روايات روز أمين

رواية قلوب حائرة لروز أمين الجزء الأول كامل

رواية قلوب حائرة للكاتبة الفصل الرابع

🦋 #الفصل الرابع🦋

زادَ رائف من سرعتهِ للقيادة بطريقة جنونية ومازالَ الغضب يسيطر علي جسدهِ كلياً، يريد أن يري مليكة ليستجوبها

ولكن فيما سيستجوبها ؟

فهو يعلم علم اليقين بأنهٌ إذا نطق بحرفٍِ واحد بهِ شكٌ بها ، فستتركهٌ علي الفور لا محال،ولن يراها مجددآ حتي بأحلامه.

أطلقَ صرخة من أعماق قلبه المتألم:

_أااااااااااه،يارب ساعدني أنا مليش غيرك ألجأ له.

دق علي مقود السيارة بغضبٍ عارم وأغمض عيناه رافضآ أفكاره التي تهاجمه ،وكلمات نرمين البذيئة تدور برأسهِ تكاد تٌفجِرُها

وإذا بلحظة تخرج بوجههِ شاحنة نقل كبيرة محملة بإسطوانات الغاز الممتلئة وللأسف لم يرها رائف لغلقعِ عيناه لبضعة ثواني ، وبالفعل حدث إصتدام هائل رأه رائف بعد فتحهِ لعيناهٌ بذهول ورعب وذلك بعدما إستمع إلي صوت عزوف الشاحنة الذي !نتج عنه حشر سيارة رائف تحت تلك الشاحنة الضخمة ،

ولولا ستر الله لأنفجرت الشاحنة وأحترق كلٍ من بداخل السيارتان !

نٌقل رائف إلي المشفي سريعاً بعد إبلاغ الشهود سيارة الإسعاف والشرطه التي أتت علي الفور لمٌعاينة الحادث،

أكتشف الشرطي المكلف بالمعاينه شخصية رائف المغربي من خلال بطاقتهِ الشخصية، وبدورهِ إتصل برئيسه علي الفور لإبلاغ اللواء عز المغربي بحادث إبن أخيه،

عندما علم عز هاتف ياسين وأبلغه، واتجها كلاهما علي الفور إلي المشفي التي يقطن بها رائف.

دخلا للمر المتواجد به رائف خرج عليهم الطبيب ويبدو علي وجههِ علامات الأسي.

تحدثَ عز بقلقٍ وأرتياب:

_ أنا اللوا عز المغربي عم رائف .

أومأ له الطبيب بإحترام وتحدث:

_أهلا وسهلا يا أفندم.

نظر ياسين إليه بعجاله وهتف بتساؤل وترقب لوجه الطبيب:

_ طمنا يا دكتور عن حالة رائف ؟

أجابهم الطبيب بأسي وهو مٌنكس الرأس:

_ للأسف يا أفندم الحالة شبة منتهية

واستطرد شارحً بإستفاضة:

_رائف بيه عنده نزيف داخلي في المخ شديد وصعب التحكم فيه، وفيه بعض قطع الإزاز دخلت في المخ نتيجة الإصتدام عملت تهتك في الخلايا

وأكمل بحزن ظهر فوق ملامح وجهه:

_فللأسف مش هنقدر نعمل له حاجة ،كل إللي ممكن نعمله حالياً هو إننا ندعي له

تحدث عز إلي الطبيب بإنفعال وغضب:

_ يعني أيه مش هتقدر تعمل له حاجة؟

وأكمل بنبرة صارمة:

_إتصل بأي دكتور كبير في القاهرة ممكن يتدخل ويفيده،أو حضر لي طيارة مجهزة وأنا أسفره لألمانيا حالاً .

هز الطبيب رأسهٌ بأسف وتحدث بعمليه:

_للأسف يا أفندم حالة رائف بيه متأخره جداً

، وأنا لو شايف إن فيه أمل ولو حتي 5% مكنتش هستني سيادتك تطلب مني ده وكنت هتحرك بأقصي سرعتي علشان نلحق ننقذه.

وأكمل بنبرة متأثرة :

_ ياريت يا سيادة اللوا تجهزوا نفسكم لكل الإحتمالات،ولو حابين تودعوه لآخر مرة إتفضلوا

 

نظر له ياسين مصدوماً وأردفَ قائلاً بذهول:

_ إنت بتقول أيه! لاء ! رائف لاء!

 

وتحركَ مسرعاً بإتجاه غرفة العناية الفائقة المتواجد بها رائف وخلفهٌ أباه يجر ساقيهِ بتألم .

 

دلفا إثنتيهم وجدا رائف برأسٍ مٌضمده بالشاش وعيناي متورمة من تأثير الحادث، موصل بأجهزه تنفس،وأسلاك مٌتصلة بالقلب وجميع أجهزة جسده !

