روايات روز أمين

رواية قلوب حائرة 2 روز أمين الجزء الأخير من سلسلة الرواية

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الخامس والأربعون روز أمين

🦋 الفصل الخامس والأربعون🦋

بعد مرور ثلاثة أسابيع علي إتمام عقد القران،قضاهم كارم في سخطٍ واشتعال روحه من تعامل ياسين وتضييق الخناق عليه فيما يخص أيسل وجلوسهُ معها علي راحتيهما،طلب من والدتهُ مساعدته في الجمع بينهُ وبين حبيبته وبأن تقوم بـ مهاتفة منال كي تطلب الإذن منها بالموافقة علي عزيمة أيسل إلي منزلهم،وبالفعل طلبت بُثينة من منال التي تحدثت إلي عز وياسين وكعادتهُ رفض في بادئ الأمر رفضاً قاطعاً وبصعوبة أقنعهُ أبيه

أتي كارم لاصطحاب زوجته والذهاب بها إلي منزل والداه،تحرك معها ياسين حتي وصل إلي سيارة كارم المصطفة خارج البوابة الحديدية، تحدث إليه بطريقة صارمة:
-قبل الساعة ما تيجي عشرة تكون أيسل هِنا في البيت
واستطرد للتأكيد:
-مفهوم يا كارم؟

وبرغم وصولهُ لشدّة غضبُه والاحتدام من تعنُت ذاك الصارم إلا أنهُ تظاهر بالهدوء وأجاد إصطناع إبتسامة هادئة رسمها فوق ثغره،وبملامح وجه يبدو عليها السكون أجابه:
-كلام معاليك أوامر يا سيادة العميد

إنتشي داخلهُ وتنفس بارتياح ثم أردف بإبتسامة خافتة:
-تسلم يا كارم
واسترسل وهو يضع كفهُ علي كتف صغيرتهُ ليحثها علي الرحيل:
-يلا علشان تلحقوا وقتكم،وكمان علشان سيلا تلحق تقعد مع دكتور جمال وأستاذة بُثينة

أسرع كارم متجهاً إلي باب السيارة المجاور لمقعدهِ وفتحهُ إستعداداً لجلوس أميرته،أما هي فأومأت إلي والدها بإبتسامة هادئة ثم تحركت إلي فارسها لتستقل مقعدها تحت نظر ياسين المترقب لهما،جلست فوق مقعدها واغلق هو الباب بهدوء،ثم إلتف إلي الاتجاه الأخر واستقل مكانهُ أمام عجلة القيادة وقام بإدارة المحرك منطلقاً بالسيارة للأمام بعد أن مال برأسه قليلا كتحية احترام منه إلي ياسين الذي بات ينظر علي اثرهما حتي اختفت السيارة عن عيناه

بعد أن إبتعدا قليلاً عن الحي، إلتف إليها مُبتسماً ليجد سعادتها تقفز من بين مقلتيها،وبتزامنهُ مع فتح ذراعهُ كي يدعوها للدخول إلي مسكنها باغتتهُ هي بالإسراع إليه والإرتماء داخل ملاذها الأمن والتي باتت لا تشعُر بالسكينة إلا بداخلهُ

تنهيدة حارة خرجت من أعماق صدرهِ المُشتعل جراء إشتياقهُ للحبيب،لف ساعدهُ حولها وقام بتشديد ضمتهُ محتوياً إياها،ثم قام بطبع قُبلة بوجنتها تحملُ الكثير من الإشتياق والوله،ليتحدث بعدها بنبرة متحشرجة متأثرة بحالته:
-إنتِ عملتي فيا إيه؟

إبتسمت براحة فـ استطرد وهو يتنفس رائحتها بعُمق لتتغلغل برئتيه وتُنعشها:
-خلاص ما بقتش قادر أبعد عنك،اليوم اللي مابشوفكيش فيه ولا بتنفس فيه ريحتك بحس إنه ضاع مني

بتحبني يا كارم؟..جُملة نطقتها بصوتٍ هائم أوحي إلي حالة الوله التي تحياها بفضل عِشق ذاك الحبيب الذي يغمرها دوماً بحنانهِ ودلالهُ المُفرط،أجابها بصدقٍ وبصوتٍ يفيضُ عِشقاً:
-كلمة حُب كلمة بسيطة قوي بالنسبة للي وصلت له معاكِ يا أيسل،اللي بينا أقل وصف ليه هو العِشق،العِشق وبس

تنهدت براحة وباتت تتنفس رائحتهُ باستمتاع إلي أن وصلا وتوقفا أمام البناية المتواجد بها مسكن عائلته،ترجل سريعاً وتوجه إلي باب السيارة ثم قام بفتحه،مد كفهُ لتُمسك به تلك الرقيقة ثم ترجلت وتأبطت ذراعهُ وتحركت تجاورهُ باتجاههما إلي مدخل البناية،كانت تشعر بالفخر وهي تتمسك بذراعهُ تُريدُ أن تُعلن إلي العالم أجمع أنها تنتمي لذاك القوي التي ذابت بعشقهِ الفريد

دخلا إلي المصعد الكهربائي، باغتها بجذبهِ لخصرها إليه وضمهِ بقوة أسعدتها،فاجأتهُ بلف ساعديها حول عُنقه فقام هو برفع خصرها للأعلي مما جعل ساقيها باتت مُعلقة بالهواء،نظر بعيناها وتحدث أمام شفتاها وهو يتطلع إليهما بوله ورغبة مُلحة بالتهامهما:
-بحبك

نطقها ثم إقترب من شفتيها وقام بتقبيلهما بنعومة نالت إستحسانها وزادت من إشتياقه،شعر بقُرب توقف المصعد فأنزلها بهدوء وبدأ يعدل لها من ثيابها كي تعود إلي مظهرها بشكلٍ لائق،وعدل من ثيابهُ أيضاً،ثم أردف وهو يحتوي كفها بحنان:
-يلا يا حبيبي

تحركت بجانبه خارج المصعد ثم دلفا معاً إلي مسكن والدهُ،إشتدت سعادتها بعدما لاقت ترحيباً عالياً من والديه وبالأخص والدتهُ التي تحدثت وهي تقوم باحتضانها بحفاوة:
-نورتي بيتك يا بنتي

ميرسي يا طنط…نطقتها بنبرة رقيقة وابتسامة بشوشة لوجهٍ برئ،فأكملت بُثينة متسائلة إياها بنبرة ودودة:
-تشربي إيه يا أيسل؟

عقبت بتودُد:
-ولا أي حاجة يا طنط،مش عاوزة أتعبك معايا

أجابتها بإبتسامة هادئة:
-يا ستي إتعبيني براحتك،أنا راضية

إبتسامة واسعة إرتسمت فوق ثغر تلك الجميلة فتحدث كارم نيابتاً عن حبيبته كي يعفيها الحرج:
-إعملي لها برتقال فريش يا ماما

أومأت له وتحركت إلي المطبخ كي تعد المشروب إلي الجميع،تحدث دكتور جمال إلي أيسل كي يحثها علي الإندماج والخروج من دائرة الحرج الناتج عن زيارتها الأولي إلي منزل زوجها:
أخبار سيادة اللوا وسيادة العميد إيه يا أيسل؟

ردت بنبرة رقيقة:
-كويسين وبيسلموا علي حضرتك يا أنكل.

جلس ثلاثتهم يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم إلي أن جلبت بُثينة أكواب المشروب وناولتهُ للجميع وبداوا بإرتشافه

وبعدما إنتهوا من تناولهُ هب كارم من جلسته وتحدث إلي والدتهُ بثبات:
-هاخد أيسل أفرجها علي أوضتي علي ما تجهزي الغدا يا ماما

إرتبكت تلك الجالسة وأصاب جسدها قشعريرة من شِدة خجلها،أما والدته فابتسمت وتحدثت بهدوء:
-تمام يا حبيبي وأنا نص ساعة بالكتير والسُفرة هتكون جاهزة

وقفت أيسل بارتباكٍ ظهر بَيِنّ عليها ثم تحمحمت وأردفت قائلة بنبرة متلبكة:
-أنا هاجي أساعد حضرتك في تجهيز الغدا

أشارت لها بكف يدها وتحدثت بتصميم حاسم:
-خليكِ مرتاحة،أنا مجهزة كل الأكل وخلاص بشطب السِوا بتاعه وقربت أخلص

كادت أن تتحدث فـ سبقها كارم الذي تحرك إليها وقام باحتضان كفها باحتواء:
-ريحي نفسك يا سيلا،من الآخر كدة حضرة المديرة ما بتحبش حد يدخل مطبخها.

ضحكة خافتة خرجت من فاه دكتور جمال قبل أن يوكد علي حديث نجلهِ قائلاً بمداعبة لزوجة نجله:
-أهو حضرة الرائد جاب لك من الأخر.

إبتسمت برقة فـ عقبت بُثينة بإبتسامة بشوش:
-عادة ومش عارفة أبطلها يا أيسل،بس إن شاء الله هحاول أغيرها بعد ما تتجوزي إنتِ وكارم علشان ندوق أكلك
ثم استطردت باشادة وهي تنظر إلي ولدها:
-كارم بيقول إنك بتعملي طاجن ورق عنب رهيب

كان يقف بجسدٍ يشتغل غضباً من الجميع وحديثهم العقيم الغير مُجدي بالنسبة له،وبالاخص من تلك التي تجاورهُ الوقوف حيثُ أنها هي من بدأت بفتح الحديث،تحدث دون خجل وهو يحثها علي المضي معه قدماً للأمام:
-تعالي معايا

وبرغم دقات قلبها التي تعالت جراء خجلها الذي إعْتراها بفضل جُرأة حديثهُ،إلا أنها تحركت بجانبهُ مسلوبة الإرادة وكأن ساقيها لا تتبعاها بل تتبعُ ذاك الوسيم،ضلت ترافقهُ حتي إختفي كلاهُما خلف باب حُجرتهُ الخاصة التي أوصد بابها هذا المُشتاق تحت أنظار ذاك الثُنائي،نطقت بُثينة بنبرة يشوبها القلق:
-ما تخليش إبنك يطول مع البنت يا جمال،ربع ساعة بالكتير وخبط عليه

عقب لطمانتها:
:ما تقلقيش يا بُثينة،إبنك عاقل ومتربي،ومش هو اللي يتصرف بالطريقة الخسيسة دي

أجابته بنبرة قوية تعقيباً علي حديثهْ:
-إبني عاقل ومتربي آه،بس ما تنساش إن الشيطان شاطر ومش هيسيبه في حاله

ثم استرسلت قبل أن تتجه إلي المطبخ لتُباشر عملها:
-البِنت أمانة عندنا يا جمال،أبوها باعتها لحد هِنا لأنه واثق فينا وعارف إننا ناس محترمين وهنحافظ عليها ونحطها جوة عيونا

نطقت جُملتها ثم إنطلقت بإتجاه المطبخ تاركة خلفها جمال الذي شرد بكلماتها لكنهُ علي الفور نفض تلك الافكار الشاذة والتي لا تُشبه نجلهُ ولا تُعبر عن تربيتهُ الحسنة،أمسك جريدتهُ الورقية ومن جديد تابع قراءة أخبارها بتركيزٍ عالي

عودة لتلك العاشقة التي وما أن أغلق كارم خلفهُ الباب حتي باتت تتطلع حولها وتتأمل غُرفة حبيبها بعيناي متلهفة لكُل تفاصيل أشياءهُ الخاصة الموضوعة بترتيب وتنظيم يدُل علي مدي إنضباط مالكها

تحرك إليها حتي وقف مُقابلاً لها ثم تحدث معاتباً إياها بلُطف:
-يظهر إن الدكتورة مش واحشها حبيبها ولا حتي فارق لها تكون معاه لوحدهم

ضيقت عيناها متعجبة من إتهامه ثم أردفت:
-أنا يا كارم مش فارق معايا نكون مع بعض!

سألها مستفسراً بعيناي لائمة:
-أُمال أسمي هروبك مني وطلبك من ماما إنك تدخلي تساعديها في المطبخ ده إيه؟

علمت أن حبيبها غاضب من تصرفها العفوي فأرادت أن تنسيه حزنهُ،إقتربت منه وبحركة دلالية وضعت كفها علي صدره وبدأت تتلاعب بأزرة قميصهُ مما أسعدهُ ثم تحدثت بدلال انثوي نالت بهِ إستحسان ذاك العاشق:
-ممكن تسميه كسوف من أهلك،أو إني مش حابة أظهر قدامهم بصورة مش لطيفة لما أدخل معاك أوضتك
ثم إقتربت عليه أكثر بطريقة أذابت قلبهُ المُولع واستطردت نافية بنبرة اكثر رقة:
-لكن اللي مش من حقك هو إنك تتهمني بإني مش فارق معايا وجودي مع حبيبي

رفع أحد حاجبيه متعجباً جُرأتها الغير معهودة،تحمحم كي يُنظف حنجرتهُ ثم تحدث وهو يحاوط خصرها ويلصقها به في حركة باغتتها لكنها أسعدتها بذات الوقت:
-قد الحركة دي إنتِ؟

إبتسمت واردفت بدلالٍ وجرأة أثارتهُ:
-قدها ونُص يا حضرة الرائد

خلينا نشوف…نطقها وهو ينحني بجسده لـ يهم بحملها ثم تحرك بها إلي تختهِ ليتمدد عليه سانداً ظهرهُ على خلفية التخت تحت ذهول ورُعب أيسل التي نطقت وهو يُجلسها فوق ساقيه ويُسكنها بداخل حضنه:
-إيه الجنان اللي بتعمله ده يا كارم!

واسترسلت في محاولة منها للتملُص من بين ساعديه القويتين اللتين حاوطها بتملُك وقوة جعلتها تشعُر بأنها أسيرة بقبضة آسرها القوي:
-سيبني يا كارم خليني أقوم قبل ما حد يُدخل

بكلمات متهكمة أردف قائلاً مستفزاً إياها:
-شوفتي إنك مش قد كلامك وإنك بُق علي الفاضي

أنا خايفة حد يشوفنا…نطقتها بعيني متوسلة فأجابها بنبرة قاطعة:
-ما تخافيش، محدش هيقدر يقرب من الاوضة طول ما أحنا جواها

نظرت إليه بعيني حائرة تمتلؤها الكثير من القلق والتوتر فاسترسل وهو يُداعب وجنتها بأصابع يدهِ بحنان:
-إهدي بقي وما تضيعيش علينا حلاوة اللحظة

دق قلبها وباتت تنظر إليه ومازال التوتُر يتملكُ منها فاستطرد بعيني تفيضُ غراماً في محاولة منه بسحبها معهُ إلي عالمه وقد كان:
-فيه حد يبقي في حُضن حبيبه ويبقي متوتر كدة؟

إبتسامة واسعة إرتسمت فوق شفتيها الكنزة واجتاحها الإرتياح جراء كلماتهِ المعسولة، نظر بعينيها ودام الصمت لثوانٍ مرت عليهما كدهرٍ، باتَ يتعمق كلاهما بعين الآخر وتملك الإشتياقُ من كليهما، اقترب من شفتيها وقام بتقبيلهما بنعومة تحولت إلي شغوفة نهمة بغُضُون ثوان، تعمقا معاً بقُبلتيهما التي جعلت كليهما يُغمض عينيه ويتعايش جمال اللحظة مستمتعاً بحلاوة تذوقها

إبتعدا عنها قليلاً ليأخذا أنفاسيهما،أحتوي رأسها بكفاه ثم مال بجبهته علي خاصتها وباتا ينظران بأعيُن بعضيهما بقلوبٍ شغوفة تتراقصُ فرحاً كأنها فراشاتٍ تتطاير وسط الغصون بحديقةٍ مليئةُ بالزهور الفواحة بالروائح العَطرة

تعمق بسحرِ عيناها وهمس بما جعل قلبها يرتجفُ من شِدة سعادته:
-كُنتِ غايبة عني فين من زمان يا حبيبي
واستطرد لائماً حالهْ:
-إزاي لما شوفتك في خطوبة سارة ما أخدتش بالي إن هنايا ودلعي كُله مكتوب لي علي إديكِ

ضيقت عيناها متعجبة حديثهُ ثم سألته باسْتفهام:
-هو أنتَ كنت موجود في خطوبة سو؟!

