستخبية وراها طول الوقت، بس على مين، ده أنا فؤاد علام، وخلاص، حطيتك في دماغي ونويت أجيب أخرك،أما أشوف هتفضلي صامدة قدامي لحد امتى
انتفض بعدما استمع صوت شقيقته الذي صدح من خلفه وهي تقول متعجبة:
-إنتَ بتكلم نفسك يا فؤاد؟!
-إيه يا بنتي اللي بتعمليه ده، فيه حد يتسحب ويفاجيء الناس بالطريقة اللي تخض دي؟
رفعت حاجبها الايسر قبل أن تقول بمداعبة:
-واضح إن الباشا بتاعنا كان بيكلم نفسه وهو سرحان لدرجة إنه مسمعش كعب الشوز بتاعتي وهي بترن على الأرض.
هز رأسه ليقول مستسلمًا:
-أنا عارف إني مش هخلص معاكِ النهاردة ولا هعرف أسد قدامك، علشان كده بنسحب وبرفع الراية البيضا من أولها
ضحكت لتتحدث بكبرياء:
-وإيه الجديد، ما أنتَ في كل مناقشة لينا بترفع الراية البيضا وتعلن استسلامك
ابتسم ساخرًا ليرتشف من كوبه من جديد،لتسأله بمشاكسة:
-يا ترى إيه اللي شاغل بال سيادة المستشار ومسهره للوقت المتأخر ده؟
رفع كتفيه بلامبالاة لتسترسل متعجبة:
-قاعد في الجنينة لوقت متأخر وبتشرب شاي وبتكلم نفسك وعاوز تفهمني إن مفيش حاجة؟
ناظرها باستغراب ليقول بملاطفة:
– يعني أألف لسيادتك قصة علشان ارضي فضولك ولا أعمل إيه أنا؟
-خلاص ما تبقاش قفوش كده… نطقتها وهي تقترب عليه لتلقي بحالها داخل أحـ.ـضانه ليتلقاها مرحبًا بها وهو يلف ذراعه حولها محتويًا إياها ثم مال بطوله ليضع قُـ.ـبلة حنون فوق شعر رأسها، تنهدت براحة وهي تشعر بدفيء وحنان شقيقها الوحيد الذي بادر بسؤالها بنبرة عطوفة:
-إنتِ كويسة يا فيري؟
-أه يا حبيبي كويسة…نطقتها بهدوء ليعاود سؤالها باهتمام:
-ماجد عامل إيه معاكِ؟
لتجيبه بإيجاز:
-الحمدلله كويسين،ماجد إبن حلال وبيحبني
-وإنتِ ست البنات كلهم وتتحبي…قالها بافتخار، ابتسمت لتشدد من احتضانه لها قبل أن تقول بفضولٍ ينهش بقلبها:
-مش هتقولي بقى إيه اللي شاغل دماغك؟
إنطلقت منه قهقهاتٍ عالية وهو يقول:
-مفيش فايدة فيكِ
ضحكت مع شقيقها لينسحبا للداخل كي ينال هو قسطاً من النوم يريح به جـ.ـسده ويمده بالطاقة لاستكمال الغد.
______
بنفس التوقيت داخل محافظة كفر الشيخ
داخل مسكنه الخاص الذي جمعه بإيثار، حيث تركه بكل ما فيه لحين عودتها المنتظرة، فحينما تزوج من تلك السُمية جهز له والده الشقة المقابلة لمسكن إيثار وترك الاخرى لحين عودتها الأكيدة بالنسبة لهم
كان يتسطح فوق فراشه الذي جمع بينه وبين حبيبته الاولى بل والاخيرة،محتضنًا صغيره الغافي بين أحضانه،مكبلاً إياه يشتم عبيرها من خلال عبير صغيره الأغلى على الإطلاق،نظر للغرفة يتطلع بكل ركنٍ بها متذكرًا ليلة زواجه السعيد بها،ابتسم وهو يتذكر أسعد ليلة مرت بسنواته أجمع،تنهد بألم وعاد بذاكرته للخلف
إنتبااااه
«عودة لما مضى»
ببهو منزل نصر البنهاوي،يجلس مجاورًا زوجته يلتف حوله أبنائه الثلاث،طلعت وحسين ومدلل العائلة عمرو الذي تحمحم وهو يقول:
-أنا عاوز اتجوز
التفت إليه الجميع وإجلال التي تهلل وجهها لتسألهُ متلهفة:
-أخيرًا ربنا هداك
تطلع إليه نصر ليسألهُ باهتمام:
-حاطط عينك على بنت مين؟
ابتسمت إجلال بغرور لتقول بيقين:
-أكيد بنت الحاج عبدالسلام صاحب مصنع العلافة، بصراحة البت زي القمر،من يوم ما شفتها أنا وعمرو عند دكتور الأسنان وأنا عارفة إنها عجبته
لتستطرد ذات مغزى وهي تضحك:
-خدت بالي يومها إنك مارفعتش عينك من عليها طول القعدة،وعلشان كدة كلمتك عنها وقولت لك فكر في الموضوع
ابتسم نصر ليقول باستحسان:
-الحاج عبدالسلام نسب يشرف،راجل كبير عيلته وأصل وجاه ومال
تحمحم ليقول على استحياء منتظرًا ثورة والديه:
-أنا اخترت واحدة قلبي مال لها، وحاسس إن هي دي اللي هتسعدني، بعيد عن حسابات العيلة والفلوس
ابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب ثغر طلعت حين قال متهكمًا:
-طالما قولت البوقين الحمضانين دول يبقى أكيد اخترت بنت أفقر واحد في البلد
بينما ضحك حسين ليكمل على حديث شقيقه:
-مايبقاش عمرو لو معملش كده
ضحك الشابان لترتسم علامات الغضب على وجه الاخر لسخرية شقيقاه منه لتهتف إجلال بنبرة ساخطة بعدما رأت عبوس وجه غاليها:
-كفاية إنتَ وهو،ده مش وقت هزار
لتسترسل بنبرة جادة:
-إخترت مين يا عمرو؟
تطلع عليها وكأنها قارب النجاة ليهتف سريعًا بلمعة بعينيه:
-إيثار، بنت عمي غانم الجوهري
زفرة قوية خرجت من صدر نصر وبات يرمق ولده بخيبة أمل بينما تهدل كتفي إجلال بيأسٍ ليهتف طلعت متهكمًا بتشفي:
-شوفتوا، علشان بس تبقوا تصدقوا كلامي
-هو أنتَ يا ابني عاوز تشلني،إنتَ مش عارف إنتَ إبن مين في البلد…كلمات نطقها نصر بإحباط ليستطرد بتعالي وتجبر:
-بقى عاوزني أنا،الحاج نصر البنهاوي عضو مجلس الشعب،صاحب الأطيان والمصانع، أروح اهز طولي وأدخل بيت غانم وكمان أطلب نسبه؟!
-أنا بحب البنت ومش قادر أشوف واحدة غيرها مراتي…نطق كلماته بعينين لامعتين بالعشق ليضحكا شقيقاه مستهزئين بمشاعره بينما هتف نصر بتجبر:
-حبك برص يا اخي،هو اللي زيك بيعرف يحب، ده انتَ كل يوم مع واحدة شكل
ابتلع لعابه خجلاً ليسترسل الأخر بإبانة:
-لتكون فاكرني نايم في العسل ومش دريان بمشيك العوج مع البنات والنسوان الزبالة اللي مخلص فلوسي عليهم
هتف سريعًا بنفي:
-أنا مسحت كل ارقامهم من عندي وبطلت أشوف حد
ليسترسل متوعدًا برجاء:
-أنا مبقتش عاوز ولا شايف من الستات غير إيثار، ووعد مني لو وافقت على جوازي منها هتشوف عمرو تاني عمرك ما شفته
نكّست إجلال رأسها لتهمس بنحيب:
-يا خيبة أملك في إبنك يا إجلال، قال وانا اللي كنت حاطة أمل عليك
ناظرها بعينين لائمتين لتسترسل:
-هي البت حلوة مقولناش حاجة، بس الحلاوة مش كل حاجة ،إنتَ ابن الحاج نصر وستهم، يعني يوم ما تختار لازم تحط اسم عيلتك قدام عينيك
هب واقفًا ليقول بنبرة حادة:
-أنا لا يهمني عيلة ولا غيرو، كل اللي يهمني إني أكون مرتاح للست اللي هعيش معاها
-وانا مش موافق يا عمرو…نطقها نصر بجبروت لينطق الاخر بعناد:
-وانا مش هتجوز غيرها يا بابا
قال كلماته وخرج كالثور الهائج تاركًا نصر الذي هاج وبدأ بسبّه بأعلى صوته لتسرع إليه إجلال في محاولة لتهدأته، مرت ثلاثة أسابيع ترك بهم عمرو منزل أبيه وأخذ من المزرعة سكنًا له تحت محاولات إجلال المستميتة لعودة مدللها للمنزل لتبوء جميعها بالفشل في محاولة منه للضغط عليها وبالاخير رضخت إجلال تحت عزيمة نجلها واجبرت نصر على الموافقة في سبيل إسعاد نجليهما،تمت الخطبة تحت سعادة عائلة غانم الهائلة واحباط كلاً من نصر وإجلال،حاولت سمية الإيقاع بين إيثار وعمرو بعدما بحثت ورائه وعلمت تاريخه المشين وعلاقاته المتعددة بالفتيات والنساء،غضبت إيثار وحاولت حل الخُطبة لتقابل سيلاً من السباب من عزيز ووالدتها فصارحت عمرو بما وصلها ليعترف لها بصحة ما وصلها عن ماضيه واخبرها بأنه تغير ووعدها بأنها ستكون ملكة على عرش قلبه فلمست الصدق من حديثه وبرغم محاولاتها بالإبتعاد عن تلك الـ سُمية لما رأته من حقدٍ دفينٍ لها بكل تصرفاتها مؤخرًا إلا أن الاخيرة كانت تُقحم حالها اكثر بحياتها
تم تحديد موعد الزواج سريعًا باجازة السنة الثالثة لها بالجامعة بناءًا على إصرار عمرو الذي بات يذوب بها وما عاد له التحمل أكثر على الإبتعاد
واليوم هو يوم الزفاف، صعدا العروسان بعد إنتهاء حفل الزفاف الأسطوري الذي أقامه نصر لنجله الصغير
خطت بجانبه لمسكنهما بثوب زفافها الرائع الذي أبهر الجميع وجعل منها كـ ملكة بـ ليلة تنصيبها،ناهيك عن جمالها الفاتن الذي خطف الابصار وحولها إليها،أغلق الباب لينظر إليها بنظراتٍ يملؤها الغرام والاشتياق، مد يده يتلمسُ بها بشرة وجنتها الناعمة لينتفض جسدها مع إنزالها لعينيها أرضًا من شدة الخجل، ابتسم بسعادة وأمسك ذقنها ليرفعها وتقابلت الأعين لتذوب بالغرام الناطق بداخلهم،مال على شفتها ليلثمها بحنوٍ ورقة أثارتها وجعلت القشعريرة تسري بكامل جسدها، ابتعد قليلاً ليخرج صوته متحشرجًا من جراء حلاوة اللحظة:
-نورتي بيتك يا حبيبتي
اكتفت بابتسامة خجولة ليسألها بصوتٍ حنون:
-مبسوطة يا إيثار؟
هزت رأسها بإيجاب ليبتسم بسعادة ليهم بحملها لتلف هي ذراعيها حول عنقه بخجلٍ وتحرك بها داخل حجرتهما الخاصة ليعيد غلق الباب بقدمه متقدمًا نحو الفراش ليضعها بحرصٍ شديد وكأنها فراشة رقيقة يخشى تكسُر اجنحتها، مال عليها وبدأ بتقبيلها بنعومة أثارت كليهما لينهض سريعًا وبدأ بخلع حلة بدلته وفك ربطة عنقه ليطرحهما أرضًا، انتفضت لتجلس وهي تراه يتجرد من ثيابه بطريقة ارعبتها لتتحدث وهي تفرك كفيها ببعضيهما:
-إحنا محتاجين نغير هدومنا ونصلي الاول يا عمرو
اقترب عليها ليغمرها بأحضانه هامسًا بجانب أذنها للتأثير عليها:
-خلي الصلاة بعدين يا حبيبتي، أنا مشتاق لك قوي ومش هقدر أستنى
ابتعدت ونفضت يديه لتتحدث بجدية تحت إصرارها ببدء حياتها بالصلاة للحصول على مباركة الله بحياتهم:
-مينفعش يا عمرو، لازم نصلي الأول علشان ربنا يبارك لنا في حياتنا
قطب جبينه متطلعًا عليها باستغراب،أي صلاة تتحدث عنها تلك الغائبة عن الوعي،ألم تشعر بناره الشاعلة التي أوقدتها بقربها المهلك منه،لم تكن الصلاة تشكل شيئًا مهمًا لدى عمرو الذي عاش حياته بأكملها لم يرى والده يركع لله سوى بيوم الجمعة عندما يجمع أبنائه الثلاث كـ روتينًا إسبوعيًا ويذهب بهم إلى مسجد القرية ليلتف الجميع حوله بتملق ثم يعودوا للمنزل لينتظر الجمعة التالية وهذا كل ما يربطه بالصلاة
امسك كفها وتحدث بعينين يفيضان عشقًا:
-طب ممكن علشان خاطر حبيبك عمرو نخلي الصلاة بعدين
تأثرت بعينيه ورق قلبها لنظراته المتوسلة وبرغم هذا أبت وأصرت على موقفها حيث اقتربت عليه تتلمس وجنته بجرأة لا تعلم من أين مصدرها لتتحدث أمام عينيه:
-علشان خاطري إنتَ خلينا نصلي وبعدها هكون تحت أمرك
انتفض قلبه من لمستها ونظراتها التي أخبرته بأنها أيضًا وقعت أسيرة عشقه،وافقها الرأي وبالفعل أبدلا ثيابهما وتوضأ ليصلي بها وبعد الإنتهاء التف إليها وساعدها بخلع ثيابها نظرت له بخجلٍ تحت سعادته،لمس يتحسس شعرها وهو يخبرها:
-شعرك حلو قوي يا إيثار،كل حاجة فيكي حلوة قوي
تبسمت وهي تطالعه بخجل ليوعدها وهو يطالعها بعينين مسحورتين:
-على فكرة،أنا بحبك فوق ما تتخيلي،وحبي ده هتعرفيه في تصرفاتي ومعاملتي ليكِ
ليستطرد وهو يتلمس بشرة جسدها الناعم:
-أنا هعيشك ملكة،وهخلى البلد كلها تحسدك على حب جوزك ليكِ
تنفست بهدوء لتتحدث بابتسامة سعيدة:
-أنا متأكدة من حبك ليا يا عمرو،أنا شفت حبك في عنيك
ابتسم بسعادة لتسترسل هى برجاء:
-أنا بس ليا عندك طلب واحد
-إنتِ تؤمريني يا روح قلبي وطلباتك كلها هتبقى تحت رجليكِ
-بلاش توجعني يا عمرو…نطقتها بعيون متوسلة لتسترسل بألمٍ يسكن قلبها:
-أنا عارفة إنك كنت بتعرف بنات كتير قبلي
قطع حديثها ليقول:
-مش أنا قولت لك إن كل ده كان قبل ما أعرفك ووعدتك إني عمري ما هرجع للسكة دي تاني؟
-وأنا مصدقاك وواثقة فيك،ارجوك،بلاش تكسر الثقة وتخليني اندم…كلماتٍ نطقتها بتمني قابلها باتسامة ووعدٍ وبعدها أقبل عليها حاملاً إياها لينزلها ببطيءٍ فوق فراشهما السعيد الذي شهد على لقائهما الحالم ليتحول لثورتهما الأولى حيث أذاقها ذاك الخبير بتلك الأمور ما لم يكن يخطر ببالها ليسحبها معه لعالمٍ لم تكن تتخيل بوجوده من الاساس وبدأ يُذيقها على يده جمال الغرام ليرتشفا كلاً منهما من بحر عسل الاخر بتلهف واشتياق.