 

جري عليه ياسين وأمسك راحة يده قائلاً بقوه مطمأنً إياه :

_متخافش ياحبيبي، هتبقي كويس إحنا جنبك ومٌش هنسيبك أبداً .

 

قبل عز جبينه وتحدث بصمود وقوة يحاول أن يظهر بهِما أمامه:

_ أنا هسفرك بره يا رائف ،أنا إتصلت بطيارة مٌجهزة وهنقلك حالاً وهتبقي كويس جدآ

واستطرد ليُطمئن رعبهُ:

_إوعي تخاف يا إبني .

 

فتح عيناه ببطئ وشدد علي يد ياسين المٌمسكة بيده،ونطق رائف كلمات محددة قائلاً ببطئ وتلعثم:

_ياسين،قول لمليكة تسامحني ،وخلي بالك من أٌمي وولادي

ولفظ كلماتهُ الاخيرة:

_ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله

ثم أغمض عيناه للأبد.

 

وبدأت الأجهزة الموصولة بقلبه بالتصفير ،معلنتاً عن توقف القلب وللأبد

 

حضرَ الأطِباء سريعً لينعشوا القلب مرةً أٌخري ،حالة من الهرج والمرج أصابت الأطباء وطاقم التمريض داخل الغرفه، كان عز ينظر لإبن أخيه الغالي برعبٍ وعيون جاحظة مترقبة بقلبٍ يتأمل في وجه الله الكريم، ولكن أمر الله قد نفذ وما بأيدينا لنفعله، كل نفسِ ذائقة الموت واللهم لا إعتراض.

 

نظر ياسين إلي رائف ونزفت دموع قلبه قبل عيناه، لقد فقد للتو أخاه الذي لم تلدهٌ أمه، صرخ ياسين بإسمه وقد تخلي عن شخصيتهٌ الصارمة وهيبتهِ أمام تلك الفاجعةِ الكٌبري

 

نظر لأباه وجده ولأول مره يذرف الدمع بحزن وأنكسار، جري عليه وأحتضنه ليشدد من أزره ،ولكن من يهون عليه تلك المصيبة، فإنه رائف، زينة شباب العائلة وفخرها ،ولدهٌ الذي رباه وأعتبرهٌ عوضاً له عن أخاه الذي إفتقده مٌبكراً

 

نظر لهما الطبيب ونكس رأسه بأسف وتفوه:

_ أنا آسف يا سيادة اللوا، البقاء لله.

 

هٌنا لم يتمالك عز حاله ،ارتجفت ساقيهِ وكاد أن يسقط أرضاً لولا يداي ياسين التي سبقتهٌ وأسندته ، وفي تلك اللحظة أتي إليهم طارق المصدوم ودكتور أحمد طبيب النساء والتوليد إبن عمهما، وعمهِ عبدالرحمن الأخ الأصغر لعز،

 

وباقي عائلة المغربي حيث إنتشر ذاك الخبر المشؤؤم كالنار في الهشيم !

 

_جري عليه طارق مٌحتضنآ إياه بصراااخ يٌدمي القلوب وتحدث :

_راااائف، قوم يا حبيبي، قوم يأ أخويا، سايبني ورايح فين ده أنا مليش غيرك ؟

طب هحكي لمين أسراري يابير أسراري؟

قوم يا شريكي يارفيق عمري متسبنيش لوحدي .

 

كان يبكي ويصرخ كطفلٍ في المهدِ فقد أباه !

 

ربت عمهٌ عبدالرحمن علي كتفهِ وأسندهٌ وأخرجوهم الأطباء عنوةً عنهم ،ليستكملوا إجراءات تجهيزهٌ حيثُ مثواهِ الأخير

 

____

 

داخل منزل ثٌريا،كان الصغير يبكي بشده وعلي غير العاده وينطق بإسم أبيه

وكأن قلبه الصغير يشعر بأنه فقد سنده وعزيز قلبه، كانت ثريا تحملهٌ وتتمشي به في بهو الفيلا وتهدهده وقلبها يشعر بإنقباض لا تدري مصدرة

 

نظرت مليكة بتألم لصراخ صغيرها وملست فوق رأسه بحنان قائله:

_مالك بس يا حبيبي؟ فيك أيه ؟

 

صرخ الصغير من داخل أحضان جدتهُ وتحدث:

_ باباااااا ،أنا عاوز بابا

 

وجهت ثريا حديثها إلي مليكة:

_إدخلي يا مليكة جهزي له أكله يمكن يكون جعان، وأنا هحاول أكلم رائف فيديو كول يمكن يهدي شوية لما يشوفه، يارب بس يٌرد .