أومأ بعيناه بإيجاب فاسترسلت مؤنبة حالها:
-بس أنا إزاي ماشوفتكش؟

إبتسم بخفة وتحدث بعيناي تقطرُ عِشقاً:
-علشان حبيبي نِجم في السما عالي،والنجوم ما بتشوفش الغلابة اللي علي الأرض

تبسمت وباغتتهُ بلف ساعديها حول عُنقه ثم همست أمام شفتاه بنعومة ورقة:
-بحبك.

همس بما بعثر مشاعرها:
-وأنا دايب في غرامك دوب

دون إدراكٍ منها نظرت على شفتاه كما الظمأن الذي يطوقُ لشُرب الماء كي يرتوي،شعر بها فقرر أن يرويها حتي تكتفي والدخول في رحلة المتعة معها من جديد،بعد مدة إبتعدا قليلاً فتنهدت هي بعشقٍ وباتت تُشدد من عِناقها له ثم رمت برأسها علي صدره،هدءت روحها وشعرت براحة تغلغلت وتعمقت بوجدانها،ضمها أكثر لأحضانه وبات يتنفس عبيرها براحة

ضل علي وضعيهما إلي أن دقت بُثينة الباب وتحدثت بنبرة هادئة:
-الغدا جاهز يا كارم،هات سيلا ويَلا قبل الأكل ما يبرد يا حبيبي

أصابها الإرتباك فور إستماعها إلي الطرقات مما جعلها تهب واقفة وفي غضون ثواني كانت تقف بجوار الباب تعدل من حالة ملابسها بهيئة تدعو للضحك،إبتسم علي حالتها وهبط من فوق التخت ثم تحرك حتي وصل إلي وقوفها وأردف بمشاكسة وهو يداعب أرنبة أنفها بين أصابع يده:
-يا جبانة

ردت من بين ضحكاتها الشقية:
-ما أنا خُفت لـ طنط تفتح الباب وتشوفنا بالوضع اللي كنا عليه

حاوط خصرها بساعديه ثم تحدث وهو يجذبها منهُ أكثر:
-أنا قُلت لك إن مُستحيل حد يُدخل هنا طول ما أنتِ معايا

واستطرد مداعباً إياها:
-يا بنتي إحنا عيلة مؤدبة

أجابتهُ وهي تفك قيدهُ من حول خصرها كي تتأهل إلي الخروج:
-طب يلا بينا نطلع قبل ما نلاقي أنكل وطنط بيقتحموا علينا المكان

ضحك عالياً بطريقة جعلتها تتطلع إليه بقلبٍ ينتفضُ وعيناي مسحورة توحي بعشقها الهائل لذاك الذي إقتحم القلب وتملكَ.

بعد قليل كانت تُجاورهُ الجلوس حيثُ الجميع يلتفُ حول طاولة الطعام يتناولون غدائهم وهم يتبادلون الأحاديث الشيقة فيما بينهم

أردف دكتور جمال باحتفاء بزوجة نجله:
-منورة بيتك يا بنتي

إبتسامة بشوشة إعتلت ملامح تلك الرقيقة التي عقبت علي حديث ذاك المُبجل باحترام وتوقير:
-ميرسي يا انكل،ربنا يخلي حضرتك

بسطت بُثينة ذراعها،وألتقطت بعض شرائح اللحم ثم قامت بوضعها داخل صَحن أيسل وتحدثت بنبرة ودودة:
-دوقي الاسكالوب بتاعي وقولي لي رأيك فيه

أكيد جميل زي كُل حاجة في حضرتك يا طنط…نطقتها بإبتسامة مُشرقة ورُقي نالت بهما استحسان والداي زوجها الذان تأكدا من حُسن إختيار نجلهما لفتاة لبقة تناسب منصبهُ الرفيع،قاطعها كارم متحدثاً بثناء علي طعام والدتهُ:
-هتدوقي أطعم اسكالوب ممكن تاكليه في حياتك كلها
نطقها ثم أمسك بالشوكة والسكِين خاصتاه وقام باجتزاء قطعة صغيرة ثم قربها من فم تلك التي خجلت بشدة من تصرف متيمها،تحاملت علي حالها وفتحت فاهها وتناولتها منه،ثم باتت تمضغها وبعد أن تذوقتها وتأكدت من مذاقها الحُلو،عقبت علي حديث حبيبها باطراء وهي تنظر إلي والدة زوجها باشادة:
-بجد شابوا يا طنط،الاسكالوب رائع ونكهته مُميزة ودرجة السوي بتاعته بيرفكت

بالهنا والشفا علي قلبك يا مرات إبني…نطقتها بنبرة حماسية أصابت تلك العاشقة برجفة قوية سرت بكامل جسدها،إرتفعت حرارت وجنتيها وتصبغتا بالأحمر الداكن جراء خجلها الشديد

لم تكُن الوحيدة التي تأثرت بهذا الوصف،بل تأثر أيضاً كارم ولكن ليس خجلاً كحال حبيبتهُ،بل شعر بأنهُ إمتلك العالم بأسره ونزلت كلمة والدتهُ علي قلبه كـ سيلٍ جارف فوق أرضٍ أصابها التشقُق جراء سنواتٍ عِدة من الجفاف

استطردت بُثينة كي تخلق حديثاً ودوداً بين تلك الرقيقة والجميع:
-أنا كنت هعزم الولاد وأولادهم علشان تتعرفوا علي بعض أكتر وخصوصاً سلايفك الستات،بس حبيت أول زيارة ليكِ للبيت تبقي هادية وخاصة بينا

ضحك جمال وتحدث بمداعبة:
-خليكِ صريحة وقولي لها إن ده كان إقتراح حضرة الرائد

بصرامة أظهرت قوة شخصيتها وثباتها وأجابته بقوة:
-ما تنكرش أني وافقت لما الإقتراح عجبني ولقيته مناسب أكتر يا دكتور

عقب مشاكساً إياها:
-أكيد طبعاً يا حضرة المديرة،هو فيه حد في البيت ده يقدر يتنفس ولا ياخد قرار من غير ما يحصل علي ختم الموافقة عليه منك

ضحكت بُثينة ثم أردفت وهي ترفع انفها للأعلي بنوعٍ من المشاكسة لزوجها:
-أيوة كِدة إظبط كلامك يا دكتور

إتسعت عيناي أيسل إعجاباً بتلك الـ بُثينة ثم هتفت بإطراء بنبرة حماسية:
-الله يا طنط علي شخصية حضرتك،حبيت قوتك علي فكرة

تبادل هؤلاء الثلاثة النظرات بينهم ثم وبدون مقدمات أطلقوا العنان لضحكاتهم الساخرة المتهكمة من سذاجة تلك التي باتت تتطلع علي وجوههم باستغراب

ترك كارم ما بيده وقام بمحاوطة كتف تلك المجاورة له ثم تحدث من بين ضحكاتهِ الهيستيرية:
-هو انتِ طيبة قوي كدة وبتصدقي أي كلام يتقال قدامك يا حبيبتي؟

ضيقت عيناها بتعجب غير مدركة لمعني حديثهُ فاسترسل شارحاً بإبانة:
-بصي يا روحي،إحنا عيلة شرقية أصيلة بحتة

واستطرد وهو يُشير بكف يده إلي والدهُ المبجل:
-يعني الكلمة الأولي والاخيرة هنا للدكتور،

ثم استطرد شارحاً:
-آه بنحاول نكون ديمقراطيين إلي حدٍ ما والكل بيحاول يقترح ويقول أرائه في إدارة شؤون البيت،بس في الأخر لو الرأي ده ما توافقش مع مبادئ ورؤي دكتور جمال،ساعتها بنضطر نقفل باب المناقشة في الموضوع ونعتبره ما اتفتحش من الأساس

بإبانة أردفت بُثينة بنبرة حكيمة تليقُ بعدد سنون عمرها:
-وعلي فكرة يا أيسل،أنا وأولادي عمرنا ما أخدنا الموضوع علي إنه تعنت أو ديكتاتورية من الدكتور”بالعكس”طول عمري ببص له بعين الحكمة والأصول

واستطردت مُعللة:
-لأن في الأخر البيت ده ماشي بإدارة دكتور جمال وهو المسؤول قدامنا لو لاقدر الله إختل توازن الأسرة،وزي المثل الشعبي ما بيقول،المركب اللي ليها ريسين بتغرق

كانت تنظر إليها متعجبة حديثها،فذاك الجمال لا يظهر عليه شخصية الديكتاتور مطلقاً وللحق هو ليس كذالك بالظبط،تحدث جمال بنبرة هادئة للتوضيح:
-علي فكرة يا بُثينة، أيسل شكلها كدة فهمت كلامك غلط واختلط عليها الأمر

ثم استرسل موجهاً حديثهُ لزوجته وولده في مداعبة منه لـ زوجة نجله:
-إنتوا بكلامكم خلتوها تاخد عني فكرة إني راجل ديكتاتور متحكم وصاحب الكلمة الواحدة

أردف كارم بدعابة:
-حبيبتي ذكية وأكيد فاهمة إن أبويا مش هيتدخل في حلة البامية اللي أمي هتعملها ويقرر يحولها لقُلقاس مثلاً

ضحك الجميع علي طرفته، ثم تحدثت أيسل بذكاء ورثته عن ابيها:
-ما تقلقش يا أنكل،أنا فاهمة كلام طنط كويس

وبإبتسامة ساخرة من حالها استرسلت شارحة:
-ما أنكرش إن في أول الكلام إختلط عليا الأمر وفهمت إن الكلمة الأولي والاخيرة لحضرتك في كل ما يخص البيت، بس بعد ما بصيت لطنط ولراحة ملامحها تأكدت إن حضرتك تقصد القرارات المصيرية اللي لازم لها حسم وقوة وتفكير عميق ودراسة،زي كدة قرارات الحكومة الحاسمة اللي بتتعمل لصالح الشعوب

رفع أحد حاجبيه وبات ينظر لها معجباً من طريقة تفكيرها الحكيم ثم أردف قائلاً بثناء عليها:
-برافوا عليكِ يا دكتورة،تفكيرك حكيم برغم صُغر سِنك

عقبت بإبتسامة مُشرقة:
-ميرسي يا أنكل

أما ذاك العاشق فقد حاوط كتفها وتحدث وهو يضمها عليه باحتواء تحت خجلها الشديد:
-هو أنا حبيتها من شوية يا دكتور

بمشاكسة لنجلها وزوجته تحدثت بنبرة دُعابية:
-ما تلم نفسك شوية يا وَلاَ،من ساعة ما قعدنا علي السُفرة وإنتَ قاعد تحضن وتسبل لها ولا عامل أي حساب لوجودي أنا وأبوك

أردف قائلاً بثقة:
-مراتي،مش حضرتك لسة قايلاها بنفسك من شوية

ثم توجه بنظرهِ إلي أيسل واستطرد وهو يتعمق بعيناها:
-يعني أنا ما بعملش حاجة غلط”بالعكس”ده أنا بأكد علي اللي الشرع وصاني بيه

ضحك الجميع وتابعوا تناولهم للطعام حتي إنتهوا،إنتقل جمال إلي غرفتهُ لينال قسطاً من الراحة كعادته الملازمة له،وانتقلت بُثينة إلي المطبخ كي تباشر العاملة التي لملمت سُفرة الطعام وبدأت بجلي الصحُون،جاورتها وباشرت بصُنع مشروباً بارداً كي تُقدمهُ لنجلها وزوجتهُ
إنتهت ثم قامت بصب العصير داخل الكؤوس وحملتهما فوق صينية وتحركت باتجاه شُرفة المنزل المتواجدة داخل البهو،

كان يجاور حبيبتهُ الوقوف،تحرك سريعاً بعد أن شعر بقدوم والدته،قام بحمل الصينية عنها ثم تحدث وهو يضعها فوق تلك المنضدة المستديرة المتواجدة بمنتصف الشُرقة:
-جايبة العصير بنفسك يا ماما،ليه ما خلتيش عزيزة تطلعه

بهدوء أجابته:
-عزيزة بتغسل المواعين يا حبيبي،وبعدين هو أنا هتعب لأعز منكم

تطوعت أيسل بالحديث وبرغم عدم خبرتها بأعمال المنزل إلا أنها عرضت المساعدة قائلة بنبرة جادة:
-أنا ممكن أساعد حضرتك في أي حاجة

شعرت بصدق عرضها وأسعدها كثيراً شعورها بالإنتماء وعرض المساعدة،وضعت كفها تتلمس به وجنة أيسل بحنان ثم تحدثت بإبتسامة واسعة اظهرت استحسانها للموقف:
-تسلمي يا بنتي،خليكِ مع جوزك وأنا وعزيزة قربنا نخلص أصلاً

نطقت كلماتها وانسحبت إلي الداخل لتركهما بمفرديهما،أمسك كأس المشروب وناولها إياه ثم أردف تحت إبتسامتهُ:
-علي فكرة،إنتِ لازم تكوني فخورة بنفسك لأن ماما حبتك قوي وده نادراً لما بيحصل

ثم استرسل شارحاً قصده:
-ماما من الشخصيات الحذرة جداً في علاقتها مع الناس ومش سهل تحب إنسان وتقربه منها،وده حصل معاكِ وفي وقت قياسي كمان

نطقت بجملة يشوبها الغرور المُصطنع:
-طب وهو أنا أي حد بردوا

ثم استطردت بتواضع جديد عليها مما أشعل داخل هذا العاشق:
-ده كفاية إن كارم باشا المعداوي إختارني من وسط كل بنات الدُنيا علشان أكون حبيبته

تنهيدة حارة خرجت من صدره المولع وتحدث بتأكيد وهو يقترب عليها:
-حبيبتي ومراتي ونور عيوني وأم أولادي إن شاء الله

خجلت من نظراتهِ الجريئة التي تتفحصُ جُل ما بها فتحدثت بنبرة تنبيهية:
-خلي بالك إحنا في البلكونة

إبتسم وبالفعل إتخذ خطوتان إلي الخلف بعدما وعي علي حاله،رفع كأس المشروب وارتشف منه القليل ثم تحدث بصوتٍ مهموم:
-بدأت أتخنق من تحكمات سيادة العميد في علاقتنا يا أيسل