باليوم التالي
فاقا العروسان من نومهما بقلوبٍ ترفرف كطيورٍ من شدة سعادتها،ارتدت إيثار عباءة مطرزة باللون الوردي وجحابًا مماثلاً مما زاد جمالها اضعافًا، وقامت بوضع بعض زينة الوجه الخفيفة لتنزل الدرج بجانب عمرو الذي تشبث بكفها بقوة واحتواء، كان يجاورها النزول رافعًا رأسهُ للأعلى بتفاخر وكأنهُ حصل على أغلى الجوائز، رفعت إجلال رأسها تتطلع على صغيرها وهو يتأمل تلك الفتاة المجاورة له بتأمل وعشقٍ ظاهرًا للأعمى،لا تعلم لما شعرت بالغيرة حينما لمحت كفه القابض برعاية على خاصتها،تنفست بضيق ليصلا العروسان إلى الجميع لتتعالى الزغاريد من عاملات المنزل وأيضًا “ياسمين”و”مروة” زوجتي طلعت وحُسين اللتان اتيتا من المطبخ،وقف الجميع وبدأوا بالترحيب بهما، أقبلت على نصر لتصافحة قائلة:
-صباح الخير يا عمي
-صباح النور، مبروك يا عروسة…قالها بملامح وجه جامدة كعادته مع الجميع اتجهت لـ إجلال لتتعجب لملامح وجهها المكفهرة،تجاوزت الأمر وبسطت يدها للمصافحة باغتتها الاخرى برفع ظهر يدها وتقريبه من فم إيثار استعدادًا لتقبيله،نظرت لها باستغراب ليتحمحم عمرو بعدما رأى علامات التعجب على وجه حبيبته ليهم مقتربٕا بجوار عروسه ليتناول هو كف إجلال ويقوم بوضع قُبلة حنون عليه واقترب محتضنًا إياها ليهمس بجانب اذنها برجاء:
-أبوس إيدك يا ماما تعدي اليوم على خير،ولا إنتِ عاوزة تنكدي على عموري حبيبك في يوم زي ده
قال كلماته التوسلية وابتعد ليراقب ردة فعلها وجدها تتنفس بضيق وهي تكظم غيظها بصعوبة لأجل نجلها لتمد إيثار يدها من جديد للمصافحة قائلة بابتسامة هادئة:
-صباح الخير يا ماما
-إسمي “ستهم”…نطقتها باستعلاء لتكمل وهي تضع كف يدها بخاصتها:
-من هنا ورايح تقولي لي يا” ستهم” زيك زي ياسمين ومروة
-حاضر… نطقتها باستحياء وخجل لتهتف الاخرى بتجبر:
-حاضر يا إيه؟!
ابتلعت ريقها وتمنت لو بإمكانها الإختفاء من أمام تلك المتجبرة لتقول برضوخ:
-حاضر يا” ستهم”
ابتسمت بتجبر لتأمرها:
-إدخلي إتفرجي على المطبخ مع سلايفك على ما عمرو يشرب الشاي مع الحاج وأخواته
نظرت تطالعه باستنجاد ليطمإنها بعيناه فانسحبت تجاور نسرين ومروة وما أن ولجوا للمطبخ حتى تنفسا بصوتٍ عالي وكأنهما كانتا تكظمان أنفاسهم،تحدثت مروة بطمأنينة:
-متزعليش من ستهم، هي تبان تخوف وترعب…نطقتها بملامح وجه مرتعبة لتنتفض مصححة حديثها خشية من أن يتسمع عليها أحد:
-بس طول ما انتِ بتسمعي كلامها وتنفذيه بالحرف مش هتشوفك أصلاً
-أما بقى…قالتها بوجهٍ لا يبشر بخيرٍ لتقطع حديثها ياسمين التي هدرت بها:
-مخلاص يا مروة، إنتِ هتخوفيها من أولها ليه؟
-أنا بوعيها علشان متقعش في اللي وقعنا فيه قبلها… قالتها مروة بصدقٍ تحت ارتعاش جسد إيثار التي تيقنت من دخولها لمنزل الاشباح ،سحبتها ياسمين من رسغها لتجلسها فوق مقعدٍ وتقابلها الجلوس حول الطاولة المستديرة المتواجدة بالمنتصف وهي تقول بتوعية:
-بصي يا إيثار، أهم حاجة ماتحاوليش تقربي من أي قاعدة بتجمعها بجوزها وولادها، زي ما شوفتيها من شوية كدة وهي بتطردنا بصنعة لطافة
بتطردنا؟!…قالتها بملامح وجه مزبهلة لتهتف الاخرى ساخرة:
-لهو انتِ كنتي فاكرة إنها عاوزة تفرجك على المطبخ بجد؟!
قطبت إيثار جبينها بعدم استيعاب لتقول مروة بصوتٍ ساخر وهي تدق بيدها على الطاولة:
-دي من النهاردة هتكون قعدتك، مكانك في البيت ده هو المطبخ،هتقومي كل يوم من الساعة ثمانية الصبح، تنزلي على هنا، هنجهز فطار للرجالة وستهم وبعدها نغسل المواعين ونبتدي نجهز للغدا لحد ما الرجالة تيجي ونغرف لهم ونطلع الاكل بنفسنا، ممنوع اي خدامة تبص ولا تشوف الأكل ولا تدخل المطبخ من أصله، هي مبتحبش حد غريب يبص في أكل عيالها، الخدامات هنا للمسيح والتنضيف والخبيز وزريبة البهاييم وبس، أما المطبخ ده مكان متحرم علي أي حد خارج أهل البيت
قالتها مروة بتذكير لتكمل الوصايا السبع:
-المهم،الرجالة وستهم بياكلوا في أوضة السُفرة
كانت تستمع لكلتاهما بفاهٍ فاغر وعينين متسعتين بذهول لتسألها مستفسرة:
-طب وإحنا؟
انتقلت ببصرها سريعًا ليد مروة التي صدحت بدقها فوق الطاولة لتقول بسخطٍ مفتعل:
-إنتِ فهمك بطيء يا بت يا إيثار ولا إيه،أنا مش لسة قايلالك إن مكانك في البيت هنا
دب الرعب بأوصالها ليقطع انتباهها لكلتا العجيبتين دخول عمرو الذي انتشلها صوته الحنون حين قال:
-يلا يا إيثار علشان نطلع شقتنا
التفت إليه سريعًا لتهب واقفة وبلمح البصر كانت تتشبث بذراعه كطفلة ليطالعها قائلاً بتوجس:
-إنتِ كويسة
اكتفت بهزة سريعة من رأسها ليمط شفتيه للأمام وتحرك مصطحبًا إياها لخارج المطبخ، نظرت مروة إلى ياسمين لتقول بنبرة ساخرة:
-البت شكلها اتصدمت
تنهدت ياسمين لترجع بظهرها للخلف وهي تقول:
-دي اللي هتدوقه على إيدين ستهم هيخليها تمشي تتلفت حوالين نفسها زي المجنونة،دي خدت منها ننوس عينها،ده غير إنها مكنتش موافقة على دخولها البيت من أصله
-يلا، نصيبها كده…قالتها مروة وهي تتناول كوب الشاي الموضوع أمامها لترتشف منه.
صعدت بجانب عمرو وما أن خطت لمسكنها حتى باغتها بجذبه لخصرها ليقربها منه قائلاً وهو ينظر لشفتيها باشتهاء:
-وحشتيني يا قلبي
ابتسمت بتيهٍ ليسألها متعجبًا:
-مالك يا حبيبتي؟!
نظرت إليه بتعمق قبل أن تنطق بارتباك:
-مامتك شكلها صعبة قوي يا عمرو
-هي تبان صعبة بس صدقيني قلبها أبيض وطيبة…نطقها مفسرًا ليسترسل وهو يقطف قبلة سريعة من شفتيها:
-وبعدين إنتِ بالذات متخافيش، ده انتِ مرات الغالي عند ستهم، ومحدش يقدر يمسك بكلمة طول ما أنا جنبك
ابتسمت بخفوت ثم باغتته بسؤالها:
-هو أنتوا صحيح الرجالة بتاكل لوحدها والستات في المطبخ؟
هز رأسه بإيجاب ليقول سريعًا كي لا يحزنها:
-مش عاوزك تقلقي من النقطة دي،أنا خلاص مبقتش قادر أستغنى عنك، دول الخمس دقايق اللي قعدتهم تحت من غيرك كنت هتجنن فيهم
واستطرد ليطمأنها:
-انا هكلم ماما وهخليها تغير الوضع ده
لف يداه حول خصرها ليجذبها إليه أكثر وهو يقول بافتخار:
-البرنسيسة إيثار مكانها عمره ما هيبقى المطبخ، البرنسيسة إيثار مكانها جوة قلبي وتاج على راسي
زادت ابتسامتها لتجعل من وجهها مثيرًا تنهد بعشقٍ ليحملها ويتجه بها سريعًا صوب غرفتهما ليغوصا معًا من جديد داخل بحر عسليهما
«عودة للحاضر»
استفاق من خياله وبات يتطلع من حوله على تلك الغرفة ذاتها التي شهدت على أسعد وأجمل لحظاته وأيامه التي عاشها معها ليهبط ببصرهِ إلى قطعة روحها الغالية والغافي بين أحضانه،مال بشفتاه يلثم وجنته الرقيقة وهو يشتم رائحة جلده الذكية التي تذكرهُ برائحة محبوبته العطرة، تنهد بألم ينهش بقلبه ليحاول غلق عينيه لينال قسطاً ولو بسيطًا كي يستيقظ مبكرًا لإكمال يومه من بدايته مع صغيره الغالي
______
صباحًا
انتهت من صلاة ركعتي الصباح ووقفت تلملم سجادة الصلاة ثم شرعت في ارتداء ثيابها العملية إستعدادًا لذهابها للشركة،صدح صوت هاتفها الجوال لتنتبه عليه، ضغطت زر الإجابة بعدما وجدت رقمًا غير مسجل لاعتقادها أنهُ أحد العملاء الخاص بالعمل، فوجئت بصوته الحاد وهو يقول بنبرة ساخطة:
-يا رب تكوني مرتاحة بخراب بيتنا يا بنت أبويا
زفرت بضيق واستغفرت ربها طالبة منه العون على تحملها لكل تلك الاحداث التي تتعرض لها حدثًا تلو الأخر، لتقول بصوتٍ يائس:
-إتفضل كمل، أنا سمعاك
لتستطرد باستسلام:
-قول لي قد إيه أنا إنسانة بشعة وخربت لكم حياتكم ودمرتها، قولي إنكم من غير وجودي كانت حياتكم هتبقى وردي، وإني شؤم عليكم ووجودي مجبش معاه غير الخراب زي ما ماما دايمًا بتقول
-إنتِ بتتريقي، طب إيه رأيك إن كلام أمك كله طلع صح، لما الحاج نصر يلغي شغل بينا أنا والمسكين وجدي بسببك، ده تسميه إيه؟
واسترسل مستنزفًا لمشاعرها:
– أنا ووجدي كان هيطلع لنا مبلغ من ورا الشغلانة دي يعيشنا مستورين إحنا وعيالنا وأبوكِ الغلبان
توقف ليكمل متهكمًا ليقحمها بدائرة الشعور بالذنب:
-لكن إزاي ده يحصل وإيثار موجودة، وكأن لعنتك على رأي أمك لازم تطول الكل
باغتته بسؤالاً متهكمًا:
-وإيثار بقى دخلها إيه في الموضوع ده يا عزيز؟
ولا يكونش أنا اللي روحت قولت لنصر يلغي الشغل اللي بينكم وأنا معرفش!