 

أطاعتها مليكة ،ودلفت إلي المطبخ لتجهز وجبة صغيرها ،كانت ترتدي ثوبًا قصيرآ طالقة لشعرها العنان فوق ظهرها بمظهرٍ ساحر ،مٌتزينة بأجمل صورها ككٌل يوم لإستقبال زوجها الذي أوشك ميعاد وصولهٌ اليومي .

 

ولكن قلبها كان مٌحمَّل بالهموم ،وشعور سيئ قد إجتاح قلبها لا تعرف مصدره، لكنها فسرت هذا الشعور السيئ لصراخ الصغير وضِيق صدرها لأجله.

 

تحدثت عَليه إليها بإحترام:

_أجهز السفره يا ست مليكة ؟

 

ردت مليكه بتشتٌت:

_هو الأكل خٌلص يا داده ؟

 

ردت عَليه بإيماء:

_ أيوه يا بنتي خٌلص وطفيت النار عليه .

 

تحدثت مليكة بنبرة هادئة:

_ طب جهزي السفرة وحطي السلطات، وما تخرجيش باقي الأكل غير لما يجي رائف بيه علشان ما يبردش

وأكملت بإبتسامة هادئة:

_ما إنتي عارفه يا داده، رائف بيحب الأكل يكون سٌخن.

 

أمائت لها عَليه بطاعة وتحركت .

 

إنتهت من تحضير طعام صغيرها وخرجت للردهة في طريقها إلي ثريا، وجدت ياسين يقف في وجه ثريا والدموع تملئ عيناه، كادت أن تتراجع سريعاً للخلف لإختباء جسدها منهٌ، وذلك لعدم إرتدائها الزي الشرعي،

 

حدثت حالها بتعجب:

_ولكن كيف لياسين أن يأتي هكذا وبدون إستأذان؟!

هو يعلم جيدآ أنني محتشمه في ملابسي وأرتدي حجاب ، لذا أي رجلٌ من العائله يريد المجيئ يهاتف عًليه من خارج البوابه أولاً !

 

كادت أن تتراجع حتي شاهدت دخول منال وليالي وجيجي من باب الفيلا وهم يذرفون الدموعَ بحرقه وألم، أخذت جيجي الصغير الذي زاد نحيبه وصراخه وخرجت به إلى الحديقه .

 

إستمعت إلي ثريا وهي تصرخ بعلو صوتها:

_إنتَ بتقول أيه يا ياسين ،بتقول ايه ؟

رائف لا، قول لي ابني فيه أيه بالظبط ؟

 

وقع إناء طعام طفلها من بين يديها وتحول لمائة قطعه مٌتناثرة

 

مما جعل الجميع يحول أنظاره عليها في فزع !

هٌنا جرت إلي ياسين الواقف كتمثال الشمع لا يتحرك منه شيئ سوي تلك الدموع التي تنهمر من عيناه بغزاره

 

أمسكته من تلابيب بدلته وصاحت متسائلة بذعر :

_إنت بتعيط ليه يا أبيه؟

 

وأكملت وهي تتلفت حولها بعيناي زائغة:

_ ورائف فين مجاش معاك ليه ؟

إنتَ ساكت ليه؟ رد علياااااا

 

هٌنا لم يتمالك حاله وبكي بحرقة من أعماق داخلهْ،أخذها هي وثريا بين أحضانه وتحدث بنبرات متقطعة :

_ رائف راح للي أغلي وأحن عليه مننا كلنا.

 

انتفضت من بين أحضانه وهي تصرخ وتدفعهٌ عنها بشده وعنف جعلهُ يتهاوي :

_إسكت يا أبيه متقولش كده إسكت، إنت بتكذب ليه قولي؟

 

وهٌنا أتت يسرا من الداخل مهرولة بصراخ لما إستمعت لهٌ

لم تستطيع ثريا تحمل خبر فقدان صغيرها وعزيز عيناها، وقعت أرضاً ، أمسكها ياسين قبل أن تلامس رأسها الأرض ،

حملها وأدخلها إلي غرفتها

وسط صراخ وعويل من الجميع حتي أطفال المنزل،

وبلحظه تحول المنزل إلي حاله من الذعر والصراخ

 

إتصلت منال بطبيب العائلة ليطمئنوا علي ثريا،

أما مليكة المٌتصلبه بمكانها فكان الذهول وعدم التصديق لما جري وإنكاره هم سيد موقفها ! فقد كانت تهز رأسها بنفي وتكتم فمها بيدها بذهول.