تنفست بصوتٍ مسموع ثم أردفت في محاولة منها لمراضاته:
-أنا عارفة إن من حقك تزعل،بس كمان لازم تُعذر بابي في خوفه عليا

بنبرة صارمة قاطعها معقباً:
-أنا جوزك مش خطيبك علشان يخاف عليكِ مني بالشكل المبالغ فيه ده،من يوم ما كتبت كتابي عليكِ وإنتِ بقيتي عَرضي وسُمعتك بقت تخصني أكتر ما تخصه

ثم استرسل معترضاً بنبرة حادة:
-والمفروض إنه معاشرني من زمان وعارف مين هو كارم المعداوي ومتأكد من أخلاقي كويس

واستطرد متسائلاً باعتراض:
-طب أُمال فين الثقة اللي المفروض موجودة بينا أصلاً؟

عقبت بنبرة هادئة كي تمتص غضبه الذي اعتراه وظهر بَيِنّ فوق ملامح وجهه:
-يا حبيبي الموضوع مالوش أي علاقة بثقة بابي فيك،دي طبيعة شخصيته بعيداً عن مدي وثوقه في أخلاقك من عدمها

تنهد بثقل وتراجعت حدتهُ وهو يحتوي كف يدها المُمسك بسور الشُرفة قائلاً:
-أنا عارف ومقدر والله

واسترسل وهو يتعمق بزرقاويتاها:
-بس أنا نفسي أخرج معاكِ لوحدنا علشان يكون لينا ذكريات نفتكرها بعدين

ثم استرسل ساخراً:
-يا مؤمنة ده المرتين اللي خرجناهم من يوم ما كتبنا الكتاب مرة منهم بعت معانا حمزة ومروان والمرة الثانية هو بنفسه اللي جه معانا هو ومدام مليكة،وفضل كاتم علي نفسنا طول السهرة

ضحكت وتحدثت بتفاخر:
-بابي ده ألذ راجل في الدنيا كلها

رفع حاجبهُ مستنكراً حديثها ثم أردف لائماً إياها:
-لا والله،ده الموضوع جاي علي هواكِ بقي يا أستاذة؟

ضحكة واسعة خرجت من ثغر تلك السعيدة أنارت وجهها وأسعدت قلب عاشقها،قطعت خلوتهما بُثينة حيثُ تحدثت بإبتسامة:
-بابا صحي يا كارم،هات أيسل وتعالي علشان تشربوا معاه القهوة في الرسيبشن

إنسحب ثلاثتهم إلي الداخل وانضموا لذاك الجالس ثم بات الجميع يتبادلون الاحاديث فيما بينهم وهم يتناولون بعض أصناف الحلوي بجانب المشروبات الباردة والساخنةِ أيضاً

مر اليوم سريعاً وقبل أن تتخطي الساعة العاشرةٍ مساءاً تحرك كارم مصطحباً جميلته واستقلا السيارة في طريقهما للعودة إلي منزل أبيها لكي لا يستدعا غضب ذاك الغيور علي إبنته

❈-❈-❈

بعد مرور يومان
داخل الشركة التي يعمل بها عُمر المغربي
كان يتحرك داخل الرواق في طريقهُ إلي مكتب مدير الشركة بعد أن استدعاه كي يتحدث معه بأحد الموضوعات الهامة الخاصة بالعمل،وأثناء سيره وجدها تأتي عليه بالطريق المقابل،إنتفض قلبهُ وارتبك حين إلتقت عيناهُ بخاصتها،لم يعد يدري ما الذي يحدث له مؤخراً عندما يراها،جُل ما كان يجول بخاطره بتلك اللحظة هو الهروب والنأي بحاله كما دوماً يحدثهُ بهِ قلبه ودائماً يُذكرهُ بما حدث معهُ بالماضي الأليم

إقتربت عليه وبابتسامة ساحرة وعلي غير عادتها أردفت بنبرة خرجت رقيقة رُغماً عنها:
-إزيك يا باشمهندس

الحمدلله…نطقها بجمود وأكمل طريقهُ متخطياً إياها دون تكليف حالهُ عناء النظر لها بعد أن تهرب من نظرات عيناها وكأنها طوفان يحتمي منه لينجو بروحهِ من الهلاك المحتمِ

غصة مُرة وقفت بحلقها جراء شعورها بالإهانة والذي أصابها بفضل معاملتهُ الجافة والتي لا تعلم سببها،حزن داخلها لأجل إصرارهُ الدائم علي تجاهلها،أحبته،نعم فقد إنجذبت إلي شخصيتهُ الغامضة التي تتسم بالجمود والضبابية،”نعم”لقد أُغرمت به مُنذ أن تشاركت معه بمشروعها الأول بالشركة،لكنهُ دائم التهرُب منها وما كان يُزيدها هذا التهرب إلا إصراراً علي التقرب منه وإزاحة الستار عن أسبابهُ وراء صدها بتلك الطريقةِ العنيفة

أما هو فكان بين نارين،نار الإستماع إلي قلبه الذي شعر بها وبات يلحُ عليه بأن يتبعهُ ليتذوقا معاً الطعم الحقيقي للعشق الصادق،وبين نار عقله الذي يصيحُ معنفاً إياه ويحثهُ علي عدم إنخراط مشاعرهُ وإنخداعه للمرة الثانية علي يد إحداهُن،وبرغم أن عقله استشف الصدق بعيناها إلا أن مرارة التجربة السابقة مازالت عالقة بحلقه وهذا ما جعل عقلهُ يعنفهُ رافضاً للفكرة شكلاً وموضوعا

ليلاً
بعدما إطمئن علي أيسل وحمزة تحرك بطريقهُ إلي منزل رائف وأثناء مروره بحديقة والدهُ،وجد ذاك الحائر يتحرك بعقلٍ شارد وروحاً أهلكتها كثرة الظنون،خطي بساقيه لحتي إقترب منه ثم تحدث باكتراث وهو يضع كفهُ فوق كتفه بحنان:
-إيه يا بطل،واقف لوحدك ليه؟

تنهيدة حارة تحمل الكثير من الارتياب وعدم الراحة خرجت من أعماق صدر ذاك الحائر الذي عقب علي تساؤل شقيقهُ قائلاً بنبرة خرجت مهمومة:
-مافيش،كُنت قاعد مخنوق جوة قولت أخرج أتمشي شوية في الجنينة واشم شوية هوا

كان يستمع إليه مُدققاً بعيناه مراقباً لتعبيرات وجههُ مما جعلهُ يستشف ضجيج داخل ذاك المبعثر الكيان،نظر بعيناه ثم باغتهُ متسائلاً بدهاء:
-إنتَ فيه واحدة في حياتك يا عُمر؟

إرتبك بوقفتهُ وعلي عُجالة سحب عنه عيناه ونظر إلي الجهة الأخرى متهرباً من ذاك الداهي ثم تحدث بصوتٍ خرج مهزوز ليؤكد للاخر صِحة حدسه:
-كلام إيه الفارغ اللي بتقوله ده يا ياسين،واحدة مين وزفت مين اللي تكون في حياتي

وبلحظة تغيرت معالم وجههُ إلي غاضبة حين تذكر ما تعرض له علي يد تلك الحقيرة وكأن شريط حياتهُ معها مَر أمام عيناه،ثم استرسل بنبرة حادة:
-ما حدش بيقع في مستنقع قذارة مرتين غير الغبي،وأنا من ساعة اللي حصل قررت أكون إبن اللوا عز المغربي وأمشي علي خطاه،من الآخر كدة قررت أبعد عن جنس حوا كُله وأعيش لبنتي وبس

تنهد بألم لأجل ما وصل إليه شقيقه بفضل تلك التجربة القاسية،في محاولة منه بإزالة تلك الأفكار التي تملكت من عقله واستوطنت فجعلتهُ مُظلماً وحولت حياته إلي صحراء تحدث بنبرة حاول بها إستفزازه:
-إنتَ لو إبن سيادة اللوا عز المغربي بجد ما تخليش تجربة خايبة زي دي توقف لك حياتك وتتحكم في شكل اللي جاى من عُمرك

هتف بنبرة حادة معترضاً علي تقليل اخيه من شأن ما حدث معه:
-تجربة خايبة؟!
التجربة الخايبة اللي بتتكلم عنها دي حولتني لمسخ دميم،ده غير إنها خلتني مسخرة الإسكندرانية كلهم

ثم استرسل بمرارة ظهرت بنبرات صوته:
-الموضوع عدي عليه أكثر من سنة ومع ذلك الناس لسة ما نسيتهوش،أي مكان بدخله بشوف في عيونهم نظرات وكأنهم بيضحكوا بينهم وبين نفسهم وهما شايفين الاهبل اللي إتختم علي قفاه من حِتة بِت ما تسواش

واستطرد ضاحكاً بطريقة ساخرة من حاله:
-لا وكمان طلعت له بنت عمرها سنتين ونص والمغفل ولا حاسس بأي حاجة،شفت عار أكتر من كدة

عقب علي حديثه بإبانة:
-اللي حصل لك ماكنتش إنتَ المقصود بيه يا عُمر، ده غير إنه اتخطط له من جهات أكبر من قدراتك وكان صعب عليك تكتشف المؤامرة

أخذ نفساً عميقاً ثم استرسل بنبرة مريرة:
-ولو فيه حد هيحس بالعار فالحد ده هو أنا وأبوك،ومع ذلك تخطينا الموضوع

أخرج تنهيدة حارة من اعماقه ثم استطرد للتخفيف من وطأة حزن شقيقه:
-إنسي يا عُمر،إنسي وحاول تكمل حياتك طبيعي علشان ليزا،إفتح قلبك ولو دق إسمع له وطاوعه

ثم استرسل وهو يضرب وجنتهُ بخفة مشاكساً إياه:
-بس ياريت تحكم عقلك وإنتَ بتختار وتستنضف المرة دي

إبتسم بخفوت لدُعابة أخاه،أردف ياسين وهو ينسحب إلي الخارج:
-تصبح علي خير يا عُمر

وإنتَ من أهله يا ياسين…نطقها وعلي الفور ذهب ياسين تاركاً خلفهُ ذاك الذي نفخ بضيق ثم رفع كفهُ واضعاً إياه فوق شعر رأسه وقام بجذبهِ إلي الخلف حتي كاد أن يقتلعه من جذورة

❈-❈-❈

ترجل ياسين داخل منزل رائف،وجد بطريقهُ مُنى التي أردفت فور رؤيتها له:
-حمدالله على السلامة يا باشا

عقب بنبرة هادئة:
-الله يسلمك يا مني
ثم استرسل متسائلاً باستفسار وهو يتلفت من حوله:
-البيت فاضي كدة ليه؟
عمتي ومليكة فين؟!

أجابتهُ بصوتها الحماسي كالعادة وباستفاضة تصل إلي الثرثرة:
-أصل السِت يُسرا والسِت نرمين والباشمهندس سليم وسيادة العقيد سراج جم إتعشوا هنا هما وعيالهم وكملوا السهرة،بس السِت ثُريا السُكر عِلي عليها شوية علشان أكلت من البسبوسة اللي الباشمهندس سليم كان جايبها معاه،فـ حست إنها تعبت شوية،فـ السِت مليكة إديتها علاجها ودخلتها هي والسِت يُسرا وفضلوا جنبها لحد ما أرتاحت ونامت،وبعدها الكل مشي والسِت مليكة اخدت مِسك وطلعت أوضتها بعد ما اطمنت علي الولاد

إبتسم وهو يستمع إلي ثرثرتها وكأنها مخبراً شُرطي تعطي تقريراً إلي سيدها عن مهمتها المُكلف بها،هز رأسهُ قليلاً باستحسان ثم تحدث بنبرة هادئة متلاشياً كل ما استمع إليه:
-إعملي لي فنجان قهوة واعملي عصير فريش لمدام مليكة وهاتي معاهم حاجة حلوة وطلعيهم علي فوق

تحت أمرك يا سعادة الباشا…نطقتها بنبرة حماسية ثم تحركت إلي المطبخ فور صعود ياسين إلي الاعلي

خطي بساقيه إلي جناحه،وجد مليكة تقف بالشُرفة وما أن رأته حتي تحركت إليه،سحبها إلي داخل أحضانه وتحدث بصوتٍ حنون:
-عاملة إيه يا حبيبي

الحمدلله…نطقتها بهدوء ثم إبتعدت قليلاً وتساءلت بهدوء:
-ما جتش تتعشي معانا ليه؟

بنبرة هادئة أجابها بإبانة:
-معلش يا حبيبي،كنت قاعد مع الباشا والكلام أخدنا لحد ما جهزوا العشا فأكلت مع الأولاد

تبسمت وأومأت له ثم أردفت بهدوء:
-بألف هنا يا حبيبي

داعب أنفها بين أصابع يده ثم حول بصره يتطلع علي ملاكه النائم وتحدث بنبرة تحملُ الكثير من الحنين إلي صغيرته وهو يخطو نحو مهدها:
-اللي خاطفة قلب ياسين ومستحوذة عليه نامت؟!

بإبتسامة سعيدة أجابت ذاك الذي يتأمل بوجه صغيرتهُ مبهرة الجمال وكأنهُ مسحوراً:
-نامت من حوالي ساعة،بعد ما غلبتني وفضلت تزن وتنطق إسمك

تطلع عليها بنظرات لائمة وهمس بصوتٍ خافت لكي لا يُزعج ملاكه:
-إخص عليكِ يا مليكة،طب ليه ما كلمتنيش في التليفون وأنا كُنت جيت لها

أجابتهُ بخفوت:
-كنت هكلمك يا حبيبي،بس لما أنس قال لي إنك قاعد مع أيسل وحمزة قولت أسيبك معاهم وهي زنت لها شوية وبعدها نامت

مال بطولهُ علي صغيرتهُ ثم قام بوضع قُبلة طويلة فوق وجنتها مستمتعاً بحلاوتها،بات يشتم رائحتها الذكية والتي تُشبه رائحة الجنة،إعتدل واقفاً منتصب الظهر وابتعد حتي وصل إلي عُليقة الملابس وكاد أن يخلع عنه حلة بدلته سبقته يد تلك الحبيبة وبادرت بخلعها عنه ثم قامت بتعليقها برتابة،إبتسم ثم قام بتقبيل كف يدها وتحدثت هي بنبرة هادئة:
-هجز لك الحمام

باغتها بجذب خصرها بقوة نالت استحسانها ثم أردف غامزاً بعيناه بكلماتٍ ذات مغزي:
-ما تنسيش تحطي شوية زيوت عطرية علي ورق ورد مُجفف علشان مش ناوي أنزل البانيو من غير حبيب جوزه

أومأت بدلال زاد من لوعة اشتياقه بها،مال علي شفتيها والتقطهما بين خاصتيه ليغوصا معها داخل قُبلة طويلة إستمتع بها كلاهما قبل أن يفك وثاقهُ من فوق خصرها وتنطلق هي إلي داخل الحمام لتقوم بتجهيزهُ ليدخلا معاً بعد قليل ويطلقا العنان لأنفسهم ويعيشا ليلة مميزة تنضمُ لقائمة لياليهم الساحرة

❈-❈-❈

بعد مرور حوالي شهر
حضر كارم إلي منزل سيادة اللواء عز المغربي في زيارة عائلية،جلس بصُحبة العائلة في مناخٍ هادئ ملئ بالاحاديث المسمرة التي نالت استحسان الجميع وجعلتهم يشعرون بالأولفة،في حضور مليكة التي أصبحت تتواجد باستمرار داخل منزل زوجها بناءاً علي رغبة ياسين ومنال أيضاً التي لاحظت فرقاً شاسعاً في نفسية أيسل بعد أن بدأت مليكة بالتردُد علي المنزل ومشاركتها لكُل ما يخصها وبدأتا بدخولهما معاً إلي المطبخ لتعليم مليكة لـ أيسل صُنع بعض الاكلات كي تستطيع إستقطاب قلب زوجها أكثر عندما يراها تهتمُ بجُل ما يُسعدهُ ويُرضيه

بمنتهي الدهاء كان يسترق النظرات إلي حبيبته دون أن يلاحظهُ ياسين،بعد مرور بعض الوقت أردف مستأذناً من ياسين باحترام:
-بعد إذْن حضرتك يا عمي،كُنت حابب أعزم أيسل علي العشا بكرة ونقضي السهرة مع بعض.