-الحاج نصر حط شرط رجوعك لجوزك قصاد شغلنا معاه يا بنت أبويا…نطقها بصوتٍ ضعيف كي يستجدي تعاطفها ورضوخها لكنها باغتته بصوتها المعترض الحاد:
-أولاً أسمه طليقي مش جوزي
واستطردت بريبة:
-نيجي بقى للسؤال الاهم يا عزيز، شغل إيه ده اللي جمعك إنتَ و وجدي بنصر، أكيد شُغل شمال ومش قانوني، مهو اللي اسمه نصر جمع ثروته دي كلها من الشغل الشمال، وان شاء الله نهايته هتكون أسود من قلبه
كان يستمع لحديثها قابضًا على كف يده بقوة من جراء غيظه، لم يدري لما دائمًا حديثها ورؤيتها يثيرا حفيظته،لكنه الأن مجبرًا على مجاراتها بالحديث اللين كما نصحته نسرين، ليقول بنبرة حاول جاهدًا بخروجها هادئة كي لا يثير غضبها ويستدعى تمردها المعتاد:
-إسمعيني يا بنت أبويا،أنا لآخر مرة بكلمك بالحسنى وعامل خاطر للدم اللي بينا
كانت تستمع له بابتسامة ساخرة مغلفة بالألم ليستطرد هو بتهديدٍ خفي:
-بعد كده متلوميش غير نفسك لأنك هتكوني السبب في أي حاجة تحصل لك إنتِ أو إبنك
ضحكت لتقول ساخرة:
-من ناحية إبني وده اللي يهمني في الموضوع كله فأنا مطمنة جداً،لاني متأكدة إنك أعقل من إنك تعادي نصر البنهاوي وتأذي حفيده
-ومين قال لك إني هأذيه ولا هتحرك خطوة واحدة من غير عِلم نصر…ضيقت عينيها لعدم استيعابها لحديثه المبهم ليسترسل بدهاء بما دب الرعب بأوصالها:
-أنا كل اللي هعمله هخلي المحامي يقدم للمحكمة طلب ضم حضانة يوسف لجدته منيرة حسب القانون ما بيقول
ابتلعت لعابها رُعبًا ليستطرد هو بخطة شيطانية قد حبكها بمخيلته بعدما لجيء إلى محامي ببلدتهم للاستعلام عن تفاصيل القضية لتهديدها:
-مش بردوا القانون بيقول إن الأم لما تبقى شغالة وطول اليوم برة البيت ومهملة في تربية إبنها اللي يدوب كمل ست سنين، الحضانة بتتنقل لجدته؟
واستطرد بابتسامة خبيثة:
-وبكده الحاج نصر مش بس هيرجع لاتفاقنا القديم معاه، ده احتمال يديني قد اللي كان هيدهوني تلات او أربع مرات، ويشكرني أني رجعت له حفيده في حضنه وفي وسط بلده وعزوته والراجل مش عاوز أكثر من كده
نطقت بصوتٍ جاهدت بظهورهُ متزنًا:
-ماتلعبش معايا اللعبة القذرة دي لأنك عارف كويس إني هقدم للمحكمة الأوراق اللي تثبت إن حالة جدته المادية لا تسمح لتربيته،ده غير إني موفرة لإبني مرافقة قاعدة معاه طول الوقت اللي بغيبه عنه في شغلي
-تفتكري إن الحاج نصر هتعدي عليه حاجة زي كده؟…نطقها ليرهبها لتسأله مستفهمة:
-تقصد إيه؟
ابتسم بخبثٍ بعدما تيقن بارتعابها من جراء نبرة صوتها المهتزة:
-أقصد إنه عنده استعداد يهد لنا البيت ويبني مكانة قصر علشان لما المحكمة تبعت مندوبها تلاقي كل حاجة تمام،وكل ده لجل عيون الحفيد إبن الغالي…نطق الاخيرة بابتسامة شامتة لتصرخ هي بكامل صوتها بعدما فقدت السيطرة على ثباتها:
-طب إسمعني كويس قوي يا عزيز علشان كلامي مش هعيده تاني، ماتحاولش تتحداني وتأذيني في ابني، علشان اللي هيقرب من ابني هنهش لحمه بسناني، حتى لو كان غانم الجوهري بنفسه، إلا ابني يا عزيز، إلا يوسف
ضحك ساخرًا لتهتف هي بقوة مصدرها مؤازرة أيمن الدائمة لها:
-وبلاش تتسند قوي على نصر لأنه جنب الناس اللي ورايا حيطة مايلة هتاخدك وتقع، واظن إنتَ شوفت بنفسك اللي حصل مع ابنه،نصر بجلالة قدره مقدرش يسد قدام الناس اللي سانديني، فبلاش إنتَ كمان تقف قصادي علشان إيثار الغلبانة بتاعة زمان مبقاش ليها وجود، واللي هيقرب من ابني همحيه من الوجود، إنتَ سامع
-ده أنتِ فجرتي ومبقاش هامك حد،إنتِ إزاي يا بت تكلمي أخوكِ الكبير بالطريقة دي… نطقها بغضبٍ عارم لتهتف ساخطة:
-وعاوزني أكلمك إزاي وإنتَ بتهددني بابني ومستقوي بالناس اللي قهروني وظلموني
لتسترسل بصوتٍ يئن ألمًا:
-الأخ الكبير يعني الحماية والسند، يعني الحضن الحنين لما الدنيا تضيق، إنتَ بقى فين من كل ده يا عزيز، إنتَ لا عمرك كنت سند ولا حماية، ولا عمري دوقت لحضنك طعم
لتستطرد بألم ينهش بداخلها:
-علشان خاطر ربنا سيبني في حالي يا عزيز،أنا مش عاوزة منكم أي حاجة غير إنكم تسيبوني أعيش مع ابني في سلام
-تبقى بتحلمي لو فكرتي اني ممكن اسيبك قاعدة لوحدك في مصر بعد النهاردة، دي الناس كلت وشنا…نطقها بحنقٍ لترد عليه بنبرة متألمة لتذكرها ماضيها الأليم وإجبارها على الهجرة للقاهرة:
-بيتهيء لي إنتَ أخر واحد يحق له الكلام في الموضوع ده، ولا نسيت أنا سيبت بيت أبويا وخدت إبني على كتفي وجيت القاهرة ليه، نسيت اللي عملته فيا إنتَ وأمك ومراتك واخواتك يا عزيز؟
واستطردت بدموعها الحارة بعدما فقدت السيطرة عليها:
-ده انا شفت ذل على إديكم أنا وابني عمري ما هنساه وهيفضل معلم في قلبي لحد ما أقابل وجه كريم،وساعتها هشتكيكم كلكم قدام ربنا،هقوله على كل اللي عملتوه فيا،هحكي له على الايام اللي كنت بباتها ودموعي على خدي وحاسة بالعجز وأنا مش لاقية أجيب لابني علبة زبادي ولا واحدة بامبرز،وكل ده علشان تضيقوا العيشة عليا وتجبروني أرجع مذلولة لعمرو بعد اللي عمله فيا
شهقت بدموعها ليخرج صوتها مستسلمًا:
-أخ كبير إيه اللي بتتكلم عنه،سيبوني في حالي بقى وانسوني،وكفاية اللي حصل لي على اديكم،إتقوا ربنا وروحوا جهزوا نفسكم وشوفوا هتقفوا قدامه وتبرروا اللي عملتوه فيا بإيه
كانت تتحدث ودموعها تنهمر بغزارة من مقلتيها وشهقاتها تعلو وهي ترى ما عاشته بالماضي يتجسد أمام أعينها وكأنها تعيشه مجددًا حتى أنها تشعر الأن بمرارته بحلقها
وكأن ما يستمع إليه من صرخاتٍ وأنين ودموع ما هو إلا مشهد مسرحي إعتاد على رؤيته وسماعه ليهتف مهددًا متجاهلاً ما تفوهت به:
-قدامك يومين تلاتة بالكثير تظبطي فيهم امورك،تمشي الولية البومة اللي عندك دي وتسيبي الشغل،وبعدها تتصلي بيا علشان اجي اخدك،غير كده تستني أبواب جهنم اللي هتتفتح في وشك مني
قال كلماته التهديدية وأغلق بوجهها دون أن ينبس ببنت شفة ليتركها بوجعٍ جديد يضاف لأوجاعها.
_______
داخل قصر علام زين الدين
التف الجميع حول طاولة الطعام ليتناولون إفطارهم قبل إتجاه كلاً منهم لوجهته،وجه والده سؤالاً مستفسرًا:
-ما قولتليش يا فؤاد،عملت إيه في موضوع قضية أيمن الأباصيري وصلاح عبدالعزيز؟
تناول قطعة الجُبن المعلقة بشوكته ليمضغها بهدوء وهو يجيب أبيه برزانة:
-إتفقت معاهم الإتنين وموافقين من حيث المبدأ،وبكرة هنتقابل في فندق ونتمم الموضوع، وبعدها الإتنين هيسحبوا البلاغات اللي مقدمينها في بعض ويتم التصالح في محضر رسمي عندي في النيابة
-لو الموضوع ده تم على خير، هيبقى نقطة قوة تضاف في سجلك يا سيادة المستشار… نطقها والدهُ بتباهي ليرد الأخر وهو يهز رأسه بلامبالاة:
-مافكرتش في كده خالص يا باشا،أنا عملت الموضوع خالص لوجه الله أولاً ثم لـ أيمن وصلاح،لأن الإتنين محترمين ومايستحقوش بحور الدم اللي كانوا هيغرقوا فيها هما واولادهم
ليسترسل وهو يطالعهُ بنظرة صادقة:
-ربنا عالم إني مش مستني منه أي تقدير أو منصب
كان يستمع لنجله بافتخار لينطق باشادة واستحسان:
-إنتَ مثال محترم للموظف المسؤل يا سيادة المستشار،مثال مُشرف يحتذى به
ابتسامة خافتة خرجت من جانب ثغره ليقول مثنيًا على أبيه:
-أنا ماشي على خطى جنابك يا معالي المستشار
-ربنا يحميك يا حبيبي،أنا حقيقي فخورة بيك…جملة حنون نطقت بها عصمت ليلتفت يناظرها وقبل أن يغمرها بكلماته اللطيفة قاطعه ولوج العاملة لتقول بنبرة مرتجفة:
-حارس الأمن بيقول إن فيه ضيفة واقفة على البوابة وطالبة تقابل سعادتك يا فؤاد باشا
كان يمضغ طعامه ليتوقف سائلاً باستفسار:
-ضيفة!
ثم التف ليناظرها باستفهام:
-مين الضيفة دي يا سعاد؟
وقفت تفرك كفيها ببعضيهما ويبدوا على وجهها الإرتياب ليهتف هو بحدة بعدما استشعر من تلبكها شخص الضيفة:
-ما تنطقي؟!