 

في نفس التوقيت دلفت من الباب والدتها وهي تتلفت بلهفة تبحث بعيناها عن إبنتها ،وجدتها تقف وحيدة شاردة ،جرت عليها هي وأبيها وشريف ،

 

أسرعوا إليها جميعاً ليقفوا بجوار إبنتهم في مصيبتها تلك ،

 

_إحتضنتها سهير وتحدثت بدموع وألم :

_مليكة حبيبتي، البقاء لله يا قلبي، ربنا يصبرك علي مصيبتك الكبيره يا بنتي.

 

دفعتها مليكه بقوه وهي تصرخ بإنكار شديد:

_إنتي بتقولي أيه يا ماما،حتي إنتي كمان هتتكلمي زيهم، رائف لايمكن يتخلي عني ولا يسبني، رائف عارف كويس أوي إن حياتي من بعده مستحيله

 

مستحيله يا بابا، كانت تنظر لأبيها بإنكار وتهز رأسها برفض.

 

أخذها والدها بين أحضانه في محاولة منه لتهدأتها :

_إهدي يا مليكه، إنتي مؤمنة بربنا وقدره يا بنتي، إدعي له بالرحمه .

 

صرخت بكل ما أوتيت من قوه ووضعت يديها علي أذنيها برفض وهي تصرخ :

_ كفااايه! حراااام عليكم، إنتوا ليه بتقولوا كده علي حبيبي؟

بتفولوا ليه عليه ليه كده يا بابااا، لييييه ؟

 

خرج ياسين من غرفة ثريا ليستعجل حضور الطبيب حتي يري زوجة عمهِ الغائبة عن الوعي .

وجدها تصرخ وتتألم بوجع ،

 

ذهب إليها بدموعه وأمسك يدها وتحدث :

_ إهدي يا مليكة متعمليش في نفسك كده،إهدي علشان خاطر أولادك ،إدعي له، إدعي له حبيبي ربنا يرحمه ويثبته عند السؤال .

 

تشبثت بيدهِ سريعً وكأنها وجدت طوق نجاتها، و نظرت داخل عيناه وتحدثت بترجي :

_ قولي الحقيقه أرجوك ياأبيه، إنت مبتكذبش أنا عارفه، إنت شوفته ؟

 

وأكملت بتيهه ورفض للواقع :

_هو بجد ولا ده واحد شبهه ؟

طب مش مٌمكن تكون عربيه تشبه عربيته ؟

مٌمكن كمان يكون كويس، أو حتي مٌمكن يكون كان عنده إغماء وفاق في المستشفي بعد ما سبتوه ومشيتوا ؟

 

_هنا أمسكت راحة يد ياسين وهي تسحبهٌ خلفها بقوه:

_ يلا وديني عنده أنا هعرف أفوقه ،رائف أول ماهيشوفني صدقني هيقوم وهييجي معايا علشان أولاده.

 

أوقفها ياسين وتشبث بيدها متحدثاً بدموع وعيون راجيه:

_ مليكة

 

_هٌنا صرخت بقوه و صاحت برفضٍ تام:

_ ماهو ما تحاولش تقنعني إن رائف مٌمكن يسيبني أنا ومروان وأنس ويمشي بسهولة كدة؟ واستطردت بنبرة رافضة:

_ده يبقي أناني أوي

 

وأكملت بحنين وضعف أدمي قلوب الحاضرين:

_ورائف عمره ماكان أناني .

 

أخذها والدها بحضنه وهو يشدد عليها ويحاول إحتواء هلعها وذهولها وصراخها ،

 

وهٌنا لم تعٌد تتحمل وأخرجت صرخة من أعماق قلبها زلزلت بها جميع أركان المنزل.

 

كان قلب ياسين يذرف دماً علي رائف ومليكة وطفليهما وعمتهِ ويسرا

ونرمين التي حضرت وهي تصرخ غير مستوعبة لما جري والذنب يتأكل قلبها، وتتسائل بين حالها، هل لها دخل بما حدث لأخيها ؟

 

كان الحزن والصدمة والذهول يسيطروا علي الجميع ،

مضي الجميع ليلة حزينة كئيبة .

 

مرَ الوقت ودُفن فقيدهم ودٌفنت معهٌ أحلام وأمال وحياة زوجة وأطفالها ،دٌفنَ معهٌ قلب عاشقة وحبيبه تركها حبيبها وسط ليالي كالحة حزينة

 

دٌفنَ ودُفن معهٌ قلب أم مكلومة علي صغيرها الوحيد وسندها في دنياها ،صغيرها التي كانت تأمل أن يواريها إلي مثواها الأخير ،وإذا بها هي من تودعه وتوصله لنهاية مشواره !!