طب وليه تتعشوا برة لوحدكم؟ نطقها بلامبالاة ثم استرسل موجهاً حديثهُ إلي زوجتهِ ببرودٍ قاتل إستفز داخل ذاك الـ كارم:
-حبيبي،عاوزك تعملي لنا أحلا سُفرة عشا في الجنينة عند عمتي بكرة،وأنا هبلغ عمي عبدالرحمن وعيلته علشان نتجمع كُلنا علي شرف سيادة الرائد

رفع عز المغربي أحد حاجبيه مستنكراً ردة فعل نجلهِ الغير لائقة،أما كارم فضيق عيناه متعجباً طريقة ذاك المُتسلط وبطريقة رسمية ونبرة قوية حاسماً أمرهُ وكأنهُ الأمر الناهي بذاك الموضوع أردف بما فاجأ ياسين بذاته:
-متشكر لاهتمامك يا سيادة العميد،بس ما فيش داعي نتعب مدام مليكة معانا لأن أنا وأيسل إتفقنا خلاص إننا هنتعشي برة

بكثيراً من برود الأعصاب والصرامة تحدث عكس ما يدور بداخله من اشتعال لروحه:
– مش هينفع يا كارم،أيسل عندها مذاكرة وبتنام بدري علشان ميعاد كُليتها

إشتعل داخل كارم من تحكات ياسين به فيما يخص أيسل بالرغم من أنها زوجته شرعاً،وبثقة عالية أردف بنبرة جادة لائماً إياه:
-هو حضرتك ليه بتعاملني علي إني خطيب بنتك المراهق أو ذئب مفترس وسيادتك خايف عليها منه؟!
ثم استطرد بإيضاح بنبرة جادة:
-أيسل مراتي يا أ فندم لو مش واخد بالك؟

وأنا سبق وقولت لك إن كتب الكتاب عندي ما يفرقش اي حاجة عن الخطوبة…نطقها بصرامة وملامح وجه جادة جعلت من ملامح كارم تحتدُ غضباً وكاد أن يتحدث أوقفهُ صوت عز المغربي الذي إنتوي التدخل وفض ذاك الإشتباك قبل أن يتطور:
-إهدي يا ياسين إنتَ وكارم وحاولوا تتناقشوا في الموضوع بهدوء علشان تتفاهموا وتقدروا توصلوا لحل وسط يرضي الطرفين

عقب ياسين علي حديث والدهُ قائلاً بنبرة باردة وكأن الأمر عادياً:
-ومين قال بس يا باشا إننا مش متفاهمين!

وبفرض سياسة الآمر الواقع استطرد وهو ينظر إلي كارم:
-أنا وكارم إتفقنا علي وضع أساسيات علاقته بـ أيسل من الأول ورسمنا شكلها

واستطرد متسائلاً بنبرة جادة:
-ولا إيه يا كارم؟

قطب جبينهُ باستغراب ثم أجابهُ بثقة تامة:
-حضرتك قولت لي إن طول ما أيسل لسة في بيتك يبقي هنتعامل مع كتب الكتاب علي إنه خطوبة،وأنا مع سيادتك في الرأي ده والاصول ما تزعلش حد

ثم استطرد معترضاً تحت إرتعاب قلب أيسل من حِدة المناقشة الدائرة بين عزيزاها:
-لكن اللي أنا مش موافق عليه ولا مقبول حضرتك هو إني أقعد أربع سنين ما أقدرش فيهم حتي أخرج أتعشي أنا وخطيبتي اللي هي شرعاً مراتي

هو ده اللي عندي يا كارم وماعنديش كلام غيره…نطقها بتعنُت أشعل داخل الآخر مما جعلهُ يهب واقفاً من جلسته ثم تحدث بنبرة جاهد في إخراجها بشكلٍ هادئ وهو ينظر إلي عز المغربي مع انحناءة بسيطة دلالةً علي توقيرهُ لشخصه:
-بعد إذن سعادتك يا باشا

أردف عز المغربي باهتمام:
-رايح فين يا كارم

هروح يا أفندم،كدة حلو قوي…نطقها بنبرة جادة فتحدثت مليكة كي تهدئ من وطأة غضبه وتُلطف الأجواء بينهُ وبين زوجها بعدما رأت نظرات الحُزن والألم ظهرت بَينة بعيناي تلك العاشقة الصغيرة :
-إنتَ ليه أخدت كلام ياسين علي إنه جد يا سيادة الرائد،ياسين بيهزر معاك وبينكشك مش أكتر

أردف بنبرة صارمة وهو يرمقها بنظرات ثاقبة:
-المواضيع دي مافيهاش هزار يا مدام
واستطرد بنبرة صارمة:
-دي ثوابت عندي وما فيهاش نقاش

الكلام ما يبقاش كدة يا ياسين…نطقها عز بجدية فانطلق كارم بوجهٍ غاضب متجهاً إلي الخارج بعدما تحدث بنبرة حادة توحي لمدي غضبه:
-بعد إذنكم

وقفت أيسل وباتت تتطلع علي والدها بنظرات لائمة حزينة ثم هرولت إلي الدرج وصعدته بسرعة كبيرة،أردفت مليكة بصوتٍ لائم:
-ليه عملت كدة يا ياسين؟

واستطردت بنبرة جادة أثارت حِنق زوجها:
-إتصل بيه وقول له إنك موافق علي العشا برة علشان خاطر سيلا

إستشاط داخلهُ من حديثها ثم هتف بنبرة عالية مُحذراً إياها بسبابته:
-مليكة،خدي لك ساتر الساعة دي وبلاش تدخلي نفسك في الموضوع ده بالذات علشان ما تسمعيش كلام يزعلك

ثم استطرد باتهام بنبرة أكثر حِدة:
-ما هو إنتِ بردوا اللي فضلتي تزني عليا علشان أوافق إنها تروح تتغدي في بيته،وادي النتيجة يا هانم

نطقها بحدة واسترسل رامياً كامل اللوم عليها وكأنهُ وجد بها الشخص الذي سيفرغ به جُل ما أصابهُ من غضبٍ جراء طلب كارم الجرئ بالنسبة له:
-البيه إتجرأ وبقي كل يومين عاوز يخرج معاها وكأنه بقي حق مُكتسب ليه

إتسعت عيناها وهي تتطلع إليه باندهاش من الطريقة الحادة التي عاملها بها أمام والداه وطارق والتي ولأول مرة تحدث مُنذُ أن حقق حُلمهُ وتزوج بها

ألقت عليه نظرة لوم قبل أن تنطلق بخطوات مُتعجلة إلي الخارج في طريقها إلي منزلها،زفر بقوة ثم قام بوضع كفهُ فوق شعره ليسحبهُ إلي الخلف بطريقة عنيفة كادت أن تقتلع جذورهُ،مما أوحي إلي ندمه وتعنيفه لحاله

إبتسامة جانبية خرجت من فاه عز الذي أردف بطريقة ساخرة بعدما استشف تكبيت نجله لحاله فور خروج زوجته:
-قابل بقي اللي هيجري لك يا باشا،قدامك إسبوع بحاله هتشرب فيه جُرعة نكد أورجانك

تنهد بضيق في حين تحدث طارق لائماً شقيقهُ:
-مالكش حق في الكلام اللي قولتهُ لها يا ياسين،إنتَ أحرجتها قدامنا كُلنا

أردفت منال بنبرة تعقلية:
-زعل مليكة مقدور عليه يا طارق،ياسين يبقي يراضيها بعدين

واستطردت بنبرة غاضبة بعدما فاض بها الكيل من أفعال وتعنُت نجلها مع زوج حفيدتها الأقرب لقلبها:
-خلينا في كارم اللي مشي وهو زعلان والبنت اللي طلعت مقهورة علي اوضتها بسبب أخوك وتحكماته الفاضية

نظر علي والدتهُ ثم أردف معترضاً:
-ماما أرجوكِ

هتفت بحدة وسُخطٍ ظهر بعيناها:
-بلا ماما بلا بابا،أنا مش فاهمة إنتَ بتعمل كل ده ليه،هو أنتَ أول واحد بنته تتخطب يا ياسين؟!

زفر بقوة في حين أردف عز بنبرة جادة بعد صمتٍ أرغم حالهُ عليه كي يري تصرف نجله إلي أين سيصل به:
-إتصل بكارم وراضية يا سيادة العميد،وحاول تتعود علي وضع بنتك الجديد

واستطرد بنُصحٍ وارشاد:
-وياريت ما تنساش إن كارم يبقي جوزها ومن أبسط حقوقه إنه يخرج معاها لوحدهم،وإحمد ربنا إن الولد مؤدب وإبن عيلة.

بوجهٍ صارم يختبئ خلفهُ خجلهِ الذي أصابهُ بعدما رأي معارضة الجميع له وتأكد من سوء تصرفهُ ويرجع ذلك إلي حبهُ وخوفهُ المبالغ به لصغيرة أبيها التي مهما بلغت من العُمر سيضل يراها صغيرتهُ الواجب عليه حمايتها حتي من حالها،أردف بتراجع عن موقفه موجهاً حديثه الى والده:
-إتصل بيه حضرتك يا باشا أو خلي طارق يكلمه

إبتسامة مُحبطة إرتسمت فوق ثغر عز الذي تضايق من وصول والدهُ لذاك المستوي،أما ياسين فانطلق مسرعاً نحو الباب الخارجي ليلحق بتلك التي خرجت بقلبٍ منكسر جراء حدتهُ معها أمامهم

وصل إلى جناحهُ وجدها تقف بشُرفتها ممسكة بسورها الحديدي تنظر أمامها باتجاه البحر ويبدوا علي وجهها الحُزن والضيق،وقف خلفها ولف ساعداه يحتوي بهما كتفاها ثم همس بجانب أذنها بعدما قرب شفتاه منها:
-أنا أسف
ثم استطرد بنبرة تحملُ الكثيرُ من الندم:
-والله أسف

بنبرة حادة وعيناي ثاقبة تنظر أمامها في نقطة اللاشئ أردفت متجاهلة النظر إليه:
-بقيت بسمع كلمة أسف منك كتير قوي الأيام دي

تنهيدة حارة خرجت من صدر ذاك العاشق وتحدث بنبرة عاقلة:
-ما فيش حياة زوجية بتمُر من غير مشاكل ولا زعل،المهم إننا نتدارج غلطنا بسُرعة ونعتذر عنه،
إحنا عايشين علي الأرض يا مليكة مش في الجنة

تنهدت بهدوء ثم أردفت بنبرة تحمل الكثير من الهموم:
-بس أنا زهقت من عصبيتك وتسرُعك يا ياسين

لصق شفتاه بأذنها ثم همس بنبرة مُثيرة بعثرت كيان تلك العاشقة في دهاء منه لاستقطاب قلبها الحنون:
-ما تنكريش يا قلب ياسين إن بعد كُل زعل بينا براضيكي وبنعيش جنون الحُب من جديد وكأن حُبنا لسة في أوله

إنتفض جسدها بالكامل جراء تلميحاتهُ الجريئة وانقادت خلف نداء قلبها المُتيم بعشق ذاك الوسيم فابتسمت مما جعلهُ يضمها بقوة وتحدث بهدوء:
-الدنيا كُلها بتنور مع إبتسامتك يا قلب ياسين

إبتسمت فتحدث بنبرة حماسية:
-إيه رأيك ننزل نتمشي شوية علي البحر

إستدارت بجانب وجهها وتطلعت عليه ثم سألتهُ مستفسرة:
-ومِسك هنعمل معاها إيه؟

قرب أرنبة أنفه ودفنها داخل عُنقها وبات يشتم رائحتها المميزة لديه ثم تحدث ليُطمأنها:
-مِسك قاعدة هناك مبسوطة مع جدها وحمزة،ما أنتِ عارفة هي بتحبهم ومتعلقة بيهم قد إيه

نظرت إليه بتعمُق ثم سألته بنبرة جادة:
-وأيسل،هتعمل معاها إيه يا ياسن؟

ضيق عيناه ثم أجابها بنبرة جادة:
-هو ليه كلكم شايفيني غلطان ومعنديش قلب وجاحد علي بنتي؟
واستطرد متسائلاً:
-كل ده علشان خايف وعاوز أحافظ عليها؟

عقبت باعتراض:
-من أيه يا ياسين؟

علي عُجالة أجابها بصرامة:
-من نفسها قبل كارم يا مليكة،بنتي لسة صُغيرة والحُب بيضعف،من حقي كأب أخاف عليها من الشيطان ووسوسته لما أسيب لها مُطلق الحُرية مع جوزها ويختلي بيها

ثم استرسل بنبرة صوت هادئة:
-بنتي جمالها فتان ووصلت لكامل انوثتها،وكارم راجل وبتحركه مشاعره ليها وغريزته الذكورية

واستطرد بعيناي تطلقُ شزراً وكأنهُ تحولَ:
-وأنا مش هسمح بأي تجاوزات تحصل منه في حق بنتي

تنفست بهدوء وباتت تتطلع عليه بنظرات حائرة لتيقُنها من حقهِ المشروع في الخوف علي صغيرته،أرادت أن تُخرجهُ من حالتهُ تلك فتحدثت وهي تحثهُ علي المُضي للأمام:
-طب يلا نتمشي علي البحر ولا رجعت في كلامك

إبتسامة هادئة إرتسمت فوق شفتاه وهو يسحبها من كفها ويتحركا نحو الباب في طريقهما إلي البحر

❈-❈-❈

بنفس التوقيت
داخل حُجرة أيسل،حيثُ كانت تجلس فوق مقعدها المجاور لتختها تتحدث عبر هاتفها الجوال مع ذاك الحبيب الذي خرج مسرعاً والغضبُ يملئ صدره،أردفت بنبرة حنون في محاولة منها لإزاحة الحُزن وابعادهِ عن قلبه:
-ممكن علشان خاطري ماتزعلش