ارتعبت أوصالها لينتفض جـ.ـسدها من جراء حدة صوته ثم ابتلعت لعابها وهي تقول بارتياب:
-“فايزة” هانم والدة مدام “نجلا”
ما ان نطقت باسمها حتى احتدت ملامحه وشعر بنارٍ شاعلة اقتحمت جـ.ـسده بدون رحمةليتحول بياض عينيه إلى أحمر مشتعل يوحي لمدى الغضب الذي داهم كيانه بالكامل ليحول روحه لحمم بركانية،انتفض جسد كلاً من عصمت وفريال اللتان تبادلتا نظرات الرعب الممزوجة بالألم وهما ينظران لغاليهم ليهتف علام بنبرة حازمة:
-إطلعي قولي للحرس يمشوها من هنا حالاً
تجمدت ملامحه ليزيح مقعده للخلف بحدة وينطق بنبرة صارمة:
-أنا طالع لها
هبت عصمت منتفضة من جلستها لتلحق بنجلها ممسكة برسغه بقوة وهي تقول بترجي:
-بلاش يا فؤاد،دي صفحة سودة ومصدقنا قفلناها
هبت فريال لتهتف بغضب:
-دي ست معندهاش ريحة الدم،هي لسة ليها عين تيجي لحد هنا بعد اللي بنتها عملته
واستطردت بحدة وغضبٍ عارم ظهر فوق ملامحها وهي تهم بالخروج:
-أنا اللي هخرج لها وأعرفها مقامها كويس
-فريااااال…نطقها فؤاد وغضب العالم قد تجمع بملامحه الحادة ليسترسل بنظراتٍ ساخطة:
-محدش هيخرج لها غيري، ده موضوعي وأنا كفيل إني أحله
اقترب ماجد من زوجته ليمنعها من الخروج كي لا تستدعي غضب فؤاد عليها قائلاً بعقلانية:
-إسمعي كلام سيادة المستشار وأقعدي مكانك يا فريال
أما علام فكان منكس الرأس تحولت ملامحه لمتألمه لشعوره بما أصاب نجله الوحيد بعد سماعه لاسم تلك الحقيرة، خرج صوته جادًا وهو يقول دون أن يحيل نظره عن صحن طعامه:
-كل واحدة فيكم ترجع لمكانها وزي ما فؤاد قال،الموضوع هو اللي هيخلصه
ألقى نظرة امتنان لوالده قبل ان ينطلق كأسدٍ جريح بطريقه للإنقضاض على فريسته،من يرى غضبه يتيقن بأنهُ سيحرق الاخضر واليابس وكل من يقع فى طريقه فهو هالك لا محالة
خرج صوت عصمت بوهنٍ وهي تقول بقلبٍ يدمي لأجل صغيرها:
-جاية ليه بعد السنين دي كلها، مش كفاية اللي عملوه في إبني
-إهدي يا عصمت أرجوك… جملة حنون نطق بها علام وهو يربت على كف زوجته الموضوع على الطاولة لتنهمر دموعها فوق وجنتيها بغزارة
اشتعلت عيونه بشرارات الڠضب بعدما اقترب من البوابة الخارجية للقصر ليجد تلك السيدة الأنيقة وهي تقف بجانب سيارتها الحديثة لتقترب عليه وهي تقول بنبرة خجلة:
-إزيك يا فؤاد
-إسمي سيادة المستشار ده أولاً…نطقها بحدة لتقسو نبراته مع هذا الڠضب العظيم الذى ظهر بعينيه وهو يرمقها مستطردًا باحتقار:
-ثانيًا وده الأهم،إنتِ جاية هنا ليه،أنا مش نبهت عليكِ قبل كدة إن الفيلا دي متخطيهاش برجلك لا أنتِ ولا أي حد من طرفكم؟
أطرقت برأسها لتقول بحزنٍ:
-معنديش حد غيرك ألجيء له،بنتي تعبانة يا سيادة المستشار
لتستطرد بتذلل:
-أرجوك إرحمها
اقترب أكثر منها ليتوقف وأخذ ينظر لوجهها بتمعن وهو يرفع أحد حاجبيه قائلاً بسخرية:
-أرحمها!وهي ليه مارحمتنيش وفكرت فيا قبل ما تعرضني لفضيحة كانت هتقضي على مستقبلي النيابي لولا ستر ربنا
نظرت إليه لتقول بصوت مضطرب حاولت أن تتحكم به قدر الإمكان:
-كانت طايشة وغلطت وخدت جزائها بحبسها سنتين بحالهم،أرجوك كفاية لحد كدة،نجلا مش حمل مرمطة السجون أكتر من كدة، مش هتقدر تتحمل الخمس سنين التانيين
احتدت ملامحه لتمتليء بالقسوة وهو يصرخ هادرًا:
-ما تنطقيش إسمها قدامي تاني
ارجوك يا ابني تقف جنبها،المحامي قال لي إنه ممكن يقدم طعن بس لو إنتَ عدلت من شهادتك في القضية
إنتِ مجنونة يا ست إنتِ، إنتِ عاوزاني اخالف ضميري المهني واهز صورتي وانا بغير شهادتي علشان واحدة حقيرة زي بنتك… نطقها بنظرات احتقارية لتهتف بتذلل:
-وحياة أغلى ما عندك تساعدها، إفتكر لها الايام السعيدة اللي كانت بينكم
احتدت ملامحه ليجتمع بعينيه غضبًا جحيميًا لو خرج لدمر العالم بأكمل،ليهتف وهو يرمقها بسخطٍ قائلاً:
-أنا مفيش بيني وبين بنتك غير كل غدر وخسة وخيانة،احترمتها وعملتها بني أدمة وملقتش منها غير الخيانة اللي بتجري في دمها
عاد للخلف بخطواتٍ واسعة ليقول بنبرة صارمة وهو ينظر إلى طاقم الحراسة:
-الست دي لو جت هنا تاني تطلبوا لها البوليس، مفهوم
نطق كلماته وتحرك للداخل بعدما رمقها بنظراتٍ يملؤها الحقد والاحتقار لتصرخ هي بصوتٍ متألم:
-ارجوك ترحم بنتي يا فؤاد، أرجوك ترحمها
توقف متسمرًا بمنتصف الحديقة حين عادت به الذاكرة قبل سنتين من الأن ليهز رأسه نافضًا تلك الصرخات المتوسلة له ، بعدما تحدث القاضي داخل قاعة المحاكمة وهو يقول بحزمٍ:
-حكمت المحكمة على المتهمة “نجلا جلال السيد منير” بالسجن لمدة سبع سنوات مع الشغل والنفاذ.
إنتهى الفصل
«أنا لها شمس»
بقلمي«روز أمين»
[8:15 pm, 14/10/2024] Rose Amin: بسم الله لا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
🔹الفصل التاسع🔹
#_أنا لها شمس،بقلمي روز آمين
هذه الروايه مسجلة حصرياً بإسمي روز آمين
وممنوع نقلها لأية مدونة أو موقع أو صفحات أخري ومن يفعل ذلك قد يعرض حالة للمسائلة القانونية
__________
هل سبق وتذوقت طعم السُكر المُر من ذي قبل؟!
دعني لا أخفيك سرًا وأخبرك عن خيبتي لا قصتي
نعم خيبتي،فلعلّ أكثر الأمور إيلامًا على الإطلاق أن تضع ثقتك الكاملة بأحدهم لتكتشف لاحقًا أنّه لم يكن سوى خائن،ولم تكن أنتَ سوى غافل،عندها ستشعر وكأن عالمك ينهار تحت قدميكَ وبأن حياتك التي طالما رأيتها رائعة،لم تكن أكثر من إكذُوبة.
«فؤاد علام زين الدين»
بقلمي«روز أمين»
عاد بذاكرته لما قبل عامين من وقتنا الحالي
في تمام الساعة السابعة صباحًا داخل الجناح الخاص بـ فؤاد علام وزوجته نجلا، خرج من الحمام المُلحق بغرفة النوم يلف خصرهُ بمنشفةٍ كبيرة وقطرات الماء تتساقط من شعر رأسهِ لتسيل فوق صـ.ـدره العـ.ـاري،اتجه صوب غرفة تبديل الملابس وبعد عدة دقائق كان قد إنتهى من ارتداء جميع ثيابه ليتحرك نحو غرفة النوم قاصدًا مرأة الزينة حيث وقف يتطلع على حاله ليضع ربطة عنقه حول ياقة القميص دون عقدها، تناول ساعة يده وارتداها ثم صفف شعره بعناية فائقة، وما أن تناول زجاجة عطره الفرنسي استعدادًا لنثر عنقه حتى تبسم عندما رأى تلك الجميلة المتسطحة فوق الفراش تتمطيء بتكاسل وهي تقول بصوتٍ ناعم:
-صباح الخير يا حبيبي
-صباح النور… نطقها بابتسامة وهو يتأمل بعيناه تلك الشقراء وجمالها الساحر وهي تنفض عنها الغطاء كاشفة عن ثوب نومها الرقيق وجـ.ـسدها الانثوي لتنزل متحركة صوبه حتى وقفت خلفه وأحاطت خصـ.ـره بذراعيها لتميل برأسها تسندها على كتفه وهي تتطلع على انعكاس صورتهما معًا لتتنهد بإغراء،استدار بوجهه تجاهها قليلاً ليضع قُبـ.ـلة رقيقة بجانب شـ.ـفتيها استقبلتها بسعادة وتشديد من ذراعيها حول خصـ.ـره وهي تقول بدلال:
-حبيبي زي القمر
ابتسم بخفوت ليجيبها بثباتٍ بعدما عاد ببصره للأمام يتطلع لانعكاس صورته وهو يعقد ربطة عنقه بتمرس:
-فيه راجل بردوا يتقال له زي القمر؟!
تدللت أكثر وهي تقول:
-أيوه حبيبي زي القمر،وده مجنني ومخليني دايمًا قلقانة لتيجي واحدة وتخطفك مني
ضحك برجولة واستدار بجـ.ـسده بعدما انتهى من نثر عطره ليحتويها بذراعيه وهو يقول:
-بيتهيء لي أنك واثقة فيا وعارفة كويس إني راجل محترم وإن الستات مش سكتي
صمت ليغمز بعينيه متابعًا:
-ثم أنا إيه اللي هيخليني أبص بره وأنا متجوز برنسيس
هذا ما كانت تنتظر سماعه منه لترتفع قامتها للأعلى وهي تلف ذراعيها حول عنـ.ـقه وتجيبه بكبرياءٍ وتعالي:
-مهو علشان السبب ده بالذات أنا قلقانة
رفع حاجبه الأيسر لعدم فهمه لجملتها لتسترسل هي بإبانة:
-فيه نوع من الستات بتحب تحط عينها على الرجالة المتجوزين من برنسيسات زيي كده،وتحاول توقعه علشان تثبت لنفسها تفوقها وإنها ست بجد، وكل ما الست كانت أجمل وأرقى كان التحدي والرهان على جوزها أكبر،بالبلدي كده الصيدة لازم تبقى صعبة علشان تحس إنها عملت إنجاز
ضحك بسخرية وهو يهز رأسه بعدم استيعاب قائلاً:
-بس النوعية اللي بتتكلمي عنها دي مش ستات يا حبيبتي، دول بنات شوارع وعيب يتقال عليهم ستات
صمت قليلاً ثم قطّب ما بين عينيه ليقول بنبرة مستغربة:
-ثم أنتِ إيه عرفك بالحوارات دي أساسًا؟!
ابتعدت عنه لتستدير موالية ظهرها وهي تقول بلامبالاة:
-قعدات شلة ستات النادي بتجيب لك الجديد من الأخبار لحد عندك
ابتسم ساخرًا وهو يرد عليها متهكمًا:
-قصدك شلة النميمة
ضحكت ليتحرك هو نحو الطاولة يلتقط حقيبته المليئة بأوراقه الخاصة بعمله، فهو معتاد على جلب أوراق القضايا الهامة معه ليدرسها جيدًا بعقلٍ حكيم وذهنٍ صافي بعيدًا عن ضوضاء العمل،اقتربت عليه تحرك أصابع يدها فوق صدره وهي تعبث بزرائر قميصه بدلال:
-بقول لك إيه يا فؤاد، كنت محتاجة منك مبلغ أشتري بيه شوية حاجات نقصاني
قطب جبينه ليطالعها متعجبًا:
-أنا مش لسة محول لك مصروفك الشهري على الكريدت من يومين؟!
ابتعدت لتقول بلامبالاة وهي تدور حول نفسها وتنظر للاسفل:
-صرفته يا فؤاد،وبعدين هي العشرين ألف جنية اللي بتحولها لي كل شهر دي فلوس؟!
-العشرين ألف جنية اللي مش عاجبينك دول فيه شباب بيفتحوا بيهم مشاريع وبيبدأو مسيرة حياتهم…نطقها باستياء لتقول بكبرياء وهي ترفع عنقها للأعلى:
-أنا مرات فؤاد علام إبن الملياردير علام زين الدين، ولازم مصروف إيدي يتناسب مع وضع وحجم ثروتكم
اجابها بملامح وجه ثابتة ترجع لصعوبة تأثره ودرجة ثباته الإنفعالي العالية:
-لو كلنا مشينا بالمنطق بتاعك ده كنا فلسنا من سنين
ليستطرد بإبانة:
– بابا وعمي ورثوا الشركة والمصنعين والأراضي من جدي الله يرحمه،وبما إن بابا اتجه لدخوله في عالم النيابة فكان مضطر يسلم كل حاجة لعمي عبدالله،والحق يقال،عمي كان أهل ثقة وبدل الشركة بقت ثلاثة والمصنعين بقوا سلسلة مصانع أولاد الزين، وبابا طول السنين دي بياخد ارباح مهولة وبدل ما يركنهم في البنوك استغلهم وشغلهم في مشاريع تانية بتديرها ناس أهل خبرة وثقة، ومع ذلك عشنا زي أي حد
رمقها بنظرة لائمة ليستطرد:
– لو ماما فكرت بعقليتك كان زمانا عايشين على مرتباتنا من النيابة ويدوب مكفيانا أكل
نكست رأسها للأسفل لترتسم علامات الحزن والخزلان فوق ملامحها،أخذ نفسًا عميقًا ليزفره بهدوء كي يحافظ على ثباته الإنفعالي وتوجه إليها ليرفع ذقنها مجبرًا إياها على النظر لعينيه،وهم متحدثًا بنبرة هادئة:
-إوعي تفكري إني بحاول أتحكم فيكِ أو إني قاصد أحرمك من حاجة إنتِ عوزاها، بس إنتِ بجد زودتيها يا نجلا، مصاريفك بتعلى كل شهر عن اللي قبله،وده غلط، لازم يبقى لك سقف للمصاريف وتجبري نفسك على الالتزام بيها،لازم نروض نفسنا ونأدبها يا حبيبتي علشان ما تفجرش
-كل حاجة سعرها ارتفع الضعف يا فؤاد،ولو مش مصدقني إسأل،أنا مرات المستشار فؤاد علام ولبسي واكسسواراتي لازم تكون متجددة دايمًا، كل أصحابي ما بيكرروش الفستان ولا الاكسسوار مرتين…نطقت كلماتها بحدة ووجهٍ عابس ليرد عليها مستاءًا:
-هو بعيدًا عن إنه تبذير وحرام وإن ربنا هيحاسبهم على كده،بس منين بيجيبوا فلوس لكل ده؟!