 

دٌفن ودٌفنَ معهٌ سند يسرا وظهرها التي تتكأ عليهِ هي وصغيريها في الحياة،

 

دٌفنَ ودٌفنَ شبابهٌ وأحلام ورديه كانت بإنتظاره ليحققها

 

كانت ليله حزينة، الحزن خيم علي حي المغربي بأكمله، فقد واروا للتوِ تحت الثري خير شبابهم وأكثرهم ٱخلاصًا وأخلاقًا وأدبَا،

 

ولكن ماذا عساهم يفعلون؟ فتلك هي إرادة الله ، سبحانه وتعالي من له الدوام .

 

في المساء ،كانت غافية فوق تختها تتأوه بألم وتهذي بإسمه بخفوت، بعدما حقنها الطبيب بجرعة منوِم وذلك ليسيطروا عليها من شدة صراخها الهيستيري وألمها .

 

مسحت والدتها علي شعرها بحنان وهي تبكي علي ما أصاب صغيرتها ،

 

حقآ هي ليست حزينة فقط علي إبنتها ،بل حزينة علي رائف فهو كان نعم الزوج الصالح لإبنتها ،حزينة لأجل شبابه وطفليهِ اللذان أصبحا بلا أب ولا سند .

 

تحدثت سلمي صديقتها بحزنٍ ودموع:

_ مليكة تعبانة أوي يا طنط ،هنعمل أيه لما تأثير المنوم ده يروح ؟

 

أجابتها سٌهير بدموع وأنكسار:

_ ربنا يتولاها برحمته يا سلمي ويهون عليها .

 

تحدثت سلمي بدموع وشرود :

_ أنا بجد مصدومة ومش قادرة أصدق ولا أستوعب الخبر، معقوله رائف خلاص مبقاش موجود بينا،،طب ومليكة إزاي هتقدر تكمل حياتها من غيره ؟

 

واسترسلت بنبرة متألمة وهي تنظر إلي تلك الغافية:

_اااااه يا مليكة، ربنا يصبرك ويقويكي علي اللي جاي يا قلبي .

 

◇◇◇◇¤◇◇◇◇

 

في الصباح كانت الفيلا تأجٌ بالنساء اللواتي أتين لتأدية واجب العزاء ،،كانت ثريا تجلس لتلقي العزاء في فقيدها بصبرٍ وإيمان، وبجانبها إبنتيها وجميع نساء العائلة،، والكل يتسائل عن مليكة،،أين هي مليكه ؟

 

كانت مٌستلقيه بفراشها كالموتي تتوجع وتنتحب بصمت ناظرة لسقف غرفتها ، فقد رفضت بشدة النزول لأخذ عزاء زوجها، فحقاً لم تستطع،

فروحها تتألم بشدة وكل ما تحتاجه هو الإبتعاد عن البشر والإستلقاء كالموتي، جسدٍ بلا روح فقد ذهبت روحها معه وتركتها.

 

كانت والدتها وسلمي وجيجي يجاوروها ،ينتحبن بدموع الألم علي الحال التي وصلت إليه تلك العاشقة الموجوعة

 

أما نرمين التي إنتابتها حالة بكاء هيستيرية ورعب،،كان الذنب يتأكلها،وكلما تذكرت ماتفوهت به لشقيقها تصيبها حالة من الإنهيار وتصرخ وتبكي بشده

 

كانت نساء العائلة يشفقن علي تلك الشقيقة الحنون التي كادت تٌجن من فراق شقيقها الغالي،

ولا أحد يعلم كم الشر التي صنعتهٌ بأيديها تلك اللعينة لذلك المسكين

 

◇◇◇◇¤◇◇◇◇

 

مضي إسبوع علي تلك النكبة،، ومازالت أجواء الحزن تٌخيم علي المكان والجميع،

 

مضي إسبوعاً لم تري فيه الشمس ولا الضوء ،، حبيسة غرفتها المٌظلمه ،،تأخذ طفليها داخل أحضانها وتشتم بهما رائحتهٌ ،،ناظره إلي أنس نسخة أبيهِ المٌصغره .

 

دلف لداخل المنزل وجده خالي من الجميع وكأنهٌ أصبح مكاناً مهجوراً

 

أتت إليه عَليه من المطبخ بوجهِ حزين مرحبةً به بخفوت :

_أهلا يا ياسين بيه ،إتفضل يا أبني .

 

نظر لها ياسين بوجهِ يكسوه الهم والشجن وتحدث بنبرة خافتة :

_إزيك يا عَليه .

 

أجابتهٌ بهدوء:

_بخير يا بيه الحمدلله .