بنبرة جادة عقب:
-أنا علشان خاطرك مستحمل جبروت سيادة العميد وذُلة ليا يا سيلا

ثم أخذ نفساً عميقاً واسترسل بما ينم عن مدي ضيقهُ:
-طول عمري وأنا بهرب وبخاف من الحب لأني كُنت عارف إنه هيضعفني،وفعلاً اللي عملت حسابه لقيته
واستطرد بإبانة:
-لولا حُبي ليكِ ما كنتش استحملت تحكمات سيادة العميد فيا لحظة واحدة

وبنبرة خرجت تفيضُ حناناً وكأنهُ تحول لأخر أردف هائماً:
-بس أعمل إيه،حبيتك لدرجة إني بغض الطرف عن إهانتي من أبوكِ وبسكت علشان خاطر ما اخسركيش

ندمان إنك حبيتني يا كارم…سؤال مترقب ألقته عليه تلك العاشقة ليُجيبها عاشقها بعُجالة أظهرت كَم العِشق المكنون داخل صدره لتلك الساحرة:
ندمان علي حياتي اللي قبلك واللي ضاعت وما عشتهاش وأنا في قُربك

أنا بحبك يا كارم،بحبك قوي…نطقتها بنبرة هائمة عقب عليها قائلاً بغرام:
-وانا بموت فيكِ يا قلب كارم

يعني خلاص مش زعلان…نطقتها بدلال أنثوي وصل إلي مسامعهُ وأشعل ناره مما جعلهُ يجيبها سريعاً بنبرة رجُل عاشق:
-بمجرد ما بسمع صوتك كل الزعل بيختفي ويحل مكانه الفرح

واسترسل بإبانة:
-مش بقول لك حزين علي عمري اللي عيشته من قبل ما أعرفك

إنتعش قلبها جراء جُرعة الرومانسية المُفرطة التي غُمرت بها علي يد حبيبها العاشق،كما تبدل حالهُ هو الآخر من قمة الغضب إلي أقصي الإستكانة الروحية وذلك بفضل حديث كلاهُما اللين للأخر مما خفف من ثقل ما حدث منذُ القليل

وصل كارم إلي منزله وبعدما قام بتبديل ثيابهُ أتاهُ إتصال من طارق حيثُ قام بترضيته والاعتذار له عن ما بدر من ياسين من مُضايقات، أبلغهُ أيضاً بعدول ياسين عن قراره مما أسعد قلب ذاك العاشق وقام بشكر طارق والتعبير له عن مدي سعادته بذاك القرار

❈-❈-❈

مساء اليوم التالي
داخل أحد الاماكن الخاصة بتقديم المأكولات والمشروبات، في أجواء تتسمُ بالهدوء كان يجلس كُلاً من العاشقان يلتفون حول طاولة تم إحتجازها مُسبقاً من قِبل كارم،وأثناء إنتظارهما لتنزيل الطعام اللذان إنتقاه من القائمة الخاصة بالفندق كانا يتسامران علي أنغام الموسيقي وضوء الشموع الخافت مما جعل من الاجواء أكثر رومانسية

تحدث متسائلاً إياها بنبرة تفيضُ عِشقاً:
-مبسوطة يا حبيبي؟

عقبت بنبرة حنون وعيناي تقطرُ هياماً:
-قوي يا كارم،عارف،ما بقتش بحس بالسعادة غير وأنا معاك

ثم استرسلت بدلال باتت تُجيدهُ معه بفضل نصائح وتوصيات مليكة لها:
-خليك دايماً جنبي ومعايا ومش تبعد عني أبداً

إبتسامة ساخرة إنطلقت من فم ذاك الوسيم الذي أردف بدُعابة:
-والله الكلام ده تروحي تقوليه للباشا مش ليا خالص

إبتسمت حين تذكرت ملامح وجه والدها الحانقة عندما رأها وهي تستعد للخروج خارج المنزل لتستقل سيارة حبيبها،ثم أردفت بنبرة بها الكثير من التعاطُف:
-والله بابي صعبان عليا قوي،جدو وهو بيراضيني بالليل قال لي جملة لسة مسمعة في وداني لحد الوقت

ضيق عيناه وبات مترقباً لحديثها باهتمام فاسترسلت هي بنبرة وملامح وجه متأثران:
-قال لي متزعليش من ياسين،هو لسة شايفك بنت الأربع سنين اللي كان بيوديها تمرين السباحة بنفسه علشان خايف عليها ومش واثق في أي حد ومتأكد من جواه إن ماحدش هيقدر يحميها ويبعد عنها أي شر غيره

واسترسلت بنبرة صوت متأثرة وعيناي تفيضُ حناناً لعزيزِ عيناها ياسين المغربي:
-قال لي أبوكِ بيعتبرك أكبر إنجازاته إنتِ وإخواتك، ولو ينفع يشُق صدره ويخبيكم جواه علشان يحميكم كان عملها

تحولت عيناها إلي حنون واستكملت بنبرة شديدة التأثُر:
-أنا بحب بابي قوي يا كارم ودايماً بشوفه أعظم وأحن راجل في الدنيا كلها

واستطردت بعيناي راجية:
-ولو كُنت غالية عندك فعلاً ياريت ما تزعلش منه

إبتسم براحة ثم أردف بملامح وجه مسترخية:
-علي فكرة يا سيلا،اللي إنتِ ما تعرفهوش عن علاقتي بـ ياسين المغربي إني عمري ما اعتبرته مجرد رئيسي في الشُغل

ثم استطرد بنبرة فخورة صادقة:
-أنا من أول يوم إستلمت فيه شُغلي في الجهاز وأنا بحاول أتقرب منه علشان أتعلم وأمشي علي خُطاه،وكان أسعد يوم في حياتي لما أختارني في فريقه واستلمت أول مهمة ليا معاه، ومن وقتها أصبحت المساعد بتاعه لما أثبت له جدارتي.

زادت سعادتها وأبتسمت بشدة حتي ظهر صفي أسنانها وتحدثت بتفاخر متباهية بعزيزِ عيناها:
– ما تتصورش أنا فرحانة قد إيه بكلامك عن بابي يا كارم

بغمزة من عيناه عقب مُداعباً إياها:
-هو أحنا هنخلص السهرة في كلامنا عن سيادة العميد ولا إيه؟

واستطرد بذات مغزي:
– عاوزين نتكلم عن نفسنا شوية

عقبت بصوتٍ ودلال أنثوي:
-هنتكلم نقول إيه؟

وقف وبات يعدل من حالهُ ثم أغلق زِر حلتهْ، وأمسك كفها وتحدث وهو يحثها علي التحرك معهُ نحو المكان المُخصص لرقص الثُنائيات:
-هقول لك وإحنا بنرقص

تحركت بجانبه وهي بقمة سعادتها حتي وصلا إلي وسط الاستيدج،وقف أمامها وقام بإحتضان كفها ورفعهُ ثم حاوط خصرها بساعدهُ الأخر،إلتقت أعيُنهم فأصابت بدنيهما قشعريرة وباتت تسري بهما،بدأ باتخاذ خطوات رقصتيهما الـ سلو بسعادة تغمر قلبيهما وذلك لشِدة تعلقهُما بعضهما البعض وعشقهما الشغوف الذي بدأ في تزايُد يوماً يلو الأخر وفي غضون فترة وجيزة

إقترب منها ثم همس بجانب أذنها بعدما مال عليها بطوله الفارع مما جعل جسدها ينتفض خجلاً وعشقاً بالوقت ذاته:
-مش هتقولي لي أعمل إيه في مشكلتي اللي لا بقت مخلياني عارف أنام ولا بدوق للراحة طعم

قطبت جبينها وسالتهُ مُستفسرة بعدم استيعاب:
-مشكلة إيه دي يا كارم؟

بعيناى تقطرُ إشتياقاً أردف هائماً:
-مشكلة بُعدي عنك،ما بقتش قادر أبعد عن حُضنك يا أيسل
واستطرد بعيناي متأثرة:
-طول الليل بتقلب وكأني نايم علي جمر،وكُل ما أفتكر إني هقعد أربع سنين متجوزك مع وقف التنفيذ ببقي هتجنن

إبتسمت بشدة ثم تحدثت بدُعابة:
-والله إفتكرتك بتتكلم جد

علي عُجالة عقب مؤكداً:
-طب ما أنا فعلاً بتكلم جد،حد كان قال لك إني بهزر
ثم استطرد بنبرة هائمة جعلتها تخجل:
-يا سيلا هموت عليكِ،مش قادر أتخيل بجد إنك خلاص بقيتي مراتي ومع ذلك مش هقدر اخدك في حُضني وأنام وأنا مطمن غير بعد أربع سنين

ثم مال علي أذنها وهمس بكلمات وقحة بعثرت كيانها وجعلتها ترتبك،حاولت أن تتمالك من حالها قدر المُستطاع ثم أزاحت عيناها عن مرمي بصره خجلاً واردفت بنبرة اظهرت كَم إرتباكها:
-علي فكرة إنتَ قليل الأدب،وبابي عنده حق في إنه يبعدني ويخاف عليا منك

رفع رأسهُ لأعلي مُقهقهاً بصوتٍ عالي برجولة ثم استطرد بوقاحة:
-قلة الأدب بين الزوجين هي الأدب بعينه يا حبيبي،المُصيبة اللي بجد واللي تقلق هو أدب الزوج مع مراته

ردت بقوة أغاظته:
-ده لما ابقي مراتك بجد يا باشا

هتف بنبرة صارمة:
-نعم!،إيه مراتك بجد دي كمان،حد كان قال لك إنك مراتي كدة وكدة؟!
واستطرد بتنبيه:
-ما تظبطي كلامك يا بنت سيادة العميد

أقصد لما أكون في بيتك يبقي من حقك تقول لي الكلام ده… نطقتها مفسرة فأجابها بنبرة أكثر وقاحة:
-ده هو ده الوقت المناسب للكلام،الجواز ده إتخلق للفِعل مش للكلام يا حبيبي

خجلت من كلماته فاسترسل بنبرة رجُل عاشق:
-أنا بحبك قوي يا أيسل،بحبك لدرجة عمري ما تخيلت إني أوصل لها مع أي حد

دون إدراكٍ منها وكأنها مُسيرة ألقت برأسها فوق كتفه وكأنها تُعلمهُ أنهُ أصبح ملاذها الأمن ومالك زمامها،تنفس عالياً براحة حين إستكانت هي بين أحضانه مستسلمه لكلماته وهمساته التي باتت تعشقها منه ولا تستطيع الاستغناء عنها

مر الوقت وهي ذائبةً بين أحضانه كـ قطعة شيكولاتة ناعمة بينما هو كان يشعر وكأنهُ ملكاً متوجاً علي عرش قلبها،ضل الوضع إلا أن أتي النادل وأخبرهما بنزول الطعام فتحركا وبدأ بتناول طعامهما إلا أن إنتهيا وأكملا سهرتهما وسط سعادة قلبهما المفرطة جراء تواجدهما معاً وبكامل حُريتهما بعيداً عن تحكمات ياسين المُشددة

إنتهي البارت
قلوب حائرة 2
بقلمي روز آمين

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل السادس والأربعون روز أمين

🦋 الفصل السادس والأربعون🦋

أبي وإنْ تخَلَّي عني العَالم أجمعُ فـ يكْفِينُي ضَمَّتُك ورِيحُ عِطْرُكَ لِكَي أشعرُ بالأمانِ ويطْمئِنُّ بقُربِكَ قلْبِي
فلكَ نبَضَاتِي ودقَّاتِي يا منْ وضَعْتُكَ تاجَ الزمانِ علي رأسي،وتَوَّجْتُكَ ملِكاً عظيماً على أرجاءِ رُوحِي.

أيسل المغربي
بقلمي روز أمين

مَرت سريعاً الأربع سنوات،حدث فيها الكثير والكثير من المناوشات والجولات العديدة بين وَحش المخابرات وتلميذهُ النجيب،ويرجع ذلك لعشق كارم الجارف لزوجتهُ الفاتنة والذي بدأ يظهر علي عيناهُ ويفضحهُ بعد أن أصبح بها مفتوناً،ومحاولات ياسين بحماية صغيرته من الإنجراف وراء ذاك العاشق حفاظاً عليها وللغيرة أيضاً دافع وراء ذلك،وأخيراً جاء موعد الزفاف الموعود بعد طول إنتظار

داخل فندق من أفخم فنادق مدينة الأسكندرية الساحرة،يقف جميع المسؤلين بإدارة الفندق علي قدمٍ وساق،فاليوم هو زفاف إبنة وحَش المخابرات المصرية اللواء ياسين المغربي وحفيدة المُلقب بذئب المخابرات عز المغربي ولابد أن يظهر جُل ما بالحفل علي أكمل وجه.

وصلت عائلة المغربي وأتخذوا أماكن جلوسهم حول طاولات متجاورة بانتظار ياسين ليظهر بابنته ويُسلمها لزوجها كـ ملكة متوجة لتبدأ حياتها الزوجية مع مَن إختارهُ القلب وأرتاح لهُ الفؤاد

أما منال فكانت تجاور عائلة شقيقها الجلوس،تحرك إليهم عز المغربي وقام بالترحيب الحاد بالمهندس أحمد وقسمة وداليدا وزوجها،لفت نظرهُ تلك العاملة الواقفة بجانب منال حاملة صغير نجلها عُمر والذي أطلق عليه عُمر إسم مصطفي وبالكاد أكمل عامهُ الثاني،سألها مستفسراً وهو يتلفت حولهُ باهتمام:
-أُمال عُمر ومراته فين يا منال؟

تارا راحت التواليت وعمر ما حبش يسيبها لوحدها وراح معاها…هكذا أجابتهُ بارتياح ظهر بَيِنّ علي ملامحها الساكنة بعد أن إطمأنت علي صغيرها المُدلل،حيثُ أنه إختار المُهندسة تارا صديقتهُ بالعمل لتُشاركهُ رحلة حياتهُ،وذلك بعد معاناة شديدة

حيثُ أنه ضل يعافر مُحارباً شعور إنجذابهُ لها طيلة عامان كاملان،وبعد أن فقد السيطرة علي قلبه حيثُ أعلن عصيانهُ عليه بعدما تأكد أن قلبهُ قد ذابَ عِشقاً في هويّ تلك الرقيقة ذات الأصل الطيب والسيرةُ الحسنة والأخلاق الرفيعة،أعلن راية الإستسلام وصارحها مُعلناً عن نيتهُ الزواج بها وعلي الفور أعلنت موافقتها حيثُ كانت قد وقعت بغرامهِ هي الأخري وظلت بانتظار إعترافه الذي أرهقها لمدة ليست بالقليلة،تزوجا مُنذُ ما يُقارب علي الثلاثة أعوام وانجبا مصطفي نتاج ثمرة عشقهما الحلال

واسترسلت منال بطمأنة من عيناها:
-زمانهم علي وصول

أومأ لها بتفهُم، تحدثت إليه داليدا بنبرة هادئة:
-مبروك لـ أيسل يا عمو

بابتسامة هادئة أجابها:
-الله يبارك فيكِ يا داليدا

حضر عُمر محتوياً زوجتهُ من خصرها باهتمام،إبتسمت إلي والد زوجها وتحدثت بابتسامتها النقية:
-ألف مبروك يا عمو