أجابته بتفاخر:
-كلهم متجوزين رجال أعمال،وعلى فكرة، محدش فيهم عنده الثروة اللي عندك إنتَ وبباك
نطقت كلماتها لتمط شفتيها مع عبوس وجهها وتحركت منسحبة لتجلس على طرف الفراش منكسة الرأس لتشعره بالذنب،بالفعل تحرك إليها بعدما حزن لأجلها وتحدث:
-عاوزة كام؟
رفعت رأسها لتطالعه بنظراتٍ منكسرة افتعلتها للتأثير عليه حيث قالت بصوتٍ حزين:
-خلاص يا فؤاد مش عاوزة حاجة،أنا هروض نفسي زي ما أنتَ قولت لي
يعلم من داخله بأنها تتدلل كي تستجدي تعاطفه ليهتف قائلاً بتملل:
-إخلصي يا نجلا وقولي عاوزة كام، ورايا شغل ومش فاضي أنا لدلع الستات ده
ابتلعت لعابها لتنطق بصوتٍ خافت وعينين مترقبة:
-عاوزة زيهم
-عشرين ألف جنية! ليه يا نجلا؟… نطقها بذهولٍ لتنهض من مكانها وتستقر بوقوفها أمامه وهي تقول بشفتي ممطوطة للأمام:
-هو أنا ليه حاسة إنك مش واثق فيا يا فؤاد؟
ملس بكف يده على وجنتها الناعمة وهو يقول لمراضاتها بعدما لمح امتعاض ملامحها:
-مش قصة ثقة يا حبيبتي،أنا لو مش واثق فيكِ وفي تصرفاتك مية في المية مكنتش ربطت إسمي بإسمك من الأساس
طالعته بعتاب ليسترسل بإبانة لوجهة نظره:
-أنا مبحبش التبذير علشان ربنا مايزيلش مننا النعم
زفرت باستسلام ليقول مبتسمًا:
-خلاص متزعليش،هحولهم لك على الكريديت بكرة
اتسعت عينيها لتلتمع بوميض اللهفة واقتربت تطبع قُـ.ـبلة فوق وجنته قبل أن تنطق متلهفة:
-عوزاهم النهاردة
قطب جبينه يطالعها مستغربًا لهفتها لتنطق سريعًا وهي تعبثُ من جديد بزرائر قميصه بإيثارة:
-أصل عيد ميلاد نوڤا صاحبتي بعد يومين، واتفقت أنا وهي وباقي صحباتي ننزل النهاردة نجيب فساتين البارتي مع بعض
تنهد بقلة حيلة واتجه للخارج حاملاً حقيبته بعدما وعدها بتحويل المبلغ اليوم وكالعادة غمرته بأحضـ.ـانها المتلهفة، انتظرت عدة دقائق بعدما تأكدت عبر الشرفة المطلة على الحديقة من خروجه بسيارته من حديقة القصر لتُمسك هاتفها سريعًا وهي تتحدث بنبرة حذرة:
-أيوة يا ملك، أنا اتصرفت خلاص في الفلوس،أكدي لي الحجز ونتقابل هناك الساعة إتنين الظهر
استمعت لتأكيد الطرف الاخر لحديثها لتأخذ نفسًا عميقًا يعبر عن راحتها وتحركت لترتمي فوق الفراش لتعود لغفوتها من جديد بعدما تمت خطتها بالنجاح
**
في تمام الساعة الحادية عشر، كانت تنزل الدرج بأناقتها المعتادة ورأسها الشامخ لتقابلها والدة زوجها وهي تصعد الدرج بنفس اللحظة لتقول الاخرى بابتسامة زائفة:
-إزي حضرتك يا طنط
-أهلاً يا نجلا…نطقتها بصوتٍ جاد و وقار يرجع لعدم استلطاف تلك الـ نجلا لتستكمل وهي تشملها باستغراب:
-لابسة ومتشيكة ورايحة فين كدة على الصبح؟
نطقت بابتسامة صفراء:
-هقابل صاحباتي في النادي نفطر وبعدها هنعمل شوبنج علشان أشتري شوية حاجات نقصاني
رمقتها بنظراتٍ شاملة لتنطق بضيق ظهر فوق ملامحها العابسة:
-نفسي تفرحيني في مرة وتقولي لي إنك رايحة تشتري لبس للبيبي
شعرت بغضبٍ عارم يجتاح كيانها من تلك السيدة الغليظة التي أصبحت لها بالمرصاد بعدما انتهت السنة الخامسة منذ زواجها دون إنجابها الحفيد للعائلة،قبل ذلك كانت كثيرة اللُطف بحديثها لكنها مؤخرًا تحولت،جاهدت بالحفاظ على هدوء ملامحها وثباتها الإنفعالي بدلاً من أن تحطم رأس تلك الحمقاء لتقول ومازالت محتفظة ببسمتها المصطنعة:
-أكيد هيحصل في يوم من الأيام يا طنط، ما تستعجليش
عدلت من وضع نظارتها الطبية لتقول وهي ترمقتها باستغراب:
-ليكم خمس سنين متجوزين، عوزاني أستنى إيه أكتر من كدة علشان أشوف حفيد لإبني الوحيد
مطت شفتيها لتهز كتفيها وهي تقول بلامبالاة:
-وانا مالي بالموضوع ده يا طنط، حضرتك بنفسك جيتي معايا للدكتور بدل المرة إتنين، وهو بنفسه أكد لك إن لا أنا ولا فؤاد عندنا أي مشاكل في موضوع الخلفة، وإن تحاليلنا كويسة جداً وطبيعية
لتستطرد وهي تذكرها:
-وإن الموضوع كله مجرد وقت وهيحصل
ضيقت عصمت بين حاجبيها لتسألها بفضول:
-وشك أصفر ليه كده؟
ارتبكت بوقفتها لتجيبها بتهرب:
-إجهاد من عدم كفايتي للنوم
ونكست رأسها تسترسل بزيفٍ:
-وكمان عندي مغص
فهمت عصمت ما تشير إليه لتزفر قائلة بطريقة حادة وهي تصعد الدرج متخطية وقوفها:
-ياريت ترجعي بدري قبل ما جوزك ييجي من الشغل
حاضر يا طنط، باي… نطقتها بضيق لتقلب عينيها بضيق قبل أن تزفر بقوة وتمضي بطريقها للخارج
**
عودة للحاضر
بمنزل نصر البنهاوي
جاهد محاولاً فتح عينيه بصعوبة بعدما استمع لصدوح صوت جرس الباب يصاحبه بعض الطرقات العالية على الباب الخارجي للشقة،شعر بتحريك جـ.ـسد صغيره ليفتح عينيه سريعًا وهو يقول:
-نام يا حبيبي
نظر له الصغير ليغلق عينيه مجددًا بعدما أهداهُ إبتسامة كانت كفيلة بأن تجعل قلبه يرفرف وتخفف من وطأة ألامه التي باتت مصاحبة له بعد انفصاله عن مالكة الفؤاد،لثـ.ـم وجنته بحنوٍ ليتحرك صوب الباب سريعًا بعد صدح الرنين من جديد، فتح الباب ليجد أمامه سُمية وهي ترمقهُ بنظراتٍ نارية لو خرجت لدمرت كل ما يقابلها ولحولته لـ رمادٍ في الحال،خرج صوته متحشرجًا وهو يطالعها بغضب:
-فيه إيه على الصبح،حاطة إيدك على الجرس ونازلة دوس زي ما أكون مديون ليكِ وجاية تطالبيني
هتفت ليخرج صوتها كـ فحيح أفعى دهس أحدهم على ذيلها:
-لا وإنتَ الصادق، جاية ادور على جوزي اللي واخد إبن ضرتي وقافل عليه شقتها وقاعد يسترجع الماضي الحزين
لتستطرد بنبرة ساخطة لعينين تنطقان حقدًا:
-وناسي إن ليه واحدة ست وعنده بنت محتاجة هي كمان لرعايته زي ابن الهانم اللي بيتعامل معاملة خمس نجوم إذا كان منك ولا من جده وجدته
-وطي صوتك وإنتِ بتتكلمي…نطقها بصوتٍ صارم ليسترسل لإرعابها:
-ولا عوزة ستهم تسمعك وتبقى ليلتك مش معدية
نظرت إليه لتتراجع نبراتها من حادة لذليلة وهي تغير استراتيجياتها لكسب تعاطفه كالمعتاد برغم أنه لم يتأثر به مؤخرًا إلا أنها مازالت ماضية بطريقتها التقليدية:
-إنتَ بتعمل فيا كده ليه يا عمرو، بتعاقبني على إيه، على إني حبيتك ومشفتش في الدنيا راجل غيرك؟!
أغمض عينيه يتأفف بوقفته ليقول بنبرة متمللة:
-هو أحنا مش هنخلص من الاسطوانة المشروخة دي بقى، يا بنتي إرحمي نفسك ده أنا تعبت لك
كاد أن يكمل ليبتلع ما بجوفه من حديث بعدما استمع لصوت صغيره يناديه حيث خرج من الغرفة باحثًا عنه:
-بابي
اشتعل قلبها بنار الغل عندما رأت لهفته على الصبي حيث التفت وأسرع متلهفًا بخطى واسعة ليقابله وهو يقول بصوتٍ حنون ليطمئنه:
-أنا هنا يا حبيبي
حمله بعناية بينما تحدث الصبي ببرائة:
-أنا عاوز أخد شاور
هم بالحديث لتباغته وهي تبسط يداها باتجاه الصغير إستعدادًا لحمله لتقول بابتسامة مصطنعة علها تكسب بتصرفها هذا ود عمرو:
-تعالى يا يوسف أنا هحميك
تأوهت على أثر دفعها من قِبل عمرو حيث دفعها للخلف محتضنًا صغيره ليبعدها عنه وكأنها عدوى يخشى على صغيره من لمستها وصاح هو يقول بنبرة حادة لملامح وجه صارمة:
-إوعي تحاولي تلمسي إبني أو تتقربي منه
ليرمقها بسخطٍ هاتفًا بقوة أصابت جـ.ـسدها بالإرتجاف:
-إنتِ فاهمة
طالعته بعينين جاهدت لتترقرق بهما غيمات الدموع ليهتف هو غير عابئًا بحالتها:
-إقفلي الباب وراكِ وإنتِ خارجة
مثلت نزول دموعها لتستدير مهرولة للخارج لتصفق الباب خلفها وتتحول ملامحها لحاقدة متوعدة لإيثار وطفلها المدلل الذي وبرغم إبتعاده إلا أنه اختطف سعادتها وحياة إبنتها التي كانت من المنتظر أن تحياها لولا وجود هذا الحفيد المقرب لقلوب العائلة.