 

نظر لها ياسين وتحدث بتساؤل:

_ أومال فين عمتي ومليكة ويسرا والولاد ؟الفيلا فاضية كده ليه ؟

 

أجابتهٌ عَليه والحزن يكسو ملامحها والدموع تغيم علي مِقلتيها:

_ماهو ده بقا حال البيت من يوم فراق الغالي،الست ثريا قاعدة في أوضتها مبتخرجش، يا إما بتصلي يا إما بتقرأ قرأن والدموع ما بتفارقش عنيها من يوم إللي حصل .

 

أكملت بتألم :

_ومدام مليكة حابسة نفسها فوق في جناحها وواخدة عيالها في حضنها مبتسبهومش لحظة واحدة

والست يسرا كذلك الأمر، يا إما جوة عند والدتها بتتحايل عليها تاكل أي حاجة علشان تاخد الدوا، يا إما في أوضتها بتعيط علي الغالي إللي سابنا وراح .

 

وهنا نزلت دموع عَليه علي خديها قائلة بنبرة حزينة :

_البيت بقا وحش أوي من غير الغالي يا ياسين بيه

 

وضع ياسين يدهٌ علي كَتف عَليه مربتً عليها بحنان وتحدث :

_ ربنا يهون علينا كلنا يا عَلية ،مصيبتنا في رائف كبيرة أوي .

 

ثم نظر لأعلي الدرج وتحدث مستفسراً :

_ هي مليكة مابتنزلش خالص يا عَليه؟

وأكمل موضحً:

_أنا اصلي مشفتهاش من يوم الدفنه !

 

أجابتهْ بحٌزن:

_لا مبتنزلش يا باشا،ده حتي سالم بيه كان هنا إمبارح وطلعت مٌني تديها خبر علشان تنزل له، رفضت وقالت لها إن رجليها مش شيلاها ومش قادرة تتحرك ، فسالم بيه طلع لها .

 

إنزعج بشدة من حديثها وتحدث بهلع ظهر بعيناه:

_يعني ايه رجليها مش شيلاها؟

 

وتساءل:

_ أوعي تكون تعبانة يا عَلية ؟

 

هزت رأسها نافيه وأجابتهْ بهدوء :

_يا ياسين بيه دي رافضة الأكل من ساعة إللي حصل،،دي يدوب عايشة علي صباع بقسماط أو كوباية عصير ست سٌهير بتضغط عليها بيها، فطبيعي يحصل لها ضٌعف ،،إن شاء الله تعدي محنتها علي خير وهتبقي كويسة .

 

تنهد بألم وأسي وتحدث:

_طب أنا هدخل لعمتي أطمن عليها .

 

أجابتهْ عَليه بإحترام وهي تمسح دموعها:

_ إتفضل يا باشا وأنا هعمل لحضرتك القهوة وأدخلها لك .

 

ذهبت عَليه إلي المطبخ لتصنع لياسين قهوتهٌ

 

دق ياسين علي باب ثريا للإستئذان منها للدخول ،،وبعد مده قصيره سمع إذنها له،،ففتح الباب ودلفَ للداخل،،

وجدها جالسة فوق مقعد بجانب الشرفة المٌطله علي حديقة المنزل وتمسك بيدها كتاب الله العزيز (القرأن الكريم ) وهي تصدق وتقبلهٌ بإحترام وتضعهٌ بجانبها علي الكومود .

 

نظرت له بحنان وتحدثت بعيون ذابلة وصوتٍ ضعيف ووجهٍ شاحب كشحوب الموتيَ:

_تعالي يا ياسين .

 

ذهب ياسين إليها وجثيَ علي ركبتيهِ تحت قدميها وأمسك يدها وقبلها بإحترام

وتحدث بحنان:

_عامله أيه يا عمتي إنهارده ؟

 

تنهدت ثريا بألم وتحدثت بيقين :

_ الحمدلله علي كل حال يا ياسين .

 

نظر لها ياسين بحزن وتساءل :

_ حابسة نفسك ليه كده يا حبيبتي؟ تعالي نتمشي أنا وإنتي شوية في الجنينة علشان تمشي رجليكي وصحتك متتأثرش .

 

أجابتهٌ بدموع أم مكلومة علي صغيرها الغالي:

_ وايه أهمية صحتي يا ياسين؟

وأكملت بنبرة بائسة:

_ ماراح إللي كنت بخاف علي صحتي علشان ميزعلش عليا

 

ثم تحدثت بدموع :

_ رائف خلاص راح وسابني لوحدي، سابني زي أبوه ماسابني زمان ،سابني أنا وولاده ومراته وأخواته من غير لا سند ولا ضهر

 

ونظرت لهُ مٌتسائله بذهول:

_ هو خلاص كده يا ياسين، مش هشوفه ولا هسمع كلمة ماما منه تاني ؟

 

كانت تتحدث بحرقة ودموع تنزف من قلبها قبل عيناها

 

قَبل ياسين يديها وتحدث بتألم :

_ليه بتقولي كده يا عمتي؟ طب وأنا روحت فين يا حبيبتي، أنا راجلكم وسندكم وضهركم، ربنا يقدرني وأقدر أعوضكم عن غياب رائف

 

وأكمل مٌفسراً :

_ أنا عارف ومتأكد إني مش هقدر أعوضك عن الغالي ولا حتي الدنيا كلها تعوضه، لكن إسمحي لي أقف جنبكم وأكون سند ليكم يا ماما .