الله يبارك فيكِ يا بنتي،عقبال ما تفرحي بـ مصطفي…هكذا أجابها ذاك البشوش فعقبت بنبرة صادقة حيثُ أنها أحبت الفتاة وغمرتها بحنانها وكأن الله وضعها بطريق ذاك العُمر خصيصاً لتكون عوضاً لتلك الصغيرة التي تعلقت بها وأصبحت تُناديها بأمي بدلاً عن مليكة بعد أن وجدت بأحضانها الحنون ما حُرمت منه:
-نفرح بأخته الأول وبعدين هو

ربت عز علي كتفها بحنان وبعيناي ممتنة لما رأه منها من خير تحدث:
-ربنا يجازيكِ خير يا بنتي ويبارك لك فيهم

ببشاشة أجابته:
-ويبارك لنا في حضرتك يا عمو

اردفت منال بنبرة هادئة:
-تعالي إقعدي يا تارا علشان مصطفي عاوزك

تحدث إليها عُمر بحنان:
-إقعدي يا حبيبتي وأنا هروح أشوف طارق ليكون محتاج حاجة

بعيناي لامعة تأثراً بعشق أميرها تحدثت:
-أوكِ يا حبيبي
واسترسلت وهي تتأهب لمجاورتهُ التحرك:
-هروح أشوف ليزا الأول لتكون عاوزة تدخل التواليت وبعدين أجي لـ مصطفي
إبتسم لها وتشابك بكفها وتحرك بطريقهما

جلس عز مجاوراً أحمد وبدأ بتبادل أطراف الحديث فيما بينهم

بنبرة متعالية اردفت قسمة وهي تنظر إلي الصغير بملامح وجه مشمئزة:
-هو إنتوا من أمتي بتجيبوا البيبيهات معاكم الأفراح يا منال؟

واسترسلت بتنظير:
-ما خلتهوش مع الناني بتاعته في الڤيلا بدل ما يصدعكم ويبوظ الفرح ليه؟

أجابتها بهدوء إكتسبتهُ مؤخراً:
-تارا ما بتقدرش تبعد عن الأولاد يا قسمة،دي سابت شُغلها أول ما أتجوزت عُمر علشان تتفرغ لـتربية ليزا وتهتم بيها

إبتسمت بجانب فمها بطريقة ساخرة وتحدثت بكلمات خالية من الأدب والذوق:
-وهي هتحتاج للشغل ليه يا حبيبتي بعد ما أتجوزت إبن سيادة اللوا عز المغربي

ثم رفت قامتها للأعلي واستطردت بتعالي شديد مما جعل تلك المنال تحتد:
-يارب بس ما تكونش وراها مُصيبة زي الزبالة اللي قبلها

إحتدت منال وتحولت ملامحها إلي غاضبة وذلك لما تحملهُ داخل قلبها من قيمة وغلاوة لتلك الفتاة التي دخلت حياة مُدللها وحولتها إلي سعيدة بعد الشقاء والبؤس الذي أصَاباهْ جراء تجربتهُ المريرة،هتفت بسخطٍ وترهيب:
-قسمة،إلزمي حدودك في الكلام وما تنسيش إن اللي بتتكلمي عنها دي تبقي مرات إبني،وكرامتها من كرامتي أنا شخصياً

إرتبكت قسمة وتحدثت سريعاً لتفادي غضب تلك التي تساعدها بالأموال هي وداليدا بعد وفاة ليالي كنوعاً لإكرام واحترام ذكري التي كانت تعتبرها كإبنة لم تلدها:
-إنتِ فهمتيني غلط يا منال،أنا ما قصدتش تارا بكلمة زبالة،أنا كنت بقصد اللي كانت السبب في موت بنتي في عز شبابها

باشارة من كف يدها أردفت منال باقتضاب لإغلاق الحديث:
-خلاص يا قسمة.

إنتبه حين استمع إلي صياح تلك التي أتت مُهرولةً إليه كي تحتمي به وتشتكي وتحدثت وهي تستنجد بجدها العزيز:
-يا جدو،خلي عزو يبطل رخامة ويسيبني أعمل اللي في نفسي

نظر علي جميلة نجلهُ تلك المِسّكيةُ رائعة الجمال نُسخة أيسل وأبيها والتي أكملت عامها الخامس وأستولت علي كُل لُب ياسين وعز وجميع العائلة،تطلع علي جميلتهُ وأمسك كف يدها ثم مال قليلاً وقام بوضع قُبلة فوقه،رفع رأسه متحدثاً بدلال تلك الفاتنة:
-أميرة جدو ماحدش يقدر يزعلها وأنا موجود

دبت بساقيها في الأرض كنوعٍ من الإعتراض ثم تحدثت وهي تُربع ساعديها وتضعهما أمام صدرها بتذمُر شديد:
-عزو زعلني ومش خلاني أرقص،وكمان مش خاف منك يا جدو

رفع أحد حاجبيه ينظر إلي تلك الداهية وهي تحرضهُ علي شقيقها،أقبل عليهما ذاك المُشاكس الذي أتم عامهُ التاسع ونظر لها بملامح وجهه حادة ثم تحدث بصرامة وهو يرفع سبابتهُ بوجهها مهدداً إياها وكأنهُ رجلاً كبير:
-تعرفي يا مِسك لو شفتك بترقصي مع رائف سراج تاني هعمل فيكِ إيه؟

هتعمل فيها إيه يا ابن ياسين؟…سؤالاً غاضباً وجههُ إليه جده فتحدث الفتي بنبرة أهدي كي يستقطب تعاطف جدهُ وتضامنهُ في تبني موقفهْ:
-يعني ينفع تقف ترقص مع رائف سراج ومش تحترمني يا جدو؟

ثم مط شفتاه بغضب واسترسل بإبانة:
-وبعدين أنا أخوها الكبير ولازم تسمع كلامي،بابي كمان قالي أخلي بالي منها لحد ما ينزل هو ومامي والعروسة سيلا من فوق

هز عز رأسهُ من تحكمات ذاك المُشاكس فهتفت الصغيرة بحِنق:
-يا جدو بابي قال لي إنبسطي يا مِسكي،ورائف وليزا وساندرا وكُلهم بيرقصوا،إشمعنا أنا اللي عاوزني مش أرقص!

هتف الصغير وتحدث بغيرة رجولية لا تتناسب مع حداثة سِنهِ:
-أنا نبهتك وقولت لك لو رقصتي مع رائف تاني همنعك ترقصي خالص،وإنتِ اللي مش سمعتي الكلام

تحدث طارق الذي حضر للتو بنبرة حاسمة كي يحث الصغير علي التراجع ويفض ذاك الإشتباك:
-وبعدين يا عزو،بَطل تضايق أختك بتحكماتك الفاضية دي،ولعلمك،بابا لو شاف مِسك وهي زعلانة كدة هيخرب الدُنيا
واستطرد لاخافته:
-ما انتَ عارف هو قد إيه بيتجنن ويتحول لما بيلاقي حد مزعلها

تذمر الصغير ونطق بملامح وجه مُستاءة:
-يعني كويس إنها مش بتسمع كلامي يا عمو؟

نطق طارق بنبرة متعجبة:
-إنتَ مالك نافش ريشك وعامل علينا دَكر كدة ليه يَلاَ؟

تذمر الصغير حين قهقه عز عندما تطلع إلي الصغار ورأي رائف مُنسجماً وهو يرقص مع ساندرا فتحدث ليُنهي ذاك الجدل العقيم:
-طب روح يا حِمش شوف ساندرا علشان تقريباً كدة رائف شقطها مِنك يا حبيبي

إتسعت عيناه وبُسرعة البرق حول بصره يتطلع علي من أصبح يعتبرها مِلكية خاصة له،وبدون نُطقِهِ بكلمة واحدة هرول إلي الاستيدج وتحدث وهو يُمسك الصغيرة من ذراعها ويسحبها بعيداً عن ذاك الرائف وتحدث بحِنقٍ:
-إنتِ إزاي تُرقصي مع حد غيري؟

حاسب دراعي يا عزو،إنتَ وجعتني…نطقتها بنبرة رقيقة وهي تتحسس ذراعها فاسترسل هو غاضباً:
-رُدي عليا يا ساندرا

نظرت إليه واردفت بنعومة كعادتها:
-هو اللي رقص معايا لما مِسك مشيت،وأنا مش عرفت أكسفه

هتف بنبرة صارمة:
-طول الفرح مش هترقصي غير معايا يا ساندرا، يا إما مفيش رقص خالص

بطاعة رقيقة هزت رأسها بموافقة فابتسم لها وامسك كفاها وبدأ يرقصان معاً بطفولية

أما مِسك فكانت غاضبة إلي أن حضر أنس إليها عندما شاهدها من بعيد وتحدث إليها وهو يتلمس شعرها بحنان:
-مالك يا مِسك،زعلانة ليه؟

من جديدٍ دبت بساقيها في الأرض كنوعٍ من الإعتراض وتحدثت بسخط:
-عزو مش عاوزني أرقص يا أنوس

تحدث إليه جدهُ وهو يحثهُ علي التحرك باصطحاب شقيقتهْ:
-وديها الاستيدچ عند بنات عمها يا أنس وخلي بالك منها

حاضر يا جدو…نطقها الفتي بتوقير ثم
إبتسم لشقيقتهُ وتحدث بنبرة حنون:
-تعالي وأنا هرقص معاكِ

إبتسمت بحبور وبالفعل هرولت معهُ وباتت تتراقص بسعادة مع شقيقها الحنون

أما عز فنظر إلي ثُريا التي تجلس بالطاولة المقابلة،وفور رؤيتهُ لوجهها بات قلبه يدقُ كطبول حربٍ من شِدة عِشقهِ الساكنُ بروحه،فقد كانت رائعة الجمال رغم بساطتها بكل شئ وعدم بذلها أية مجهود لتُظهر جمالها،وبرغم ذاك ظهرت بأروع صوره وطغي جمال روحها وسكونها الداخلي علي وجهها فأشرقت وظهر رونقها ماجعل ذاك العاشق يتنهد إشتياقاً وولها

إنتبهت أعيُن جميع الحضور إلي ذاك الكارم الذي دخل للتو من باب القاعه مجاوراً لشقيقهُ،وظهر كنجمٍ سينمائيّ ساطع ببدلته البيضاء ذات الياقة السوداء وبابيون سوداء أيضاً،بانيهار إتسعت أعيُن جميع الفتيات الموجودات من شدة وسامتهُ وتمنين لو أنهُن مكان أيسل

تحرك بجسدٍ ممشوق وابتسامة جذابة زُينت بها ثغرهُ وبات يميل برأسهِ قليلاً كـ تحية منه للحضور،إنهالت عليه التهاني من بعض الأقارب ورُفقائهُ بالعمل، تحركت إليه خالتهُ ووالدتهُ وهي تحمل صَحناً صغيراً مملؤاً بالمَلح وبدأت بنثر بعضاً منه فوق صغيرها وهي تقرأ المعوذتان مع إطلاق شقيقتها الزغاريد،اغمض عيناه وبحركة تلقائية وضع كفاه فوق رأسهُ وعيناه ليتفادي وصول المَلح إليهما وتحدث بنبرة مستعطفة:
-كفاية يا ماما الملح هيدخل في عنيا

يدخل في عيون حُسادك وكل اللي شافك ولا صلاش علي النبي يا قلب أمك…كلمات سعيدة نطقتها بُثينة وهي تُعيد من جديد نثر الملح عليه

هتف شقيقهُ متذمراً:
-يا ماما هتفضحينا قدام الناس،هو أنتِ فاكرة نفسك فين علشان تجيبي ملح معاكِ تُرشيه
واسترسل شارحاً:
-هو أنتِ مش شايفة المستويات اللي حواليكِ؟!

هتفت خالتهُ باعتراض:
-والمستويات دي يا حبيبي هتنفع أخوك لما يدب عين من حد فيهم؟

نطقت والدتهُ بتأكيد:
-قولي له يا سُعاد
واسترسلت وهي تناول الصَحن لشقيقتها:
-سيبي دول بقي لما العروسة تدخل نرشهم عليها

باعتراض هتف كارم:
-لا أبوس إيدك يا ماما بلاش،البنت فرفورة وممكن يغمي عليها مننا في حركة زي دي

إقتربت عليها وقامت باحتضانهُ وتحدثت بحفاوة:
-ألف مبروك يا سيادة المقدم،عيشت وشفتك عريس يا حبيبي،عقبال ما أفرح وأنا شايلة عيالك علي إيديا

أمسك راسها وقبلها ثم مال علي كفها واضعاً به قُبلة حنون وتحدث:
-الله ببارك فيكِ يا حبيبتي

وقبل خالته بخفاوة ثم تحرك إلي عز وتحدث بعدما ألقي التحية وتلقي المباركات من الجميع:
-هو سياده اللواء هينزل إمتى يا جدو؟

تطلع إليه رافعًا أحد حاجبيه ثم تحدث بابتسامة وغمزه خفيفة من عيناه ملاطفاً إياهُ بها:
-الوقت ينزل يا حبيبي،إتقل شوية ما تبقاش خفيف كدة،فات الكتير يا وَحش

إبتسم على دُعابة ذاك اللطيف والذي تقرب منه إلي أبعد حد طيلة الأربع سنوات المُنصرمة حتي أنهُ بات يُناديه مثلما تلقبهُ أيسل،تحرك إلي أن وصل إلي أبيه ثم جاورهُ الوقوف هو واشقائه لاستقبال والترحاب بالحضور

كان واقفاً ويبدو علي هيأته التوتر وهو ينظر بساعة يده باستمرار فمال شقيقهُ علي جانب أذنه وهمس مشاكساً إياه:
-هو الباشا دايب ومستعجل للدرجة دي؟

لم يُعيرهُ عناء النظر إليه وتحدث مصوباً عيناه نحو باب القاعة:
-إتلم يا محمد ومتخليهاش تيجي فيك

رفع كفاه للأعلي إمتثالاً لحديثهً وأردف معلناً إستسلامه:
-عُلم ويُنفذ يا باشا

إستمع إلي رنين هاتفه فالتقطهُ سريعاً من يد شقيقهُ حيثُ يحملهُ عنه وأجاب علي الفور فأخبرهُ ياسين أنهُ أمام باب القاعة وحثهُ علي الإستعداد

أمام باب القاعة،تقف تلك الفاتنة بقلبٍ مرتجف،متأبطة بذراع والدها المُشتت،تجاورها مليكة التي عدلت لها طرحة زفافها وتحدثت وهي تُمسك بكفها بمؤازرة:
-حاولي تهدي علشان التوتر ما يظهرش عليكِ

أجابتها بهدوء:
-حاضر يا مليكة،بس قولي لي،الميكب والطرحة مظبوطين؟

بعيناي متأثرة حنون أجابتها وكأنها تزفُ إبنتها:
-كل حاجة فيكِ مظبوطة قوي يا قلبي

إبتسمت وتحدثت بامتنان وهي تُشدد من مسكة يدها:
-شكراً يا مليكة،شكراً علي كُل حاجة عملتيها علشاني

كانت تتحدث بعيناي مُمتنة،فكم من المرات التي إختلفت بها مع ذاك الكارم وحدث بينهما خلافاتٍ حادة وانتهت بمجرد تدخُل مليكة ومحاولة تقارب وجهات النظر فيما بينهما،حتي إستقرا ذاك الثُنائي وبات كُلاً منهما يحفظ إختلاف الأخر ويتفادي إغضابه،وهذا قربهما أكثر بل وباتا يعشقا حتي أنفاس بعضهما البعض.