أخذ عمرو الصبي وولج به إلى الحمام وبدأ بغمر جـ.ـسده جيدًا داخل الماء وبغسله بالصابون الخاص بالاستحمام،دلل صغيره وعاش معه المشاعر التي يفتقدها بابتعاده عنه،أخرجه من المغطس ليلف جـ.ـسده بالمنشفة الكبيرة حاملاً إياه ليتجه نحو غرفة النوم الخاصة بإيثار، ساعده بارتداء ثيابه وصفف له شعره ليبتسم الصغير برضا وهو يقول:
– ممكن بقى ننزل نفطر علشان بعدها أكلم مامي؟
تحمحم ليقول بنبرة متلهفة وهو يتناول هاتف نجله الذي يجلبه معه بكل زيارة لمهاتفة والدته من خلاله كي تطمئن عليه:
-طب إيه رأيك نكلمها الأول وبعدين ننزل نفطر مع بعض في الجنينة أنا وإنتَ وجدو وتيتا
هز يوسف رأسه بموافقة ليضغط عمرو رقمها سريعًا ليأتيه الرد وكأنها كانت تنتظر:
-أيوه يا حبيبي
علت دقات قلبه وتحولت كـدقات طبول حربٍ ولم يشعر إلا بروحه التي سرحت بملكوت صوتها الناعم وهي تنطق بـ حبيبي،كم مضى من السنوات دون إستماعه لتلك الكلمة التي كانت بيومٍ غذاءًا لروحه واليوم أصبحت الترياق وياليته يستطيع الحصول عليه، تحمحم قبل أن ينطق بصوتٍ يفيض بالإشتياق:
-إزيك يا إيثار
اشتعلت روحها وكأن نارًا قد سرت بجميع أوردتها ليتحول صوتها من ناعم لحاقد وهي تصيح بنبرة حادة:
-إديني إبني
حاضر،طمنيني بس عليكِ الأول… قالها بصوتٍ خانع لتهتف غاضبة بحدة وصرامة:
-قولت لك إدي التليفون ليوسف
زفرت عزة التي تقابلها الجلوس حول طاولة الطعام حيث كانتا تتناولتان فطوريهما واستغفرت ربها بينما ناول عمرو الهاتف للصغير دون أن ينبس ببنت شفة تجنبًا لاغضابها أكثر ليهتف الصغير مهللًا:
-وحشتيني يا مامي
تلهف قلبها عند استماعها لنبرات فلذة قلبها الغالي لتهتف بحبورٍ:
-وإنتٓ كمان وحشتني قوي يا قلب وعقل وروح مامي
انتهى الصغير من محادثة والدته وعزة التي أغرقته بسيلٍ من الكلمات المدللة ليسعد قلبه،حمل الصغير وتوجه للأسفل ليجد جميع العائلة جالسون بانتظار الصغير حول الطاولة ولم يجرأ فردًا بلمس الطعام بأمرٍ من نصر مما جعل طلعت يستشيطُ غضبًا من أفعال والده المبالغ بها في دلال الصغير وإعطائه أهمية عظمى،تهلل وجه نصر وتحدث مرحبًا وهو يفتح ذراعيه على مصراعيهما لاستقبال حفيده خفيف الظل والحضور:
-يا صباح الفل يا يوسف باشا
تبسم الصغير مبتهجًا ليرتمي بأحضان جده الحانية ليغمره الاخر بقبلاته الحارة والصادقة تحت احتراق قلب سُمية التي لوت فاهها وإِنارت وجه مروة التي شملتها بنظراتٍ شامتة مما زاد اشتعال روح الاخرى حيث رمقتها بنظرة نارية لو خرجت لحولتها لجثة متفحمة في الحال، وضع نصر الصغير فوق ساقيه وأشار للجميع قائلاً بمداعبة لوجنة الصغير:
-الوقت بس تقدروا تاكلوا بعد ما حضرة الظابط يوسف وصل.
تعالت ضحكات الصغير لينشرح قلب عمرو وإجلال ويستشيط لها الاخرون حتى الأطفال وهم يرون هذا الدخيل الذي يتمتع بدلال جديهما وله منهما جميع الصلاحيات المحرمة عليهم
جلس عمرو وبدأ نصر بإطعام الصغير بنفسه بكل ما لذ وطاب ليتحدث مدلالاً إياه:
-خلص أكلك علشان نطلع الجنينة واخليك تمسك السـ.ـكينة وتدبـ.ـح بيها الخروف ونشويه على السيخ سوا
جحظت أعين الصغير ليتحدث بارتيابٍ وعفوية:
-لا يا جدو مش هينفع أعمل كده،أنا أخاف وكمان مامي منعاني أمسك السـ.ـكينة لانها بتأذي
هتفت إجلال التي ما أن استمعت لاسم غريمتها حتى فقدت ثباتها لتقول بصوتٍ حاقد:
-والله ماحد هيتلف أملك ويطلعك خيخة غير المعدولة أمك
نظر لها ولم يفهم ما تتفوه به ليطالعها عمرو بنظرات مُلامة منعتها من تكملة حديثها السام وهي تهز رأسها باستسلام
تحدثت إبنة طلعت الكبيرة بتفاخر:
-خليني ادبـ.ـحه أنا يا جدي
هتفت إجلال متهكمة:
-مبقاش إلا البنات كمان اللي هتـ.ـدبح يا بنت طلعت
هتف طلعت غاضبًا:
-ومالهم البنات يا أما،ده أنا مربي بناتي التلاتة اجدع من أي راجل
اجابته ساخرة:
-مش بالتربية يا عين أمك، في الأخر إسمهم بنات وأخرهم هيتجوزوا ويخلفوا ولاد يشيلوا إسم راجل تاني
زفرت ياسمين واستشاط داخلها من تلك الحية الرقطاء التي تبخ سمها بوجوه الجميع ولم يسلم من شر لسانها حتى أقرب الناس لديها،ليجيبها طلعت بنبرة تحمل الكثير من السخط:
-إن كان على الواد هجيبه يا أما،اللي يجيب البت يجيب الواد
وحول بصره لتلك الجالسة بأخر الطاولة تجاور زوجتي شقيقاه حسب أوامر إجلال ليهتف أمراً بقوة:
-من بكرة تروحي لدكتورة الزفت اللي إنتِ متبعاها وتشوفي الحبل إتأخر ليه المرة دي
واستطرد بتهديدٍ صريح لقلبٍ مشتعل:
-وإلا وعزة وجلال الله لاكون متجوز عليكِ اللي تجيب لي الواد
لعنت بسريرتها إجلال وإيثار وطفلها اللعين الذي يحول زوجها لناقم عليها وعلى حاله كلما حضر لزيارتهم،رمقت إجلال هؤلاء النسوة وسبت بسريرتها تلك الـ إيثار التي لعبت بعقل نجلها ليتوسط لهن بأن يحضرن الطعام معهم وبالأخير رضخت مجبرة تحت إصرار مدلل قلبها
بعد مرور حوالي الساعتين، ذَبـ.ـح نصر الشاه بمساعدة أنجاله الثلاث وتحت نظرات الصغير لتأخذ النساء اللحم لتسويته وينسحب كل لوجهته بينما جلس نصر وإجلال بصحبة الصغير بالحديقة الواسعة الخاصة بالمنزل لاشباع لهفتهما عليه،كان يستقل تلك السيارة التي جلبها له عمرو بذكرى يوم ميلاده وتجاوره شقيقته من أبيه فقلب الصغير يميل لها رغم معاملة سُمية ونظراتها العدائية له، كانت عيناي إجلال تطالعه بحرصٍ وتفاخر لتزفر بقوة وهي تتحدث بنبرة غاضبة:
-هتفضل سايب الواد لبنت منيرة كده كتير يا نصر، يوسف لازم يرجع بيت أبوه ويعيش في عزنا
اغمض عينيه ليقول باستسلام:
-سبيني لحد ما الانتخابات تخلص وبعدين أروق لها
اتسعت عينيها لتقدح بشرارات الغضب وهي تهتف من ببن أسنانها بفحيحٍ كأفعى تتجهز ببخ سمها بعيني فريستها:
-إنتَ عاوزني أستنى ست شهور بحالهم يا نصر، ده أنتَ ناوي تجلطني على كده؟
تنفس بعمق كي يستطيع مجابهة تلك المتجبرة ليقول بإبانة وتعقل لكسبها:
-يا إجلال إفهمي، البت مستقوية بناس كُبار حواليها، وأنا مش عاوز شوشرة قبل بداية الإنتخابات، محدش عارف الناس دي بتفكر إزاي وممكن أذاهم يوصل لحد فين
واستطرد مستشهدًا:
– وأظن إنتِ بنفسك شوفتي موضوع عمرو حبكوه إزاي علشان المحضر يتحول للنيابة قبل ما أخد خبر بيه
شددت على قبضت يدها حتى ابيضت لتقول من بين أسنانها:
-أه يا ناري لو تطولها إيديا،لربيها من جديد على إيد ستهم
هزت رأسها وهتفت بحقدٍ:
-المركز كله رجالة وستات محدش فيهم قدر يعمل معايا اللي بنت منيرة عملته،نفسي أبرد ناري من ناحيتها يا نصر،نفسي أذلها وأكسرها قدام الناس كلها
وضع كوب القهوة فوق الطاولة ليلتف بجـ.ـسده ناحيتها مربتًا على كفها الموضوع فوق ساقيها وهو يقول متوعدًا:
-إصبري على ما أخلص من موال الإنتخابات وأرتاح،وعد عليا هجيبها لك متكتفة وارميها لك تحت رجليكِ، وساعتها إعملي فيها ما بدا لك
تنفست بعمق لتنطق بغلٍ ظهر جليًا بنظراتها:
-هصبر يا نصر مع إن الصبر مش طبعي ولا سكتي، بس هصبر على أمل أنول مرادي في الأخر.
-بعيد عن إنتقامك منها البت لازم ترجع لـ عمرو يا إجلال…نطقها بصوتٍ خافت ليسترسل بخيبة امل كست ملامحه:
-إبنك ما اتصلحش حاله وبقى راجل غير لما اتجوزها، ومن يوم ما دخلت بينهم الشيطانة اللي إسمها سُمية والبت اتطلقت، وإبنك رجع أسخم من الاول، الواد تحسيه بقى تايه، دماغه مش مظبوطة، رجع للشُرب والنـ.ـسوان الزبالة من تاني، بعد ما ربنا هداه وبعد عن السكة دي وقرفها على ايدين بنت غانم
زفرت بقوة ونكست رأسها بانكسار دلالة على صحة حديثه وعدم راحتها بما وصل له نجلها المدلل من خيبة وإخفاق
**
داخل المطبخ الخاص بمنزل نصر،هتفت سُمية الواقفة أمام موقد الغاز تتابع التقليب بالمعلقة بأحد الأواني الموضوعة على النار:
-الغيرة هتموتني يا ياسمين،كل ما الواد ييجي يتلكك بيه وياخده ويجري على شقة المحـ.ـروقة اللي إسمها إيثار وميخرجش منها غير لما الواد يمشي
هتفت الاخرى بنبرة حادة:
-ما أنتِ اللي خايبة، قولت لك هاتي لك حتة عيل كُلي عقله بيه وهو ينسى إبن إيثار
احتدت ملامحها لتهتف غاضبة:
-وهو بإيدي إياك،ده أنا ممكن أعد لك الكام مرة اللي قرب لي فيهم من يوم ما كتب عليا،ومعظمهم تم وهو مش في وعيه، مع إني عملت له البدع
لتستطرد بعينين حزينتين:
-فالح يقضيها سرمحة مع النـ.ـسوان الشمال برة وييجي لحدي وكأنه شاف عقربة قدامه.
انتفضت على أثر صوت تلك التي ولجت إلى المطبخ دون أن تشعرا بها وهي تتحدث شامتة:
-يمكن علشان بتفكريه بخيبته التقيلة وبالغالي اللي خسره قصاد الرخيص.
التفت سريعًا لتهتف بصياحٍ ووجهٍ مشتعل ينذر بنشوب حربًا على الابواب:
-إبعدي عني الساعة دي يا مروة أحسن لك، أنا عفاريت الدنيا كلها بتتنطط قدام عنيا، متخلنيش أفش غلي فيكِ
ضحكة خليعة أطلقتها مروة لتستشيط الاخرى ليخرج صوت نسرين يوقف كلتاهما وهي تنهرهما:
-ما تخرسي وتخلي ليلتك تعدي إنتِ وهي،البيت مولع لوحدة متزودوهاش
رمقت مروة بازدراء لتسترسل ناهرة لتلك التي تعشق التصنت عليهما:
-وإنتِ يا ست مروة،مش هتبطلي العادة الزفت اللي فيكِ دي.
اتجهت نحو الطاولة وجذبت المقعد لتجلس وتحدثت ببرودٍ قاتل بعدما شرعت بتقطيع خضروات السلطة:
-والله محدش قال لكم تقعدوا تنموا في المطبخ وحسكم يجيب أخر البيت،عاوزين تتكلموا في اسرار يبقى في شققكم مش هنا
زفرت ياسمين وعادت لطهي الطعام من جديد مفضلة الصمت أمام كلتا الغبيتان التي ابتليت بهما ببيت الاشباح هذا.