 

نظرت له بحب وهي تستمع له وهو ينطق ماما لأول مرة

 

نظر لها بحنان وتساؤل :

_تسمحي لي أقول لك يا ماما ؟

 

وأكمل بإبتسامة خَافتة مٌداعبً إياها :

_أنا عارف إنك أصغر من إن واحد في سني يقولها لك ، لكن أنا بقا حابب أقولها .

 

إبتسمت بخفوت من بين دموعها وربتت علي كَتفهِ قائلة:

_طب ماأنت فعلآ إبني يا ياسين وغالي أوي علي قلبي ،،

طول عمرك كنت نعم الأخ والسند لرائف، ربنا يبارك فيك وفي أولادك يا حبيبي .

 

وقف مٌنتصب الظهر ،،وأمسك بيدها وأوقفها قائلآ :

_ طب لو أنا فعلاً غالي عندك زي ما بتقولي كدة تعالي أخرجي معايا نتمشي في الجنينة

وأكمل بنبرة حماسية:

_وأنا هخلي عَليه تنده لأولاد رائف يقعدوا معاكي

 

وأكمل ليحثها علي الخروج :

_أقعدي يا أمي ونوري بيتك من تاني ،البيت بقا وحش ومضلم أوي

 

وأكمل لإقناعها:

_طب لو مش علشانكم يبقي علشان خاطر ولاد رائف،،

مروان وأنس بقوا محبوسين طول الوقت ووشهم بقا أصفر وحزنكم واصل لهم وطفيهم،

حرام كده يا ماما .

 

وأكمل بإحترام :

_ حضرتك ست مؤمنة وموحدة بالله وراضية بقضائه،،إحتسبيه عند ربنا وأدعي له وأطلبي من ربنا الصبر .

 

أجابته وهي تهز رأسها بإيماء والدموع تنهمر من عينيها بغزاره :

_ونعم بالله يا حبيبي، ونعم بالله .

 

خرجا معآ وأحضر ياسين أولاد رائف ويسرا وجلس في الحقيقه وطلب لهم وجبات طعام جاهزه (دليفري) المفضل لدي الأطفال،، ليدخل علي قلوبهم السعادة ولو قليلآ .

 

◇◇◇◇¤◇◇◇◇◇

 

في اليوم التالي

 

دلف عز إلي منزله وجد منال زوجته،وليالي تجلستان سوياً وتضحكان وهما تشاهدتان فيلمً كوميدياً ! شعر عز بغصة مرة إقتحمت قلبه وحزن علي مشاهدتهِ لزوجتهِ وزوجة إبنه الغير مبالين بما تعيشهٌ العائلة بأكملها من حزن علي فقيدهم الغالي

 

خطي بساقية مهرولاً نحوهم بغضبٍ وأمسك بجهاز التحكم وأغلقه وألقاهٌ فوق المنضدة بعنف

 

نظرت له منال وتحدثت بضيق وغضب:

_ أيه يا عز البواخة دي، إزاي تقفل التي في كده وإحنا بنتفرج ؟

 

نظر لها عز بغضب قائلاً بنبرة ساخرة :

_ أنا أسف علي بواختي يا هانم،لكن إللي أفظع من البواخة هي قلة التقدير وعدم الإحساس بالغير

 

وأكمل مٌعنفاً إياهما :

_أظن عيب أوي يا منال هانم لما يبقي إبن أخويا متوفي من كام إسبوع وإسكندرية كلها لسه في حداد عليه وعلي شبابه،

وإنتي قاعدة إنتي وبنت أخوكي تتفرجي علي أفلام كوميدي وضحككم جايب لأخر الجنينة

 

وأكملَ بنبرة غاضبة :

_طب إحترموا حزني علي إبن أخويا إللي كان بمثابة إبني ،بلاش دي،علي الأقل إحترموا شكلكم قدام عمال البيت

 

تحدثت ليالي قائلة بإحراج :