إلتمعت عيناها بفضل دموعها التي حضرت تأثُراً بحديث تلك الرقيقة والتي عادت علاقتهما كالماضي بل وأعمق،إبتسمت لها وفضلت الصمت ثم تطلعت إلي حبيبها وتحدثت وهي تتلمس ذقنهُ:
-إنتَ كويس يا حبيبي؟

عقب عليها بنبرة هادئة عكس ما يدور بداخلهُ:
-أنا تمام يا عُمري،يلا علشان ندخل

تنفس عالياً ورفع قامتهُ لأعلي ثم نظر علي قُرة عينهْ وسألها مُتأثراً:
-جاهزة يا قلبي؟

بعيناي متأثرة لأجل غاليها أومأت فتحرك بها ناحية الباب ليدخلا،أما مليكة فـ ضلت خلفهما لتترك لها المجال بالظهور أولاً ولترك خصوصية اللحظة

خطي ياسين بساقيه للداخل مصطحباً أميرتهُ،كانت عيون الجميع مصوَبة علي الباب بانتظار دخولهم بعد إعلان الموسيقي لذاك،وما أن لمحوا تلك الساحرة حتي قاموا بالتصفيق إحتراماً لظهورها وأبيها،وتعبيراً عن إعجابهم بحُسنها الفريد

إنتفض قلبهُ وانهارت حصونه فور رؤيته لتلك الجميلة شديدة الفتنة،عيونه تتطلع إليها باشتياقٍ ولهفة،إنتفض قلبه بين أضلعه وطالبهُ بالإسراع إليها وجذبها داخل أحضانهُ وضمها بقوة حتي يُشبع شوق قلبهُ العاشق

قادتهُ ساقاه مُسرعاً بمشيتهِ إليها،كان يشعُر بأن قدماه لا تلمسُ الأرض بل يطير من شدة إشتياقه،لا يري سواها،الوصول إليها صار غايتهُ ومراده،ياالله،كَم شعر بأن المسافة إلي بوابة القاعة بعيدةُ جداً برغم قرب المسافة،وأخيراً وصل لها بدقاتِ قلبٍ عالية وأنفاسٍ متقطعة كأنهُ كان يجري داخل سِباق مُنظم لإحدي المسابقات

تطلعت إليه بعيناي خجلة من شِدة نظراته الولهة والعاشقة،تعمقت بعيناه وكأنها تحثهُ بأن يستفيق وينتبهْ لذاك المجاور لها كي لا يثير حفيظتهُ،فَهم مغزي الرسالة وعلي الفور حول بصره وبات ينظر إليه متحمحماً،فتحدث ياسين بنبرة هادئة:
-مبروك يا كارم.

إحتضنهُ وربت علي ظهرهِ بحماسة بادله ياسين إياه بتودُد واردف كارم بنبرة صوت شديدة السعادة:
-الله يبارك فيك يا عمي

إبتعد عنه منتظراً بلهفة تسليمهُ ليد جميلتهُ كي يبدأَ معاً حفل زفافهما السعيد،تفاجأ بياسين يحدثهُ بعيناي شبه متوسلة:
-بنتي أمانة عندك،إوعدني إنك تكرمها وتحافظ عليها،إوعدني كمان إنك ما تكونش سبب في نزول دموعها في يوم من الأيام

واسترسل بعيناي حادة متوعداً وكأنهُ تحول لأخر:
-وإلا قسماً بالله يا كارم،هتلاقي وِش لياسين المغربي عُمرك ما شُفته حتي مع أشد وألعن أعدائي

ربت علي كفته وبابتسامة هادئة ونظرات مُطمأنة تحدث متعهداً:
-سيلا دي أحلا حاجة حصلت لي في حياتي يا عمي،عاوزك تطمن وتتأكد إني هعاملها بما يُرضي الله
واستطرد بصدقٍ:
-وصدقني لو أعرف أحطها جوة عيوني وأقفل عليها برموش عنيا علشان أحميها حتي من نسمة الهوا والله ما هتأخر.

أمال رأسهُ ثم ابتسم بحِنو واسترسل بتأكيد:
-طمن بال سعادتك

هز لهُ رأسه ثم حول بصره إلي تلك التي كانت تستمع إليه بقلبٍ يبكي لشدة تأثُرهُ من خشية والدها عليها،خانتها عيناها وفرت من حدودهما دمعتان ساخنتان فاتجهت يداه سريعاً إلي وجنتيها وقام بتجفيفهما لها ثم احتضنهما بكفاه وقرب وجهها منه وقام بوضع قُبلة بث لها من خلالها مدي حُبهُ

تحدث بنبرة صوت مختنقة وضعيفة تأثراً بالحالة وبفضل دموعهُ الحبيسة التي تأبي النزول إمتثالاً لكرامته وشخصيتهُ القوية:
-مبروك يا أيسل،ربنا يسعدك يا بنتي

عقبت بنبرة مختنقة:
-الله يبارك فيك يا حبيبي

أمسك كفها وسلمها إلي ذاك العاشق وتحدث موصياً إياه:
-خلي بالك منها

حاضر…نطقها بتأكيد واستلم كفها منه ثم نظر عليها متلهفاً،وقام بطبع قُبلة حنون فوق جبهتها،تأبط ذراعها وتحرك للأمام متجهين إلي المكان المجهز لجلوسهما تحت تصفيق الجميع وتناثر أوراق الزهور البيضاء فوق رأسيهما بشكلٍ مُبهر

كان يشعر بانشطار قلبهُ مع كل خطوة تخطوها وتبتعد عنه بها صغيرتهُ،شعرت بهْ،ومن غير المتيمة بعِشق زوجها ستشعُرُ،خطت للأمام حتي جاورتهُ الوقوف،كان أشبه بتائه في وسط صحراءٍ جرداء مظلمة وموحشة،أمسكت كفهُ باحتواء،وكأنها نجماً سقط ليُنير لهُ الطريق ليهتدي ويعود من تيهتهُ إلي السكون

تطلع عليها وبعيناه إشتكي لها مُر حاله،فابتسمت وتحدثت وهي تتمسك بكفهِ بقوة:
-ما تخافش علي سيلا،كارم بيحبها وهيعمل المستحيل علشان يسعدها

تناسي من حوله وحاوط وجنتها بكفهِ وتحدث بعيناي نادمة:
-سامحيني علي كُل مرة نيمتك فيها زعلانة،وكل مرة نزلت فيها دموعك بسببي

إبتسمت وبصدقٍ ظهر بَيِنّ بعيناها تحدثت بنبرة حنون:
-ياريت كُل الرجالة في حنيتك يا ياسين

بنظرات تقطرُ وتئنُ عِشقاً أردف متأثراً:
-بحبك يا مليكة،والله العظيم بحبك

وأنا بعشق كُل ما فيك يا قلب مليكة…نطقتها بنبرة تفيضُ حناناً وشوقا،ثم حثتهُ علي التحرك للأمام ليرحبا معاً بالمعازيم

إنهالت المباركات علي العروسان واتجهت مليكة بصحبة زوجها للترحيب بأهلها،مالت علي والدتها وعانقتها بقوة وتحدثت بنبرة حنون:
-وحشاني يا ماما

وإنتِ أكتر يا قلبي…نطقتها بحبور فمال ياسين هو الأخر وقبل جبهتها وتحدث مُرحباً:
-منورة الفرح يا ماما

عقبت بحبور:
-الفرح منور بالعرسان وبيك يا حبيبي،عقبال ما تجوز مِسك وتفرح بيها

بنبرة ودودة رد عليها:
-في حياتك يا حبيبتي

حول بصرهُ إلي إبتسام وتحدث بترحابٍ شديد:
-نورتي إسكندرية يا مدام إبتسام

بوجهٍ بشوش أجابته:
-منورة بوجودك يا سيادة اللوا وألف مبروك

بملامح وجه حنون تحدث إلي تلك الثُريا:
-عقبال ما نفرح بمروان وأنس يا ماما

عقبت بنبرة صوت حنون:
-في حياتك وعزك يا حبيبي

إبتسم لها،ثم نظر علي يُسرا وتحدث وهو يُشير إلي بطن سارة التي تجاورها والمنتفخ بفضل حملها بشهرها السابع،حيثُ تأخرت بحملها بعد زواجها الذي تم منذ سنتان ولهذا السبب يخاف عليها الجميع:
-هي البطيخة اللي جنبك دي مش هتولد ولا إيه يا يُسرا؟

ضحكت سارة وخبأت وجهها خجلاً أما يُسرا فتحدثت بملاطفة:
-إحنا فين والولادة فين يا ياسين،دي لسة في السابع

أكملت علي حديثها نرمين قائلة بمداعبة لياسين:
-يمكن عاوز البيبي يتولد إبن سبعة ويبقي نرفوز زي بنته

هتفت إبتسام وهي تتحسس بطن زوجة ولدها:
-يتولد براحته محدش مستعجلة،أهم حاجة ينزل بخير وينور حياة جدو حسن وجدته بسمة

أمن الجميع علي حديثها،أما مليكة فاتسعت عيناها وأردفت باعتراض وهي تنظر إلي نرمين:
-بطلي إفتري يا نرمين،بقي مِسك الرقيقة اللي زي النسمة خلتيها نرفوزة؟

بمشاكسة تحدث ياسين ليُخرج حالهُ من تلك المشاعر السلبية:
-سيبيها تتكلم براحتها،بكرة تيجي تتحايل عليا علشان أوافق علي خطوبة النرفوزة اللي مش عجباها دي لسي رائف إبنها

بنبرة ساخرة اردفت يُسرا بمداعبة لشقيقتها:
-أدي كلمتك جت علي دماغ إبنك يا نرمين، إشربي بقي يا حبيبتي

إبتسمت ثُريا وأردفت بنبرة حنون:
-هو أنتوا صدقتوا كلام نرمين بردوا،دي بتعشق مِسك وكل يوم لازم تيجي علشان تشوفها وتقعد معاها
واستطردت قاصدة بحديثها ياسين:
-دي بس بتحب تناغشك يا ياسين

إبتسمت نرمين وتحدثت إلي والدتها:
-سيبي كل واحد يطلع اللي في قلبه علشان أعرف الحقايق يا ماما

عقب ياسين قائلاً بنبرة صادقة:
-قلبي ما فيهوش غير كُل الخير ليكِ إنتِ ويُسرا يا نرمين

أجابتهُ بعيناي متأثرة:
-عارفة والله يا ياسين،ربنا يخليك لينا وتفضل سندنا وراجلنا بعد بابا ورائف الله يرحمهم

شكرها بعيناه،شعرت نرمين بكفاي زوجها الذي أحاط كتفاها برعاية ثم تحدث إلي ياسين:
-ألف مبروك يا ياسين،عقبال ما تجوز إخواتها

أجابهُ بهدوء:
-تسلم يا سراج،عقبال ما تجوز رائف

شكرهُ ثم تحدث إلي زوجتهُ الحبيبة:
-يلا يا حبيبتي علشان نبارك للعرسان ونتصور معاهم

تحدثت نرمين وهي تتأهب للوقوف:
-يلا يا حبيبي

تحدثت سارة وهي تتنسند علي كَتف والدتها كي تستطيع الوقوف:
-خُديني معاكِ يا خالتو علشان رؤوف شكله إنسجم مع خالو طارق ونسيني

ساعدتها يُسرا علي الوقوف وتحدثت بنبرة حريصة:
-بالراحة وإنتِ طالعة السلالم عند العرسان يا سارة

نظرت لها سُهير بتعجُب وتحدثت:
-سلالم إيه اللي هتاخد بالها منها يا يُسرا،دول كلهم تلات درجات يا حبيبتي
واسترسلت بنُصحٍ:
-سيبي البنت تتحرك وتمشي،الحركة حلوة للحوامل هو أنا اللي هقول لك،ما تقولي لها حاجة يا ثُريا إنتِ وإبتسام

والله غلبت أقول يا سُهير…هكذا تحدثت ثُريا باستسلام، في حين عقبت إبتسام بتوضيح:
-ريحوا نفسكم،أي أم بتبقي كدة مع أول حمل لبنتها،انا كُنت أصعب منها مع عالية أول حمل ليها

وعلي ذِكرها حضرت تلك المُفعمةِ بالحيوية وبجانبها زوجها الحبيب الذي تحدث إلي ياسين وهو يصافحهُ بحفاوة:
-ألف مبروك يا سيادة اللواء،عقبال ما تفرح بمِسك إن شاء الله

بملامح وجه بشوشة أجابهُ بحفاوة:
-حبيبي يا شريف،تسلم يا باشا

وحشاني يا ملوكة…نطقها وهو يقترب من شقيقتهُ ويُقبل وجنتيها بحنان،ربتت علي ظهره وتحدثت بحِنو:
-وإنتَ كمان وحشتني قوي يا حبيبي

واستطردت وهي تنظر عليه بعدما ابتعدت عن أحضانه:
-أخبارك إيه يا شريف

بهدوء عقب:
-أنا بخير يا حبيبتي الحمدلله

أومأت له ثم تطلعت علي علياء التي كانت تُجلس صغيرتها بجانب والدتها وتحدثت بنبرة ودودة:
-إزيك يا عالية

أقبلت عليهما بابتسامتها المعهودة ثم تحدثت وهي تحتضنها باحتفاء:
-إزيك إنتِ يا ليكة،وحشاني يا قلبي

ردت بابتسامة:
-إنتِ أكتر والله يا لولو

إقتربت من ياسين وتحدثت وهي تصافحهُ:
-ألف مبروك لسيلا يا أبيه

باستحسان أجابها:
-مُتشكر يا عالية،عقبال ولادك يا حبيبتي

عودة إلي العروسان،حيثُ إنهالت عليهما المُباركات والتهاني من جميع الأهل والمعارف،وقفت حين أقبلت عليها سارة ورؤوف المساند زوجتهُ،إحتضنتها وتحدثت بسعادة بالغة:
-مبروك،ألف مبروك يا سيلو،أخيراً إتجوزتي

أجابتها وهي تُمسك كفاها بسعادة بالغة:
-أخيراً يا سو
واسترسلت بحبور:
-أنا مبسوطة قوي وحاسة إني بحلم،مش مصدقة نفسي

أرادت أن تداعب صديقتها فتحدثت بمشاكسة:
-ما تقلقيش،أول ما تروحي شقتك مع سيادة المقدم،هو هيخليكي تصدقي بطريقته

لكزتها بذراعها علي وقاحتها ودخلتا بنوبة ضحك،فتحدث إليها رؤوف حين إنتهي من تهنأة كارم:
-مبروك يا دكتور