**
ليلاً
تجلس على مقعدًا مجاور للفراش بحجرتها المظلمة حيث أغلقت الضوء لتحاول تهدأت حالها من التوتر الذي اجتاح كيانها فور مكالمة عزيز التي أشعل بها روحها بالكامل وجعلها تدخل بنوبة من الهلع كلما تذكرت تهديداته الصريحة بأخذ صغيرها من بين أحضـ.ـانها،تشعر بعجزٍ شديد وبأن يديها مكبلة، وبلحظة انتفضت لتقف متجهة نحو الكومود لتلتقط هاتفها بعدما أهتدت لفكرة ستضع بها حدًا لهذا الـ عزيز،بحثت بالأرقام المسجلة إلى أن اهتدت لرقم والدها لتضغط زر الإتصال منتظرة الإجابة ليأتيها صوت أبيها المتلهف:
-إيثار، إزيك يا بنتي
تنفست بهدوء في محاولة لتهدأت حالها كي لا تنقل لوالدها توترها الهائل:
-إزيك إنتَ يا بابا
-أنا الحمدلله، المهم إنتِ طمنيني عليكِ…نطقها برضا ليخرج صوتها متألمًا شاكيًا لأبيها حيث قالت بنبرة خرجت غاضبة رغم محاولاتها:
-أنا بقى مش بخير ولا كويسة
ارتعب قلبه ليسألها متلهفًا:
-ليه يا بنتي، فيكِ إيه؟
هتفت بصوتٍ شديد الغضب:
-عزيز إتصل بيا النهاردة الصبح وبيهددني يا بابا،أخويا اللي المفروض إنه سندي بيهددني لو مرجعتش البلد بعد يومين هيرفع عليا قضية ضم حضانة
وبدأت بقص ما بدر من شقيقها تحت غضب وحزن قلب غانم الذي ما عاد فيه التحمل اكثر لما يراه من ظلمٍ كبير يقع على إبنته المنكسرة، هاج ليخرج صوته هادرًا:
-هي حصلت يهددك علشان خاطر مصلحته
-إسمعني كويس يا بابا، أنا اتحملت من عزيز وماما اللي ميتحملهوش بشر…نطقتها بهدوء لتعلو نبرة صوتها قائلة بتهديد:
– بس لحد يوسف ومحدش يلومني على اللي هعمله
لو وصلت إني أفتري عليه وأقدم فيه بلاغ إنه اتهجم عليا وضربني هعمل كده، وعندي بدل الشاهد عشرة وبدل الإيد اللي هتتمد وتساعدني مية… قالتها بصوتٍ شديد الحدة يرجع لوصولها لحالة من الإنهيار النفسي وكأن جدارها الواهي قد هُدم وخارت قواها وتحطمت تحت شعورها الدائم أنها تسبح ضد التيار، تنهد غانم لينكس رأسه وشعورًا بالخزي من ضعفه يعتريه ليخرج صوتهُ ملامًا وهو يقول:
-هتحبسي أخوكِ يا إيثار،وقدرتي تطلعيها من بوقك
ابتسامة مريرة خرجت من جانب ثغرها تخبرها عن مرارة ما تشعر به، تنفست لتجيب والدها بنبرة متهكمة:
-وحضرتك عاوزني أقف متكتفة واسيبهم ياخدوا إبني ويسلموه لـ إجلال تربيه، ده مش بعيد يدوه لـ سُمية الخاينة تربيه علشان أموت بحسرتي
لتسترسل بألم طعن والدها بمنتصف قلبه:
-وساعتها أكيد ماما وعزيز هيرتاحوا، ويمكن يوزعوا ندر لله إنه خلصهم من الشؤم اللي موقف حياتهم وخاربها
اجتاحه شعورًا هائلاً بالأسى يرجع لحزنه الاليم وهو يرى أنجاله يتقاتلون وبدلاً من أن يصطفوا ويمثلوا قوة أمام الظلم يتفرقون كُلٍ بطريق عكس الأخر لتدمير أنفُسهم بأنفسهم لينطق بصوتٍ مغْلوبٍ:
-إستهدي بالله يا بنتي واعتبري موضوع عزيز مُنتهي
سألتهُ بتشكيك:
-منتهي إزاي يا بابا،يعني حضرتك هتقدر تمنعه من إنه يرفع القضية؟
حزن داخله لينطق بانكسار:
-للدرجة دي شايفة أبوكِ راجل ضعيف وقُليل يا إيثار؟!
نزلت كلماته المستكينة على قلبها شطرته لنصفين لتعنف حالها وهي تنطق سريعًا:
-لا عشت ولا كُنت لو ده اللي اقصده،أنا قصدي إن عزيز الغضب مخليه مش شايف قدامه ومش هيسمع لحد
-وأنا قولت لك إعتبري الموضوع منتهي وقفلي عليه… نطقها بصوتٍ غاضب لتنطق متأسفة بخجلٍ:
-حقك عليا يا بابا، أرجوك متزعلش مني
أجابها بصوت رجلاً مهزوم:
-أنا مش زعلان منك يا بنتي، أنا زعلان من نفسي
واستطرد بأسفٍ بصوتٍ ذليل نزل على قلبها وكأنه نصل سكينًا حاد شطره دون رحمة:
-كان نفسي أكون لك الأب القوي اللي يقف في ظهرك ويحميكِ، بس العين بصيرة والأيد قصيرة، أبوكِ راجل غلبان والزمن جار عليه والفقر هده
ما شعرت إلا بدموعها الأبية تنهمر فوق وجنتيها كـ سيلٍ جارف يطيح بكل ما يقابله، خرج صوتها ضعيفًا متأثرًا وهي تقول في محاولة للتخفيف من وطأة ما يشعر به من تخاذل:
-إنتَ في عيوني أحسن أب في الدنيا، كفاية مساندتك ليا في موضوع طلاقي، ولولا وقوفك جنبي قصاد نصر مكنتش قدرت أخد إبني وأخرج بيه برة البلد
واستطردت بشهقة خرجت لتشق بها صدر غانم:
-ربنا يخليك ليا يا بابا
ابتسامة حانية خرجت من ثغرة وهو يقول بنبرة حنون:
-وحشتي ابوكِ يا إيثار
-على عيني بعادي عنك يا حبيبي،ما أنتَ عارف أنا مبنزلش البلد ليه…نطقتها بضعفٍ وأسف ليجيبها بصوتٍ بشوش:
-أنا اللي هجي لك،هجيب لك يوسف بكرة واجي أقعد معاكِ يومين بحالهم
اتسعت عينيها لشدة حبورها لتهتف بتهلل ولهفة:
-بجد هتيجي يا بابا؟
حلق قلبه فرحًا لسماعه لتلك النبرة السعيدة التي غمرت صوت صغيرته ليؤكد لها قائلاً:
-إن شاء الله هجي لك، شوفي عاوزاني اجيب لك معايا إيه وانا عنيا ليكِ
-تسلم عيونك يا بابا، مش عاوزة أي حاجة غير إني أشوفك وده كفاية…انهت مكالمتها الهاتفية بحالٍ مختلف كليًا عن بدايتها،فـكم كانت أحلامها بسيطة،يكفيها ولو كلمة،شعورًا، غمرة ليجعلاها كطيرٍ حُر يطلق جناحيه القويتين محلقًا بسماء الله الواسعة دون قيدٍ
،استندت برأسها للخلف لتغمض عينيها وهي تزفر براحة وتدعوا الله بسريرتها بأن يساندها وينصرها على كل من ظلمها ويستمر بظلمها وأن يحمى لها يوسف، ثمرتها حُلوة المذاق التي جنتها من زيجتها المشؤمة لتكون عوضها عن سنوات العجاف التي قضتهم بمنزل الأشباح
**
ظهر اليوم التالي
انتهت من العمل على ملفًا مهمًا كانت تعمل عليه لتستمع إلى صوت هاتفها الجوال لتجيب على الفور بعملية،أخبرها المتصل أنه كاتب النيابة وأنها غفلت وتركت بطاقتها الشخصية أثناء تنازلها عن محضر التعدي ليتناسى هو ويقوم بوضعها داخل الأوراق الخاصة بالمحضر واليوم فقط عُثر عليها أثناء بحثه للملف،اشتدت سعادتها للعثور عليها بعدما كانت قد فقدت الأمل وسعت بالفعل على استخراج بدل فاقد بعدما قدمت بلاغًا بفقدانها،أخبرته أنها ستأتي إلى النيابة بعد ساعتان من الأن لاستلامها، دخلت إلى أيمن وطلبت منه الإذن وتوجهت سريعًا قبل إنتهاء مواعيد العمل الرسمية بالمبنى كي تعود لمنزلها لتستعد لاستقبال أبيها الغالي، توجهت إلى مكتب النائب العام المقصود لتجد الكاتب بانتظارها أمام باب المكتب فسلمها إياها وشكرته هي وتحركت صوب الخروج، وأثناء سيرها بالممر فوجئت بخروج« شرشبيل» كما أطلقت عليه يخرج من باب مكتبه حاملاً حقيبته الخاصة بعمله، تلاقت الأعين لتقول بابتسامة هادئة بعدما شعرت براحة بقلبها لشخصه:
-إزيك يا سيادة المستشار
رمقها بجمود متجاهلاً إبتسامتها لتتجمد الإبتسامة على محياها وهو يرد باقتضاب وملامح عابسة ترجع لرؤيته لوجه فايزة لتنزع صباحه ويومه بالكامل وتُعيد تجديد أحزانه:
-أهلاً وسهلاً
ابتلعت لعابها خجلاً وشعرت كما لو أن أحدًا سكب دلوًا من الماء البارد فوق رأسها،طالعت ذاك المغرور الذي تحرك صوب المصعد الكهربائي دون الألتفات لها وكأن لا وجود لها من الأساس،تحركت بقلبٍ مشتعل وجاورته الوقوف إنتظارًا لوصول المصعد لينضم إليهما “شريف” النائب العام التي قدمت إفادتها لديه في قضية عمرو،تحدث إلى فؤاد وهو يحيه برأسه باحترام:
-فؤاد باشا
قابل الأخر تحيته بمثلها بابتسامة خافتة، ليحول شريف بصره إليها وهو يسألها بعدما تذكرها:
-أخدتي بطاقتك؟
وصل المصعد ليلج ثلاثتهم لداخله لتلتفت إليه وهي تقول بصوتٍ خافت:
-أه يا افندم أخدتها…نطقتها باقتضاب ليكمل الأخر معتذرًا:
-معلش ما أكتشفنهاش غير النهاردة،الكاتب نسي وحطها في ملف القضية، ولما فتحنا الملفات النهاردة علشان نراجعها قبل ما تروح للأرشيف لقيناها
طالعته بابتسامة بشوش بعدما حدثها بكثيرًا من اللُطف والإحترام لتقول بإبانة:
-حصل خير يا افندم،وكفاية إنه اتصل بيا في الوقت المناسب
لتسترسل بابتسامة هادئة:
-أنا كنت خلاص فقدت الأمل إني ألاقيها وقدمت بلاغ بضياعها،وكنت رايحة بكرة أخرج بدل فاقد
كان يستمع لحديثهما بقلبٍ غير مستكين،يشعر بضيقٍ لا يعلم سببًا له وهو يراها تنظر لذاك الـ شريف وهو يحادثها بملاطفة وترد عليه بملامح وجه بشوشة لم يرها عليها من قبل
وما جعله يشعر بسوءٍ كبير هو حديثها عندما توقف المصعد وهي تقول بابتسامة صافية سرقت لُبه:
-ميرسي لذوق حضرتك يا سيادة المستشار
مال الاخر لها برأسه بترحابٍ ليُفتح باب المصعد بتلك اللحظة وتنطلق هي للأمام بخطواتٍ واسعة وقبل أن تصل لباب سيارتها استمعت لصوته من خلفها وهو ينطق باسمها لتتوقف زافرة قبل أن تستدير بجـ.ـسدها لتقف بمقابلته حيث تحمحم وهو يتحدث بنبرة متلبكة بعض الشيء:
-أنا،
ضيقت عينيها باستغراب لحالته ليسترسل بنبرة بها تعالي وهو يستصعب خروج كلمة أسف:
-يعني، بخصوص معاملتي ليكِ جوة
واستطرد سريعًا:
-كنت سرحان ومخدتش بالي من ابتسامتك
-إبتسامتي؟! نطقتها بجبينٍ مقطب لتسترسل متهكمة وهي تتنكر لابتسامتها وكأنها وصمة عار وجب محيها:
-هو يظهر إن حضرتك فعلاً كنت سرحان،عن إذنك
نطقت كلماتها الاخيرة بملامح متجهمة واستدارت تستقل سياراتها لتنطلق سريعًا دون عناء النظر إليه مما جعله ينظر على أثرها بذهول غير مستوعبًا ما حدث وهجومها الضاري عليه، لكنه لام حاله وعذرها على تلك المعاملة التي لم تكن سوى رد فعل.
**
عاد لمنزله بحالة مزاجية سيئة يرجع سببها لما حدث بينه وبين تلك الشرسة التي شغلت حيزًا ليس بالقليل من تفكيره، تناول وجبة غدائه بصحبة عائلته ليصعد بعدها متجهًا لداخل الحمام حيث مليء حوض الإستحمام بالماء الدافيء وسائل الصابون المنعش ليتجرد من جميع ثيابه ونزل غامرًا جـ.ـسده بالكامل تحت الماء،أغمض عينيه ليتذكر ما آل به لتلك الحالة المزية من الجمود والكره لجميع بنات حواء
إنتباااااااه
«عودة لما مضى»
خرجت “نجلا” واستقلت سيارتها لتصل لإحدى ماكينات الصرف المتواجدة أمام البنوك لتحصل على المبلغ فقد حوله لها زوجها واتجهت إلى صديقتها “ملك”لتنطلقا بسيارتها إلى منطقة شعبية، تطلعت حولها باشمئزاز ظهر على ملامحها لتنطق بازدراء:
-ملقتيش مكان أنضف من ده؟
اجابتها الأخرى بجدية حتى تهدأ:
-هو ده المكان الوحيد اللي هتقدري تعملي فيه العملية ومحدش هيحس بيكِ.
انكمشت ملامح وجهها بـ جَزع وهي تقول بصوتٍ خافت:
-ايوا يا ملك بس المكان شكله يخوف قوي
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة:
-ولا يخوف ولا حاجة، إنتِ بس اللي عينك متعودة على الأماكن الهاي كلاس
واستطردت وهي تراقب الشوارع الضيقة بتمعن كي لا يتوها بالعنوان:
-زي ما قولت لك،أنا جيت هنا مع سميرة البهنسي من شهرين تقريبًا
-طب هي العملية بتوجع وليها أثار بعد كدة؟…سألتها بارتيابٍ لتسترسل متوجسة:
-يعني فؤاد ممكن ياخد باله؟
اجابتها الأخرى عن تجربة:
-خالص،أنا بعد الندل جمال ما قالي إنه مش مسؤل عن البيبي ولو منزلتهوش هيقطع الورقتين العرفي اللي ما بينا ويسبني أواجه المشكلة لوحدي
واستطردت بإبانة:
-فكرت بعقلي وقتها ولقيت إني كده ممكن أخسر كل حاجة،جمال وفلوسه ومنصبه الكبير،إيه المشكلة لما أكون متجوزاه في السر بس عايشه في عزه وغرقانه في فلوسه،وبصراحة جمال كريم جداً معايا ومش مخلي نفسي في حاجة
واستطردت والاخرى تتابع القيادة:
-سألت وقتها وقدرت أوصل للدكتور ده عن طريق سميرة وهي اللي جابتني ليه
وبعدين…نطقتها نجلا لتعطشها لمعرفة تكملة القصة لتقول الاخرى:
-جيت يا ستي وعملتها وروحت بعد ساعتين بيت ماما، وعاوزة أقول لك ماما ولا حست إن فيه أي حاجة متغيرة فيا
هزت رأسها لتشق ابتسامة ساخرة ثغرها وهي تقول:
-هو أنتِ مش ناوية تعقلي وتسيبك من اللي إسمه جمال ده وترجعي لطليقك؟
واستطردت بضحكة متهكمة:
-الراجل يا حرام هيتجنن وترجعي له،ده ماسبش ولا واحدة من صاحباتك غير وطلب منها تتوسط بينكم
-بتهرجي صح،يا بنتي أنا مصدقت خلصت منه ومن فقره…قطعت حديثها وهي تُشير لها على المدخل:
-ادخلي في الشارع الجاي ده و اقفي قدام أول عمارة على اليمين
صفت السيارة جانبًا وصعدتا الدرج قاصدين إحدى العيادات الغير مرخصة والتي تجرد طبيبها من شرف المهنة ليشتهر بإجرائه لعمليات الإجهاض المحرمة دينيًا والمجرمة قانونيًا، بعد قليل كانت ترتدي ثوبًا خاص بالعمليات وتقف بجانب صديقتها بغرفة عمليات متواضعة حتى بأدواتها،ارتعب جـ.ـسدها حين وقعت عينيها على السرير الخاص بالعمليات والأدوات الخاصة بالجراحة لتُمسك كف صديقتها وهي تقول بشفاهٍ مرتجفة:
-أنا خايفة قوي يا ملك، حاسة إني ممكن يجرى لي حاجة
ابتلعت الأخرى ريقها حين لمحت شحوب وجه نجلا لتقول علها تتراجع:
-إنتِ مش مضطرة تنزلي البيبي يا نجلا،تعالي نخرج من هنا وروحي فرحي جوزك وأهله بخبر حملك
واستطردت بجشع:
-أهل جوزك بيحلموا بالحفيد، تخيلي الهدايا والعز اللي هيغرقوكي فيه لو عرفوا إنك هتجيبي لهم ولي العهد اللي هيورث الثروة دي كلها، فكري يا نجلا
هزت رأسها لتقول برفضٍ تام:
-الموضوع بالنسبة لي محسوم ،مش قبل خمس سنين لما افكر إني أخلف، أنا لسة مكملتش ستة وعشرين سنة، إيه اللي يخليني أدفن شبابي وأخسر رشاقتي بحمل وخلفة ورضاعة
-إنتِ حرة، أنا حبيت أنصحك باللي أنا شيفاه صح من وجهة نظري، أنا عن نفسي لو مكانك هجري حالاً على جوزي وأبشره…ولج الطبيب ليقول بعملية:
-جاهزة يا مدام؟
أخذت نفسًا عميقًا إستعدادًا لما ستقبل عليه لتجيبه بصوتٍ ما زال مرتجفًا لشدة رعبها:
-جاهزة
أشار لصديقتها بالخروج وأقبل عليها طبيب التخدير ليحقنها بالمخدر لتغيب عن الوعي ويبدأ الطبيب بإجراء عملية الإجهاض لتلك التي تجردت من أدميتها وخنقت شعور الأمومة لديها بإقبالها على قتل جنينها قبل أن تنفخ به الروح،خانت أمانة زوجها لديها وكسرت كل العهود بمحو حلمه وحلم عائلته بقدوم حفيدًا يكن لهم الفرحة المنتظرة والوريث لعرش “أل الزين”
بعد مرور ساعتين
كانت تستقل المقعد الأمامي للسيارة بينما تولت صديقتها القيادة،كانت مستلقية واضعة رأسها للخلف ويبدوا علي ملامحها الإعياء الشديد،تأوهت بخفوت لتنظر لها صديقتها وهي تقول:
-شكلك تعبان جدًا،لو روحتي بمنظرك ده مش بعيد حماتك تلاحظ الموضوع وتكشفك، أنا رأيي تيجي تقعدي في شقتي ساعتين تلاتة لحد ما تتحسني
اومأت برأسها لتسألها بصوتٍ خافت:
-جبتي لي البرشام اللي قولت لك عليه
أجابتها بينما تتابع القيادة:
-أه وحطيت لك العلبة في شنتطك،الصيدلي قال لي إن ده أقوى برشام مانع للحمل
لتستطرد بتنبيه:
-بس أهم حاجة تاخديه بانتظام، لأن النوع اللي كنتي بتاخديه شغال كويس جداً معايا، لكن عدم انتظامك فيه هو اللي عمل اللخبطة دي والحمل حصل
واستطردت مقترحة:
-إظبطي المنبة على ساعة معينة في اليوم وخديه فيها علشان ماتنسيش
تحدثت بنبرة استسلامية:
-أكيد هخلي بالي بعد اللي حصل لي النهاردة…نطقتها نجلا بإعياءٍ شديد،ذهبت لمسكن صديقتها لتغفى لمدة ساعتين حتى شعرت بتحسن ثم عادت لمنزلها ومن حُسن حظها كان المنزل خاليًا إلا من العاملات، حيث ذهبت عصمت وفريال لزيارة إحدى قريباتهما المريضة وعلام يغفو بغرفته أما فؤاد فكان بتحقيق خارج النيابة لذا لم يعد إلا بتمام التاسعة مساءًا،ولج لجناحه ليجده غارقًا بظلامًا دامس،ضغط زر الإضاءه ليتفاجيء بتلك الغافية ليقطب جبينه متعجبًا،تحرك إليها ومال عليها هامسًا:
-نجلا
لم يجد منها إجابة فكرر بصوته لتفتح عينيها ببطيءٍ شديد وهي تجيبه بهمهمة توحي لعدم أستعادتها لوعيها الكامل:
-إممممم
سألها بحنان:
-إيه اللي منيمك بدري يا حبيبتي، إنتِ تعبانة؟
ارتبكت لتهب جالسة وهي تنفي بقوة:
-أنا كويسة
-طب إهدي…قالها حين لمح ارتيابها ليقف منتصب الظهر ويبدأ بخلع حلته وأخذ ثيابًا بيتية من خزانة الملابس ليتجه للحمام أغتسل سريعًا وخرج ليجدها غارقة بنومها من جديد،أشفق على حالها ونزل إلى الأسفل تناول عشائه بصحبة عائلته لينسحب صاعدًا للأعلى مجددًا لينضم لزوجته بالفراش محتضنًا إياها من الخلف بعدما شعر بحاجته لها فقد أثارته بثوب نومها الناعم، همس بجانب أذنها بصوتٍ مثير:
-نجلا، إصحي يا روحي
فتحت عينيها لتنهض بفزعٍ أثار فضوله ليسألها بارتياب:
-فيه إيه، هو أنا كل ما أقرب منك هتتفزعي؟!
ابتلعت لعابها لتجيبه بصوتٍ جاهدت ليخرج متزنًا:
-معلش يا حبيبي كنت شايفة كابوس
قطب جبينه ثم اقترب من فمـ.ـها لـ يلثمه برقة تابعها بلمسة ناعمة خلف عنقها لتبتعد حين وصلها مقصده وهى تقول محمحمة:
-مش هينفع يا حبيبي
ضيق ببن عينيه يستشف مقصدها لتتحمحم مسترسلة بتوتر ظهر جلياً بصوتها:
-أصلي
قالتها وهي تنزل بصرها للخلف مدعية الخجل لينتبه سريعًا بفطانته ويسألها باستغراب:
-بس ده مش ميعادها؟
-آه ما أنا عارفة، بس تقريباً حصل لخبطة في الهرمونات…نطقتها بكثيرًا من التوتر لتسترسل بإزاحة بصرها عنه متهربة:
-هبقى أروح للدكتور وأشوف السبب
اقترب منها يضع قُـ.ـبلة حنون فوق وجنتها قبل أن يهمس بنبرة حنون:
-وده اللي مخليكِ متوترة بالشكل ده؟
هزت رأسها بعينين خجلة ليبتسم لها ثم ربط على وجنتها بتعطف وهو يسألها باهتمام:
-اخلي حد من الشغالين يطلع لك حاجة سخنة؟
-لا يا فؤاد، مش قادرة أشرب أي حاجة… قالتها بملامح وجه منكمشة ليربت عليها قائلاً بنبرة رحيمة:
-طب نامي يا حبيبتي
تمددت ودثرها هو بالغطاء وقام بوضع قُـ.ـبلة بجبينها قائلاً بأسى:
-أنا أسف يا حبيبتي إني قلقتك
-مش هتنام؟…قالتها حينما رأته يقف مبتعدًا ليجيب بنبرة متزنة:
-عندي قضية مهمة هدرس الملف بتاعها تحت في المكتب وبعدين هبقى أنام
-تصبحي على خير…قالها وهو يحمل حقيبته الجلدية لتوقفه قائلة بصوتٍ معتذر:
-أنا أسفة يا حبيبي
استدار ليحدثها بنبرة متفهمة:
-أسفة على إيه بس،الموضوع مش بإيدك…قالها وشملها بابتسامة حنون قبل أن يخرج من الغرفة لتضع تلك المرتعبة كفها بموضع قلبها مع أخذها نفسًا عميقًا وزفره بقوة لتهديء قليلاً بعدما مرت كذبتها على خير
مرت الأسابيع وتحسنت حالتها كثيراً،عاد فؤاد من العمل ونزلا تناولا معًا الغداء بصحبة العائلة ليصعدا في المساء،ولجا من الباب لتلتصق به محتضنة إياه بقوة،نظر لها وقام بتقـ.ـبيلها بنهمٍ ثم ابتعد وهو يقول:
-هدخل الحمام واجي لك حالاً
تبسمت بموافقة، تطلعت عليه وما أن أغلق باب الحمام خلفه حتى هرولت إلى خزانة ملابسها ورفعت طيات ملابسها البيتية بيدها التي تحمل الهاتف لتضعه وتسحب عُلبة الدواء لتأخد قرصًا من الشريط وتبتلعه سريعًا وتعيد العلبة بمكانها قبل ان يخرج زوجها،أغلقت باب الخزانة لتفاجيء بزوجها يخرج من الحمام،ابتسمت له واتجهت صوب الكومود لتتناول كأس الماء وترتشف البعض منه،ولجت هي الاخرى إلى الحمام لتتجهز بعدما أخذت ثوبًا خاص بالنوم بينما وقف هو يصفف شعر رأسه ويضع عطره،استمع صوتًا خافتًا لهاتف ليتلفت من حوله يبحث عن مصدر الصوت إلى أن اهتدى للخزانة ففتحها ليقترب الصوت المكتوم،بحث ليعثر عليه تحت طيات ملابسها الشخصية وأثناء سحبه للهاتف وقعت على الأرض عُلبة ليتبعثر محتواها وإذ بها أشرطة تحتوى على أقراص دوائية كانت قد دثرتها هنا لطمأنتها أن لا أحد يستطيع الوصول لهذا الجزء لغلقها له بمفتاحٍ خاص لاحتوائه على مجوهراتها وأشيائها الثمينة ولكنها غفلت عن غلقه لتوترها، قطب جبينه وهو ينظر للأسفل ليميل بطوله ملتقطًا العُلبة ليدقق النظر بالكلمات المدونة عليها لتجحظ عيناه بذهول سرعان ما تحول لاشتعال وهو يرى تلك الحبوب المانعة للحمل والذي تعرف عليها فور رؤيته للشريط، فهو رأه من قبل بحكم وظيفته ويعرفه جيدًا
خرجت من الحمام مرتدية ثوبًا مثيرًا يكشف فتحة صـ.ـدرها وفخـ.ـديها لتتحرك إليه بدلال متحدثة بابتسامة وهي تشير بكفيها بتفاخر على حالها:
-أنا جاهزة، إيه رأيك؟
وقفت أمام ذاك المتصلب الجـ.ـسد ليخرج يده من خلف ظهره ويسألها وكل ذره بجـ.ـسده تنتفض بقوة من شدة إشتعالها:
-إيه ده؟
انتفض جـ.ـسدها فور رؤيتها بشريط الدواء وظهر الرُعب بعينيها ليتأكد من شكوكه وقبل أن تنطق بكلمة كانت تصرخ شاعرة بألمٍ شديد عندما هوت يده على وجنتها لتلطمها بقسوة ليترنح جـ.ـسدها على أثرها وتُطرح أرضًا.
إنتهى الفصل
«أنا لها شمس»
بقلمي«روز أمين»