_ والله يا عمو أحنا لسه جايين من عند طنط ثريا ،إطمنا عليها هي ويسرا ومليكة وجينا ، ومن كتر الزهق والكأبة وإننا بقا لنا فتره مش بنخرج ،قولنا نشغل حاجة كوميدي نفك بيها الزهق والحزن شوية

 

أجابها عز بضيق وحده:

_ أهو ده كمان إللي ناقص يا ليالي هانم إنكم تخرجوا وتتفسحوا

 

وأكمل ساخراً بتهكم:

_ أقول لك، إبقوا روحوا ديسكو بالمره وأرقصي إنتِ وعمتك

 

إنتفضت منال من جلستها واقفة بعنف وتحدثت بنبرة حادة:

_ هو فيه أيه بالظبط يا عز ؟ إنتَ بتدور علي أي مشاكل والسلام ،ما البنت قالت لك كنا لسة عندهم

واستطردت قائلة بنبرة متهكمة:

_ولا هو المطلوب مننا إننا نفضل قاعدين هناك في وسط الغم والحزن ده ونندب معاهم بالمره؟

 

نظر لهما عز وتحدث بحزن ويأس:

_ لاء طبعآ يا مدام مش مطلوب منكم كده، لكن علي الأقل تقدروا حزني أنا وولادي علي إبن أخويا

 

وأكمل متسائلاً بتهكم:

_ أه، وبمناسبة ولادك يا منال هانم، تقدري تقولي لي إنتي فين في حياتهم اليومين دول ؟

 

مش المفروض إنك تكوني دايمآ جنبهم ومسنداهم،إنتي ناسية إن اللي مات ده كان أخوهم ولا أيه ؟

 

تفوهت سريعآ بنبرة غاضبة :

_ بعد الشر،إيه أخوهم دي كمان، ما تنقي ألفاظك يا سيادة اللوا،،إنتَ بتفول علي إبني في غربته ؟

 

أجابها عز بتهكم :

_ إبنك! إبنك إللي مكلفش خاطرة يحجز وينزل يحضر جنازة إبن عمه ويعزيني ويعزي مرات عمه وبنات عمه !

 

دي أخته شرين طلعت أرجل منه،،حجزت في نفس اليوم وسابت ولادها وجوزها ،،ونزلت علشان تقف معانا وتواسينا .

 

تحدثت منال بتبرير لصغيرها المدلل :

_ يعني كنت عاوزه يسيب دراسته ويهملها وينزل يا عز ،وبعدين ما هو ياحبيبي إتصل فيديو كول وكلمهم كلهم ،،ماعدا مليكة علشان كانت حابسة نفسها ورافضة تتكلم مع حد

 

حدثها عز بنبرة ساخره :

_ لا والله كتر خيره وخيرك، لا طبعآ ميصحش يهمل دراسته إللي بياخد فيها السنة في سنتين !

 

وأكمل معنفاً إياها:

_ فضلتي تدلعي فيه لحد ما فسدتيه، ربنا يستر وما يجلناش بكره بمصيبة ،الحمدلله إني كنت بشرف علي تربية ياسين وطارق وطلعتهم رجالة

 

قال كلماته الغاضبة وتركهما بغضبٍ وصعدَ للأعلي ليأخذ حمامه التي أشرفت علي تجهيزهٌ إحدي العاملات .

 

أشارت منال بيدها بغضب بعد صعوده وتحدثت بضيق وجه مكفهر:

_إيه القرف ده ،راجل نكدي،مينفعش يشوفني مبسوطة غير لما ينكد عليا

 

تحدثت ليالي وهي تضحك بكبرياء:

_بصراحة يا عمتو، عمو عز ده أوفر أوي ،مش بس هو، لاء، دي عيلة المغربي كلها أوفر بطريقة رهيبة

 

وأكملت بتعالي وتعجب :

_دي مامي مش مصدقة إننا لسه مش بنخرج ونسهر لحد الوقت ،بتقول لي دول ناس بلدي ودقة قديمة أوي.

 

أجابتها منال بحنق:

_هنعمل أيه بس يا لي لي ،هما أه دقة قديمة ومتمسكين بالعادات والتقاليد الفارغة، لكن متنسيش إنهم من أكبر وأعرق وأغني عائلات إسكندرية، وشرف لأي حد يدخل وسطهم

 

وأكملت وهي ترفع قامتها لأعلي:

_علشان كده أصريت إني أجوزك ياسين وتنضمي معايا لعيلة المغربي

 

ضحكتا معآ وأشعلت التي في من جديد وجلستا تشاهداه وتضحكا بشدة وكأن شيئً لم يكن

 

تٌري ما الذي تحملهٌ الأيام القادمة لتلك المليكة وطفليها ؟؟

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل حاجب الإعلانات لتستطيع تصفح الموقع