مالت برأسها قليلاً وتحدثت بانتشاء:
-ميرسي يا باشمهندس

أمسك رؤوف يد سارة وتحدث بنبرة تشعُ حناناً:
-يلا يا حبيبتي علشان أنزلك ترتاحي ونسيب العرسان ياخدوا نفسهم شوية

أجابتهُ بموافقة:
-أوكِ يا رؤوف

واسترسلت وهي تتأهب بالانسحاب:
-لو إحتاجتي حاجة شاوري لي بس وأنا هاجي لك في ثانية

لوح بيده ساخراً من جملتها وتحدث قائلاً:
-هنبتديها فشر بقي وتقول لها ثانية وهكون عندك،ده إنتِ علشان تقومي بس من علي الكُرسي عاوزة لك وِنش يقومك

قهقه جميعهم ونظرت سارة له باحتدام فاحتضنها بعيناي أسفة تحت تبرُمها وتحدث كارم حيثُ توطَّدت علاقتهُ بسارة ورؤوف طيلة سنوات الخُطبة:
-يا سيدي البنت بتقول تعبير مجازي،لازم يعني تحرجها،وبعدين ده ظرف طارق سعادتك وكُلهُن مُعرضات ليه

بدعابة لزوجها تحدثت:
-قوله يا سيادة المقدم

بنبرة حنون عقب:
-بهزر معاكِ يا سو علشان ألطف الجو

واستطرد وهو يتحرك بها لينزلا الدرج:
-يلا يا قلبي

جلسا من جديد ومال كارم علي أذنها وتحدث بمشاكسة:
-سارة كانت بتقول لك إيه خلي وشك قلب أحمر كدة

نظرت إلية وابتسامة خجلة إرتسمت علي وجهها وتحدثت بمشاكسة:
-إتلم يا كارم

بعيناي ولهة وقلبٍ ينتفضُ هياماً تحدث بنبرة ذائبة إشتياقاً:
-لا المهمة دي أنا سايبها لك إنتِ،بس بالراحة عليا وإنتِ بتلميني،أصل حبيبك دايب ومستوي وجايب أخره

وبعدين معاك يا حبيبي…نطقتها بإثارة أذابت قلبهُ وكاد أن يتحدث لولا صوت مايان وزوجها الذي تحدث وهو يُبسط ذراعهُ إلي كارم للمصافحة:
-الف مبروك يا كارم باشا

إنتبه لصوتهِ فالتف بنظرهِ إليه وتحدث بحبور:
-الله يبارك فيك يا دكتور أحمد

تحركت مايان إليه وبطريقة رسمية تحدثت بنبرة جادة:
-مبروك يا سيادة المقدم

برسمية أجابها إحتراماً لتلك الحدود التي وضعتها مُنذ أن عقد قرانهُ علي من إختارها قلبهْ:
-متشكر يا دكتورة

وتحدثت أيضاً إلي أيسل بملامح وجه جادة:
-مبروك يا دكتورة

عقبت بابتسامة بشوش:
-ميرسي يا دكتور

إنسحبا بعد التهنئة ليستمع العروسان إلي مسؤول الموسيقي وهو يُعلن عن إنطلاق الرقصة الأولي للعروسان،وقف معتدلاً ثم قام بإغلاق زِر حِلته وبسط لها ذراعهُ بعيناي حنون،وضعت كفها الرقيق داخل كفه فاحتواهُ بقوة وتحركت بجانبهِ إلي أن وصلا واعتلى مكان الرقص المخصص لأداء رقصتهما الأولى

إشتغلت الأغنية وكانت للفنان تامر عاشور، إحتضن كف يدها ولف ذراعهُ حول ظهرها وبدأ يخطوان معاً وهما ينظران لبعضيهما بعيون هائمة سابحة داخل بحر عِشقهما،ذابا وغاصا بعالم أشبة بالخيال متناسيين العالم بأكملهْ،وكأن العالم أصبحَ خالياً إلا منهما،تراقصا وكان يُردد كلمات الأغنية وهو ينظر بزرقويتاها الساحرتان،خطفهُ صفائهما الأشبه بمياه البحر الصافية،تعلقت بعيناه وهي تستمع لكلمات الأغنية تخرُج من بين شفتاه كأجملُ سيمفونية

خليني في حضنك يا حبيبي
ده في حضنك بهدا وبرتاح
أنا كل مشاعري معك راحوا
وكمان قلبي لقلبك راح
ولا بضحك وأفرح من قلبي
غير لو جنبي أنا كانوا عينيك
لو تبعد عني ولو ثانية
بتجنن يا حبيبي عليك

وبتحلى الدنيا في عيني
وأنا جنبك فما تبعدنيش
حُبك فعلاً بيخليني
أتمسك بالدنيا وأعيش
وفي قربك بيروح خوفي
وده وعد ومُلزم أنا بيه
مهما تكون يا حبيبي ظروفي
قلبك عمري ما هاجي عليه

أنا مكسب عمري إني قابلتك
غيرت في عيني الأيام
طمنتني ع الباقي في عمري
حققت لي كل الأحلام
أول ما عيونك دي بشوفها
مش بعرف أشوف غيرها خلاص
إنت هدية ربنا ليّ
إنت حبيبي وأغلى الناس

إنتهت الغنوة وفوجأت به يحاوط خصرها بساعديه رافعاً إياها لتتعلق ساقيها في الهواء،لفت ساعديها حول عُنقهِ لتتشبث به،وأخذ يدورُ بها بسعادة وكأنهُ حصُل علي أغلي وأعلي جوائز الحياة

إمتلأت القاعة بالتصفيق والصفير من الشباب والفتيات تحت سعادة أيسل التي تخطت عنان السماء،كانت تنظر لعيناه وهي تدور في الهواء بمنتهي السعادة وكأنها بالجنة،ضل يدور بها مُدة لا تقل عن الخمس دقائق وبالأخير أنزلها استقرت ساقيها بالأرض،نظرت إليه وبدون مقدمات لفت ساعديها حول عُنقهِ وأحتضنته وضلت تُربت علي ظهرهِ بحنان،فوجئ بتصرفها وقد أعجبهُ كثيراً وبات يُشدد من إحتضانه لها تحت تأثر الجميع لأجل كِلاهُما

بتلك اللحظة إستُبدلت الموسيقي بأخري شبابية وبلحظة إمتلأ الإستيدج بفريقان،فريق من الشباب أصدقاء العريس وأقربائه،والأخر للفتيات من صديقات العروس وقريباتها،وبدأ الجميع بالرقص علي الموسيقي والإحتفاء بالعروسان علي الطريقة الشبابية

صار العروسان يرقصان سوياً، لتتحول الرقصة إلى رقصة مصممة رائعة،تتمايل فيها أيسل وحولها الفتيات وهُن يرقصن بخطواتٍ ثابتة سحرت عيون كل من تطلع إليهُن،ومن ثم إنضم العريس إلى الرقصة مع رفقائهُ وأكمل الجميع الرقص سوياً بخطوات مُنظمة ورائعة،الأمر الذي أضفى طابعاً مميزاً على العُرس وجعلهُ يبدوا وكأنهُ مشهداً علي مسرح دار الأوبرا.

إنتهت الفقرة وفوجئ الجميع بتشغيل غنوة خاصة بالعروس مع أبيها،وهنا إعتلي ياسين الاستيدج وخطي نحو صغيرتهُ بعيناي متأثرة، وما أن رأي الجميع صعودهُ حتي إنسحبوا تاركين لهما المجال حتي كارم وذلك بعدما إستمع إلي نداء الشاب حيث تحدث:
-ياريت كُل اللي علي الإستيدج ينزلوا ويفضوا المكان لرقصة العروسة وبباها

إبتسم كارم له وسلمهُ يد تلك الجميلة وانسحب لينضم إلي باقي الحضور

وضع كفهُ فوق وجنتها الرقيقة ليتلمسها برقة بكفه وتحدث بنبرة متأثرة وعيناي تترقرقُ بها لمعات الدموع:
-مبروك يا قلب أبوكِ

إبتسمت بعيناي شبه دامعة وهُنا إنطلقت كلمات الاغنية مع تشابك ياسين وأبنتهُ وبدأهما بخطوات الرقص الهادئ مع إنسجام أعيُنهم وتأثرهما بكلمات الغنوة التي تقول

بنتي وحبيبتي و كل حاجه في الدنيا ليا
معقول كبرتي  و العمر عدي بالسرعة دي
ده انا لسه شايفك بالضفاير بتجري جمبي وتلعبي
انده عليكي بسرعة تجري في حضني تجي وتهربي
اهو انهارده بقيتي احلي عروسة تشوفها عيني
واليوم ده اجمل يوم في عمري حلمت بي طول سنيني
ولو لقيتي دموع في عيني ده عشان هتمشي وتسيبني

كانت تنظر لأبيها وابتسامة متأثرة ظهرت علي ثغرها،أمسكت كف يده ومالت برأسها لتضع قُبلة إمتنان فوقه زادت من تأثر قلبه،أمسك رأسها وقربهُ من فمه مُقبلاً إياه بحنانٍ فائض ظهر بنظرات عيناه الحنون وبصوتهِ المُرتجف حيثُ تحدث قائلاً:
-كبرتي يا سيلا وبقيتي عروسة

بنبرة صوت متأثرة عقبت:
-كبرت يا بابي،وحبك وقيمتك هما كمان كبروا في قلبي
واسترسلت برجاء:
-أنا أسفة يا بابي،أنا عارفة إني تعبتك كتير معايا وإنتَ يا حبيبي إستحملتني كتير،ربنا يخليك ليا وتفضل منور حياتي كُلها

مال برأسهِ قليلاً لليمين واردف بعيناي تشعُ حناناً:
-إوعي حُضن سيادة المقدم ينسيكي إن حُضن أبوكِ موجود ومفتوح لك طول الوقت

هزت رأسها بنفي وتحدثت بإبتسامة لطيفة:
-مفيش حُضن مهما كانت حنيته يقدر يعوضني ويخليني أستغني عن حُضنك،في حُضنك بس بلاقي أماني يا بابي

إبتسامة واسعة بينت صفي أسنانهُ وشقت صدرهُ وخرجت من باطن الألم لتُمحيه وتزرع بدلاً عنه سعادة بالغة،كل هذة المشاعر فقط بفضل كلمات تلك الساحرة

إنتهت الغنوة دون شعورهما بمرور الوقت،فاقا علي التصفيق الحار وذاك الذي صعد لعندهما ووقف بجانب ياسين ثم تحدث بمشاكسة:
-مُمكن سيادتك تديني عروستي،ولا جنابك بتفكر تكمل بيها الفرح؟

قطب جبينهُ وكاد أن يتحدث قاطعهُ ذاك الأنيق الذي صعد للتو وهتف:
-ده دوري يا حبيبي

بات يعدل من ياقة حِلتهِ السوداء الكلاسيكية واسترسل بمداعبة وهو يُمسك يد حفيدتهُ الغالية:
-روح إقعد جنب الأستاذة بُثبنة وخليها تأكلك جاتوة وباتون ساليه علي ما رقصتي مع حفيدتي الحلوة تخلص

إتسعت عيناه وتحدث بملاطفة:
-هما البشوات إتفقوا عليا ولا أنا اللي نيتي بقت سيئة

إطمن يا حبيبي،إنتَ نيتك زي الفل…جملة ما أن نطقها عز حتي إنفجر هو ونجلهُ وأطلقا ضحكاتهم المتتالية وهما يتبادلان النظر كلاهما للأخر بطريقة ساخرة من ذاك الواقف يتطلع عليهما بانزعاجٍ شديد،حول بصرهُ يستنجد بعاشقة روحهُ لكن سُرعان ما خاب ظنه بعدما وجد تلك المرحة تُشارك أبيها وجدها ضحكاتهم الشامتة

رفع أحد حاجبيه ثم أردف مُتسائلاً:
-دي الدكتورة شكلها عاجبها الوضع ومعندهاش إعتراض!

تأبطت ذراع ذاك الوسيم بكِلتا ساعديها ثم ألقت رأسها فوق كَتفه وتحدثت مُنْبَسطة الأَسارير:
-طب بذمتك في واحدة تيجي لها فرصة إنها تُرقص مع أكتر راجل gentleman في العالم وترفض؟!
ثم استرسلت وهي تُشدد من ضمتها لذراع جدها باغتباط:
-ده أنا أبقي غبية لو ضيعت الفرصة دي من أيديا

رفع عز قامتهُ للأعلي بتفاخُر وهو ينظر إلي ذاك الكَظِيم ثم أشار بكف يدهُ قاصداً تلك النائمة علي كَتفه:
-سمعت يا باشا،يَلاَ زي الشاطر كدة ورينا عَرض كتافك وخد حماَك في إيدك وإنتَ نازل

تطلع إلي تلك المُدللة وتوعد لها بعيناه ثم أردف وهو يجز علي أسنانه:
-أوامر معاليك يا باشا

ثم حول بصره إلي ذاك الذي يهز رأسهُ بابتسامة شامتة وتحدث وهو يُشير بكفهِ بتوقير مُجبر:
-إتفضل جنابك

ضحك ياسين وتحرك وتلاهُ ذاك المستشاط الذي تحرك بعدما نظر إلي زوجتهُ وتحدث من بين أسنانه:
-إنبسطي يا بيبي

بإبتسامة سعيدة أشارت مودعة إياه،وهُنا إنطلقت الموسيقي المتفق عليها مُسبقاً بين المسؤول عن تشغيل الموسيقي وذاك الفارس النبيل الذي ينتمي لزمن الفروسية،إعتدلا بوقفتيهما ثم بسط لها ذراعهُ ليحتضن به كفها الرقيق،وقام بوضع كفهُ الآخر خلف ظهرها وبخطوات كلاسيكية ثابتة بدأ يراقصها برُقي علي أنغام غنوة كلمات للفنانة ماجدة الرومي

حقاً كانت رقصة مميزة وأبهرت الجميع،حيث كان يتناقل بخطواتهِ الثابتة والواثقة بحرفية عالية شادداً جسدهُ لأعلي،تتحرك تلك الجميلة بين يداه بخفة وكأنها فراشة تتطايرُ بين الزهور

تحدثت بابتهاجٍ شديد وهي تُطالع ذاك الذي يُراقصها بانبهار:
-واااو يا جدو،ده أنتَ طلعت بترقص بحرفية أحسن من كارم نفسه

رفع حاجبهُ مستنكراً وتحدث باعتراض:
-كارم مين ده كمان اللي بتشبهيه بعز المغربي يا بنت،هما شباب الأيام دي فيهم صحة ولا يعرفوا عن الرومانسية حاجة

واسترسل بنظرات مستاءة:
-دول أخرهم يتنططوا زي القرود علي المسرح ومن خيبتهم التقيلة مسميينه رقص

إبتسمت بسعادة ولف هو بها ثم أمسكها جيداً لتميلُ للخلف بظهرها في حركة أبهرت الجميع وجعلهم يصفقون بتشجيع لذاك المُبهر،ضل يراقصها بحرفية حتي إنتهت الرقصة تحت سعادة أيسل التي شعرت بأنها تُحلق في الهواء من شِدة حبورها

إنتهي الفصل
قلوب حائرة 2
بقلمي روز أمين

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى